عرض مشاركة واحدة
  #34  
قديم 13-07-2020, 02:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (34)

صـــــ263 إلى صــ275


[باب نواقض الوضوء]

أما الدليل الثاني: فحديث عمرو بن حزم، وهو حديث تلقته الأمة بالقبول كما صرح بذلك الأئمة كالحافظ ابن عبد البر، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام ابن القيم، وغيرهم رحمهم الله، وهو كتاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لأهل اليمن وفيه:
[أَنْ لا يمس القرآنَ إلا طاهر] وقوله: [إلا طَاهِر] أي متوضئ، فدل على إشتراط الطهارة لمس المصحف،
وقد اعترض على هذا الإستدلال بأن قوله:
[إلا طاهر] يعنى به المسلم أي: أنه مسلم، وليس بمشرك، وهذا الإعتراض مردود،
لأنهم فهموا من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
[إن المؤمن لا ينجس] أن الكافر هو النجس، فهو الذي يوصف بكونه غير متطهر، فيكون قوله: [إلا طاهِر] المراد به تحريم مسِّ الكافر للقرآن، وهذا غير صحيح،
لأن الشرع دلّ على وصف المسلم بكونه على غير طهارة كما في قوله سبحانه:
{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}،
وقوله عليه الصلاة والسلام لأم سلمة رضي الله عنها:
[ثم تُفيضينَ الماء على جَسدك فإذَا أَنتِ قَدْ طَهرت]، وهذان النصان يدلان على أن الطهارة منتفية عن الجنب المسلم، وأنه بفعلها صار متطهراً، فدل على جواز وصفه بكونه على غير طهارة، وأن نفي الطهارة وإثباتها جائز في حقِّ المسلم،
وقد جاء هذا صريحاً في قوله عليه الصلاة والسلام:
[إِني كُنْتُ عَلى غيرِ طَهارة] فإذا تبين أنه لا تلازم بين الوصف بالنجاسة، والوصف بغير الطهارة، وعليه فيكون الإعتراض على حديثنا بحديث أبي هريرة مردوداً بثبوت السنة بجواز وصف المسلم بكونه على غير طهارة،
فيكون قوله:
[إلا طاهر] المراد به المسلم المتطهر، دون من كان عليه حدث.
الدليل الثالث: ما روى مالكٌ في الموطأ: عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه كان إبنهُ يقرأ عليه القرآنَ، والمصحف بين يديه،
قال ابنه:
فتَحكّكتُ فقال لي أبي: (لعلّك لمَسْتَ أي: لمَستَ ذَكَركَ؟ قال: نعم. قال: قم فتوضأ) فدل على أنه كان معروفاً ومعهوداً عند الصحابة رضي الله عنهم أن مس المصحف لا يكون إلا للمتوضِّئ؛ لأنه كان يقرأ، والمصحف بين يديه، فهذا يدلّ على أن هدي الصحابة -رضوان الله عليهم-، والسلف الصالح الأمر بالوضوء لمس الصحف.
قوله رحمه الله: [والصّلاةُ]: أي: ويحرم على المحدث الصلاة،
لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} فأمر الله بالوضوء للصلاة، وفرضه على عباده فدل على عدم جواز الصلاة بدونه، ولأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال كما في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: [لا يَقْبلُ الله صَلاةَ أحَدِكُم إِذَا أَحْدَثَ حَتّى يَتوضأ]، وهذا التحريم عام لجميع الصلوات فريضة كانت، أو نافلة،
لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث علي رضي الله عنه الصحيح:
[مِفْتَاحُ الصلاةِ الطُهُور] فدلّ على أن الصلاة لا تجوز بغير طهارة، وهو عام في جميع الصلوات، فريضة كانت، أو نافلة.
قوله رحمه الله: [والطَّوافُ] بالبيت أي ويحرم على المحدث أن يطوف بالبيت؛ لما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال:
[الطوافُ بالبيْتِ صَلاةٌ] فأعطاه حكم الصلاة، فدلّ على أنه يجب له الوضوء، وهذا هو مذهب جمهور العلماء أن الطواف بالبيت تُشترط له الطهارة؛ لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نزّله منزلة الصلاة، فيؤمر بالوضوء له؛ كما يؤمر للصلاة.وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنه لا تشترط الطهارة للطواف، وهو مذهب مرجوح.ومن الأدلة على اشتراط الطهارة ما ثبت في الصحيح عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أنه قال لعائشة رضي الله عنها لما حاضت:
[إِصنَعِي مَا يَصْنَعُ الحاجُّ غَير أَنْ لا تَطُوفِي بِالبيْتِ] فحرم عليها أن تطوف، وأمرها أن تغيّر نسكها من التمتع إلى القران بسبب وجود الحدث المانع من صحة الطواف، وهذا يدلُّ على أنّ الطواف بالبيت تُشْترط له الطهارة، ولأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما طاف بالبيت إلا متوضّئاً، كما ثبت في صفة طوافه في حديث جابرٍ، وعائشةَ رضي الله عنهما، والله تعالى أعلم.
[باب الغسل]

قوله رحمه الله:
[الغسل] الغسل في اللغة: هو صبّ الماء على الشيء،
وأما في اصطلاح الشرع:
(فتعميم البدن بالماء بنية مخصوصة)، وبهذان الوصفان يتحقق الغسل المأمور به شرعاً، وقولهم: " بنيةٍ مخصوصةٍ " المراد بها نية التقرب إلى الله مع قصد رفع الحدث،
وهذا هو مذهب الجمهور:
أن الغسل تُشترط فيه نيّةُ رفع الحدث،
وخالفهم الحنفية كما تقدم في الوضوء وزاد المالكية وصفاً ثالثاً:
وهو الدَّلك، ومرادهم إمرار اليد على الجسد أثناء الغُسل، وظاهر الكتاب، والسنة يدلان على عدم إشتراطه،
فقوله سبحانه وتعالى:
{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} يقتضي الحكم بالطهارة بإصابة الماء لظاهر الجسد، دون إشتراط أمر زائدٍ،
وهو الدّلك وأكّدت ذلك السنة كما في حديث أم سلمة رضي الله عنها في الصحيح أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لها:
[إنما يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثي عَلى رَأسِك ثَلاثَ حَثَياتٍ، ثُمَّ تُفيضينَ الماءَ عَلى جَسَدِكِ، فإذا أَنتِ قَدْ طَهُرتِ]، فبيّن عليه الصلاة والسلام بقوله: [تُفِيضِينَ الماءَ عَلى جَسَدِك] أن العبرة بوصول الماء إلى ظاهر الجسد، ولم يشترط أمراً زائداً عليه، وهو الدَّلك، وهذا هو الراجح.
ومحل الخلاف بين القولين:
إذا أمكن وصول الماء إلى ظاهر الجسد من دون دلك، أما لو كان وصول الماء إلى ظاهر الجسد لا يتحقق إلا بالدّلكِ كما في حالة قِلّة الماء فإنه يجب الدّلكُ عند الجميع، لأن الجمهور يرونه في هذه الحالة مستثنى لتوقف الواجب عليه، وما لا يَتمُّ الواجبُ إِلا به فهو واجب.
قوله رحمه الله: [باب الغُسل]: الغسل عبادة شرعية شرعها الله -جل وعلا- وأوجبها على الجنب، والحائض، والنفساء، ونحوهم ممن هو مأمور بالغسل، والعلماء -رحمهم الله- من عادتهم أنهم يذكرون باب الغسل في كتاب الطهارة؛
والسبب في ذلك: أن الغسل طهارة كُبرى فبعد أن بيّن -رحمه الله- الوضوء، وهو الطهارة الصُغرى شرع في بيان أحكام الطهارة الكبرى، وهي الغسل.
قد يسأل سائل فيقول: إذا كان الغسل طهارة كبرى، والوضوء طهارة صغرى، فقد كان الأنسب أن يبدأ بالكبرى قبل الصغرى؛ لأن الصغرى قد تندرج تحت الكبرى؟
ويجاب عن ذلك من وجهين:

الوجه الأول:
أن الفقهاء، والمحدثين -رحمة الله عليهم- يقدّمون الوضوء على الغسل مراعاة لترتيب القرآن فإن الله -عز وجل- في آية المائدة بيّن حكم الوضوء، ثم أتبعه بالغسل.
الوجه الثاني: أنّ الوضوء أكثرُ من الغسل بمعنى: أنك تتوضأ في اليوم أكثر من مرّة، والغسل لا يقع إلا في أحوال قليلة بالنسبة للوضوء.وقد يجلس الأعزب سنة كاملة لا يجنب، ولا يغتسل غسلاً واجباً إلا مرة واحدة فلما كان الوضوء أكثر وقوعاً، أو كما يقول العلماء أعمّ بلوى إِبتدأ العلماء -رحمهم الله- بالوضوء، ثم ثنّوا بالغسل بعده.
وبعبارة مختصرة تقول: قُدم الوضوء لعموم البلوى به، وأُخّر الغسل لقلّة وقوعه بالنسبة للوضوء.
قوله رحمه الله: [ومُوجِبهُ خُروجُ المنيّ دَفَقاً بِلَذةٍ]: وموجبه الموجب: هو المتسبّب أي: أن هذا الغسل يتسبب في لزومه على المكلف خروج المني دفقاً بلذة؛
أي:
إذا خرج المني من الإنسان دفقاً، وبلذة لزمه الغسل.
أما الخروج: فهو ضدُّ الدُّخول كما هو معلوم،
ومراد العلماء بخروج المني:
أن يجاوز رأسَ الإحْلِيلِ، وهو نهاية مجرى البول من الذكر، فإذا بلغ المني ذلك الموضع بمعنى أنه قذفه العضو؛ وجب الغسل، فهذا هو المراد بالخروج،
ولما قال المصنف:
خروج فهمنا من ذلك أنه إذا لم يخرج لا يجب الغسل.ففائدة تعبير الفقهاء بخروج أنك لو سُئلت عن رجل حصل منه تحرك الشهوة، ونزع المني من الصُّلب أثناء الصلاة، فأمسك العضو حتى سلّم فصلاته صحيحة، ولا يُحكم بوجوب الغسل عليه؛ إلا بعد الخروج وتحققه فإذاً الوصف بالخروج معتبر، فمفهومه أنه إذا لم يخرج لم يجب الغسل، وقد دلّ على ذلك قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: [إنما الماءُ مِنَ الماءِ] أي: إنما الماءُ, وهو الغسل " مِنْ " سببيه أي: بسبب الماء، وهو خروج المني، فإذا خرج المني وجب الغسل فإذا لم يحصل الخروج لم يجب الإغتسال بالماء، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: [إذا فَضَخْتَ الماءَ، فَاغْتَسِلْ].
والمني: هو الماء الأبيض الثّخينُ بالنسبة للرجل، والأصفرُ الرّقيقُ بالنسبة للمرأة، ورائحته كطَلْع النَّخْلِ والعَجِينِ يخرج دفقاً عند وجود اللّذة الكُبرى
قوله رحمه الله: [خُروجُ المنيّ دَفَقاً]: والدفق وصف معتبر اشترطه الفقهاء رحمهم الله لقوله تعالى: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} (1) فوصف الله -جل وعلا- منيَّ الإنسان بكونِه دافقاً،
ولذلك قالوا:
إذا خرج المني دفقاً؛ وجب الغسل.
[بلذّة]: اللذّة: وصف معتبر، وهي اللذّة الكبرى، وخرج بقولهم اللذة الكبرى ما يخرج باللذّة الصغرى، وهو المذْيُ، وهو قطرات يسيرة لزجة تخرج عند بداية الشهوة، فمثل هذه القطرات لا تأخذ حكم المني، فلا يجب بها الغسل.
قال رحمه الله:
[خُروجُ المنيّ دَفَقاً بِلَذّة]: أي إذا خرج المني من المكلّف بهذه الصورة الجامعة للوصفين دفقاً، وبلذّة وجب الغسل.
والدليل على هذا:
ما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أنه قال:
[إِذَا فَضَخْتَ الماءَ فاغْتَسِلْ] فدلّ على وجوب الغسل بخروج المني بالصفة التي ذكرناها،
وظاهر قول المصنف:
[خُروجُ المني] العموم أي: سواء خرج المني في يقظة، أو منام،
وفي اليقظة:
سواء كان بجماع، أو بغير جماع،
وإذا خرج في المنام سواء:
تذكّر الاحتلام، أو لم يتذكّره.
أما الدليل على وجوب الغسل بمجرد خروجه في يقظة،
أو منام:
فما ثبت في الصحيح من حديث أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه أنّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: [إنما الماءُ مِنَ الماءِ] فقد بيّن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن وجوب الغسل من الجنابة مبني على وجود الماء، وهو المني فإذا وجدنا الماء وهو المني حكمنا بوجوب الغسل، وعلى هذا لو أن إنساناً نام، ثم استيقظ فوجد أثر المني في ثوبه؛ فهل يجب عليه الغسل لو لم يذكر الاحتلام؟
الجواب: نعم لظاهر الحديث حيث أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالغسل، دون نظرٍ إلى كونه ذاكراً، أو غير ذاكر، وبناءً على ذلك، فالعبرة بوجود الماء سواءً تذكّر أنه رأى شيئاً، أو لم يتذكر.ولو استيقظ من نومه فوجد بللاً في ثوبه، ثم لم يَدْرِ هل هو منيٌّ فيغتسل، أو مذْيٌ فلا غسل عليه فما الحكم؟
والجواب: أنه إذا وجد علامة المنيِّ حكم بكونه منياً، وإذا وجد علامة المَذْي حكم بكونه مَذْياً نجساً، وإن لم يستطع التمييز، وشكَّ رجع إلى اليقين من كونه مَذْياً، فلا يجب عليه غسل، حتى يستيقن، أو يغلب على ظنّه أنه مني.
قوله رحمه الله: [لا بِدُونِهما مِنْ غَيْر نَائمٍ]: [لا بدونها]: اللام نافية أي: لا يجب الغسل من مني خرج بدون دفق،
ولذة لقوله تعالى: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} فوصفه سبحانه بكونه دافقاً، وأما اللّذة فهي وصفه الطبعي، فاجتمع في اعتبار الوصفين الشرع، والطبع.
[مِنْ غيرِ نَائمٍ]: وهو المستيقظ، فلو أن إنساناً كان مستيقظاً، وخرج منه المني بدون دفق، ولا لذة فما الحكم؟
والجواب: أنه لا يجب عليه الغسل لظاهر الآية السابقة كما قلنا وهو اختيار المصنف رحمه الله إلا أن هذين الوصفين يعتبران في المستيقظ، دون النائم؛ لأن النائم ليس عنده شعور فسقط اعتبارهما فيه، واعتبر وجود المني بعد
إستيقاظه بغض النظر عن صفة خروجه لعموم قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيح: [إنما الماءُ مِنَ الماءِ] وبناءً على ذلك في حكمه أُعمل عموم النص في هذا الحديث، وحُكم بوجوب الغسل عليه، ولذلك لما سئل -عليه الصلاة والسلام-
عن المرأة ترى ما يرى الرجل هل عليها غسل فقال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: [نَعمْ إِذَا رأَتِ الماءَ، إنما هُنَّ شَقَائِقُ الرَجَالِ].
قوله رحمه الله:
[وإِنْ إِنتَقلَ، ولَمْ يَخرُجْ؛ إِغْتسَلَ لَهُ]: هذا الوجه الثاني الذي أشرنا إليه في أول الباب ومراده رحمه الله: أنه إذا شعر بانتقاله من الصُّلب، دون أن يخرج من الذَّكر؛ فإن العبرة بالإنتقال، لا بالخروج، والصحيح ما ذكرنا سابقاً أن العبرة بالخروج؛
لقوله عليه الصلاة والسلام:
[إِذَا فَضَخْتَ المَاءَ فاغْتَسِلْ].
قوله رحمه الله:
[فإِنْ خَرجَ بَعْدَه؛ لم يُعِدْهُ]: أي أنه في المسألة السابقة إذا اغتسل بعد شعوره بإنتقاله وقبل خروجه، ثم خرج بعد الغسل لم تجب عليه إعادة الغسل، وقدّمنا أن الصحيح أن العبرة بالخروج.
قوله رحمه الله:
[وتَغْييبُ حَشفةٍ أصْليّةٍ في فرج أَصْلي قُبُلاً كَانَ أو دُبُراً]: هذا هو السبب الثاني الذي يجب به الغسل، وهو تغييب حشفة أصلية،
والتغييب:
هو المواراة تقول غَيَّبَ الشيء في التراب إذا واراه فيه، والغائب هو المتواري عن الأنظار،
وتغييب الحشفة:
الحشفة هي رأس الذكر،
والمراد بالتغييب:
أن يحصل الإيلاج فبعض العلماء يقول: إيلاج،
وبعضهم يقول:
تغييب، والمعنى واحد،
فلما قال تغييب الحشفة فهمنا من ذلك:
أنه لو أَلْزَقَ رأسَ العضو بالفرج، دون إدخال فإنه لا يجب الغسل، سواء كان من قبل، أو دبر فلا يترتب عليه الحكم الشرعي المترتب على الإيلاج، وهذا يكاد يكون بالإجماع؛ لأن التغييب شرط معتبر في إيجاب الغسل، وقد أشار إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بقوله:
[إِذَا إِلْتَقى الختَانان فقدْ وَجَبَ الغُسْلُ] فكنّى -صلوات ربي وسلامه عليه-
عن الإيلاج بقوله:
[إذا إلتقى] فإن هذا لا يحصل إلا بإيلاج رأس العضو فعندها يحاذي موضعُ ختانِ الرّجل موضعَ ختانِ المرأةِ كما ذكر أهل العلم رحمهم الله، وبناءً على ذلك فشرط هذا الموجب الثاني أن يحصل تغييب لرأس العضو، أو قدره من مقطوعه.
قوله رحمه الله:
[في فَرْجٍ أَصْلِيٍّ قُبلاً كَانَ، أو دُبُراً] الفرج هنا عام يشمل الأنثى، والذكر، والحي، والميت، والحيوان، والإنسان، فإذا حصل إيلاج في هذه الصور كلها وجب الغسل، وهذا فيه أصل، وفيه مقيس على الأصل.أما الأصل فهو إيجاب الغسل بالإيلاج، وقد دلت عليه الأحاديث الصحيحة، ومنها حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-
في الصحيحين من قوله عليه الصلاة والسلام:
[إِذَا ألزقَ الختانَ بِالخِتانِ] وقوله عليه الصلاة والسلام: [إذا مس الخِتَانُ الخِتَانَ] وقوله: [إِذا جلَسَ بين شُعَبِها الأربع، ثم جَهَدها فَقدْ وجب الغُسْل] هذه الألفاظ الصحيحة دلت على أن العبرة بإيلاج رأس العضو، وهذا منصوص جماهير السلف، والخلف من أهل العلم -رحمة الله عليهم-.
أما بالنسبة للملحق بهذا الأصل ففرج الدبر بالنسبة للآدمي، وهو محرم وطؤه سواء كان من إمرأة، أو من رجل، وكذلك فرج البهيمة قبلاً كان، أو دبراً فإن وطء هذه الفروج جميعها يعتبر آخذاً حكم ما ذكرناه بالقياس؛ لأن الشرع ينبّه بالنّظيرِ على نَظِيره، وهذا هو مذهب جماهير العلماء رحمهم الله.وخالف بعض أهل العلم،
فقال:
لا يجب إلا إذا حصل الإيلاج في فرج الأنثى بالجماع، وأما غيرها فلا يجب به غسل.والصحيح ما ذكرناه، لأنه ملحق بالأصل.
قوله رحمه الله: [تَغْييبُ حَشَفةٍ في فرجٍ أصْلِي]: هذا التغييب ظاهره الإطلاق أي: سواء كان في يقظة، أو في منام، فإن التكليف مبني على الحكم الوضعي بمعنى أنه متى ما حصل الإيلاج حكمنا بوجوب الغسل بغضّ النّظر عن كونه حاصلاً في اليقظة، أو المنام.
قوله رحمه الله:
[تَغييبُ حَشفةٍ في فَرْج أصْلِيٍّ]: خرج من هذا الفرج الغير الأصلي، ومثّل له العلماء بالخنثى المشكل، فقال بعض العلماء -رحمهم الله-
وهو يكاد يكون مذهب الجمهور:
أنه إذا جامع الخنثى، وكان مُشكلاً، فإنه لا يُحكم بوجوب الغسل عليه لأن العبرة بالفرج الأصلي، والخنثى إذا لم يتبين أنه ذكر،
أو أنثى فإننا نَعْمَل بقاعدة:
" اليَقينُ لا يُزالُ بِالشّكِ " فاليقين أن المجامع طاهر، وشككنا في هذا الفرج هل هو أصلي فيكون بمثابة وطء فرج أصلى فحينئذٍ يجب الغسل، أو هو غير أصلي فلا يكون جِمَاعاً مؤثراً، فلما شككنا رجعنا إلى اليقين،
هذا هو وجه إسقاط الغسل يقولون:
إن المجامع الأصل فيه الطهارة، وشككنا في جماعه فرجعنا إلى الأصل من طهارته، ولم نوجب عليه غُسلاً، ومَنْ خالفهم فإنه يقول إن الأحكام في الخُنثى المشكل مبنيّة على أنه أنثى حتى نستيقن ذكورته فنوجب الغسل من هذا الوجه طرداً للأصل.وعليه فكل واحد يعتبر اليقين في هذه المسألة من وجه فالمصنف رحمه الله، ومن يقول بقوله: يعتبرون اليقين في المجامع، وهو الرجل أنه طاهر،
وأصحاب القول المخالف:
يعتبرونه في المحلِّ، وهو الخنثى المشكل لأن اليقين أنه أنثى كما تقدم معنا في مسائل اللمس.
قوله رحمه الله: [قُبُلاً، أو دُبراً]: هذا للتنويع سواء وقع في قبل، أو دبر يخرج من هذا الفرج غير الأصلي كما ذكرنا في الخنثى المشكل، أو يكون مصنّعاً كما يفعله بعض المصورين في زماننا والعياذ بالله، فهو فرج غير أصلي، فالإيلاج فيه لا يوجب الغسل.
وخالف في هذا بعض العلماء:
فقال الإيلاج موجب للغسل للمولج فيه، سواء كان الذي ولج عضواً، أو غيره، وهو أحد الوجهين عند الشافعية، ومما يتخرج على، هذه المسألة الآن المناظير الطبية تولج من الدبر إذا احتيج إلى ذلك لكشف مرض جراحي، أو غيره، فعلى الوجه الذي مشى عليه المصنف رحمه الله لا يجب الغسل،
وعلى الوجه الثاني:
يجب.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.31 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.85%)]