عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 14-07-2020, 03:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,502
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من سورة الأنعام: غبش الشرك على الفطرة بين البأساء والنعماء



وإذ لم يتأثروا إيجابًا باختبار الشدة، ولم تحصُلْ بها لهم توبة، لَزِمَ التعجيبُ لأمرهم، والإنكار عليهم، وبيان أسباب إصرارهم، فقال تعالى:
ï´؟ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا ï´¾ [الأنعام: 43]، وحرف "لولا"[1] في هذا السياق لنفي تضرُّعهم مع تمنِّي وقوعه، بمعنى: هلَّا تضرعوا؛ أي: لم يتضرعوا، وكان ينبغي أن يؤدي ما نالهم من بأس إلى الخشوع والتضرع، ï´؟ وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ï´¾ [الأنعام: 43]، والقسوة حالةٌ يكون فيها القلب ميتًا مُصْمَتًا، لا ينفُذُ إليه الهدى؛ كما قال تعالى: ï´؟ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ï´¾ [المطففين: 14]، ولا تنبعث منه نداوة الرحمة أو الرفق والتؤدة، لا يستنهضه رخاء، أو توقظه شدة؛ لأنه جفَّ وتعطلت أجهزة الاستقبال الفطرية الإيجابية فيه، ومعنى الآية: أن قلوب المشركين قد اشتطَّتْ في الإعراض عن الحق لما ران عليها من القسوة والجفاء والغلظة، وما افتقدوه فيها من حِلم ولِين وحسن استماع وتصرف، والقسوة والجفاء والغلظة من أخلاق أهل النار؛ كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: ((ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عُتُلٍّ جَوَّاظٍ جَعْظَرِيٍّ مستكبر))[2].

ï´؟ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ï´¾ [الأنعام: 43] وحسَّن لهم الشيطان أهواءهم وأعمالهم المنكرة الفاسدة؛ فاعتزُّوا بها، واتخذوها فضيلة ومكرمة، وتعالَوْا بها على الحق، واستكبروا على أهله، واستخفُّوا بعاقبة العصيان والتكذيب..

لقد ابتلى الحق سبحانه هؤلاء القوم ببأسه؛ لعل فطرتهم الأولى تنتفض، فينزاح عنها غبش الغفلة، وركام الشرك والضلال، وتتوب إلى بارئها متوجهة إليه وحده بالعبادة والدعاء والاستغاثة، ولكن فتنة البأس والشدة لم تُحْيِ فيهم مواتًا، ولم تُنْهِض فيهم همة؛ لأنهم واجهوها بقلوب قاسية، وطِباع جافية، واعتزازٍ بما زيَّنه الشيطان لهم؛ لذلك استدرجهم الحق سبحانه بعد الشدة طورًا آخر إلى الرخاء؛ فابتلاهم بالنعماء؛ علَّهم ينهضون من كبوة الشرك إلى رحابة الشكر، وقال جل جلاله:
ï´؟ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ï´¾ فلما تركوا ما وعظهم به أنبياؤهم ورسلهم وأعرضوا عنه ونسُوه، ولم يوقظهم اختبار الشدة، ولم يردَّهم عن الغَيِّ بلاءُ البأساء ï´؟ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ï´¾، ولفظ: ï´؟ فَتَحْنَا ï´¾ قرأه ابن عامر: ï´؟ فَتَّحْنَا ï´¾ بالتشديد للمبالغة، وقرأه الباقون بالتخفيف، والفتح في هذه الآية الكريمة فتح استدراج ومكر؛ لأن الفتح لم يكن لهم، وإنما كان عليهم تسليطًا وفتنة واستدراجًا بقوله عز وجل: ï´؟ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ ï´¾، ولم يقل: فتحنا لهم، كما في قوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ï´؟ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ï´¾ [الفتح: 1]، بشارة له صلى الله عليه وسلم بالنصر والتمكين، أما الفتحُ على المشركين فأن تُغدَق عليهم فتن المال والنعم والعافية والقوة كما أغدقت على المشركين من قبلهم، وتُقبِل عليهم الدنيا كما أقبلت على ثمودَ وقارون، فيغتروا بما نالهم ونالوه، وظنوه دليلًا على رضا الله عنهم؛ كما قال تعالى: ï´؟ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ï´¾ [فصلت: 50].

لذلك عقب الحق سبحانه بقوله:
ï´؟ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا ï´¾؛ أي: حتى إذا فرحوا بما فُتِح عليهم به من الدنيا فَرَحَ بَطَرٍ واعتزاز بالنفس، وظنوه خيرًا دائمًا لا يَبيدُ، ومتاعًا اكتسبوه بعلمهم وقوتهم - أُخِذوا بغتة؛ ليكون ألمهم شديدًا، وعذابهم عظيمًا، ï´؟ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ï´¾ استأصلهم الله تعالى فجأة، وسلَّط عليهم العذاب الماحق ï´؟ فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ï´¾ هالكون يائسون من النجاة في الدنيا، منقطِعُو الرجاء من الآخرة، والإبلاس: هو الإطراقُ من الحزن والندم، واليأس والإحباط، ï´؟ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ï´¾ ودابر القوم لغةً هو آخرهم الذي يأتي من خلفهم، كناية عن إبادتهم ومحوِ آثارهم، واستئصالهم عن آخرهم، ï´؟ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ والشكرُ التامُّ والثناء الجميل لرب العالمين على ما أرسَل من الرسل بالبِشارة والنِّذارة والعلم والحكمة، وما صبَر على المشركين ولطَف بهم وبيَّن لهم واستدرَجهم إلى الإيمان، وأقام الحجة عليهم، ثم أخذهم بالبأساء والضراء؛ لعل فِطرتهم تنتعش فيتوبوا، فلم يتوبوا، ثم فتح لهم أبواب النعمة؛ لعلهم يعرفون خالقَها ومسخِّرَها ويشكرون، فلم يعرفوا ولم يشكروا، ثم قطع دابرهم واسـتأصلهم وطهَّر الأرض مِن رِجسهم، وجعلهم عِبرة باقية، ومثَلًا ساريًا، كل ذلك منه تعالى منتهى الحكمة والعمل الصالح المُتوَّجَين بحمد الله الذي به تتم الصالحات[3]، والآية بهذا المعنى دليل على أن الحمدَ من أجَلِّ القربات، وأوفى الطاعات، وأنه واجبٌ كلما نصَر الله دِينه وأولياءه، وأهلَك الظَّلَمة من أعدائه، كما في قوله تعالى في الآيتين 58 - 59 من سورة النمل: ï´؟ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ * قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ï´¾ [النمل: 58، 59].

إن الإصرارَ على الشرك والجحود والتمرُّد يكون بقسوة القلب وجفاء الطبع، كما يكون بغرور المرء إذا أقبلت عليه الدنيا نعيمًا ومالًا وجاهًا ومُتَعًا؛ قال تعالى: ï´؟ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ï´¾ [الشورى: 27]، ولا علاجَ لهذه القسوة إلا بالحرمان من النِّعَم؛ ليذوق المرءُ المُرَّ بعد الحُلْو، والفقر بعد الغنى، والمرض بعد الصحة، والضعف بعد القوة، وهو ما يعالج الله تعالى به بعض الأمم، يأخذهم بالبأساء فقرًا وضيقَ عيشٍ وأوبئةً وزلازلَ وعواصفَ وأمراضًا؛ كي ينتبهوا من غفلتهم، ويُقلعوا عن ضلالهم، ويتوبوا إلى ربهم، فإن لم يفعلوا دمَّرهم واستبدل خيرًا منهم، ولنا في قوم موسى إذ طغَوْا خيرُ مثالٍ؛ قال الحق سبحانه: ï´؟ وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ * وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ï´¾ [الأعراف: 132 - 136]، وقال عز وجل: ï´؟ فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ ï´¾ [الزخرف: 55، 56].

هذه سنَّة الله تعالى في تدبير عباده في الدنيا، يبلِّغ المرءَ أمرَ دِينه بِشارةً ونِذارةً، فإن غفل أو استعصى ابتلاه بالشدة؛ كي يتذكرَ ويتوب، وبالرخاء استدراجًا؛ كي يشكر ويؤوب، والبأساءُ في الحياة الدنيا بضرَّائها والسراء بنعمائها هما البُوتقة التي تُجلِّي معادنَ الرجال؛ قال تعالى: ï´؟ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ï´¾ [الأنبياء: 35]، يُبتلى الكافرون بالخير والشر، وهم في ذلك بين خير التوبة النَّصوح الراسخة التي تأخذ بأيديهم إلى صراط مستقيم، وشرِّ الارتكاس في الجحيم بالإصرار على الباطل، والتوبة الزائفة عند المِحَن؛ قال تعالى: ï´؟ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ï´¾ [يونس: 12]، وقال: ï´؟ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ * وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ï´¾ [هود: 101، 102]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتَ اللهَ يُعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراجٌ))، ثم تلا: ï´؟ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ï´¾ [الأنعام: 44]، ويُبتلى المؤمنون بالخير والشر، وأمرُهم كلُّه إلى خير؛ لأنهم فيهما بين شُكر وصبر، وبين أجر موفور وذنب مغفور؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((عَجَبًا لأمر المؤمن، إن أمره كلَّه له خيرٌ، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن؛ إن أصابَتْه سرَّاءُ شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابَتْه ضرَّاءُ صبر، فكان خيرًا له)).

ثم ينقُلُ الوحيُ المشركين من الاختبار بالنعماء المفتوحة عليهم والعذاب المحتمَل نزولُه بهم إلى تذكيرهم بثلاثِ نِعَمٍ امتَنَّ الله تعالى عليهم بها في أبدانهم؛ أسماعًا وأبصارًا وأفئدة، بها قِوَامُ معيشتهم، وتدبير حياتهم، فيأمر الرسولَ صلى الله عليه وسلم بسؤالهم ثانية بقوله تعالى:
ï´؟ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ ï´¾ وأخْذُ السمع والبصر والخَتْمُ على القلب في الآية تعبيرٌ مجازي عن الصمَم والعمَى وغلبة الغباوة والجهلِ على القلب، ومَن اجتمعت فيه هذه الآفات فهو مُصْمَتٌ[4]، منقطعٌ عن العالم الخارجي، لا تواصلَ له معه بمنطوق أو مسموع، والآية أمرٌ من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين: أرأيتم أيها المشركون، إن عطَّل الله أسماعكم فأصمَّكم، وعطَّل أبصاركم فأعماكم، وختَم على قلوبكم فنزَع منها خاصيةَ الفهم والمعرفة، وطبَع عليها طابعَ الغباوة والجهل ï´؟ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ï´¾؟ هل مِن شركائكم الذين تعبدونهم مَن يردُّ إليكم تلك الأسماعَ والأبصار والأفهام، وفي هذه الآية الكريمة تحذيرٌ بيِّن جليٌّ من الإعراض عن دعوات الإيمان والتوحيد، وعرضٌ واضحٌ لمشيئة الله تعالى وقدرته وحكمته؛ خلقًا وتدبيرًا واختيارًا واصطفاءً، كما في الآية السابقة من هذه السورة، وهي قوله تعالى: ï´؟ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ï´¾ [الأنعام: 39].

ثم بنوعٍ من الالتفات البلاغي التعجيبي اللطيف يخاطب الوحيُ الكريمُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: ï´؟ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ï´¾ انظر يا محمد وتعجَّبْ مِن جهالة المشركين وكيف نتابع لهم الحجج على ضلالهم، ونُجري لهم الأدلةَ على الحق الذي ينبغي اتباعُه ï´؟ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ï´¾ ومع ذلك فهم يصدُّون عنها ويُعرِضون، فلا يزدادون بذلك إلا بُعدًا عن الإيمان، وميلًا إلى الباطل، وجُنوحًا إلى الضلال، وانجذابًا للكفرِ والشِّرك والطغيان.

ولمَّا كانت محاولة استنقاذهم من باطل الشرك إلى نور الإيمان بسؤالهم أولًا عمَّن يدعونه ويستجيرون به إذا دَهِمَهم العذاب أو أدركتهم الساعة، ثم بتنبيههم إلى أن أوثانهم التي يعبدونها من دون الله لا تردُّ إليهم أسماعَهم ولا أبصارهم ولا عقولهم إن عذَّبهم الله تعالى بفقدها - فقد هدَّدهم الحقُّ سبحانه عَقِب ذلك بما هو أشدُّ وأنكى وأعمُّ؛ ليعلموا أنه لا دافعَ لجميع أنواع العذاب إلا اللهُ تعالى، بقوله عز وجل:
ï´؟ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ ï´¾، وحرف "هل" في الآية لاستفهامٍ معناه النفي، والظالمون في هذا السياق هم المشركون؛ لقوله تعالى: ï´؟ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ï´¾ [لقمان: 13]؛ أي: لا يُهلَكُ إلا المشركون، أما البَغْتة فهي الفجأةُ بدون مقدمات علم، والآية أمر من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: أخبروني عمَّنْ سيُهلَك إن نزل بكم عذاب الله فجأة وأنتم آمنون غافلون سادرون في غيِّكم، من غير أن تشعروا بمقدماته أو تروا شيئًا من أماراته، أو نزل بكم عذابه جِهارًا في تمام وعيِكم وشعوركم به ورؤيتكم له قادمًا عليكم أو محيطًا بكم ولم تملِكوا له دفعًا؟ هل سيُهلَك إلا مستحِقُّو العذابِ من المشركين، وهل سينجو إلا مستحِقُّو التكريمِ مِن أوليائه المؤمنين؟

إن عذاب الله لأعدائه ينزل حسب حكمته ومشيئته دائمًا، ينزل أحيانًا جهرة، يرى الناسُ مقدماتِه وسعيَه نحوهم، فلا يستطيعون دفعه، كما هو الشأن في قارون بقوله تعالى: ï´؟ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ï´¾ [القصص: 81]، والشأن في فرعون بقوله تعالى: ï´؟ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ï´¾ [القصص: 39، 40]، وقوله عز وجل: ï´؟ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ï´¾ [يونس: 90].

وينزل أحيانًا فجأةً بدون مقدمات؛ لأن المقدمات تدعو للاحتياط له ومنه؛ كحالِ عاد إذ نزل بهم العذاب فجأة، وقال عنهم عز وجل: ï´؟ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ï´¾ [فصلت: 15، 16]، وقال عن استبشارهم بمقدِّماته ومفاجأته لهم بدمارهم: ï´؟ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ï´¾ [الأحقاف: 24، 25]، وكحال ثمود الذين أُهلكوا بالصاعقة، وقال عنهم عز وجل: ï´؟ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ï´¾ [فصلت: 17]، وقال عن عادٍ وثمودَ معًا: ï´؟ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ ï´¾ [الحاقة: 5 - 8].

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.42 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.16%)]