وتنص المادة (206) على أنه يجوز أن يقترن العقد بشرط يؤكد مقتضاه أو يلائمه، أو جرى به العرف والعادة، أو فيه نفع لأحد المتعاقدين أو لغيرهما، كل ذلك ما لم يمنعه الشارع أو يخالف النظام العام أو الآداب، وإلا بطل الشرط، وصح العقد، ما لم يكن الشرط هو الدافع إلى التعاقد، فيبطل العقد أيضًا[32].
يتبين من النصوص السابقة، ما يلي:
أ- الأصل في العقود الجديدة الجواز، ما لم يوجد مانع شرعي لذلك، وهو ما عبر عنه القانون بالنظام العام والآداب، وهذا مُستمدٌّ من فقه الحنابلة، وهو رأي سديد يؤدي إلى التوسعة على الناس في معاملاتهم المالية والتجارية، خاصة في هذا العصر الذي اتسعت فيه حركة المال والتجارة بين الناس.
ب- الشرط المقترِن بالعقد يكون صحيحًا، فيصحُّ معه العقد إذا كان:
1- شرطًا يقتضيه؛ كشرط الملك للمُشتري في البيع، أو شرط تسليم الثمن أو المَبيع؛ فالبيع جائز؛ لأن هذا يثبت بمطلق العقد، والشرط الذي يقتضيه العقد لا خلافَ في صحَّته، بل إن صحته أمر بديهي؛ لأنه محض تقرير لمقتضى العقد، ومقتضى العقد لازم دون شرط، فشرطُه تأكيد وبيان.
2- شرطًا يلائم العقد، وهذا الشرط لا خلاف في صحته؛ لأنه مقرر لحكم العقد من حيث المعنى، فيلحق بالشرط الذي هو من مقتضيات العقد؛ كأن يشترط البائع على المشتري أن يعطيه بالثمن رهنًا أو كفيلاً، والرهن معلوم، والكفيل حاضر، فقُبل، أو أن تشترط الزوجة على زوجها أن يكون والده كفيلاً بالمهر، والشرط الملائم هو مصطلح الحنفية، أما المذاهب الأخرى، فالتعبير فيها مختلف، فالمالكية تقول: الشرط الذي لا يقتضيه العقد ولا ينافيه وهو من مصلحته، وتقول الشافعية: شرط لا يقتضيه العقد، ولكن فيه مصلحة، وتدعو الحاجة إليه، وتقول الحنابلة: شرط من مصلحة العقد، وتتعلق به مصلحة العاقدين، والقانون استخدم مصطلح الحنفية في ذلك.
3- شرطًا يجري به التعامل، كما إذا اشترى ثوبًا، على أن يخيطه البائع، وقد أجاز الحنفية ذلك استحسانًا، وخلط بقية المذاهب بين الشرط الذي يلائم العقد، والشرط الذي تدعو إليه حاجة التعامل، وأضيق المذاهب في ذلك الحنفية والشافعية وأوسع المذاهب في ذلك، المذهبان المالكي والحنبلي، فيبدو أنهما يجيزان الشرط الملائم للعقد على اعتبار أن هذا الشرط، إذا كان العقد لا يقتضيه، فإنه لا ينافي مقتضى العقد، وهو من مصلحته، وما لا ينافي مقتضى العقد، وإن كان العقد لا يقتضيه، فهو جائز ما دامت فيه مصلحة للعقد وللمتعاقدين، ولكن الاختلاف مع متأخري الحنابلة في مدى لزومه قضاء، مع الاتفاق على وجوب الوفاء به ديانة[33].
4- شرطًا فيه نفع لأحد العاقدَين أو للغير، ما لم يمنعه الشارع أو يخالف النظام العام أو الآداب، وفي هذه الحالة - أي: إذا منعه الشارع أو خالف النظام العام أو الآداب - يُلغى الشرط، ويصح العقد.
وبهذا يكون القانون قد أخذ برأي متأخري الحنابلة، من حيث إن الأصل في الشروط المقترنة بالعقد الجواز، وأخذ برأي الحنفية في حالة تعارض الشرط مع النظام العام والآداب؛ حيث يصح العقد، ويبطل الشرط[34].
جـ- يجب الوفاء بالشرط المُلزم قضاء وديانة، ولصاحب الشرط أن يطلب فسخ العقد؛ لعدم الوفاء بالشرط، ويفسخ العقد بحكم قضائي، بناءً على طلب صاحب الشرط، وبذلك يحصل على حقوقه المقرَّرة شرعًا وقانونًا، وهذا مُستمدٌّ من رأي متأخِّري الحنابلة.
سادسًا: المناقشة والتَّرجيح:
1- مناقشة أدلة القائلين بعدم لزوم الشروط العقدية، وهم جماهير العلماء
أدلة جماهير العلماء، أدلة صحيحة من حيث الثبوت؛ لكنها أدلة عامة، تَحتمل التخصيص، وتحتمل التأويل، وبالتخصيص والتأويل يتم الجمع بينها وبين الأدلة الخاصة الواردة في الموضوع[35]، وعلى هذا يكون العمل المردود والشرط الباطل، هو الذي يناقض الشريعة في مقاصدها ونظامها العام، وهذا ما نقول به، ومن المقرر أصوليًّا أن العام يحمل على الخاص، ويعمل العام فيما وراء الخاص، كما أن الجمع بين الدليلين أولى من إهمال أحدهما.
2- مناقشة أدلة القائلين بلزوم الشروط العقدية، وهم المتأخِّرون من الحنابلة، وعلى رأسهم ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية:
يقول ابن قيم الجوزية: "وأصحاب القول الآخر، يُجيبون عن هذه الحجج، تارة بنَسخِها، وتارةً بتَخصيصها ببعض العهود والشروط، وتارة بالقدح في سند ما يُمكنهم القدح فيه، وتارة بمعارضتها بنصوص أُخَر؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله، ما كان من شرط ليس في كتاب الله، فهو باطل، وإن كان مائة شرط، كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق))، وكقوله: ((من عمل عملاً، ليس عليه أمرنا، فهو ردٌّ))، فصح بهذه النصوص إبطال كل عقد وشرط، ليس في كتاب الله، الأمر به أو النص على إباحته"[36].
وهذا يعني أن جماهير العلماء، وعلى رأسهم الظاهريَّة، يرون أن أدلة القائلين بلزوم الشروط العقدية، مطعون فيها، وبالطُّعون التالية:
أ- النسخ.
ب- الضعف.
جـ- التخصيص.
د- التأويل.
والحقيقة أن هذه الطعون ضعيفة؛ لصحَّة الأدلة عند المُحدِّثين؛ ولعدم ثُبوت الدليل الناسِخ؛ ولعدم قيام دليل التأويل والتخصيص، والاحتمال الذي لا يستند إلى دليل، لا قيمة له، كما أن أدلة المتأخِّرين خاصة وصَحيحة في مجملها، والقول بها، يؤدِّي إلى القول بأدلة المانعين؛ وذلك من خلال الجمع والتوفيق بين الأدلة.
3- التَّرجيح:
من خلال النظر والتدقيق في آراء المذاهب، ورأي القانون، يتبيَّن، أنَّ الخِلاف بينهم يَنحصِرُ في أمرَين:
الأول: عدم تأثير الشروط المُخالفة أو المنهيِّ عنها على صحة العقد، باستثناء شرائط التعليق والتوقيت؛ لأنها تؤدِّي إلى بطلان العقد من أساسه؛ لأنها تتعارَضُ مع أصلِ العقد ومُقتَضاه ونظامه الشرعي العام، وهذا بالنِّسبة لعقد النكاح.
والثاني: الشرائط المُقترنة بالعقد، والتي فيها مصلحة لأحد المتعاقِدَين أو لغيرهما، فهي شرائط غير مُلزِمة عند جماهير العلماء وهي شرائط ملزِمة لدى المتأخِّرين من الحنابلة والقانون.
ورأي متأخِّري الحنابِلة هو ما نميل إليه، وقد أخذت به القوانين العربية في جُملتها؛ لأن هذا الرأي ينسجم مع الواقع، وفيه التوسعة والتيسير على الناس، ويتفق مع القاعدة الشرعية والتي مفادها، "وحيثما تحقَّقت المصلَحة المُعتبَرَة شرعًا فثمَّ شرع الله ودينه"، كما أن النصوص الشرعية والأدلة التي أشرْنا إليها سابقًا تؤيد رأي متأخِّري الحنابِلة.
[1] البخاري: صحيح البخاري (3 / 2).
[2] الشربيني: مغني المحتاج (3 / 141).
[3] الموصلي: الاختيار (3 / 89).
[4] الكاساني: البدائع (5 / 168) وما بعدها، وابن قدامة: المغني (4 / 294)، والشوكاني: نَيل الأوطار (6 / 280)، وابن حزم: المحلى (9 / 518).
[5] أي ضرتها.
[6] أي لتقلب.
[7] البخاري: صحيح البخاري (4 / 31).
[8] ابن رشد: بداية المجتهد (2 / 59)، وابن قدامة: المغني (4 / 249) وما بعدها.
[9] البخاري: صحيح البخاري (3 / 148).
[10] البخاري: صحيح البخاري (4 / 31).
[11] ابن رشد: بداية المجتهد (2 / 95).
[12] الكاساني: البدائع (5 / 168) وما بعدها، وابن رشد: بداية المجتهد (2 / 59)، والشافعي: الأم (5 / 73)، وابن قدامة: المغني (4 / 25) وما بعدها، وابن حزم: المحلى (9 / 518، 519).
[13] البخاري: صحيح البخاري (3 / 145).
[14] ابن حزم الظاهري: الإحكام في أصول الأحكام (5 / 30).
[15] البخاري: صحيح البخاري (3 / 48).
[16] ابن حزم: الإحكام في أصول الأحكام (5 / 29)، وابن تيمية: الفتاوى (2 / 47، 471)، وابن نجيم: الأشباه والنظائر (ص: 99)، والسيوطي: الأشباه والنظائر (ص: 453)، وابن رجب الحنبلي جامع العلوم والحكم (ص: 72)، والأستاذ الزرقا: المدخل الفقهي (1 / 153)، ود. عبدالكريم زيدان المدخل لدراسة الشريعة (ص: 393).
[17] د. فتحي الدريني: الفقه المقارن (ص: 521).
[18] ابن تيمية: الفتاوى (3 / 470)، والأستاذ الزرقا: نظام التأمين (ص: 34)، ود. ياسين درادكه: نظرية الغرر.
[19] وابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين (1 / 245).
[20] وابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين (1 / 245).
[21] ابن تيمية: الفتاوى (3 / 485، 486).
[22] ابن تيمية: الفتاوى (3 / 485).
[23] البخاري: صحيح البخاري (4 / 31).
[24] ابن العربي: عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي (6 / 104).
[25] البخاري: صحيح البخاري (4 / 31).
[26] ابن تيمية، الفتاوى (3 / 483).
[27] ابن تيمية: الفتاوى (3 / 486).
[28] د. فتحي الدريني: الفقه المقارن (ص: 526) وما بعدها.
[29] القاضي أحمد داود: القرارات الاستئنافية (2 / 900) وما بعدها، ود. محمود السرطاوي: شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني (1 / 138)، والقاضي عبدالفتاح عمرو: القرارات القضائية في الأحوال الشخصية (ص: 360).
[30] د. محمود الطنطاوي: الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية، ومشروع القانون الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة، ومشروع القانون العربي الموحد لمجلس وزراء العدل العرب (ص: 57).
[31] المذكرات الإيضاحية للقانون المدني الأردني (1 / 93).
[32] جمعية الحقوقيين: قانون المعاملات المدنية لدولة الإمارات العربية المتحدة، رقم (5) لسنة 1985م، والمعدل بالقانون الاتحادي رقم (1) لسنة 1987 (ص: 35).
[33] الكاساني: البدائع (5 / 170)، والسرخسي: المبسوط (13 (ص: 19) والكمال بن الهمام: شرح فتح القدير (5 / 215)، وابن قدامة: المغني (4 / 249) وما بعدها، ومحمد عليش: شرح منح الجليل (2 / 726) وما بعدها، وابن جزي: القوانين الفقهية (ص: 171، 172).
[34] المذكرات الإيضاحية للقانون المدني الأردني (1 / 163).
[35] ابن رجب الحنبلي: جامع العلوم والحكم (ص: 72)، والأستاذ مصطفى الزرقاء: المدخل الفقهي العام (1 / 153).
[36] ابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين (1 / 347)، وابن حزم: المحلى (9 / 518) وما بعدها.