الحلقة (492)
تفسير السعدى
(سورة غافر)
من (29)الى (38)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة غافر
" يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد "(29)
يا قوم لكم السلطان اليوم ظاهرين في الأرض على بني إسرائيل, فمن يدفع عنا عذاب الله إن حل بنا؟ قال فرعون لقومه مجيبا: ما أريكم- أيها الناس- من الرأي والنصيحة إلا ما أرى لنفسي ولكم صلاحا وصوابا, وما أدعوكم إلا إلى طريق الحق والصواب.
" وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب " (30)
وقال الرجل المؤمن من آل فرعون لفرعون, وملئه واعظا ومحذرا: إني أخاف عليكم إن قتلتم موسى, مثل يوم الأحزاب الذين تحزبوا على أنبيائهم.
" مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد " (31)
مثل عادة قوم نوح وعاد وثمود ومن جاء بعدهم في الكفر والتكذيب, أهلكهم الله بسبب ذلك.
وما الله سبحانه يريد ظلما للعباد, فيعذبهم بغير ذنب أذنبوه تعالى الله عن الظلم والنقص علوا كبيرا.
" ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد " (32)
ويا قوم إني أخاف عليكم عقاب يوم ينادي فيه بعض الناس بعضا; من هول الموقف يوم القيامة.
" يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد " (33)
يوم تولون ذاهبين هاربين, ما لكم من الله من مانع يمنعكم وناصر ينصركم.
ومن يخذله الله ولم يوفقه إلى رشده, فما له من هاد يهديه إلى الحق والصواب.
" ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب " (34)
ولقد أرسل الله إليكم النبي الكريم يوسف بن يعقوب عليهما السلام من قبل موسى, بالدلائل الواضحة على صدقه, وأمركم بعبادة الله وحده لا شريك له, فما زلتم مرتابين مما جاءكم به في حياته, حتى إذا مات ازداد شككم وشرككم, وقلتم : إن الله لن يرسل من بعده رسولا, مثل ذلك الضلال يضل الله كل متجاوز للحق, شاك في وحدانية الله تعالى, فلا يوفقه إلى الهدى والرشاد.
" الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار " (35)
الذين يخاصمون في أيات الله وحججه لدفعها من غير أن يكون لديهم حجة مقبولة, كبر ذلك الجدال مقتا عند الله وعند الذين آمنوا, كما ختم بالضلال وحجب عن الهدى قلوب هؤلاء المخاصمين, يختم الله على قلب كل مستكبر عن توحيد الله وطاعته, جبار بكثرة ظلمه وعدوانه.
" وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب " (36)
وقال فرعون مكذبا لموسى في دعوته إلى الإقرار برب العالمين والتسليم له: يا هامان إبن لي بناء عظيما; لعلي أبلغ أبواب السموات وما يوصلني إليها,
" أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب " (37)
فأنظر إلى إله موسى بنفسي, وإني لأظن موسى كاذبا في دعواه أن لنا ربا, وأنه فوق السموات, وهكذا زين لفرعون عمله السيء فرآه حسنا, وصد عن سبيل الحق؟ بسبب الباطل الذي زين له, وما احتيال فرعون وتدبيره لإيهام الناس أنه محق, وموسى مبطل إلا في خسار وبوار, لا يفيده إلا الشقاء في الدنيا والآخرة.
" وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد " (38)
وقال الذي آمن معيدا نصيحته لقومه : يا قوم اتبعون أهدكم طريق الرشد والصواب.