ومِن خلال آيات القرآن الكريم التي تحدَّثت عن دعوة نوح - عليه السلام - إلى قوْمه، تجد أنه استخدم عدة أساليبَ؛ من أجْل أن يوصِّل لهم دعوته، من أجْل إقناعهم بعبادة الله وحْده، وأن يتمسَّكوا بالحقِّ دون سواه.
وقد استخَدَم - عليه السلام - عدة أساليب؛ منها: ما كان مرغبًا ومحبَّبًا ومُرهبًا، وتارة كانت دعوته سرًّا، ومرة عَلنًا، ومرة ليلاً، وأخرى نهارًا[12].
ومن أسلوب التحبُّب ما تراه في قوله تعالى: ï´؟ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ï´¾ [الأعراف: 59].
فقد تحبَّب إليهم وتقرَّب إليهم؛ من أجْل أن يَقبلوا دعوته، وهذا في قوله: ï´؟ يَا قَوْمِ ï´¾، ويظهر لهم رحمته ورأفته بهم في قوله: ï´؟ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ï´¾، وهذا يدلُّنا على رحمة نوح - عليه السلام - بقوْمه، وقد رغَّبهم بقوله: ï´؟ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ï´¾ [نوح: 10 - 12].
ونوح - عليه السلام - واجَه الملأ من قومه الذين وجَّهوا أتْباعهم لمواجهة نوح - عليه السلام - بدفْع شُبهاتهم، ولَم يرضَ بالواقع، ولَم يَخضع لتهديداتهم وتحدِّياتهم، وحارَبَهم بإيمانه بالله تعالى[13].
وهذه الآيات تبيِّن تلك المواجَهة في قوله: ï´؟ قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ï´¾ [الأعراف: 60 - 63]، فهذا كان ردُّ نوح - عليه السلام.
إلا أنَّ كلمات نوح - عليه السلام - لَم تؤثِّر فيهم وفي نفوسهم، وعانَدوه قائلين: ï´؟ قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ï´¾ [هود: 32]؛ أي: إننا غير قابلين لِما تقول[14]، وبعد هذا الفساد لجَأ نوح إلى ربِّه بسبب ما لاقَاه من قومه قائلاً: ï´؟ وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ï´¾ [هود: 34].
ومعنى: ï´؟ وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي ï´¾؛ أي: إبلاغي واجتهادي في إيمانكم.
ï´؟ إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ ï´¾؛ أي: لأنَّكم لا تَقبلوا مني نُصحًا.
ï´؟ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ ï´¾؛ أي: يُضلُّكم[15] بدعوته إلى التوحيد، والتحذير من العذاب، إن كان الله يريد إغواءَكم؛ ليُدَمركم.
ï´؟ هُوَ رَبُّكُمْ ï´¾؛ أي: مالك أمركم، وإليه تُرجعون؛ أي: بعد الموت، فيُجازيكم بأعمالكم[16].
المحور السابع: قواعد لا بد مِن مراعاتها في الحوار:
1 - الاحترام بين المتحاورين.
2 - البُعد عن الاستعجال في الردِّ على الخَصم.
3 - الهدوء في الحوار.
4 - التركيز على الفكرة والموضوعية في الحوار.
5 - أن يكون هدف الحوار الوصول إلى الحقِّ.
6 - تحديد موضوع الحوار والهدف منه.
ومن أهداف تحديد موضوع واحدٍ؛ حتى لا تَكثر النقاط المُتحاوَر عليها؛ لأنه تَصعب المحاورة في هذه الحالة، كان الشافعي إذا ناظَره إنسان في مسألة، فغدا إلى غيرها، يقول: نَفرغ من هذه المسألة، ثم نَصير إلى ما تريد.
7 - مناقشة الأصول قبل مناقَشة الفروع.
8 - الاتفاق على أصل يُرجَع إليه.
كالقرآن والسُّنة في المسائل الشرعيَّة، وأقوال العلماء الذين يُحتج بهم، وغير ذلك.
9- اختيار المكان والزمان، والإنسان المناسب.
10- الموضوعيَّة[17].
فمن الموضوعية التالي:
1- تحديد الموضوع، ويقتضي ألاَّ تخرج من نقطة حتى تنتهي منها.
2- مناقشة الموضوع وليس الشخص وشخصيَّته.
3- عدم إدخال موضوع في آخر.
4- عدم استخدام الأيمان المغلَّظة.
5- تجنُّب الكذب في النقاش.
6- تجنُّب بَتْر النصوص.
7- قولك: "لا أدري".
8- التوثيق العلمي.
المحور الثامن: آفات الحوار:
1 - رفْع الصوت.
2 - تهويل مقالة الآخر.
3 - أخذ زمام الحديث بالقوة[18].
يقول دايل كارنجي في "كيف تؤثر في الناس وتكسب الأصدقاء": "إذا كنت تريد أن ينفضَّ الناس من حولك، ويسخروا منك عندما تُوليهم ظهْرك وتتركهم، فإليك الوصفة: لا تُعطِ أحدًا فرصة للحديث، تكلَّم دون انقطاع، وإذا خطَرت لك فكرة بينما غيرك يتحدَّث، فلا تنتظر حتى يتمَّ حديثه، فهو ليس ذكيًّا مثلك، فلماذا تُضيِّع وقتك في الاستماع إلى حديثه السخيف؟ اقتحِمْ عليه الحديث، واعترِضْ في منتصف كلامه، واطْرَح ما لديك".
4 - الاعتداء في وصْف الآخر، لا تقل شيئًا إلا بدليل، فلا تتَّهم النيَّة مثلاً [19].
خلاصة:
1- الحوار يغلب عليه الهدوء.
2- الحوار نوع من الحديث، والنِّقاش يكون بين طرفين أو أكثر.
3- الحوار أوسع من الجدال.
4- القرآن الكريم اهتمَّ بالحوار وحرَص عليه.
5- يهدف الحوار إلى تحقيق عدة أمور.
6- من خلال الحوار نستطيع إيصال الفكرة إلى الآخرين.
7- الحوار يعلِّمنا سَعة الصدر، وقَبول الآخرين.
8- لا بدَّ أن يكون المحاور على درجة من الثقافة والعلم.
9- الحوار يقوم على قواعد وضوابط وآليات.
10- لا بد في المحاور من آداب تتخلَّله.
11- إنَّ الحوار له أصل مِن القرآن والسُّنة.
12- عدم إلغاء الطرف الآخر في الحوار.
أسأل الله تعالى أن يوفِّقنا لِما يحبُّه ويرضاه، وأسأله الإخلاص والسَّداد
والحمد لله ربِّ العالمين
[1] ابن منظور؛ لسان العرب، مادة حور.
[2] فنون الحوار والإقناع؛ محمد الراشد.
[3] لسان العرب؛ ابن منظور، مادة جدل.
[4] الأصفهاني؛ المفردات في غريب القرآن.
[5] الميداني: عبدالرحمن حبنكة؛ فقه الدعوة إلى الله.
[6] آليات الحوار الناجح؛ د. عبدالرحمن بن سعد الداود.
[7] فنيَّات الحوار؛ منى إبراهيم اللبودي.
[8] فن الحوار؛ الحاشدي.
[9] صحيح مسلم، كتاب الأقضية.
[10] العسقلاني؛ فتح الباري، كتاب الأحكام ( 7181 )، ج 13 ص 177.
[11] العقيدة الطحاوية، التوحيد، بتصرُّف.
[12] صلاح الخالدي؛ القَصص القرآني.
[13] صلاح الخالدي؛ القَصص القرآني، بتصرُّف، ج 1 ص 171.
[14] باختصار، برهان الدين البقاعي؛ نَظْم الدُّرر في تناسُب الآيات والسور.
[15] القرطبي، باختصار.
[16] باختصار، تفسير القاسمي: محمد جمال الدين؛ محاسن التأويل.
[17] آليات الحوار الناجح؛ د. عبدالرحمن بن سعد الداود.
[18] دايل كارنجي في "كيف تؤثر في الناس وتكسب الأصدقاء".
[19] آليات الحوار الناجح؛ د. عبدالرحمن بن سعد الداود.