الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الحج والعمرة]
صـــــ 589 الى صــــــــ603
الحلقة (75)
[الركن الثاني من أركان الحج: طواف الإفاضة]
أنواع الطواف ثلاثة:
النوع الأول: الطواف الركن، فمن لا يفعله يبطل حجة،
ويقال له: طواف الإفاضة، وطواف الزيارة.
النوع الثاني: الطواف الواجب: وهو طواف الزيارة؛ ويسمى طواف الصدر،
النوع الثالث: الطواف المسنون، وهو طواف القدوم المتقدم ذكره فلنتكلم فيها، ولنبدأ بالكلام في طواف الإفاضة، الذي هو ركن من أركان الحج.
[تعريف طواف الإفاضة]
طواف الإفاضة،
ويقال له: طواف الزيارة ركن من أركان الحج الأربعة المتقامة، باتفاق المذاهب، فإذا لم يفعله الحاج بطل حجه وهو سبعة أشواط بكيفية خاصة ستعرفها قريباً،
وقال الحنفية: إن الطواف الركن هو أربعة أشواط، فمتى طاف أربعة أشواط فقد حصل الركن، أما باقي السبعة فإنه واجب لا ركن، وذلك لأن طواف الأشواط الربعة هو طواف لأكثر الأشواط؛ وللأكثر حكم الكل.
[وقت طواف الإفاضة]
وقت طواف الإفاضة الذي هو ركن من أركان الحج اختلفت في تحديده المذاهب؛ فانظره تحت الخط (1) .
[شروط الطواف]
للطواف مطلقاً بأنواعه شروط، فلا يصح إلا بها، وهي مفصلة في المذاهب تحت الخط (2) .
[سنن الطواف وواجباته]
للطواف واجبات وسنن مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (3) .
[الركن الثالث من أركان الحج، السعي بين الصفا والمروة]
السعي بين الصفا والمروة، ركن من أركان الحج، بحيث لو لم يفعله بطل حجه، عند ثلاثة من الأئمة،
وخالف الحنفية في ذلك فقالوا: إن السعي واجب لا ركن، فلو تركه لا يبطل حجه، وعليه فدية.
[شروط السعي بين الصفا والمروة، وكيفيته وسننه]
للسعي شروط وسنن، مفصلة في المذاهب؛ فانظرها تحت الخط (4) .
[الركن الرابع؛ الحضور بأرض عرفة، وكيفية الوقوف]
الركن الرابع من أركان الحج الحضور بأرض عرفة، على أي حال من الأحوال، سواء كان يقظان أو نائماً، وسواء كان قاعداً أو قائماً، وسواء كان واقفاً أو ماشياً، باتفاق، وله شروط وسنن مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (5) .
[واجبات الحج]
[رمي الجمار - المبيت بمنى - الوجود بمزدلفة]
وقد عرفت مما تقدم أن كل ركن من أركان الحج له شروط وواجبات، وسنن، وقد بينا كل ما يخص كل ركن منها قريباً، وبقيت واجبات عامة لا تخص ركناً دون ركن، وهي التي نريد بيانها ها هنا ذا، ومنها رمي الجمار، والمبيت بمنى، والوجود بالمزدلفة، والحلق، والتقصير، وغير ذلك مما هو مفصل في المذاهب، فانظره تحت الخط (6) .(1) الحنفية قالوا: وقت طواف الإفاضة من فجر يوم النحر إلى آخر العمر بعد الوقوف بعرفة، فمتى وقف الحاج بعرفة طولب بطواف الإفاضة؛ أما إذا لم يقفبعرفة في وقته الآتي بيانه؛ فإن طواف الإفاضة لم يصح منه؛ ويبطل حجه، ويشترط أن يطوف في أشهر الحج المعلومة، وهي شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، فإذا وقف بعرفة في شهر ذي الحجة، ولم يطف طواف الإفاضة حتى فرغ ذلك الشهر كان عليه أن يطوفه في هذه الأشهر في سنة أخرى.
المالكية قالوا: إن وقت طواف الإفاضة من يوم عيد النحر إلى آخر شهر ذي الحجة، فإذا أخره الحاج عن ذلك الوقت لزمه دم وصح حجة، ولا يصح طواف الإفاضة قبل يوم العيد، أما وقت الوقوف بعرفة فإنه لا يصح قبل وقته ولا بعده، كما يأتي في مبحثه.
الشافعية قالوا: طواف الإفاضة، أو طواف الزيارة الذي هو ركن من أركان الحج، أول وقته بعد نصف الليل من ليلة النحر، وأفضل وقته يوم النحر، ولا آخر لوقته، بل له أن يؤخره إلى أي وقت شاء، ولكن لا تحل له النساء إلى أن يطوف، كما لو كان محرماً، فإذا طاف تم له التحلل من الإحرام؛ وحلت له النساء، ولم يبق عليه سوى رمي أيام التشريق، والمبيت بمنى، وهي واجبات يطالب بها بعد زوال الإحرام على سبيل التبعية لأعمال الحج.
الحنابلة قالوا: إن طواف الإفاضة ركن يبتدئ من نصف ليلة عيد النحر بالنسبة لمن وقف بعرفة؛ فلا يصح قبل الوقوف بعرفة مطلقاً، فمن طاف قبل الوقوف بعرفة بطلحجه، كما يقول الحنفية، أما نهاية وقته فلا حد لها، فيطالب به ما دام حياً، فهم كالحنفية إلا في تحديد الوقت
(2) الشافعية قالوا: للطواف في ذاته ثمانية شروط:
الأول: ستر العورة الواجب سترها في الصلاة؛ فإذا طاف أحد مكشوف العورة بطل حجه،
الثاني: الطهارة من الحدث والخبث، كما في الصلاة أيضاً،
الثالث: بدؤه بالحجر الأسود محاذياً له أو لجزئه بجميع بدنه من جهة الشق الأيسر؛ بأن لا يقدم جزءاً من بدنه على جزء من الحجر، فإذا بدأ بغيره لم يحسب ما طافه قبل وصوله إليه، فإذا انتهى إليه ابتدأ منه؛ ويشترط أن يحاذيه على الوجه المذكور عند الانتهاء أيضاً،
الرابع: جعل البيت عن يساره وقت الطواف ماراً تلقاء وجهه؛ ولا بد أن يكون الطائف خارجاً بكل بدنه عن جدار البيت وشائروانه، وعن الحجر - بكسر الحاء - فلو مشى على الشاذروان أو مس الجدار في مروره أو دخل في إحدى فتحتي الحجر - بالكسر وخرج من الأخرى لم يصح طوافه الذي حصل فيه، كما لا يصح طواف من استقبل البيت، أو استدبره أو جعله عن يمينه، أو على يساره ورجع القهقري،
الخامس: كونه سبعة أشواط يقيناً.
فلو ترك شيئاً من السبع لم يجزئه،
السادس: كونه في المسجد وإن استع، فيصح الطواف ما دام في المسجد، ولو في هوائه أو على سطحه، ولو مرتفعاً عن البيت، ولو حال حائل بين الطائف والبيت،
السابع: عدم صرفه لأمر آخر غير الطواف، فإن صرفه انقطع،
الثامن: نية الطواف، وهذا شرط في غير طواف الركن وطواف القدوم، أما هما فلا يحتاج كل منهما إلى نية لشمول نية النسك لهما، ولا بد أن تكون نية الطواف عند محاذاة الحجر؛ فلو نوى بعدها لم يحسب ما طافه حتى ينتهي إليه، إلا إذا عاد إلى محاذاته بعد النية، ويزيد طواف القدوم شرطاً تاسعاً، وهو أن يكون قبل الوقوف بعرفة، فلا يطلب ممن دخل مكة بعد الوقوف بعرفة، وبعد منتصف الليل، وللطواف واجبات: منها أن يصون نفسه عن كل مخالفة في وقت الطواف، ومنها أن يصون قلبه عن احتقار من يراه، ومنها أن يلتزم الأدب، ومنها أن يحفظ يده وبصره عن كل معصية.
المالكية قالوا: يشترط لصحة الطواف شروط:
الأول: أن يكون سبعة أشواط؛ فإن نقص عنها لم يجزئه، ولا يكفي عنه الدم إن كان ركناً، وإن شك في النقص بني على اليقين، وتمم الأشواط السبعة، أما إذا زاد عليها فلا يضر؛ لأن الزائد لغو لا اعتداد به،
الثاني: الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر ومن الخبث. فإذا أحدث في أثنائه، أو علم فيه بنجاسة في بدنه أو ثوبه بطل، فإن أحدث بعده وقبل صلاة ركعتيه أعاده؛ لأن الركعتين كالجزء منه، إلا إذا خرج من مكة وشق عليه الرجوع له، فيكفيه الطواف، ويعيد الركعتين فقط، وعليه أن يبعث بهدي، وحكم صلاة هاتين الركعتين الوجوب بعد طواف الإفاضة والقدوم؛ أما في طواف الوداع فقيل بوجوب الركعتين، وقيل بسنيتهما، والقولان صحيحان؛ ويندب أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة سورة "الكافرون" في الركعة الأولى؛ وسورة "الإخلاص" في الثانية، وندب صلاتهما خلف مقام إبراهيم والدعاء بعدهما بالملتزم - وهو بين الحجر الأسود والباب - كما يندب فعلهما بعد صلاة المغرب وقبل نافلتها لمن طاف بعد العصر.
الثالث: ستر العورة كما في الصلاة.
الرابع: أن يجعل البيت - وهو الكعبة - عن يساره.
الخامس: أن يكون جميع بدنه خارجاً عن الحجر بتمامه وعن الشاذروان - وهو بناء محدوب لاصق الكعبة
- السادس: الموالاة: فلو فرق بين أشواطه كثيراً بطل الطواف. ويغتفر التفريق اليسير.
السابع: أن يكون داخل المسجد. فلا يصح على سطحه ولا خارجه ويلزم ابتداء الطواف من الحجر الأسود. فلو ابتدأه قبله وجب إتمام الشوط الأخير إليه، فإن لم يتمه وطال الفصل أو انتقض وضوءه فعليه إعادته، إلا إذا رجع لبلده، فيكفيه هذا الطواف؛ ويبعث هدياً.
الحنابلة قالوا: يشترط لصحة الطواف شروط. منها النية ومنها دخول الوقت في طواف الزيارة، وهو من نصف ليلة عيد النحر بالنسبة لمن وقف بعرفة، ولا يصح قبل الوقوف ولا حد لآخر وقته، ومنها ستر العورة كما في الصلاة، ومنها الطهارة من الخبث، كما في الصلاة، ومنها الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر، إلا إذا كان الحاج طفلاً لم يميز، فيصح الطواف، ولو كان محدثاً متلبساً بنجاسة؛ ومنها كون الأشواط سبعاً، يبتدئها من الحجر الأسود، فإذا ابتدأ من غيره لا يحسب هذا الشوط، ومنها المشي إذا كان قادراً عليه، ومنها الموالاة بين الأشواط؛ فلو أحدث في أثنائه بطل، وعليه استئنافه، لكن إذا أقيمت الصلاة للراتب فله أن يصلي معه، ويبني على ما تقدم من الأشواط، مبتدئاً من الحجر الأسود، وكذلك إذا حضرت جنازة للصلاة عليها، ومنها أن يكون بالمسجد فلا يصح خارجه، ويصح على سطحه، ومنها جعل البيت عن يساره ولا بد أن يكون خارجاً عن جميع الحجر والشاذروان، وليس للطواف واجبات عندهم.
الحنفية قالوا: يشترط لصحة الطواف أمور:
أحدها: أن يكون داخل المسجد الحرام حتى لو طاف بالكعبة من وراء زمزم، أو من وراء العمد جاز، أما إذا طاف خارج المسجد، فإن طوافه لا يصح،
ثانيها أن يبتدأ من طلوع فجر النحر إن كان طواف زيارة؛ أو إفاضة، ولاحد لنهايته، كما تقدم في مبحث "طواف الإفاضة" أما إن كان طواف قدوم فيبتدئ من حين دخول مكة؛ وينتهي إلى الوقوف بعرفة، فمتى وقف فقد فاته طواف القدوم أما إذا لم يقف فينتهي بطلوع فجر يوم النحر، فهذه شروط صحة الطواف عند الحنفية
(3) الشافعية قالوا: للطواف ثمانية سنن.
الأولى: أن يستقبل البيت أول طوافه. ويقف بجانب الحجر إلى جهة الركن اليماني بحيث يصير جميع الحجر عن يمينه، ومنكبه الأيمن عند طرفه ثم ينوي الطواف ثم يمشي مستقبلاً الحجر ماراً إلى جهة الباب. فإذا جاوزه انفتل وجعل يساره إلى البيت، وهذا خاص بالمرة الأولى.
الثانية: أن يمشي القادر، ولو امرأة والركوب في الطواف خلاف الأولى إن كان بلا عذر، وإلا فلا بأس به إذا كان الحمل على غير دابة صيانة للمسجد عن الدابة؛ والأفضل أن يكون حافياً ما لم يتأذ بذلك.
ويندب أن يضيق الخطوات ليكثر الثواب، وأن يلمس الحجر الأسود بيده أول طوافه، ويقبله تقبيلاً خفيفاً، ولا يسن للمرأة ذلك إلا عند خلو المطاف ليلاً أو نهاراً، ويستحب للرجل أن يضع جبهته عليه؛ وأن يكون الاستلام والتقبيل ثلاثاً، فإن عجز عن الاستلام بيده استلمه بنحو عصا، ويقبل ما أصابه به، فإن عجز عن ذلك أيضاً أشار إليه بيده؛ أو بما فيها؛ واليمين أفضل؛ يفعل ذلك في طوافه؛
الثالثة: الدعاء المأثور، فيقول عند استلام الحجر الأسود عند ابتداء كل طوفة: بسم الله؛ والله أكبر مع رفع يديه كرفع الصلاة: اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا القول آكد في الطوفة الأولى من غيرها،
الرابعة: أن يمشي الذكر مسرعاً من غير عدو، ولا وثب في الطوفات الثلاثة الأولى، ويمشي في الباقي على هينة، بخلاف المرأة، فإنها تمشي كعادتها،
الخامسة: الاضطباع للذكر ولو صبياً، وهو أن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن، وطرفيه على منكبه الأيسر،
السادسة: أن يكون الرجل والصبي قريباً من البيت عند عدم الزحام، وعدم التأذي بخلاف المرأة، فيسن لها عدم القرب صيانة لها،
السابعة: الموالاة في الطواف، فلو أحدث في الطواف، ولو عمداً، تطهر وبنى، لكن الاستئناف أيضاً أفضل، وكذا لو أقيمت الصلاة وهو في الطواف؛ فإنه يصلي ويتم الطواف بعدها، والاستئناف أيضاً أفضل،
الثامنة: أن يصلي بعده ركعتين؛ ويكفي فرض أو نفل آخر عنهما ويندب أن تكونا عقب الطواف مباشرة، كما يندب استلام الحجر عقبهما، وأن يسعى عقب الاستلام إن كان السعي مطلوباً منه، والأفضل صلاتهما خلف المقام، ثم بالحجر - بالكسر - ثم ما قرب من البيت، وهما سنة مطلوبة، ولو طال تأخرهما عن الطواف، ويكره قطع الطواف من غير سبب، والبصق ولو في نحو
ثوب بلا عذر، وجعل يديه خلف ظهره، أو على فمه في غير حال التثاؤب، وفرقعة الأصابع، ويكره الطواف أيضاً حال مدافعة الأخبثين.
المالكية قالوا: للطواف واجبان، وسنن، فأما واجباه فهما صلاة ركعتين بعده، كما تقدم، والمشي فيه للقادر عليه، وأما سننه، فهي تقبيل الحجر الأسود في الشوط الأول، ويكبر عند ذلك، فإن لم يتمكن من تقبيله لمسه بيده، فإن يستطع لمسه بعود مثلاً، ثم يضع يده أو العود بعد اللمس بأحدهما على فيه، ويكبر حينئذ فإن لم يستطع شيئاً من ذلك كبر عند محاذاته، ومن السنن أيضاً استلام الركن اليماني بيده في الشوط الأول، ثم يضعها على فيه، والدعاء في الطواف، ولا يحد بحد مخصوص، بل بما شاء، والرمل، وهو الإسراع فوق المشي المعتاد في الأشواط الثلاثة الأول، وإنما يسن الرمَل للرجل لا للمرأة، وفي غير طواف الإفاضة، أما الرمل في طواف الإفاضة فهو مندوب، كما يأتي، ويندب في الطواف الرمل في الشواط الثلاثة الأول من طواف الإفاضة لمن يم يطف طواف القدوم، وتقبيل الحجر الأسود في الشوط الأول، واستلام الركن اليماني في الشوط الأول أيضاً، والقرب من الكعبة بالنسبة للرجال، أما النساء فالسنة أن يطفن خلف الرجال، كما في الصلاة.
الحنابلة قالوا: سنن الطواف هي:
أولاً: استلام الركن اليماني بيده اليمنى في كل شوط،
ثانياً: استلام الحجر الأسود وتقبيله في كل شوط أيضاً إن تيسر، والإشارة إليه بيده عند محاذاته إن تعسر،
ثالثاً: الاضطباع في طواف القدوم، وهو أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر،
رابعاً الرمَل، وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى، وإنما يسن في الأشواط الثلاثة الأول من طواف القدوم لغير الراكب والمعذور والمحرم من مكة أو مكان قريب منها، ولغير المرأة أيضاً، أما هؤلاء فلا يسن لهم، كما لا يسن في طواف الزياة ولا غيره مما عدا طواف القدوم،
خامساً: الدعاء،
سادساً: الذكر،
سابعاً؛ القرب من الكعبة،
ثامناً: صلاة ركعتين بعد الطواف.
الحنفية قالوا: واجبات الطواف وسننه أمور. فمن واجباته أن يبدأ طوافه من الحجر الأسود، فلو لم يفعل ذلك وجب عليه إعادة الطواف ما دام بمكة، فإن لم يعده ورجع عليه دم، والأفضل أن لا يترك شيئاً من الحجر الأسود، بل يقابله بجميع بدنه، بأن يجعله عن يمينه، ويجعل منكبه الأيمن عند الحجر الأسود، ومنها التيامن، بأن يطوف عن يمينه مما يلي الباب، ويجعل الكعبة عن يساره، لأنها بمنزلة الإمام له والمنفرد يقف على يمين إمامه، فلو نكس الطواف بأن طاف عن يساره، وجعل الكعبة عن يمينه وجبت عليه الإعادة أو الدم، أما طهارة الثوب والبدن والمكان من الخبث فسنة مؤكدة، حتى لو طاف وعليه ثوب كله نجس، فلا جزاء عليه وإنما ترك السنة على الصحيح، ومنها ستر العورة الواجب سترها في الصلاة، فلو انكشف ربع العضو الواجب ستره في الصلاة فقد ترك الواجب؛ ووجبت عليه الإعادة أو الدم.
واعلم أن ستر العورة في ذاته فرض، فمعنى كونه واجباً هنا أن الطواف لا يفسد بتركه، بل يصح مع الإثم، وتجب فيه الإعادة أو الجزاء، أما إذا انكشف أقل من ربع العضو، فلا يضر، كما في الصلاة، ومنها المشي فيه للقادر عليه، فلو كاف راكباً أو محمولاً: أو زاحفاً بلا عذر، فعليه الإعادة أو الدم، أما إن كان ذلك لعذر، فلا شيء عليه، ومنها أن يطوف وراء الحطيم - الحجر - لأن بعضه من البيت ومنها كون الطواف سبعة أشواط، والشوط من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود وهذه الأشواط السبعة واجبة كلها في طوافي القدوم والوداع، إلا أنه لو ترك أكثر أشواط الوداع، وهي أربعة، لزمه دم، ولو ترك أقل من ذلك لزمه لكل شوط صدقة بخلاف طواف القدوم فإنه لا يلزمه شيء بترك أكثرها أو أقلها؛ سوى التوبة، لأنه سنة في ذاته، وإنما وجب بالشروع فيه، كالنافلة، فلا يكون حكمه حكم الواجب بأصله، أما طواف الزيارة المفروض، فأكثر أشواطه ركن، بحيث لو ترك الأكثر بطل، وباقيها واجب، كما تقدم، ولا يتحقق ترك الواجب إلا بالخروج من مكة؛ أما ما دام فيها، فهو مطالب به، ولا تجزئ الإنابة في الطواف بدون عذر، ومنها أن يصلي ركعتين عقب كل سبعة أشواط من طوافه، سواء كان طوافه فرضاً أو واجباً أو سنة أو نفلاً، والأفضل أن يوالي بينهما وبين الطواف؛ إلا إذا طاف في وقت كان طوافه فرضاً أو واجباً أو سنة أو نفلاً، والأفضل أن يوالي بينهما وبين الطواف؛ إلا إذا طاف في وقت الكراهة؛ ولا تفوت بتركها، بل يصليهما في أي وقت شاء، ولو بعد الرجوع إلى وطنه، إلا أنه يكره له الكراهة؛ ولا تفوت بتركها، بل يصليهما في أي وقت شاء، ولو بعد الرجوع إلى وطنه، إلا أنه يكره له ذلك، ويستحب أداءهما خلف المقام، ثم في الكعبة، ثم في الحجر تحت الميزاب، ثم في كل ما يقرب منالحجر - بالكسر - إلى البيت، ثم
المسجد، ثم الحرم، فإن صلاهما خارج الحرم أساء، ويقرأ في الركعة الأولى، "الكافرون"، وفي الثانية "الإخلاص".
هذه واجبات الطواف؛ أما سننه فهي أمور: منها أن يجعل قبل شروعه في الطواف طرف ردائه تحت إبطه اليمنى؛ ويلقي طرفه الآخر على كتفه الأيسر، ويسمى هذا الفعل اضطباعاً ويفعل ذلك في كل طواف بعده سعي، كطواف القدوم، ومنها المشي بسرعة، مع تقارب الخطى؛ وهز الكتفين ويسمى هذا الفعل رملاً، يأتي به في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، فإن رأى ما يعوقه وقف حتى يتمكن من إعادة الرمل، ومنها استلام الحجر الأسود، وتقبيله عند نهاية كل شوط، وتتأكد النية في الشوط الأول والأخير، فإن لم يستطع استلامه بيده استلمه بنحو عصا إن أمكن، ويقبل ما مس به، فإن لم يستطع ذلك أيضاً استقبل الحجر ورفع يديه مستقبلاً بباطنهما إياه، ويكبر، ويهلل ويحمد الله تعالى، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذ الاستقبال مستحب، وكذا استلام الركن اليماني مستحب، وليس بسنة، ويستحب أن يدعو عقب صلاة ركعتي الطواف خلف المقام بما يحتاج إليه من أمور الدنيا والآخرة، وأن يأتي زمزم بعد صلاة ركعتين قبل الخروج إلى الصفا، فيشرب منها، ويتضلع، ويفرغ الباقي في البئر، ويقول: اللهم إني أسألك رزقاً واسعاً، وعلماً نافعاً، وشفاءً من كل داء، ثم يأتي الملتزم قبل الخروج إلى الصفا
يتبع