شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (49)
صـــــ435 إلى صــ445
قوله رحمه الله: [وتتوضأ لوقت كل صلاة]: ذكرنا الآن حكم الموضع وما يجب فيه من طهارة وهذا كله راجع إلى طهارة الخبث فبقي السؤال عن طهارة المستحاضة من الحدث،
فبيّن رحمه الله: أنها تتوضأ لوقت كل صلاة أي عند دخول وقت كل صلاة، وهذا بعد إغتسالها عند إنتهاء عادتها،وهذا الغسل محل إجماع عند العلماء رحمهم الله، وهو غسل الحيض، وأما ما بعد الغسل مما ذكره المصنف رحمه الله من وضوئها لكل صلاة، فهو مسألة خلافية فيها ما يقرب من أربعة أقوال للسلف -رحمة الله عليهم-:
القول الأول: يجب عليها أن تتوضأ عند دخول وقت كل صلاة، وهذا هو مذهب جمهور العلماء -رحمة الله عليهم- من الحنفية في المشهور، والشافعية، والحنابلة.
القول الثاني: يستحب لها الوضوء عند كل صلاة، ولا يجب، وبهذا القول قال المالكية، والظاهرية، وهو قول ربيعة بن أبي عبد الرحمن، الذي يسمى ربيعة الرأي -رحمة الله على الجميع- قالوا لا يجب عليها، ولكن يستحب لها الوضوء عند دخول وقت كل صلاة.
القول الثالث: يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة، وهو أشدّ الأقوال، ومأثور عن بعض أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كعبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- وإحدى الروايات عن علي -رضي الله عنه وأرضاه-، وأفتى به سعيد بن المسيب من فقهاء المدينة رحمه الله.
القول الرابع: أنه يجب عليها أن تغتسل في اليوم مرة واحد دون تعيين، وهو قول علي -رضي الله عنه وأرضاه-.
واستدل أصحاب القول الأول: بما ورد في صحيح البخاري في روايةٍ لحديث عائِشةَ رضي الله عنها في قصة فاطمةَ بنتِ أَبي حُبيش رضي الله عنها،
وفيها قوله: [وتَوضّئِي لِكُلِّ صَلاةٍ] ومثله حديثها عند أحمد، والترمذي، وأبي داود، والنسائي، وابن ماجة.
فقوله: [تَوضّئِي]: أمر يدل على وجوب الوضوء على المستحاضة عند دخول وقت كل صلاة،
وهو معنى قوله: [لِكلِّ صلاةٍ].
وهذه هي أشهر الأقوال في المستحاضة.أما الذين قالوا بغسلها لكل صلاة؛ فالروايات ضعيفة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأمره للمستحاضة بالغسل، إلا ما ورد في حديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أمرها أن تغتسل قال كما في الصحيح: [وكانتْ تَغتَسلُ لكل صَلاةٍ] قالوا: هذا يدل على وجوب غسل المستحاضة لكل صلاة، وهو مذهب من ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم؛ والصحيح أنه لا يجب، وأن اغتسال فاطمة -رضي الله عنها- كان اجتهاداً منها وليس بأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لها لأنه عليه الصلاة والسلام: إنما أمرها أن تغتسل عند إنتهاء عادتها فقط كما هو ظاهر القرآن، والأحاديث الصحيحة عنه عليه الصلاة والسلام.
أما الذين قالوا: بأنه يجب عليها طُهرٌ في يوم واحد فهناك أحاديث ضعيفة، وآثار إستدلوا بها لا تقوى على إثبات ما ذكروه.
والذي يترجح في نظري والعلم عند الله: أنه يجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة على ظاهر ما ذكرناه من حديث فاطمةَ بنتِ أبي حُبيشٍ رضي الله عنها، عند أبي داود، والترمذي، وأحمد، والبيهقي، والحاكم، وصححه غير واحد، وسئل الإمام البخاري -رحمه الله- عنه فحسّن إسناده.هذا حاصل ما يُقال في حكم المستحاضة من جهة طُهْرها.
وقوله رحمه الله: [وتُصلّي فُروضاً، ونَوافلَ]: وتصلي الفروض في الوقت، فتصلي فرض العصر، والظهر، والمغرب، والعشاء، والفجر كُلاً بحسب وقته.فإذا توضأت لصلاة الفجر صلّت بهذا الوضوء الفرض، والنوافل، فابتدأت بركعتي الرّغيبةِ فصلّتهما، ثم ثَنّت بصلاة الفجر، ثم إذا توضأت لصلاة الظهر صَلّت الرّاتبة القبلية، والبعدية، وفرض الظّهر، والفروضَ المقْضِيّة، وسائر النوافل، والتطوع ما دام أن وقت الظهر لم ينته، وهكذا الحكم في بقية الصلوات.
قوله رحمه الله: [ولا تُوطَأُ إِلا مَعَ خَوْفِ العَنَتِ]: الجمهور على أنه لا حرج في وطء المرأة المستحاضة، وهو رواية عن الإمام أحمد، ولم يرد دليلٌ في الكتاب، ولا في السّنة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمنع، أو التحريم، والله -عز وجل- حرّم وطء المرأة الحائض، ولم يحرم وطء المستحاضة.
قالوا: إن الأصل في المرأة أن يَستمتع بها الزوج،
وهذا على ظاهر التنزيل في قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} (1) فإذا ثبت أن الأصل حل الوطء، وجاء عارضٌ، وهو دم الحيض، ونقلنا عن الأصل فإن هذا العارض الناقل يتقيّد بزمانِه، ومدة وجُودِه، فإذا زالَ، وانقطع رجعنا إلى الأصل الموجب لحلِّ الوطء، فهذا هو مسلك الجمهور أنه يجوز الوطء،
وقال بعضهم: مع الكراهة.
وذهب بعض العلماء إلى أنه: يحرم عليه أن يطأها إلا إذا خشي العنت،
والعنت: هو الزنا، يعنى إذا خشي الوقوع في الزنا له أن يطأ الزوجة، ولا حرج عليه في ذلك، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله واختارها جمع من أصحابه رحم الله الجميع.
واستدلوا بقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} فقالوا: إن المراد بالأذى وجود الدم في الفرج فيؤذي الزوج، وأجيب بأن تخصيص الآية لدم الحيض، دون غيره دليلٌ على أن المراد التحريم حال وجود الحيض،
دون غيره بدليل قوله: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} فجعله أذى إلى غاية الطّهر، فلو كان دم الإستحاضة مثله لما قيّده بغاية الطهر لأن دم الإستحاضة يأتي بعد الطُّهر سواء كان الطُّهر حقيقة، أو كان حُكماً فصارت الآية دليلاً على الحلِّ؛ لا على التحريم.
ومما يؤكد ذلك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِل عن حكم دم الإستحاضة، فلم يأمرْ مستحاضةً أن يعتزلَها زوجُها، ولا يجوز تأخيرُ البيانِ عن وقتِ الحاجةِ، فلو كان وطؤها حراماً لا يجوز إلا عند خوف الزِّنا لبيّنه عليه الصلاة والسلام، فلما لم يأمر باجتناب المستحاضة دلّ على أنها قد حلّت لزوجها بطُهْرِها من الحيض كما يقول الجمهور رحمهم الله.
قوله رحمه الله: [ويُسْتحبُّ غُسلُها لِكُلّ صَلاةٍ]: يعني إذا دخل عليها وقت كل صلاة؛ فإنها يستحب لها أن تغتسل، أي تغسل البدن، ولا يجب عليها ذلك؛ لظاهر ما ذكرناه من فعل فاطمة -رضي الله عنها وأرضاها-.
قوله رحمه الله: [وأَكْثَرُ مُدّة النّفاسِ أَربعونَ يَوْماً]: شرع المصنف رحمه الله بهذه الجملة في أحكام دم النفاس،
والنفاس: مأخوذ من النَّفْسِ،
وتطلق النَّفْسُ في اللغة بمعان فيقال: نَفْسُ الشيء بمعنى ذاته، ومنه قولهم: رأيت محمداً نَفْسَه أي: بذاته،
وتطلق النَّفْسُ بمعنى: الرّوح على خلاف بين أهل العلم هل هما بمعنى واحد، أو مختلفان،
وتطلق النَّفْسُ بمعنى: الأخ، ومنه قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} (2)،
وتطلق النَّفْسُ: على الدّم،
ومنه ما ثبت في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لعائِشةَ رضي الله عنها لما حاضت بسرف: [مالكِ أنُفِسْتِ] أي هل أصابك دم الحيض؟ فلما كان الدَّمُ من أسمائه النّفْسُ؛ سُمّي النِّفاسُ نِفَاساً لذلك، من باب تسمية الشيء بسببه،
والنفاس: هو (الدّم الذي يَخرجُ عَقيبَ الوِلادَةِ) فالمراد به دم الولادة، والفرق بينه، وبين دم الحيض أن دم الحيض دم مُعتاد، وهذا دم مخصوص بالولد يكون بعد خروجه من بطن أمه.
قال رحمه الله: [أَكثرُ النّفاسِ أربعونَ يَوْماً]: هذه مسألة خلافية،
وللعلماء فيها قولان مشهوران:القول الأول: الجمهور على أن أكثر النفاس أربعون يوماً، وهو قول عمر، وعثمان، وعلي، وعائشة، وأم سلمة رضي الله عنهم؛
وإستدلوا بما ثبت في الحديث الصحيح عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: [كَانتِ النّفساءُ تَجْلِسُ عَلى عَهْدِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَربعينَ يَوْماً] فدلّ على أنّ أكثَره أربعونَ يوماً.
القول الثاني: أكثر النفاس ستون يوماً، وهو مذهب المالكية، والشافعية، وقول عبد الرحمن الأوزاعي فقيه الشام -رحمة الله على الجميع-، وما جاوز الستين فهو استحاضة، وليس بدم نفاس.وعلى مذهب الجمهور تجلس أربعين يوماً، وما زاد فهو استحاضة، وليس بدم نفاس، وهو الراجح في نظري والعلم عند الله لورود السُّنة به، وليس لأقله حدُّ معين، فلو أن امرأة ولدت ثم جرى معها الدم لحظة واحدة، فأخرجت دفعة واحدة منه ثم انقطع عنها؛ حكمنا بكونها طاهرة؛ لأنه ليس لأقل النفاس حد معتبر.هذا بالنسبة لأقل النِّفاس، وأكثره.
قوله رحمه الله: [ومتى طَهُرتْ قَبْلَه تَطَهرتْ، وصَلتْ]: قوله: [ومَتى طَهُرتْ قَبْلَهُ] يعني: قبل أكثر النفاس، فالضمير عائد إلى النّفاس، وقوله: [تَطهّرتْ، وصَلّتْ] أي: أننا نحكم بطُهْرِها،
ومثال ذلك: امرأة ولدت في أول الشهر، واستمر معها دمُ النّفاس عشرين يوماً، ثم طَهُرت حكمنا بطهرها، فتغتسل، وتصلّي، وتصوم.
وقوله رحمه الله: [طَهُرتْ]: يعني رأت علامات الطهر،
وهي إحدى علامتين:الأولى: القَصّةُ البيضاء: وهي ماء أبيض كالجير تعرفه النساء،
وهو الذي قصدته عائشة رضي الله عنها بقولها: [إِنْتَظِرْنَ لا تَعْجَلِنَّ حَتّى ترينَّ القَصّةَ البَيْضاءَ].
والثانية: الجفوف، والمراد به جفوف الفرج بحيث لو وضعت قطنة خرجت نقيّة لا دم فيها.فإذا رأت إِحدى هاتين العلامتين قبل تمام الأربعين حكمنا بطهرها، فإذا رأت الدم كما قدمنا في المثال السابق عشرين يوماً، ثم رأت علامة الطهر حكمنا بطهرها، ثم إن لم يعاودها قبل تمام الأربعين يوماً فلا إشكال، وإن عاودها قبل تمام الأربعين فهي نفساء حتى تتم أكثر النفاس.
قوله رحمه الله: [ويُكْرَهُ وطْؤُها قَبلَ الأَربعين بَعْد التَّطْهِيرِ]: قال بعض العلماء: المرأة النفساء إذا طَهُرت قبل الأربعين لا تُوطأ، وهو رواية عن الإمام أحمد -رحمة الله عليه- إختارها جمع من أصحابه رحمهم الله.ومنهم من قال إنه محمول على الكراهية، والجمهور على الجواز.لكن ذكر بعض الأطباء فائدة، وهي أن الجماع قبل الأربعين يؤثر في الفرج، وأنه لا يرجع إلى طبيعته قبل الأربعين،
ولذلك قال بعض الأطباء: الأفضل ألا يقع جماع، وذهب بعض العلماء رحمهم الله إلى أن العلّة هي خوف رجوع الدم، ويكون إِنقطاع الطهر عندها مؤقتاً بمعنى اليوم، واليومين، وهذا يحدث فإن المرأة تكون نفساء، ثم تطهر بعد عشرين يوم، وفي اليوم الحادي والعشرين لا ترى شيئاً، ثم في اليوم الثاني والعشرين يعود عليها الدم،
ولذلك قالوا: لا نأمن أنها ما دامت داخل الأربعين أن الدم يعود إليها بعد أن إنقطع.والقول بالجواز أرجح؛ لأنه هو الأصل، ولم يرد دليل في الشرع بالتّحريم كما قدمنا في وطء المستحاضة،
وقد نقل عن حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قوله: [إِذَا صَلّتْ حَلّتْ] وهو يدلّ على أنه إذا حلّت الصلاة للمرأة حلّ وطؤها سواء كانت نفساء، أو حائضاً.
قوله رحمه الله: [فإِنْ عَاودَها الدّمُ فَمشكُوكٌ فيه]: يعني إذا عاود الدّمُ المرأة النفساء بعد أن طهرت وقبل تمام الأربعين فمشكوك فيه بمعنى: أنه يحتمل أنه: نِفَاسٌ إستصحاباً للأصل،
ويحتمل أنه: إستحاضة، ومشى المصنف رحمه الله على كونه مشكوكاً فيه، والأصل يقتضى إلحاقه بالنفاس؛ لأنه في أمده، ووقته وهو الراجح، لكن يُعتذر للقول المرجوح بأنها رأت علامة الطهر قبله فتنازعه الأصلان؛ فهذا هو وجه إعتباره مشكوكاً فيه.
قوله رحمه الله: [تَصُومُ، وتُصلّي، وتَقضِي الوَاجِبَ]: بناءً على الأصل، واليقين أنها طاهر، والدم مشكوك فيه فنلغي الشك، ونبقي على اليقين للقاعدة المشهورة [اليَقينُ لا يُزَالُ بِالشّك] فاليقين أنها مطالبة بفريضة الصلاة، والصيام، وشكَكْنا في سقوطهما؛ فبقينا على الأصل الموجب للمطالبة بهما، فهذا هو وجه مطالبتها بالصوم، والصلاة، وقد قدمنا أن الراجح أنه نفاس إن عاد قبل تمام أكثره.
قوله رحمه الله: [وهو كالحيْضِ فِيمَا يَحِلُّ، ويَحرُمُ، ويَجِبُ]: قوله رحمه الله: [وهو] أي: النفاس،
وقوله: [كالحيض فيما يحلُّ، ويَحرمُ، ويَجِبُ] أي: أن النفاس يمنع ما يمنع منه الحيض، وقد تقدم بيان موانع الحيض، فالمرأة النفساء لا تصوم، ولا تصلي، ولا تدخل المسجد، ولا تلمس المصحف كما ذكرنا في الحائض، ويستثني من ذلك ما ذكره -رحمه الله-
من قوله:قوله رحمه الله: [ويَسْقُط؛ غيرَ العدةِ، والبلوغِ]: قوله: [ويَسْقُطُ]؛
أي: أن النفاس كالحيض يسقط التكليف بالصلاة، والصوم، وقد سمى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحيض نفاساً؛ لكن يستثنى من مساواة النفاس بالحيض العدة، والبلوغ، فإنك لا تحكم بكون المرأة تعتد بدمِ النّفاس بخلاف دم الحيض؛ فإنها تعتد به،
ولذلك قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (3) فردّهن إلى الدم الذي هو دم الحيض،
قيل: قروء أطهار وقيل: حيضات كما سنبينه في باب الطلاق إن شاء الله تعالى، ولأن العدّة في الحامل تنتهي بوضع الحمل، لا بخروج دم النفاس،
لقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.أما بالنسبهَ للبلوغ فقالوا: لا يثبت البلوغ بدم النفاس؛ لأنها بحملها يثبت البلوغ، ولذلك يرى العلماء أن الحمل دليل على البلوغ.
قال النّاظم رحمه الله:
وكلُّ تَكْليفٍ بِشَرْطِ العَقْلِ ... مَعَ البُلُوغِ بِدَم أَوْ حَمْلِأ
و بمنيٍ أوْ بإنباتِ الشَّعَرْ ... أو بِثمَاني عَشرةٍ حَوْلاً ظَهَرْ
وإن كان الصحيح أن خمسة عشر توجب البلوغ، لظاهر حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيح، كما سيأتي بيانه في علامات البلوغ.
قوله رحمه الله: [وإِنْ ولَدتْ تَوأَمَينِ؛ فَأوّلُ النِّفَاسِ، وآخِرهُ مِنْ أَوّلِهمَا]: أي أننا نعتد في توقيت دم النفاس بأوّل الولدين،
فعلى سبيل المثال: لو أنّ إِمرأة ولدت ولدين: الولد الأول ولدته في اليوم العاشر من الشهر، والثاني ولدته في الثاني عشر فإننا نعتد باليوم العاشر؛ فإذا أتمّت به الأربعين طهُرت على مذهب القائلين بالأربعين.وإعتبار الولد الأول هو مذهب الجمهور؛ لأنه الأصل في الولادة، والثاني تَبع له.وقال الظاهرية ومن وافقهم العبرة بالولد الثاني، فتبدأ إحتساب مدة النفاس من الولد الثاني فبيّن رحمه الله أن العبرة بأول الولدين لا بآخرهما، وهكذا الحكم عنده فيما لو كانت الولادة لتوائم أكثر، فالعبرة بالولد الأوّل لأنه حَمْل واحدٌ آخذ حكم البطن الواحد لا فرق بين أن تضع ولداً، أو أولاداً فكلّه بطنٌ واحد كما لو ولدت واحداً.
وآخِر دَعْوانا أنِ الحمد لله رب العَاَلميْنَ وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(1) البقرة، آية: 187.
(2) النساء، آية: 29.
(3) البقرة، آية: 228.