حكم صرف النقود وأدلة مشروعيته
عاصم أحمد عطية بدوي
حكم الصرف:
الصرف نوع من أنواع البيوع الجائزة، وهذا ما دلت عليه عموم الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز بيع الأموال الربوية بعضها ببعض عند اتحاد الجنسين مع المماثلة، أو عند اختلافهما ولو مع التفاضل، بأن كان يداً بيد[1].
أدلة مشروعية الصرف:
أولاً: من الكتاب:
الصرف مشروع بكتاب الله عز وجل، وثبتت مشروعيته بعموم النصوص الدالة على مشروعية البيع؛ لأن الصرف نوع من أنواع البيع، ومن هذه النصوص:
قوله عز وجل: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾[2].
قوله عز وجل: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾[3].
وجه الدلالة من الآيتين:
أن عموم الآيتين السابقتين تدلان على إباحة البيع المطلق، وحيث إن الصرف نوع من أنواع البيوع فيشمله الحكم والمشروعية[4].
ثانياً: من السنة:
وردت أحاديث كثيرة تدل علي مشروعية الصرف منها:
1 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلاً بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى الآخِذُ وَالْمُعْطِى فِيهِ سَوَاءٌ"[5].
2 - وعنه رضي الله عنه أيضا قال: قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم "لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَبِالْوَرِقِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ وَلاَ تُشِفُّوا[6] بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلاَ تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ" [7].
3 - وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم "لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلا سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَالْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ إِلا سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْتُمْ"[8].
4 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْوَرِقُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ"[9].
5 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمَا وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمَا:"[10].
وجه الدلالة من الأحاديث:
أفادت عموم النصوص السابقة على جواز بيع الأثمان بعضها ببعض إذا توفرت فيها شروط صحته، وهذا هو الصرف، ففي الصحيح عن أبي المنهال رضي الله عنه قال: سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف فقالا كنا تاجرين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصرف فقال: "إِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلا بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ نَسَاءً فَلا يَصْلُحُ"[11] وهذا نص ظاهر في مشروعية الصرف إذا توفرت فيه الشروط.
ثالثاً: من المعقول:
ويستدل على مشروعية الصرف، بحاجة الناس إليه، وحاجات الناس تنزل منزلة الضرورة في التعامل[12]، وأن الصرف يحقق مصالح العباد ويعمل على تيسير معاملاتهم، وذلك لقضاء حاجاتهم، فقد يكون شخص بحاجة إلى ذهب وليس معه إلا فضة[13]، كما أن الصرف يجري آلاف المرات يومياً ولا غنى عنه في عصرنا الحاضر، وذلك لكثرة تنقل الناس بين البلدان، فربما يكون معهم عملة بلدانهم الأصلية فيحتاجون إلى عملة البلد المستضيفة لهم، فلا يستطيعون الشراء ولا قضاء حوائجهم إلا بمبادلة العملات بعضها ببعض وهذا هو الصرف.
[1] الزحيلي: الفقه الإسلامي وأدلته (5/ 3660)، موسى: أحكام المعاملات (ص 219).
[2] سورة البقرة: من الآية (275).
[3] سورة النساء: الآية (29).
[4] القرطبي: الجامع لأحكام القران (2/ 306).
[5] أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب: المساقاه، باب: الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا 5/ 44 ح 4148)، وأخرجه الإمام احمد في مسنده (3/ 97 ح 11947).
[6] قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تُشِفُّوا" أي لا تفضلوا، يقال: أشف عليه إذا فضله وفاقه، الشف بالكسر الزيادة والنقصان وهو من الأضداد، ابن حجر: فتح الباري (1/ 139)، الزبيدي: تاج العروس (23/ 521).
[7] أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب: البيوع، باب: بيع الفضة بالفضة، 3/ 74 ح 2177)، ومسلم في صحيحه (كتاب: المساقاة، باب: الربا 5/ 42 ح 4138).
[8] أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب: البيوع، باب: بيع الذهب بالذهب 3/ 74 ح 21752).
[9] أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب: المساقاه، باب: الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا 5/ 44 ح 4147)، وأخرجه الترمذي في سننه (كتاب: البيوع، باب: ما جاء في الصرف (2/ 524 ح 1243)، وأخرجه الإمام احمد في مسنده (5/ 320 ح 22779).
[10] أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب: المساقاه، باب: الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا 5/ 45 ح 4153).
[11] أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب: المساقاة، باب: الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا 3/ 55 ح 2062).
[12] موسي: أحكام المعاملات (ص 219).
[13] بشارات: أثر الأجل في عقد البيع في الفقه الإسلامي (ص 105).