عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 11-08-2020, 04:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,214
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تساؤلات حول التوسل والوسيلة

أيها الإخوة:
ولقد فسرت بعض روايات الحديث الصحيحة كلام عمر المذكور فى قصة التوسل وقصده، إذ نقلت دعاء العباس - رضي الله عنه - استجابة لطلب عمر رضي الله عنه، فمن ذلك ما نقله الحافظ العسقلاني - رحمه الله - في "الفتح"[12] حيث قال: قد بين الزبير بن بكار في"الأنساب" صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة، والوقت الذي وقع فيه ذلك، فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال: اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجّه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث، قال: فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض، وعاش الناس.

وواضح في هذا الحديث: أن التوسل بدعاء العباس - رضي الله عنه - لا بذاته كما بينه الزبير بن بكار وغيره، وفي هذا رد واضح على الذين يزعمون أن توسل عمر كان بذات العباس لا بدعائه، إذ لو كان الأمر كذلك لما كان ثمة حاجة ليقوم العباس، فيدعو بعد عمر دعاءً جديداً.

ثانياً: إن عمر صرح بأنهم كانوا يتوسلون بنبينا في حياته، وأنه في هذه الحادثة توسل بعمه العباس، ومما لا شك فيه أن التوسليْن من نوع واحد: توسلهم بالرسول وتوسلهم بالعباس، وإذ تبين أن توسلهم به صلى الله عليه وسلم إنما كان توسلاً بدعائه فتكون النتيجة أن توسلهم بالعباس إنما هو توسل بدعائه أيضاً، بضرورة أن التوسليْن من نوع واحد.

إذا تبين هذا: علمنا أن قوله كنا نتوسل إليك بنبينا، أي بدعائه، وبذا نعلم أن التوسل الذي حدث من عمر إلى العباس أنه طلب من العباس أن يدعو الله أن يسقي الناس فدعا العباس وهذا لا يدل على التوسل بذوات الصالحين وبهذا يسقط الاستدلال بهذا الأثر أيضاً.

رابعاً: حديث الضرير: يرون أن هذا الحديث يدل على جواز التوسل في الدعاء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الصالحين، إذ فيه أن النبي علم الأعمى أن يتوسل به في دعائه، وقد فعل الأعمى ذلك فعاد بصيراً.

وحديث الضرير هو ما أخرج أحمد وغيره بسند صحيح عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي، فقال: ادع الله أن يعافيني. قال: إن شئت دعوت لك، وإن شئت أخّرتُ ذاك، فهو خير، وفي رواية: وإن شئتَ صبرتَ فهو خير لك، فقال: ادعهُ. فأمره أن يتوضأ، فيحسن وضوءه، فيصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهتُ بك إلى ربي في حاجتي هذه، فتقضى لي، اللهم فشفّعه فيَّ [وشفّعني فيه]. قال: ففعل الرجل فبرأ.[13]

يقولون: فهذا دليل وحجة على جواز التوسل بذات الرسول صلى الله عليه وسلم والجواب: إن هذا الحديث لا حجة لهم فيه على التوسل بالذات، بل هو دليل التوسل المشروع، لأن توسل الأعمى إنما كان بدعائه صلى الله عليه وسلم وليس بجاهه وذاته.

والأدلة على ما نقول من الحديث نفسه كثيرة، وأهمها:
أولاً: أن الأعمى إنما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليدعو له، وذلك قوله: ادعُ الله أن يعافيني فهو توسل إلى الله تعالى بدعائه، لأنه يعلم أن دعاءه أرجى للقبول عند الله بخلاف دعاء غيره، ولو كان قصد الأعمى التوسل بذات النبي أو جاهه أو حقه لما كان ثمة حاجة به إلى أن يأتي النبي، ويطلب منه الدعاء له، بل كان يقعد في بيته، ويدعو ربه بأن يقول مثلاً: اللهم إني أسألك بجاه نبيك ومنزلته عندك أن تشفيني، وتجعلني بصيراً. ولكنه لم يفعل، لماذا؟ لأنه عربي يفهم معنى التوسل في لغة العرب حق الفهم، ويعرف أنه ليس كلمة يقولها صاحب الحاجة، يذكر فيها اسم المتوسَّل به، بل لابد أن يشتمل على المجيء إلى من يعتقد فيه الصلاح والعلم بالكتاب والسنة، وطلب الدعاء منه له ها هو ذا قد فعل فأتى رسول الله ليدعو له.

ثانياً: أن النبي وعده بالدعاء مع نصحه له ببيان ما هو الأفضل له، وهو قوله:
إن شئت دعوتُ، وإن شئت صبرت فهو خير لك. وهذا الأمر الثاني هو ما أشار إليه في الحديث الذي أخرجه البخاري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه - أي عينيه - فصبر، عوضته منهما الجنة. [14]

ثالثاً: إصرار الأعمى على الدعاء وهو قوله: فادع فهذا يقتضي أن الرسول دعا له، لأنه خير من وفى بما وعد، وقد وعده بالدعاء له إن شاء كما سبق، فقد شاء الدعاء وأصر عليه، فإذن لا بد أنه دعا له، فثبت المراد، وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم الأعمى بدافع من رحمته، وبحرص منه أن يستجيب الله تعالى دعاءه فيه، وجهه إلى النوع الثاني من التوسل المشروع، وهو التوسل بالعمل الصالح، ليجمع له الخير من أطرافه، فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يدعو لنفسه وهذه الأعمال طاعة لله سبحانه وتعالى يقدمها بين يدي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له، وهي تدخل في قوله تعالى : وابتغوا إليه الوسيلة كما سبق.

وهكذا فلم يكتف الرسول صلى الله عليه وسلم بدعائه للأعمى الذي وعده به، بل شغله بأعمال فيها طاعة لله سبحانه وتعالى وقربة إليه، ليكون الأمر مكتملاً من جميع نواحيه، وأقرب إلى القبول والرضا من الله - سبحانه وتعالى -، وعلى هذا، فالحادثة كلها تدور حول الدعاء - كما هو ظاهر - وليس فيها ذكر شيء مما يزعمون.

ولذلك فإن هذا الحديث ذكره العلماء في معجزات النبي ودعائه المستجاب، وما أظهره الله ببركة دعائه من الخوارق والإبراء من العاهات، فإنه بدعائه لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره، ولذلك أخرجه المصنفون في"دلائل النبوة" كالبيهقي وغيره، فهذا يدل على أن السر في شفاء الأعمى إنما هو دعاء النبي فقول الأعمى في دعائه: اللهم إني أسألك، وأتوسل إليك بنبيك محمد إنما المراد به: أتوسل إليك بدعاء نبيك، أي على حذف المضاف، وهذا أمر معروف في اللغة، كقوله تعالى : ﴿ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ﴾. [يوسف: 82] أي: أهلَ القرية وأصحابَ العير.

هذا ولا بد من بيان ناحية هامة تتعلق بهذا الموضوع، وهي أننا حينما ننفي التوسل بجاه النبي، وجاه غيره من الأنبياء والصالحين فليس ذلك لأننا ننكر أن يكون لهم جاه، أو قدر أو مكانة عند الله، كما أنه ليس ذلك لأننا نبغضهم، وننكر قدرهم ومنزلتهم عند الله، ولا تشعر أفئدتنا بمحبتهم، كلا ثم كلا، فنحن ولله الحمد من أشد الناس تقديراً لرسول الله، وأكثرهم حباً له، واعترافاً بفضله. ونحن كذلك من أعرف الناس بأقدار الصالحين من الأولين والآخرين بما عرفنا الله في كتابه وما عرفنا رسوله في سنته نسأل الله أن يحشرنا مع نبيه والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأغنى وأقنى، وجعلنا من خير أمة تأمر وتنهى، والصلاة والسلام على خير الورى، وما ضل وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى.

أما بعد، فيا أيها الإخوة!
خامساً: الأحاديث الضعيفة في التوسل:
يحتج مجيزو التوسل المبتدع بأحاديث كثيرة، إذا تأملناها نجدها غير ثابتة النسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه الأحاديث كثيرة، فأكتفي بذكر ما اشتهر منها، فأقول:
الحديث الأول:
عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: من خرج من بيته إلى الصلاة، فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وأسألك بحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً...أقبل الله عليه بوجهه. [15]

فهذا الحديث أخرجه أحمد واللفظ له، وابن ماجه، وإسناده ضعيف.

الحديث الثاني:
حديث بلال وهو ما رُوي عنه أنه قال: كان رسول الله إذا خرج إلى الصلاة قال: بسم الله، آمنت بالله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم بحق السائلين عليك، وبحق مخرجي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً.. [16]

والحديث أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"- من طريق الوازع بن نافع العقيلي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله عنه.

وهذا سند ضعيف جدّاً، وآفته الوازع هذا، فإنه لم يكن عنده وازع يمنعه من الكذب.

الحديث الثالث:
عن أبي أمامة قال: كان رسول الله إذا أصبح، وإذا أمسى دعا بهذا الدعاء: اللهم أنت أحق من ذكر، وأحق من عبد.. أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السموات والأرض، وبكل حق هو لك، وبحق السائلين عليك.... [17]

والحديث قال عنه الهيثمي في "مجمع الزوائد": أخرجه الطبراني، وفيه فضال بن جبير، وهو ضعيف مُجْمَع على ضعفه.

بل هو ضعيف جدّاً، اتهمه ابن حبان فقال: شيخ يزعم أنه سمع أبا أمامة، يروي عنه ما ليس من حديثه. وقال أيضاً: لا يجوز الاحتجاج به بحال، يروي أحاديث لا أصل لها.

وهنا وقفة لطيفة عن أهل الحديث وهي أنهم يقولون: توثيق ابن حبان وتحسين الترمذي لا يعتد بهما كثيراً، لأن ابن حبان متساهل في التوثيق والترمذي متساهل في التحسين فإذا كان ابن حبان يتساهل في التوثيق وهذا قوله في ابن جنيد هذا فماذا يكون حاله ليكون قول ابن حبان فيه هكذا لا شك أنه ساقط كذاب فالحديث لا يصح.

الحديث الرابع:
عن أنس بن مالك قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي رضي الله عنهما دعا أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون، فلما فرغ دخل رسول الله، فاضطجع فيه فقال: الله الذي يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد، ولقنها حجتها، ووسع مدخلها بحق نبيك، والأنبياء الذين من قبلي، فإنك أرحم الراحمين......[18]

والحديث قال عنه الهيثمي أيضاً في "مجمع الزوائد": فالحديث إذًا لا تقوم به حجة.

الحديث الخامس:
عن أمية بن عبدالله بن خالد بن أسيد قال: كان رسول الله يستفتح بصعاليك المهاجرين. [19]

والحديث أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" ومداره على أمية بن خالد يرفعه، ولم تثبت صحبته، فالحديث مرسل ضعيف، لا تقوم به حجة.

الحديث السادس:
عن عمر بن الخطاب مرفوعاً: لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال: يا آدم! وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال: يا رب لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك رفعت رأسي، فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تُضِف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال: غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتُك. [20]

والحديث أخرجه الحاكم في "المستدرك" وقال الذهبي عن هذا الحديث: هو حديث موضوع، ومما يؤيد كذب هذا الحديث وبطلانه أنه يخالف القرآن الكريم في موضعين منه:
الأول: أنه تضمن أن الله تعالى غفر لآدم بسبب توسله به، والله - عز وجل - يقول: ﴿ فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾. [البقرة: 37] وقد جاء تفسير هذه الكلمات عن ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما مما يخالف هذا الحديث، فأخرج الحاكم[21] عنه: فتلقى آدم من ربه كلمات قال: أي رب! ألم تخلقني بيدك؟ قال: بلى. قال: ألم تنفخ فيَّ من روحك؟ قال: بلى. قال: أي رب! ألم تسكنّي جنتك؟ قال: بلى. قال: ألم تسبق رحمتك غضبك؟ قال: بلى. قال: أرأيت إن تبتُ وأصلحت، أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال: بلى. قال ابن عباس: فهو قوله: فتلقى آدم من ربه كلمات وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

وقول ابن عباس هذا في حكم المرفوع من وجهين:
الأول: أنه أمر غيبي لا يقال من مجرد الرأي.

والثاني: أنه ورد في تفسير الآية، وما كان كذلك فهو في حكم المرفوع، ولا سيما إذا كان من قول إمام المفسرين عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي دعا له رسول الله بقوله: اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل. [22]

وأما ما قيل في تفسير هذه الكلمات: إنها ما في الآية الأخرى قالا: ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. وبهذا جزم بعض المفسرين[23].

فهو مقبول أيضاً ولا منافاة بين القولين، بل أحدهما يتمم الآخر، فحديث ابن عباس لم يتعرض لبيان ما قاله آدم عليه السلام بعد أن تلقى من ربه تلك الكلمات وهذا القول يبين الكلمات، فلا منافاة والحمد لله، وبهذا ثبت مخالفة الحديث للقرآن، فكان باطلاً وهذا هو الموضع الأول.

الموضع الثاني: قوله في آخره: ولولا محمد ما خلقتك، فإن هذا أمر عظيم يتعلق بالعقائد التي لا تثبت إلا بنص متواتر اتفاقاً، أو صحيح عند آخرين، ولو كان ذلك صحيحاً لورد في الكتاب والسنة الصحيحة، وافتراض صحته في الواقع مع ضياع النص الذي تقوم به الحجة ينافي قوله -تبارك وتعالى-: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9] والذكر هنا يشمل الشريعة كلها قرآناً وسنة، كما قرره ابن حزم في "الإحكام" وأيضاً فإن الله تبارك وتعالى قد أخبرنا عن الحكمة التي من أجلها خلق آدم وذريته، فقال - عز وجل -: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، فكل ما خالف هذه الحكمة أو زاد عليها لا يقبل إلا بنص صحيح عن المعصوم كمخالفة هذا الحديث الباطل. ومثله ما اشتهر على ألسنة الناس: لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك، فإنه كذب وموضوع كما قاله الصنعاني ووافقه الشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة"[24].

ومن الطرائف أن المتنبي ميرزا غلام أحمد القادياني الكافر سرق هذا الحديث الموضوع المكذوب فادعى أن الله خاطبه بقوله: لولاك لما خلقت الأفلاك!! وهذا شيء يعترف به أتباعه القاديانيون، لوروده في كتاب متنبئهم "حقيقة الوحي" فسبحان الله الذي وفق بين مكذوب وكذاب[25].

الحديث السابع: توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم، وبعضهم يرويه بلفظ: إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي، فإن جاهي عند الله عظيم.

وهذا باطل لا أصل له في شيء من كتب الحديث ألبتة، وإنما يرويه بعض الجهال بالسنة كما نبَّه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في "القاعدة الجليلة"[26] قال: مع أن جاهه عند الله أعظم من جاه جميع الأنبياء والمرسلين، ولكن جاه المخلوق عند الخالق ليس كجاه المخلوق عند المخلوق فإنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، والمخلوق يشفع عند المخلوق بغير إذنه، فهو شريك له في حصول المطلوب، والله تعالى لا شريك له كما قال سبحانه: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السموات وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [سورة سبأ: 22-23]، فلا يلزم إذن من كون جاهه عند ربه عظيماً، أن نتوسل به إلى الله تعالى ، لعدم ثبوت الأمر به عنه، ويوضح ذلك أن الركوع والسجود من مظاهر التعظيم فيما اصطلح عليه الناس، فقد كانوا وما يزال بعضهم يقومون ويركعون ويسجدون لمليكهم ورئيسهم والمعظم لديهم، ومن المتفق عليه بين المسلمين أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو أعظم الناس لديهم، وأرفعهم عندهم. ترى فهل يجوز لهم أن يقوموا ويركعوا ويسجدوا له في حياته وبعد مماته؟
الجواب: إنه لا بد لمن يجوز ذلك، من أن يثبت وروده في الشرع، وقد نظرنا فوجدنا أن السجود والركوع لا يجوزان إلا له - سبحانه وتعالى -، وقد نهى النبي أن يسجد أو يركع أحد لأحد، كما أننا رأينا في السنة كراهية النبي للقيام، فدل ذلك على عدم مشروعيته.

ترى فهل يستطيع أحد أن يقول عنا حين نمنع السجود لرسول الله: إننا ننكر جاهه وقدره؟ كلا ثم كلا، فظهر من هذا بجلاء إن شاء الله تعالى أنه لا تلازم بين ثبوت جاه النبي وبين تعظيمه بالتوسل بجاهه ما دام أنه لم يرد في الشرع.

هذا، وإن مما يغفل عنه هؤلاء أن من جاهه أنه يجب علينا اتباعه وإطاعته كما يجب إطاعة ربه، وقد ثبت عنه أنه قال: ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا أمرتكم به.[27]

فإذ لم يأمرنا بهذا التوسل - ولو أمرَ استحباب - فليس عبادة، فيجب علينا اتباعه في ذلك وأن ندع العواطف جانباً، ولا نفسح لها المجال حتى ندخل في دين الله ما ليس منه بدعوى حبه، فالحب الصادق إنما هو بالاتباع، وليس بالابتداع كما قال - عز وجل -: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].

ومنه قول الشاعر:
تعصى الإلهَ وأنت تظهر حبَّه
هذا لَعَمْرُك في القياس بديع

لو كان حبك صادقاً لأطعتَه
إن المحب لِمن يحب مطيع


أيها الإخوة!
وهكذا يتبين لنا أن من يجيزون التوسل المبتدع يحتجون بأحاديث إذا تأملناها نجدها تندرج تحت نوعين اثنين: الأول ثابت النسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه لا يدل على مرادهم ولا يؤيد رأيهم، فقد فهموه خطأ.

والنوع الثاني غير ثابت النسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو إما مكذوب أو ضعيف.

وهذا وذاك لا يصح دليلاً على التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم ولا بالأموات من الأولياء والصالحين، وبقي معنا بعض التساؤلات نرجئها إلى اللقاء القادم بمشيئة الله، نسأل الله أن يعلمنا من ديننا ما ينفعنا، وأن يأخذ بأيدينا إليه أخذ الكرام عليه.

الدعاء.


[1] تفسير الطبري - (10 / 289).

[2] تفسير ابن كثير - (3 / 103).

[3] أخرجه البخاري (4714، 4715), ومسلم 7742.

[4] فتح الباري (13 / 191).

[5] أخرجه مالك 1628, والحاكم 291، وصححه الألباني في: "المشكاة".

[6] المجموع (8/217) الإيضاح (ص498).

[7] أخرجه الترمذي (2180)، (4 / 475)، وأحمد (5 / 218), وصححه الألباني المشكاة 5408.

[8] أخرجه ابن بطة في « الإبانة الكبرى"(97).

[9] أخرجه أحمد (3121).

[10] هذه مفاهيمنا (ص76), نقلًا عن تحقيق: سامي بن محمد سلامة لتفسير ابن كثير, انظر: (2 / 348), دار طيبة للنشر والتوزيع.

[11] أخرجه أبو داود (1173) والطحاوي (1 / 192) والبيهقي (3 / 349) والحاكم أيضا (1 / 328), وحسنه الألباني في إرواء الغليل (3 / 136).

[12]"الفتح" 3/150.

[13] أخرجه الترمذي (3578)، وأحمد (4 / 138) وابن ماجه (1385), والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (1 / 519).

[14] أخرجه البخاري (5653).

[15] أخرجه أحمد 3/21 واللفظ له، وابن ماجه، وانظر تخريجه مفصلاً في"سلسلة الأحاديث الضعيفة" رقم 24.
وإسناده ضعيف.

[16] أخرجه ابن السني في"عمل اليوم والليلة – رقم 82.

[17] مجمع الزوائد"10/117.

[18]"مجمع الزوائد"9/257.

[19] أخرجه الطبراني في"المعجم الكبير"1/81/2.

[20] أخرجه الحاكم في"المستدرك"2/615.

[21] 3/545.

[22] رواه البخاري (75).

[23] انظر تفسير المنار(1/279).

[24] ص132، 150.

[25] ص99.

[26] ص116.

[27] قال في أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم - (3 / 942): رواه الطبراني بإسناد صحيح - كما في" الإبداع" -.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.06 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.54%)]