
11-08-2020, 03:52 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,345
الدولة :
|
|
رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
الحلقة (533)
تفسير السعدى
سورة الأحقاف
من الأية(17)الى الأية(26)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
تفسير سورة الأحقاف
{ وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } 17 { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } 18 { وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَلِيُوَفِّيَهُ مْ أَعْمَٰلَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }19
لما ذكر تعالى حال الصالح البار لوالديه، ذكر حالة العاق، وأنها شر الحالات، فقال: { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ } إذ دعواه إلى الإيمان بالله واليوم الآخر، وخوفاه الجزاء.
وهذا أعظم إحسان يصدر من الوالدين لولدهما، أن يدعواه إلى ما فيه سعادته الأبدية، وفلاحه السرمدي، فقابلهما بأقبح مقابلة، فقال: { أُفٍّ لَّكُمَآ } أي: تباً لكما، ولما جئتما به.
ثم ذكر وجه استبعاده وإنكاره لذلك فقال: { أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ } من قبري إلى يوم القيامة { وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي } على التكذيب، وسلفوا على الكفر، وهم الأئمة المقتدى بهم، لكل كفور وجهول ومعاند؟ { وَهُمَا } أي: والداه { يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ } عليه، ويقولان له: { وَيْلَكَ آمِنْ } أي: يبذلان غاية جهدهما، ويسعيان في هدايته أشد السعي، حتى إنهما - من حرصهما عليه - أنهما يستغيثان الله له، استغاثة الغريق، ويسألانه سؤال الشريق، ويعذلان ولدهما، ويتوجعان له، ويبينان له الحق، فيقولان: { إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } ثم يقيمان عليه من الأدلة ما أمكنهما، وولدهما لا يزداد إلا عتواً ونفوراً، واستكباراً عن الحق وقدحاً فيه، { فَيَقُولُ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } أي: إلا منقول من كتب المتقدمين، ليس من عند الله، ولا أوحاه الله إلى رسوله، وكل أحد يعلم أن محمداً صلى الله عليه وسلم أُمِّيٌّ لا يكتب ولا يقرأ، ولا تعلم من أحد، فمن أين يتعلَّمه؟ وأنَّى للخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً؟ { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ } بهذه الحالة الذميمة { حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } أي: حقت عليهم كلمة العذاب { فِيۤ } جملة { أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ } على الكفر والتكذيب، فسيدخل هؤلاء في غمارهم، وسيغرقون في تيارهم.
{ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } والخسران فوات رأس مال الإنسان، وإذا فقد رأس ماله، فالأرباح من باب أولى وأحرى، فهم قد فاتهم الإيمان، ولم يحصلوا على شيء من النعيم، ولا سلموا من عذاب الجحيم. { وَلِكُلٍّ } من أهل الخير وأهل الشر { دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ } أي: كلٌّ على حسب مرتبته من الخير والشر، ومنازلهم في الدار الآخرة على قدر أعمالهم، ولهذا قال: { وَلِيُوَفِّيَهُ مْ أَعْمَٰلَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } بأن لا يزاد في سيئاتهم، ولا ينقص من حسناتهم.
{ وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُ مْ بِهَا فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ }20
يذكر تعالى حال الكفار عند عرضهم على النار حين يوبخون ويقرعون، فيقال لهم: { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا } حيث اطمأننتم إلى الدنيا، واغتررتم بلذاتها، ورضيتم بشهواتها، وألهتكم طيباتها عن السعي لآخرتكم، وتمتعتم تمتع الأنعام السارحة فهي حظكم من آخرتكم، { فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ } أي: العذاب الشديد، الذي يهينكم ويفضحكم بما كنتم تقولون على الله غير الحق، أي: تنسبون الطريق الضالة التي أنتم عليها إلى الله، وإلى حكمه، وأنتم كذبة في ذلك، { وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ } أي: تتكبرون عن طاعته، فجمعوا بين قول الباطل، والعمل بالباطل، والكذب على الله بنسبته إلى رضاه، والقدح في الحق، والاستكبار عنه، فعوقبوا أشد العقوبة.
{ وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } 21 { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } 22 { قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } 23 { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } 24 { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } 25 { وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }26
{ وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ } إلى آخر القصة أي: { وَٱذْكُرْ } بالثناء الجميل { أَخَا عَادٍ } وهو هود عليه السلام، حيث كان من الرسل الكرام، الذين فضلهم الله تعالى بالدعوة إلى دينه، وإرشاد الخلق إليه.
{ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ } وهم عاد { بِٱلأَحْقَافِ } أي: في منازلهم المعروفة بالأحقاف، وهي: الرمال الكثيرة في أرض اليمن. { وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } فلم يكن بدعاً منهم ولا مخالفاً لهم، قائلاً لهم: { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }.
فأمرهم بعبادة الله، الجامعة لكل قولٍ سديد وعمل حميد، ونهاهم عن الشرك والتنديد، وخوّفهم - إن لم يطيعوه - العذاب الشديد، فلم تفد فيهم تلك الدعوة.
{ قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا } أي: ليس لك من القصد، ولا معك من الحق، إلا أنك حسدتنا على آلهتنا، فأردت أن تصرفنا عنها.
{ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } وهذا غاية الجهل والعناد.
{ قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ } فهو الذي بيده أزمة الأمور ومقاليدها، وهو الذي يأتيكم بالعذاب إن شاء.
{ وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ } أي: ليس عليَّ إلا البلاغ المبين، { وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } فلذلك صدر منكم ما صدر من هذه الجرأة الشديدة، فأرسل الله عليهم العذاب العظيم، وهو الريح التي دمرتهم وأهلكتهم، ولهذا قال: { فَلَمَّا رَأَوْهُ } أي: العذاب { عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ } أي: معترضاً كالسحاب، قد أقبل على أوديتهم التي تسيل، فتسقي نوابتهم، ويشربون من آبارها وغُدْرانها. { قَالُواْ } مستبشرين: { هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } أي: هذا السحاب سيمطرنا. قال تعالى: { بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ } أي: هذا الذي جنيتم به على أنفسكم، حيث قلتم: { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } { رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ } تمر عليه من شدتها ونحسها. فسلطها الله عليهم{ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [الحاقة: 7] [ { بِأَمْرِ رَبِّهَا } أي: بإذنه ومشيئته].
{ فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ } قد تلفت مواشيهم وأموالهم وأنفسهم.
{ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } بسبب جرمهم وظلمهم، هذا مع أن الله تعالى قد أدَّر عليهم النعم العظيمة، فلم يشكروه، ولا ذكروه، ولهذا قال: { وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ } أي: مكناهم في الأرض يتناولون طيباتها، ويتمتعون بشهواتها، وعمرناهم عمراً، يتذكر فيه من تذكر، ويتعظ فيه المهتدي، أي: ولقد مكنا عاداً كما مكناكم يا هؤلاء المخاطبون، أي: فلا تحسبوا أن ما مكناكم فيه مختص بكم، وأنه سيدفع عنكم من عذاب الله شيئاً، بل غيركم أعظم منكم تمكيناً، فلم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم ولا جنودهم من الله شيئاً.
{ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً } أي: لا قصور في أسماعهم ولا أبصارهم ولا أذهانهم، حتى يقال إنهم تركوا الحق جهلاً منهم، وعدم تمكن من العلم به، ولا خلل في عقولهم، ولكن التوفيق بيد الله.
{ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ } لا قليل ولا كثير، وذلك بسبب أنهم { يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } الدالة على توحيده وإفراده بالعبادة.
{ وَحَاقَ بِهم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي: نزل بهم العذاب الذي يكذبون بوقوعه، ويستهزؤون بالرسل الذين حذروهم منه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|