تعظيم الأجر في أيام العشر
الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي
الحمد لله الذي جعل لعباده الصالحين مواسمَ يستكثرون فيها مِن العملِ الصالح، وأمدَّ في آجالِهم فهُم بين غادٍ في الخير ورائِح. وأشهد أن لا إله إلا الله، يهدي مَنْ يشاء ويُعافي فضلًا، ويُضِلُّ مَنْ يشاء ويخذلُ عدْلًا. فهذا خاسرٌ وذاك رابِح، ولا يهلِكُ على الله إلا هالِك.
وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، أعظم داعٍ إلى الله وناصح، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وأصحابه، الطيبين الطاهرين، ومَن تبعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا. أما بعد:
عباد الله: ما زال ربُّكم الرؤوفُ الرحيمُ يُوالي عليكم مواسمَ الخيرِ والبركات، ويتيحُ لكم الأوقاتِ لِفعْلِ الخيرات، فما أنْ خرجَ رمضانُ حتى دخلت أشهرُ الحجِّ إلى بيتِ الله الحرام، شهران منها حُرُم: ذو القَعْدة، وذو الحجة.
وخيرُ الأشهرِ الحُرم شهرُ ذي الحجة، لوقوعِ أعمال الحج فيه، ولكوْن خيرِ الأيام فيه، ففيه: يومُ عرفة، ويومُ النحر: يومُ الحج الأكبر.
﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [القصص: 68].
ألَا، وإنَّكم في استقبال عشرٍ أقسَم اللهُ تعالى بلياليها في الكتاب، وأيامٍ عظَّم اللهُ شأنَها في محكم الخطاب، والقَسَمُ بالشيء دليلٌ على أهميتِه وعظيمِ نفْعِه، قال تعالى: ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 1، 2]. قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله: «المراد بها عشرُ ذي الحجة»[1]، وهو قولُ ابنِ عباس وغيرِه.
وهي الأيام المعلومات التي أمر اللهُ بذكره فيها، قال تعالى: ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾ [الحج: 28]، «قال ابنُ عباس: واذكرُوا اللهَ في أيَّامٍ معلُوماتٍ أيَّامُ العشْرِ، والأيامُ المعدُودَاتُ: أيَّامُ التَّشريقِ»[2].
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إلَى اللهِ عز وجل مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ، يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ». قالوا: يا رسولَ الله، ولَا الجِهادُ في سبيلِ الله؟ قال: «وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ»، رواه البخاري، وأبو داود، واللفظ له[3].
وعن ابنِ عمر رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ»، رواه أحمد[4].
واسمع - رعاك الله - ما قاله أئمةُ الإسلام في قدْرِ هذه الأيام. قال الحافظُ ابن كثير رحمه الله: «فضَّلَه كثيرٌ على عشْرِ رمضانَ الأخير، لأنَّ هذا يُشرَعُ فيه ما يُشرَعُ في ذلك، مِن صلاةٍ وصيامٍ وصدقةٍ وغيره، ويمتاز هذا باختصاصِ أداءِ فرْض الحجِّ فيه»[5].
وقال الإمامُ ابن رجب رحمه الله: «والتحقيقُ أنْ يُقال: مجموعُ هذا العشْرِ أفضلُ مِن مجموعِ عشْرِ رمضان، وإنْ كان في عشْرِ رمضان ليلةٌ لا يفْضُلُ عليها غيرها. والله أعلم»[6].
وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «أيامُ عشْرِ ذي الحجةِ أفضلُ مِن أيامِ العشْرِ مِن رمضان، وليالي العشرُ الأواخر من رمضان أفضلُ من عشر ذي الحجة»[7].
فالعجبُ، والله المستعان، مِنْ غفلةِ الأنامِ عن هذه الأيام، مع أنها غُرّةٌ في جبينِ الزمانِ، ولا حول ولا قوة إلا بالله الكريمِ المنَّان.
فاحرص رحمك الله على مواسمِ الخير، فإنَّ الثواءَ قليلٌ، والرحيلَ قريبٌ، والطريقَ مَخُوفٌ، والاغترارَ غالبٌ، والخطرَ عظيمٌ، والناقدَ بصيرٌ، والله تعالى بالمرصاد، وإليه الرجوع والمآب.
﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ﴾ [النجم: 39 - 41]، ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].
فاقدروها رحمكم الله حقَّ قدْرِها، وعظِّموا شعائرَ الله فيها، إن بقِيتُم حتى أدركتموها ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32]
استقبلوها بالتوبةِ النّصوح، فإنَّ الذنوبَ تَحرِمُ الإنسانَ فضْلَ ربِّه، وتحجبُ قلبَه عن مولاه، فما حُرِم أحدٌ خيرًا في الدنيا والآخرة إلا بسببِ ذنوبِه، فإنها تمحقُ بركةَ العمر، وبركةَ العلم، وبركةَ العمل، وبركةَ الرزق، وبركةَ الطاعة. فلا تجد أقلَّ بركةً ممَّن عصى اللهَ ورسولَه، ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].
فالذنوبُ أوزارٌ وأثقال، تمنعُ السَّيرَ إلى اللهِ أو تُضعِفه، ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَاحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [الأنعام: 31].
أما آنَ أنْ تُقيَّد الأقدامُ عن الآثام، أما آنْ؟ وتُكفَّ الأكفُ عما لا يحِلُّ مِن الحرام، والألسنُ عن القيلِ والقالِ والهذيان، والغيبةِ والبهتان؟ ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [الجاثية: 21].
احذروا المعاصيَ في هذه الأيام؛ فإنَّ إثمَها عند اللهِ أعظم، ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36].
• إنَّ إدراكَ هذه العشْرِ نعمةٌ كبرى ومِنَّة عظمَى، لا يعرفُ قدْرَها إلا الأفذاذ المشمِّرون، قال أبو عثمان النهدي رحمه الله: «كانوا يعظِّمون ثلاثَ عشَرات: العشْر الأُوَل مِن المحرَّم، والعشْر الأُوَل مِن ذي الحجة، و العشْر الأواخر مِن رمضان»[8].
ومَنْ لم يعرف شرَفَ زمانِه فسيأتي عليه وقتٌ يعرِف ذلك حين يقول: ﴿ يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ [الفجر: 24]، ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 99، 100].
فلَوْ علِمَ المغْبُونُ أيَّ بضَاعَةٍ ♦♦♦ أَضَاعَ، لأمْسَى قلْبُه يتَلَهَّبُ[9]
فحريٌّ بمَن لنفْسِه عنده قيمةٌ أن يغتنمَ هذه الأوقات، ويَعمُرَ تلك الساعات، فإنها أيامٌ تتضاعف فيها الحسنات، وتُجابُ فيها الدعوات.
الخيرُ فيها عظيم، والوزرُ فيها ذميمٌ وخِيم، ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ [الحج: 30]. أدركتموها
كان سعيدُ بن جبير- راوي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه - إذا دخلَ أيامُ العشْرِ اجتهدَ اجتهادًا شديدًا حتى ما يكادُ يقْدرُ عليه. رواه الدارمي[10].
وإنك لتعجبُ مِن اجتهادِ الناس في رمضان، وغفْلتِهم عن هذه الأيامِ، مع أنها أفضلُ أيام الدنيا، ومِن هنا يتبيَّن أهميةُ فِقهِ التجارةِ مع الله تبارك وتعالى.
قال الإمامُ البخاري رحمه الله: «وكان ابنُ عمرَ وأبو هريرةَ يخرجانِ إلى السوقِ في أيَّامِ العشرِ، يُكبِّرانِ ويُكبِّرُ النَّاسُ بتكبِيرِهما»[11].
«وكان عمرُ رضي الله عنه يُكبِّرُ في قُبَّتِه بمِنًى، فيسمَعُه أهلُ المسجدِ فيُكبِّرُونَ، ويُكبِّرُ أهلُ الأسواقِ، حتى ترْتجَّ مِنًى تكبيرًا»[12].
قال ميمونُ بن مهران رحمه الله قال: «أدركتُ الناسَ وإنهم ليكبِّرونَ في العشر، حتى كنتُ لأشبِّهُه بالأمواجِ مِن كثْرتِها. ويقول: إنَّ الناسَ قد نقصوا في ترْكِهم التكبير»[13].
هكذا كانوا أيها المسلمون؛ وهكذا يكون المؤمن حقًّا مفتاحًا للخير، وقدوةً في الحق، وإمامًُا في البر، ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].
فحريٌّ بنا نحن المسلمين أنْ نُحيي هذه السُّنةَ المباركةَ التي قد أُهمِلَت في هذه الأزمان، فإنها شعارُ المتقين أهلِ القرآن.
فاجتهدوا رحمكم الله بالتكبير، وواصِلُوا التهليل، والهَجُوا بالتسبيح والتحميد، وأشيعوا الذِّكرَ، وأكثروا مِن قولِ: «لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله»، فإنها كنزٌ مِن كنوزِ الجنة.
أيها المؤمن: كبِّر إذا دخلتَ بيتك حتى يسمعَك أهلُك وأولادُك فيكبِّروا بتكبيرك، وإذا دخلتَ السوقَ أو قابلتَ الرِّفاقَ فكبِّر؛ لتشهدَ لك البقاعُ، وتُذكَرَ في الملأِ الأعلى، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: «فإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ»، رواه البخاري ومسلم[14].
عباد الله: في عشْرِ ذي الحجةِ أعمالٌ فاضلة، وطاعاتٌ متعددة، وهي غيرُ منحصرة، فما يُشرَع في سائرِ الأوقات يزدادُ تأكيدًا في تلْكُم الأيام، فإنَّ العملَ يَشرُفُ بشَرفَ الزمانِ والمكان، مع تقوى اللهِ والإحسان، ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56].
وأبوابُ الخير كثيرة، وطرقُ البِرِّ مُشرَعَةٌ، فأروا اللهَ مِن أنفسكم خيرًا، و«لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْـمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ»، رواه مسلم[15] ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المزمل: 20].
ومِن أعظم ما تقرَّبَ به العبدُ إلى مولاه أداءُ الفرائض، وأعظمُها الصلاة، ففي الحديث القدسي: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ»، رواه البخاري[16].
وعن عثمان بن عفان رحمه الله قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِـمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ، مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ»، رواه مسلم[17].
أكثروا رحمكم الله مِن النوافلِ يُحببْكُم الله، يقول اللهُ تعالى في الحديث القدسي: «وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ»، رواه البخاري[18].
ويقول سبحانه في الحديث القدسي أيضًا: «إِذَا تَقَرَّبَ عَبْدِي مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا - أو: بُوعًا - وَإِذَا أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً»، رواه مسلم[19].
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ»، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «تَامَّةٍ، تَامَّةٍ، تَامَّةٍ»، رواه الترمذي[20].
وهذا فضْلٌ عظيمٌ، قال الحافظُ ابنُ عبد البر رحمه الله: «الفضائلُ لا تُدرَك بنظرٍ، ولا مدخلَ فيها لقياس، ولو أُخِذت قياسًا لكان مَنْ نوى السَّيئة كمَن نوى الحسنة، ولكنَّ اللهَ مُنعِم» [21].
ومِن الأعمال الصالحات ما جاء في قولِ خير البرية عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟». قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ. قال: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الـْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ»، رواه مسلم[22].
حافظوا على السننِ الرواتبِ مع الفرائضِ، يُبنَ لكم بيتٌ في الجنة، فعن أمِّ المؤمنين أمِّ حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّى لِلهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَي عَشْرَةَ رَكْعَةً، تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ، إِلَّا بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ»، رواه مسلم[23].
عليك يا عبدالله بكثرة السجود، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً»، رواه مسلم[24].
وقال أيضا: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ»، رواه مسلم[25].
أكثروا من الصَّلاة والسَّلام على النبي صلى الله عليه وسلم، لا سيما في يوم الجمعة، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ»، رواه أبو داود، وابن ماجه[26].
وعند مسلم:«مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»[27].
ومِن الأعمالِ الصالحةِ يا عباد الله ما يتعدَّى نفعه؛ كإطعام الطعام، وعيادة المرضى، ونحو ذلك. فعن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللهَ عز وجل يقولُ يومَ القيامةِ: «يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي». قال: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟. قال:«أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ. يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي». قال: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟.«قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي. يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي». قال: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟«قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي»، رواه مسلم[28].
وعنه رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ: بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْـحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»[29].
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْـجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ»، رواه مسلم[30].
عظِّموا حرماتِ المسلمين، وأشفقوا عليهم، وارحموهم، ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الحجر: 88].
يقول صلى الله عليه وسلم: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ»، «وَكَالْقَائِمِ لاَ يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ»، رواه الشيخان[31].
وعن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ»[32].
صوموا ما تيَّسر مِن أيامِ العشْرِ، لا سيما يوم عرفة. قال الإمامُ النووي رحمه الله: «بل هي مُستحبَّة استحبابًا شديدًا، لا سيَّما التاسع منها، وهو يومُ عرفة»[33].
عن أبي قتادةَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ»، رواه مسلم[34].
فاشكروا اللهَ على هذه الغنيمةِ الباردةِ، أجواءٌ باردة، وساعاتٌ قليلة.
يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ إِلَّا بَاعَدَ اللهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا»، متفق عليه[35].
وفي الحديث:«يَقُولُ اللهُ رحمه الله: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي. وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ، وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ»، رواه الشيخان [36].
يتبع