عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 16-08-2020, 03:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,829
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تعظيم الأجر في أيام العشر



معاشر المسلمين: استبقوا الخيرات ونافسوا في الطاعات، فلقد سبق المفرِّدون، الذين لا تزالُ ألسنتُهم تلهجُ بذكرِ الله، قال صلى الله عليه وسلم: «سَبَقَ الْـمُفَرِّدُونَ»، قالوا: وَمَا الـمُفَرِّدُونَ يا رسولَ اللهِ؟، قال:«الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ»، رواه مسلم[37].

حقِّقوا الإيمانَ في قلوبكم وجدِّدوه فإنه يبلى كما يبلى الثوب، فإنَّ تحقيقَ الإيمان مِن أفضل الأعمال، ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد: 17].

فمتى رسخ الإيمان في القلب انبعثت الجوارح كلها بالأعمال الصالحة، واللسان بالكلام الطيب، قال صلى الله عليه وسلم: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْـجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْـجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْـجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»، رواه الشيخان [38].

فهذه العشرُ فرصةٌ، وأيُّ فرصة، لتزكيةِ النفس وطهارتها، قال تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7 - 10].

بارك اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيه مِن الآياتِ والذِّكْرِ الحكيم. أقولُ ما تسمعون، واستغفِرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين مِن كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرَّحيم.

الخطبة الثانية
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا كما أَمَر، وأشكرُه وقد تأذَّن بالزيادةِ لمنْ شَكَر، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله، وحدَه لا شريكَ له، إرغامًا لمن جحَد به وكَفر. وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه سيدُ البشر، الشافعُ المشفَّعُ في المحشر، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه السَّادةِ الغُرر، ومَن تبِعَهم بإحسانٍ ما بدَا الفجرُ وأنْوَر. أما بعد:
فاتقوا الله عبادَ الله وأطيعوه، و استكثروا مِن الأعمالِ الصالحةِ في تلكم الأيامِ الفاضلة، فإنها الباقياتُ الصالحات، واعمروها بما يقرِّبُكم إلى الله، واستقبلوها بخيرِ ما بحضرتِكم مِن التكبيرِ والتهليلِ، والتسبيحِ والتحميدِ، والاستغفارِ والدعاءِ، وقراءةِ القرآن، وصلةِ الأرحام، والصدقةِ، والصيامِ، والقيامِ، والأمرِ بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوةِ إلى الله، والإحسانِ إلى الخلق، والإيثار، ولِينِ الجانب، وطيبِ الكلام، والعفوِ والإصلاحِ، وحُسنِ القوامة على الأهل والذرية.

فالله اللهَ، أخي المسلم، في أهلِك وأولادِك، احملْهم على طاعة الله في هذه الأيام المباركات، رغِّبْهم فيما عند الله بقولك وفعلك.

ادع لهم بظهر الغيب وفي الشهادة وهم يؤمِّنون على دعائك لهم، ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]، ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40].

أيها المؤمنون بالله ورسوله:
مما يتأكد فِعلُه في يومِ النحرِ التقربُ إلى الله جلَّ وعَلا بذبْحِ الأضاحي، فإنها مِن أعظمِ الشعائر، ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴾ [الحج: 34].

وهي مِن نِعَمِ الله العظيمةِ على المسلمين أنْ شرعَ لهم ما يشاركونَ به الحجاجَ، فأهلُ الموسمِ لهم الهدايا، وأهلُ الأمصارِ لهم الضحايا، قال تعالى: ﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الحج: 36، 37].

ومَن أرادَ الأضحيةَ فليُمسِكَ عن الأخْذِ مِن شعْرِه وظُفْرِه وبَشَرَتِه، منذ دخولِ العشْرِ إلى أنْ يذبحَ أُضحيتَه لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلاَلَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ» [39].

والشعورُ التي يُمنع أخذُها جميعُ شعور البدن؛ ما حرُمَ حلقُه كشعر اللحية، وما استُحبَ أخذُه كالشارب، وما أُبيح حلقُه كشعر الرأس.

وتجنَّبوا، رحمكم الله، مِن الأضاحي ما لا يُجزئ، فقد سُئِل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ماذا يُتَّقَى مِن الضَّحايا؟ فأشارَ بيدِه، وقالَ: «أَرْبَعًا: الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لاَ تُنْقِي»[40]، قال الراوي: فقلتُ للبراء بن عازب رضي الله عنه: فإنِّي أكرَه أن يكونَ نقصٌ في الأُذنِ و القَرْنِ؟ قال: فما كرهتَ فدعْه، ولا تُحرِّمه على غيرك.

«وعلى هذا تُجزئ الأضحيةُ إذا كانت مقطوعة الأذن، ومكسورة القرن، وما ذهبت أسنانُها، إلا أن تكون كبيرةً لا مُخ فيها. وتُجزئ مقطوعةُ الذَّنَب من الإبل والبقر والغنم. وكلما كانت أكمل، كان ذلك أفضل، أما ما قُطِعت أليتُه من الضأن فإنه لا يُجزئ؛ لأنَّ الألَية لها قيمة ولها أهمية»[41]، ذكره العلَّامةُ ابنُ عثيمين رحمه الله.

ويجوزُ للمسلم أن يُضحي ولو كان قد قصَّر شعرَه وأظفارَه في العشر، فليُضحِّ، وليستغفر اللهَ عن فِعْله.

فاتقوا الله عباد الله، فمَنْ صدَق اللهَ صدَقه الله ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]، وسدِّدوا وقارِبوا، وابشروا وأمِّلوا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة، والقصدَ القصدَ تبلغوا.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [المائدة: 48].

هذا، واعلموا أنَّ اللهَ أمرَكم بأمرٍ بدأ فيه بنفْسِه، فقال جلَّ مِن قائلٍ عليمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].


[1] «تفسير القرآن العظيم»، (8/ 390).

[2] ذكره البخاري تعليقا في «صحيحه» في العيدين، باب فضل العمل في أيَّام التَّشْريق.

[3] حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه: رواه البخاري في العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق، رقم (969)، ورواه أبو داود، واللفظ له، في الصيام، باب في صوم العشر، رقم (2438).

[4] رواه أحمد، رقم (5446).

[5] «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير، (5/ 416).

[6] «لطائف المعارف»، (ص: 593).

[7] «مجموع الفتاوى»، (25/ 287).

[8] ذكره محمد بن نصر المروزي في «مختصر قيام الليل وقيام رمضان»، (ص: 247)، وينظر: «الدر المنثور»، (15/ 402-403).

[9]«طريق الهجرتين»، (ص: 423).

[10] ذكره الدارمي في «سننه»، رقم (1815)، والبيهقي في «شعب الإيمان»، رقم (3476).

[11] رواه البخاري في العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق.

[12] رواه البخاري في العيدين، باب التكبير أيام منى، وإذا غدا إلى عرفة.

[13] ينظر: «فتح الباري» لابن رجب، (6/ 87 - 88).

[14] حديث أبي هريرة رضي الله عنه: رواه البخاري في التوحيد، باب قول الله تعالى: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ [آل عمران: 28]، رقم (7405)، ورواه مسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب الحث على ذكر الله تعالى، رقم (2675).

[15] حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه: رواه مسلم في البر والصلة، باب استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء، رقم (2626).

[16] حديث أبي هريرة رضي الله عنه: رواه البخاري في الرقاق، باب التواضع، رقم (6502).

[17] رواه مسلم في الطهارة، باب فضل الوضوء والصلاة عقبه، رقم (228).

[18] رواه البخاري من حديث أبي هريرةرضي الله عنهفي التوحيد، باب التواضع، رقم (6502).

[19] «سبق تخريجه».

[20] رواه الترمذي في أبواب السفر، باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، رقم (586)، وحسَّنه الألباني.

[21] «التمهيد»، (19/ 26).

[22] رواه مسلم في الطهارة، باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره، رقم (251).

[23] رواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن، رقم (728).

[24] حديث ثوبان رضي الله عنه: رواه مسلم في الصلاة، باب فضل السجود والحث عليه، رقم (488).

[25] حديث أبي هريرة رضي الله عنه: رواه مسلم في الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، رقم (482).

[26] حديث أوس بن أوس رضي الله عنه: رواه أبو داود في الوتر، باب في الاستغفار، رقم (1531)،ورواه ابن ماجه في الجنائز، باب ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم، رقم (1636)، وصححه الألباني.

[27] حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: رواه مسلم في الصلاة، باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه، ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسأل الله له الوسيلة، رقم (384).

[28] رواه مسلم في البر والصلة والآداب، باب فضل عيادة المريض، رقم (2569).

[29] رواه مسلم في الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها، رقم (35).

[30] رواه مسلم في البر والصلة، باب فضل إزالة الأذى عن الطريق، رقم (1914).

[31] حديث أبي هريرة رضي الله عنه: رواه البخاري في الأدب، باب الساعي على المسكين، رقم (6007)، ورواه مسلم في الزهد والرقائق، باب الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم، رقم (2982).

[32] رواه البخاري في الأدب، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، رقم (6018)، ورواه مسلم في الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف، رقم (48).

[33] «شرح مسلم»، (8/ 71).

[34] رواه مسلم في الصيام، باب استحباب ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم يوم عرفة، رقم (1162).

[35] حديثُ أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: رواه البخاري في الصوم، باب فضل الصَّوم في سبيل الله، رقم (2840)، ورواه مسلم، واللفظ له، في الصيام، باب فضل الصِّيام في سبيل الله لمن يُطيقه بلا ضرر، ولا تفويت حق، رقم (1153).

[36] حديث أبي هريرة رضي الله عنه: رواه البخاري في الصوم، باب هل يقولُ إِني صائم إذا شُتِم، رقم (1904)، ورواه مسلم في الصيام، باب فضل الصيام، رقم (1151).

[37] حديث أبي هريرة رضي الله عنه: رواه مسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب الحث على ذكر الله تعالى، رقم (2676).

[38] حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه: رواه البخاري في الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، رقم (52)، ورواه مسلم في المساقاة، باب أخذ الحلال، وترك الشبهات، رقم (1599).

[39] حديث أم سلمة رضي الله عنها: رواه مسلم في الأضاحي، باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وهو مريد التضحية أن يأخذ من شهره أو أظفاره شيئا، رقم (1977).

[40] رواه أحمد، رقم ( 18675).

[41] ينظر: «الشرح الممتع»، (7/ 434 - 435).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.15 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.86%)]