عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 17-08-2020, 04:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,359
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الوصية: فضائلها وأحكامها



أيها الأحبة!

كيف يكتب الإنسان وصيّته على وجه شرعيّ صحيح؟

والجواب في نقاطٍ سريعة:

أولا: يبادر إلى كتابة وصيته من الآن فإنه لا تدري نفس ماذا تكسب غدًا وما تدري نفس متى أو بأيّ أرضٍ تموت!



ثانيًا: يضمّن وصّيته إقرارَه لله بالتوحيد، وشهادتَه للنبي - صلى الله عليه وسلم- بالرسالة، ولدين الله بالاتباع، وأن يتبرّأ من كلّ معصية لله.



ثالثًا: يوصي زوجتَه وأبناءَه وبقيّة ذويه وجميعَ المسلمين بتقوى الله تعالى وعملِ الخيرات والحرصِ على اجتناب السيئات.



رابعًا: يوصي بشيء من ماله الذي سيتركه؛ الثلثِ، أو الربُعِ وهو أفضل، لمن يستحق الزكاة من المسلمين، ولو كانوا أقاربه فهو أفضل؛ لأن الصدقة على الأقارب صدقة وصلة رحم، وإن كان له أحفاد مات أبوهم الذي هو ابنه في حياته فليجعل الوصية إليهم فهم أولى وأولى.



خامسًا: إذا استطاع أن ينفّذ وصيّته في حال الحياة كان خيرًا وأفضل؛ لأنه لا يدري هل ينفّذها الورثة بعده أو لا؟



سادسًا: يُشهد على ذلك شاهدين عدلين أمينين.



وأخيرًا: يقوم هذان الشاهدان على تنفيذ الوصية إذا أبقاها إلى ما بعد وفاته بشرط أن تسدّد عنه الديون أولًا؛ لأن تنفيذ الوصيّة يأتي بعد سداد الدّين، كما روى الترمذيّ وحسنه الألبانيّ عن عليّ - رضي الله عنه - قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالدّين قبل الوصية".[15]



أيها الإخوة!

هذه هي الوصية شرعًا، فمن ضمّن ذلك في وصيّته فقد أدّى وفعل ما أوجب الله عليه.



وليس للوصية صيغة معينة، يلتزم بها الإنسان حتمًا، بل يوصي كلّ إنسانٍ بما يناسب حاله وحال أهله، وما له وما عليه من الحقوق، لكن روى الدارقطني والبيهقي عن أنس - رضي الله عنه - يحكي عن صحابة رسول الله رضوان الله عليهم جميعا فيقول:"كانوا يكتبون في صدور وصاياهم: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به فلان ابن فلان: يشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور، وأوصَى من ترك من أهله أن يتقوا الله، ويصلحوا ذات بينهم، ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين، وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب: ﴿ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 132][16].


أيها الأحبّة! "ولما كان الغالب على كثير من الناس في هذا الزمان الابتداع في دينهم، ولا سيما فيما يتعلق بالجنائز، كان من الواجب أن يوصى المسلم بأن يجهّز ويدفَن على السنة، عملًا بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾. [التحريم: 6].



وكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوصون بذلك، والآثار عنهم في ذلك كثيرة، منها: عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أن أباه قال في مرضه الذي مات فيه: (الحدوا لي لحدًا، وانصبوا علىّ اللبِن نصبًا، كما صُنع برسول الله - صلى الله عليه وسلم -) [17].




وهذا عمرو بن العاص - رضي الله عنه - يوصي بنيه، وهو في سياق الموت، فيقول: (فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ)[18].



وهذا حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ - رضي الله عنه - يوصي عند موته فيقول: (إِذَا مِتُّ فَلَا تُؤْذِنُوا بِي، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ النَّعْيِ)[19].



وهذا أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يوصي عند موته فيقول: (إِذَا مُتُّ فَلَا تَضْرِبُوا عَلَيَّ فُسْطَاطًا، وَلَا تَتْبَعُونِي بِنَارٍ، وَأَسْرِعُوا بِي إِلَى رَبِّي، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا وُضِعَ الْعَبْدُ أَوْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ عَلَى سَرِيرِهِ قَالَ: قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي، وَإِذَا وُضِعَ الرَّجُلُ السَّوْءُ قَالَ: وَيْلَكُمْ أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِي)[20].



وهذا قيس بن عاصم - رضي الله عنه - يوصي عند موته فيقول: (إذا أنا مت فلا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه)[21].



ويجب أن ينفّذ الوصيّة ورثة الميت والشهود وأهل القضاء وغيرهم، وإذا كنا نتحدّث عن تنفيذ الوصية بالبر والخير والطاعة فيجب أن نشير أيضًا إلى أن الوصية برد الودائع والأمانات وقضاء الديون والحقوق لا سيما التي لا يعلمها إلا الموصِي، هذا كله أولى وأولى وأولى.



وأيضًا يجدر بنا التنبيه إلى أنّ الوصيّة التي تتضمّن معصية من المعاصي لا تنفّذ؛ فالوصيّة التي فيها إضرار بالورثة أو أحدهم لا تنفّذ، والوصيّة بعمل عزاء ومقرئ وصوان إلى غير ذلك لا تنفّذ، والوصيّة إلى وارث من الورثة زيادة على بقيّتهم لا تنفّذ.. وهكذا كلّ وصيّة اشتملت على معصيّة لا تنفّذ.



نسأل الله أن يحيينا على شريعة الإسلام وأن يتوفانا على كلمة الإسلام، وأن يحشرنا في زمرة المصطفى عليه الصلاة والسلام.



وأستغفر الله لي ولكم.











الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.



أما بعد، فيا أيها الأحبة الكرام.

جاء الإسلام لسعادة بني البشر، وها هو كما رأينا تشريعَه يحافظ على الإنسان في حياته، ويدعوه إلى عمل الخير بعد مماته؛ ليرث العقبى في جنّة عرضُها السموات والأرض أعدّت للمتقين الصالحين الأبرار.



فمتى تسمع البشريّةُ عن هذا الدّين؟

ومتى تتعرف على دعوة خير النبيين؟

متى تفقه أن دين الله جاء ليضيء الحياة، وليدلّ الإنسان على خير ما يرجوه ويجتنبه ليسعد بالحياة، فمتى تعي البشريّة ذلك؟



يا الله! كم من الأجيال ستكابد الخوف والشقاء قبل أن يبزغ فجر الإسلام العظيم؟!



كم من الأجيال ستصارع الشرك والخرافات قبل أن يعرف عقيدة التوحيد الت جاءت لتحرره من رقّ الأوثان والصلبان والبهتان والطغيان؟



كم من الأجيال ستعاني الضلال والتيه قبل أن تهتدي وتقتدي وتأتسي بالرحمة المهداة المصطفى رسول الله!



فيا أيها الإسلام! يا أيتها العقيدة! يا أيتها الدعوة:

"مُرّي بترنيمك السماوي على أسوار هذه الأرض المحرومة من النور.. لعلّ هذا الناسى يصحو من سباته الطويل، ويقبس إشراقة من هذا الحُداء الجديد.. وأحرقي أيتها الدعوة بنارك هشيم المُجّان الواقفين في طريقك العتيد.



يا لُبينَى أوقدي طال المدى

أوقدي علّ على النار هُدى



أوقدي يا (لُبنُ) قد حار الدليلْ

أوقدي النار لأبناء السبيلْ



شَرّدي هذا الظلام الجاثما

أرشدي هذا الفراشَ الهائما



ليلُ هذا الركب في البيداء عسعسْ

أقبلي يا (لُبنُ) بالنّور المقدّسْ



هلَّت الأنوار والبشرى علينا

أَرشدي فيها الحيارى يا (لبينى)



أرشدي كلَّ الحيارى في الدروبْ

بالشذا والنور في وجه الحبيبْ[22]






وصدق الله تعالى إذ يقول:

﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [الصف: 8، 9]



وفي صحيح مسلم من حديث ثوبان: "إن الله تعالى زَوى ليَ الأرضَ فرأيتُ مشارقَها ومغاربَها وإنّ أمّتي سيَبلغُ ملكُها ما زُوِىَ لي منهَا" [23]



سيجيء يوم حافلٌ بجهَادنا

الخيلُ تصهَل والصوارمُ تلمعُ



قد طال ليلُ الكفرِ لكنّي

أرى مِن خلفه شمسُ العقيدةِ تسطعُ










وسيكون ذلك - أيها الكرام! - يوم تؤمن جموعُ المسلمين بأحكام الشريعة التي شرعها الله، وتطبّقها عمليًّا في واقع الحياة، وتذعن لها كلِّها بالقبول والانقياد لا تفرّق بين حكم وآخر من أحكامها، بل تؤمن بالكتاب والسنة جميعًا، وتعمل بهما جميعًا، وسلام على الدنيا يومئذٍ، وأمانٌ يملأ الدنيا، وإيمانٌ يعمر القلوب،وسعادة تغمر الحياة.



أسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا من أسباب ذلك الخير، وعوامل هذا الفتح، وأدوات ذلك النصر، مقبلين محبين غير مدبرين ولا كارهين، اللهم ارزقنا العمل بكتابك واتباع هدي نبيك.... الدعاء.




[1] الوسيط (ص3325)، سيد طنطاوي، الشاملة.

[2] أخرجه مسلم (1631).

[3] انظر تفسير ابن كثير (6/ 565).

[4] أخرجه مسلم (1017).

[5] متفق عليه؛ أخرجه البخاري (2738)، ومسلم (1627).

[6] أخرجه أبو داود (2853)، والترمذي (2203)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2194).

[7] موسوعة الفقه الإسلامي (ص 175)، لمحمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري.

[8] أخرجه البخاري (6077).

[9] فتح الباري (11/ 265)، لابن حجر.

[10] متفق عليه؛ أخرجه البخاري (2742)، ومسلم (1628).

[11] متفق عليه؛ أخرجه البخاري (7074)، ومسلم (1016).

[12] متفق عليه؛ أخرجه البخاري (1353)، ومسلم (1032).

[13] حديث حسن، انظر المجالسة وجواهر العلم (5/ 383) بتحقيق مشهور حسن.

[14] أخرجه مسلم (1629).

[15] أخرجه الترمذي (2205)، وابن ماجه (2715)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2195)، والإرواء (1667).

[16] أخرجه أخرجه الدارقطني (16/ 154/ 4)، والبيهقي (287/ 6)، وصححه الألباني في الإرواء (1647).


[17] أخرجه مسلم (3867)، وراجع أحكام الجنائز (ص 8)، للألبانى.

[18] أخرجه مسلم (121).

[19] أخرجه الترمذي (986)، وابن ماجه (1476)، وحسّنه الألباني في صحيح الترمذي.

[20] أخرجه أحمد (10141) وحسّنه الأرنؤوط.

[21] أخرجه الحاكم في المستدرك (1409) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

[22] ربحت محمدًا ولم أخسر المسيح (ص 112) للدكتور عبد المعطي الدالاتي.

[23] أخرجه مسلم (2889).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.75 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.78%)]