عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 17-08-2020, 04:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,055
الدولة : Egypt
افتراضي رد: إياكم والغلو في الصالحين



والإمام القرطبي - رحمه الله تعالى - يذكر في تفسيره عند قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا ﴾ [الإسراء: 45] قال: ولقد اتفق لي ببلادنا الأندلس بحصن "منثور" من أعمال قرطبة شيء من الكرامة، وذلك أني هربت أمام العدو وانحزت إلى ناحية عنه، فلم ألبث أن خرج في طلبي فارسان وأنا في فضاء من الأرض قاعد ليس يسترني عنهما شيء وأنا أقرأ أول سورة يس وغير ذلك من القرآن فعبرا علي ثم رجعا من حيث جاءا وأحدهما يقول للآخر: هذا ديبكه، يعنون شيطاناً، وأعمى الله عز وجل أبصارهم فلم يروني، والحمد لله حمداً كثيراً على ذلك.[18]

ويقص الحافظ ابن عساكر في كتابه العظيم تاريخ دمشق كرامة لولي من الأولياء هو عبد الواحد بن واقد فيقول: حدثني محمد بن إسماعيل الفرغاني قال: كنت مع عبد الواحد بن واقد فخرجنا نحو الزبداني – مكان- فإذا نبطية معها حمارة قد سخرها جندي فلما خلي بها راودها عن نفسها فمنعه عبد الواحد من ذلك، وقال: دع المرأة فأبى ولح فغضب عبد الواحد من ذلك غضبًا شديدًا وقال: ويلك دع المرأة فأبى وقال لغلمانه: خذوه أي يأخذوا عبد الواحد، فالتفت إليه عبد الواحد وقال: يا أرض خذيه فأخذته الأرض ومضت المرأة يقول الفرغاني: فقلت له: لا أصحبك فقال: ولم؟ قلت: أنا بشر لا آمن أن أزل زلة فتفعل بي مثل ما رأيت فقال: يا أبا بكر ما هذا حالي ولكن الله أراد أن يريكم آية. [19]

ولذلك - أيها الإخوة - فمن آداب الكرامة الاستتار بها وعدم المراءاة بإظهارها إلا إذا كانت هناك حاجة تدعو إلى إظهارها فيظهرها صاحبها ولذلك قالوا: إن الولي يستتر من كرامته كما تستتر المرأة من حيضتها، وكانوا يقولون: "كل ما ظهر من عملنا لا نعده شيئاً" فإذا تحقق لدى الناس صدق ولاية من ظهرت ولايته لحفاظه على الواجبات وتركه وهجره لسائر المنكرات وجب عليهم أن يتعاملوا معه أيضاً بحدود الشرع دون مبالغة أو إطراء فيقفون به عند حده، إن هو إلا عبد أنعم الله عليه وجعله مثلاً وقدوة تحتذى فيهم، فليعرفوا له مكانته وليقتدوا به في عمله، هذا هو الحد الشرعي للولي سواء كان حيّاً أو ميتاً، أما المبالغات والغلو والإطراء والمزايدة على ما ذكرنا فكل ذلك مرفوض في دين الله عز وجل ، لأن أصحابه هالكون بتنطعهم وغلوهم ذلك، هلك من سبق ويهلك من لحق بالغلو في الصالحين كما بيّن ذلك خير بيان سيد الأنبياء والمرسلين، نعم لا يجوز الغلو في أحد من الأولياء بل ولا الأنبياء بل ولا سيدهم وإمامهم ومسك ختامهم المصطفى عليه الصلاة وأتم التسليم، والأدلة على ذلك متوافرة متكاثرة.

نحن لا نلقى بالكلام جزافًا ولا نطلقه عبثًا بل هذا ما علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

روى البخاري ومسلم من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم وإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله".[20]

قال الإمام القرطبي معناه: لا تصفوني بما ليس فيّ من الصفات تلتمسون بذلك مدحي، كما وصفت النصارى عيسى بما لم يكن فيه، فنسبوه إلى أنه ابن الله فكفروا بذلك وضلوا وهذا يقتضي أن من رفع امرءًاً فوق حده وتجاوز مقداره بما ليس فيه فمعتد وآثم لأن ذلك لو جاز في أحد لكان أولى الخلق بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ولا يتعللن أحد بأنه يعظم بذلك الغلو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن التعظيم محله القلب واللسان والجوارح، والتعظيم النافع هو تصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر وطاعته فيما أمر والانتهاء عما نهى عنه وزجر، والموالاة والمعاداة والحب والبغض لأجله، وتحكيمه وحده والرضا بحكمه، وألا يتخذ من دون شرعه شرع ولا قانون، وإنما يكون بالتحاكم إلى أقواله فما وافقها من قوله صلى الله عليه وسلم قبله وما خالفها رده وأعرض عنه.

فهل هؤلاء المطرون الذين يغالون في رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك؟ اللهم لا.

فإن من قال:
ومن تك برسول الله نصرته إن تلقه الأسد في آجامها تجم
ولقد ترى من ولى غير منتصر به ولا من عدو غير منفصم
ليس كذلك.

ومن قال:
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم

ليس كذلك أيضاًَ.

هؤلاء جميعاً لا يعرفون قدر المصطفى ولا يعرفون رسالته، فإنه نهى عن الإطراء والغلو فيه وفي غيره.

روى الإمام أحمد بسند صحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو"[21]

يحذر صلى الله عليه وسلم من الغلو في كل شيء في الاعتقاد وفي العمل وفي العادة وفي الأشخاص وفي الهيئات، لأنه هو الداء العضال الذي ضرب الأمم السابقة بسهام الهلاك والقتل والضياع ضاعت بسبب الغلو أمم فقد غلت أمة نوح في الصالحين فهلكت، وغلت اليهود في عزير فهلكوا، وغلت النصارى في عيسى فهلكوا، قال تعالى عن قوم نوح: ﴿ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا ﴾.

وفي الصحيح عن ابن عباس في هذه الآية قال: "أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِى كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا، وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ....". [22]

وقال ابن القيم: "قال غير واحد من السلف: لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم". [23]

وقال تعالى عن حال اليهود مع العبد الصالح عزير، والنصارى مع نبي الله عيسى عليه وإخوانه النبيين أفضل الصلاة وأتم التسليم: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة: 30]، ولا زال الغلو في الأمم يبيدها ويحيق بها اللعنات المتتالية من رب الأرض والسموات.

قال الله عز وجل : ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا * لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ [النساء: 171 - 173].

يا قوم! اتبعوا ولا تبتدعوا وعليكم بالكتاب والسنة، هذا هو الطريق هذا هو الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، أن نلزم ما كان عليه السلف الأول على نهج محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه عليهم رضوان الله أجمعين فدعوا عنكم بنيات الطريق، هذه معالم الطريق واضحة، دعوا الغلو في القبور، دعوا الغلو في الأولياء والصالحين دعو الغلو في الأضرحة والمقامات، إن قرون الإسلام المتتالية من بعد النبي صلى الله عليه وسلم عشرة قرون لم تعرف قبراً يزار إلا للعظة ولا ضريحاً يؤتى إلا للدعاء لصاحبه لا يعرفون مطلقًا ميتاً يدعى ويرجى ويتوسل به بل أبناؤه وذريته يعملون الأعمال الصالحة لتجري عليه في قبره صدقة جارية من الأحياء عليه، ثم جاءت هذه الآفات التي أخذت بالمسلمين من الطريق الصحيح إلى عوج الطريق فكان الحال ما نرى، ضعف ثقة وخور همة، وانخرام عزيمة ومروءة، وذلة وهوان وضعة أمام أعداء الله تعالى بسبب بعدنا عن حقيقة ديننا.

والحل.. اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء:
أيها الإخوة! إن النصر والفرج واليسر والخير كله يرجى من الله، والله لا يحتاج منا إلى واسطة فعليكم بالقرآن العظيم والسنة المطهرة فهما خير دليل على طريق الله وإياكم والغلو في الصالحين فإنه الهلاك المبين لكن ما هو الدواء لهذه المسألة مسألة الغلو في القبور والغلو في الصالحين والجواب بعد جلسة الاستراحة أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأغنى وأقنى، وجعلنا من خير أمة تأمر وتنهى، والصلاة والسلام على خير الورى، وما ضل وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى.

أما بعد.. فيا أيها الإخوة!
لا ينكر منصف عاقل أن الغلو في القبور بشتى صوره وأنواعه قد عمّ وطمَّ في غالب البلاد، وتلبس بهذه المظاهر الشركية وطرائقها الكثير من الناس، وصارت هذه القبور مزارات بل و(مشاعر) يقصدها الناس، ويشدون إليها الرحال من سائر الأمصار؛ وسدنة هذه الأضرحة وعلماء الضلالة يزيّنون الشرك للعامة بشتى أنواع الدعاوى والشبهات، ويأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله - تعالى -.

إنها وثنية في ثوب جديد تحتاج إلى وقفة صادقة من كل مخلص صادق، وإن على المنتسبين للعلم والدعوة واجباً كبيراً تجاه هذا التيار الوثني الذى يسرى في الأمة سريان النار في الهشيم، ونشير في عجالة سريعة إلى بعض الأمور التي تسهم في حل وعلاج هذه الظاهرة.

فمن هذه الأمور:
أولًا- الدعوة إلى التوحيد من العلماء والدعاة وطلاب العلم في تلك المجتمعات المولعة بتعظيم القبور والغلو فيها، وأن يجتهدوا في تجلية مفهوم التوحيد - من خلال القصص القرآني وضرب الأمثال - وضرورة تعلق القلب بالله - سبحانه وتعالى -، وأن الله - عز وجل - هو المتفرد بالنفع والضر والخلق والتدبير، ومن ثَمّ فهو المألوه المعبود الذي تألهه القلوب محبة وإجلالاً وخشية ورجاءً.

وبيان عجز المخلوقين وضعفهم، وأنهم لا يملكون لأنفسهم - فضلاً عن غيرهم - نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.

وإلى تحبيب هذا التوحيد إلى الناس من خلال الحديث عن فضائل التوحيد وبيان ثمراته وآثاره، وأخبار الأنبياء - عليهم السلام - والصالحين الذين حققوا التوحيد، كما ينبغي الاهتمام بإظهار أثر التوحيد على الحياة العامة.

ثانيًا- تربية الأمة عموماً - وهذه المجتمعات المعظمة للقبور خصوصاً - على أهمية التسليم لنصوص الكتاب والسنة والتحاكم إليها وانشراح الصدر لها.

يقول سبحانه: ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [النساء: 65].

وإذا كان طواغيت هذا العصر يفرضون على الناس احترام الشرعية الدولية والإذعان والتسليم لقرارات الأمم المتحدة؛ فإن علينا - معشرَ الدعاة إلى الله - أن ندعو المسلمين إلى ما أوجبه الله عليهم من التسليم والانقياد لنصوص الوحيين وعدم معارضتها بأي نوع من المعارضات سواءً أكان تقليداً، أو معقولاً، أو ذوقاً، أو سياسة أو غيره؛ فالإيمان مبني على التسليم لله - تعالى - والإذعان لشرعه[24]

يقول أبو الزناد - رحمه الله -: (إن السنن لا تخاصم ولا ينبغي لها أن تتبع بالرأي، ولو فعل الناس ذلك لم يمضِ يوم إلا انتقلوا من دين إلى دين، ولكنه ينبغي للسنن أن تُلزَم ويُتمسك بها على ما وافق الرأي أو خالفه)[25]

ثالثًا- الدعوة إلى الالتزام بالشرع والعمل بالسنة؛ فإن إظهار السنن والتمسك بها يستلزم زوال البدع واندثارها، وكذا العكس فإنه ما ظهرت بدعة إلا رفع مثلها من السنة، والنفوس إن لم تشتغل بسنة وتوحيد؛ فإنها ستشتغل ببدعة وشرك؛ فالنفوس خلقت لتعمل لا لتترك[26].

وقد تتثاقل النفوس تجاه الالتزام بالأحكام الشرعية، وتنشط تجاه ما أحدثته من بدع ومحدثات، ومن ثم يتعين على دعاة الإصلاح أن يأخذوا على أيدي هؤلاء ويذكّروهم بفضل التمسك بالشرائع، وأن هذه الشرائع غذاء وروح، وقرة عين وسرور قلب[27] يقول أبو الوفاء ابن عقيل - متحدثاً عن تلك النفوس المتثاقلة تجاه الشرائع -:
(لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم؛ إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم، قال: وهم كفار عندي بهذه الأوضاع، مثل: تعظيم القبور وإكرامها بما نهى الشرع عنه، ومن: إيقاد النيران، وتقبيلها، وخطاب الموتى بالألواح، وكتب الرقاع فيها: يا مولاي افعل بي كذا وكذا...)[28]

رابعًا- الدعوة إلى تدبر آيات القرآن الحكيم، والحث على التأمل والتفكر في معاني القرآن، كما قال - سبحانه -: ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴾ [ص: 29].

وقال عز وجل: ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ﴾ [النساء: 82].

وإن من أعظم أسباب الضلال واستفحال الشرك: الإعراض عن تدبر آيات القرآن، والاقتصار على مجرد قراءته دون فهم أو فقه.

يقول الشيخ العلاّمة عبد الرحمن بن حسن - رحمه الله - في هذا المقام -:
(فمن تدبر عرف أحوال الخلق وما وقعوا فيه من الشرك العظيم الذي بعث الله أنبياءه ورسله بالنهي عنه، والوعيد على فعله، والثواب على تركه، وقد هلك من هلك بإعراضه عن القرآن وجهله بما أمر الله به ونهى عنه)[29]

وعلينا أن نتواصى بتطهير القلوب وتزكيتها لكي يحصل الانتفاع بمواعظ القرآن وأحكامه.

يقول ابن القيم عند قوله: ﴿ لا يَمَسُّهُ إلاَّ المُطَهَّرُونَ ﴾ [الواقعة: 79]:
(دلّت الآية بإشارتها وإيمائها على أنه لا يدرك معانيه ولا يفهمه إلا القلوب الطاهرة، وحرام على القلب المتلوّث بنجاسة البدع والمخالفات أن ينال معانيه وأن يفهمه كما ينبغي)[30].

خامسًا- يجب علينا - أيها الإخوة - نحو المغالين في القبور والأضرحة مخاطبة عقولهم، ودعوتهم إلى التفكير والتأمل؛ فإن الولوع في تقديس الأضرحة والغلو فيها لا يظهر إلا عند أقوام ألغوا عقولهم، وعطلوا تفكيرهم، وأشربوا حبّ التقليد ومحاكاة الآباء دون حجة أو برهان.

سادسًا وأخيرًا- يجب علينا التحذير من الوسائل المؤدية إلى هذا الغلو فكل ما كان وسيلة أو ذريعة تؤول إلى الشرك فينبغي التحذير منها ومنعها حماية لجناب التوحيد؛ فالتهاون في هذه الوسائل حتمًا يفضي إلى الوقوع في الشرك بالله - عز وجل - والخروج عن الملة، فمثلاً الصلاة عند القبور والبناء عليها أمور حرمها الشارع؛ لأنها طريق ووسيلة تفضي إلى الشرك بالله - تعالى -، وقد أشار العلامة الشوكاني - رحمه الله - إلى أن البناء على القبور سبب رئيس في عبادة القبور فقال: (فلا شك ولا ريب أن السبب الأعظم الذي نشأ منه هذا الاعتقاد في الأموات هو ما زينه الشيطان للناس من رفع القبور ووضع الستور عليها وتجصيصها وتزيينها بأبلغ زينة، وتحسينها بأكمل تحسين؛ فإن الجاهل إذا وقعت عينه على قبر من القبور قد بنيت عليه قبة فدخلها، ونظر على القبور الستور الرائعة، والسرج المتلألئة، وقد سطعتْ حوله مجامر الطيب، فلا شك ولا ريب أنه يمتلئ قلبه تعظيماً لذلك القبر، ويضيق ذهنه عن تصور ما لهذا الميت من المنزلة، ويدخله من الروعة والمهابة ما يزرع في قلبه من العقائد الشيطانية التي هي من أعظم مكائد الشيطان للمسلمين، وأشدّ وسائله إلى إضلال العباد ما يزلزله عن الإسلام قليلاً قليلاً، حتى يطلب من صاحب ذلك القبر ما لا يقدر عليه إلا الله - سبحانه -، فيصير في عداد المشركين)[31].

هذه - أيها الإخوة - أمور ينبغى الأخذ بها لإنهاء وعلاج هذا الوضع المزرى وحتى نلقى الله تعالى مع الذين أنعم الله عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا اللهم احفظنا من الغلو وطرقه......... الدعاء


[1] شرح العقيدة الطحاوية - (ص / 494)، المكتب الإسلامي – بيروت، الطبعة الرابعة،1391.

[2] اعتقاد الإمام ابن حنبل - (1 / 306).

[3] العقيدة السفارينية (الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية) - (ص / 89)، محمد بن أحمد بن سالم بن سليمان السفاريني، مكتبة أضواء السلف – الرياض، 1998، تحقيق: أبو محمد أشرف بن عبدالمقصود.

[4] شرح العقيدة الواسطية - (ص / 349)، للعلامة محمد خليل هراس، الأولى، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

[5] أخرجه البخاري 3465.

[6] أخرجه البخاري 6502.

[7] أخرجه مسلم 7664.

[8] أخرجه البخاري 3805.

[9] أخرجه مسلم 1895.

[10] حلية الأولياء (1 / 119).

[11] أخرجه مسلم 6656.

[12] أسد الغابة (2 / 323).

[13] أخرجه الحاكم 3 / 234 - 235، وصححه ووافقه الذهبي، وذكره الهيثمي في"المجمع" 9 / 322، وقال: هو في الصحيح غير قصة الدرع، وأخرجه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وانظر سير أعلام النبلاء- (1 / 311).

[14] سير أعلام النبلاء - (4 / 12)، وابن عساكر(9 / 19 ب).

[15] الدقيق الحوارى: الأبيض.

[16] أخرجه أحمد (4 / 145)، ابن جرير في "التفسير"(7 / 115)، عن أبي الصلت والدولابي في "الكنى" (1 / 111)، وابن أبي الدنيا في كتاب الشكر (32)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة"1 / 700.

[17] أخرجه البخاري (435) ومواضع، ومسلم (531).

[18] تفسير القرطبي (10 / 270).

[19] تاريخ دمشق - (37 / 290).

[20] أخرجه البخاري (3445).

[21] أخرجه أحمد 1 / 215، 347 وابن ماجه (3064)، وابن أبي عاصم في السنة (98)، وقال النووى في (المجموع) (8/137): إسناده صحيح على شرط مسلم، وكذا قال شيخ الإسلام في "اقتضاء الصراط المستقيم" ص106، وهو مخرج في" الصحيحة" (1283).

[22] أخرجه البخاري (4920).

[23] إغاثة اللهفان (ص 552).

[24] انظر: الصواعق المرسلة، لابن القيم، 4/1560.

[25] الحجة لقوام السنة، الأصفهاني، 1/281.

[26] انظر: اقتضاء الصراط المستقيم، 2/617.

[27] انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية، 1/25، 26.

[28] تلبيس إبليس، لابن الجوزي، ص455، وانظر: اقتضاء الصراط المستقيم، 2/611، وإغاثة اللهفان، 1/133.

[29] قرة عيون الموحدين، ص33.

[30] التبيان في أقسام القرآن، ص143.

[31] انظر شرح الصدور بتحريم رفع القبور، ص 17، وقد نقلت عنصر الدواء كله عن: انحرافات القبوريين... الداء الدواء د. عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف، مختصرًا تارة ومتصرفًا أخرى.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.72 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.60%)]