عرض مشاركة واحدة
  #557  
قديم 17-08-2020, 06:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,690
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (556)
تفسير السعدى
سورة الذاريات
من الأية(47)
الى الأية(60)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الذاريات
{ وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَٰهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } 47 { وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ } 48 { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } 49 { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } 50 { وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }51


يقول تعالى مبيناً لقدرته العظيمة: { وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَٰهَا } أي: خلقناها وأتقنَّاها، وجعلناها سقفاً للأرض وما عليها.
{ بِأَييْدٍ } أي: بقوة وقدرة عظيمة { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } لأرجائها وأنحائها، وإنا لموسعون [أيضاً] على عبادنا، بالرزق الذي ما ترك الله دابة في مهامه القفار، ولجج البحار، وأقطار العالم العلوي والسفلي، إلا وأوصل إليها من الرزق، ما يكفيها، وساق إليها من الإحسان ما يغنيها. فسبحان من عم بجوده جميع المخلوقات، وتبارك الذي وسعت رحمته جميع البريات، { وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا } أي: جعلناها فراشاً للخلق، يتمكنون فيها من كل ما تتعلق به مصالحهم، من مساكن، وغراس وزرع وحرث وجلوس، وسلوك للطرق الموصلة إلى مقاصدهم ومآربهم، ولما كان الفراش قد يكون صالحاً للانتفاع من كل وجه، وقد يكون من وجه دون وجه، أخبر تعالى أنه مهدها أحسن مهاد، على أكمل الوجوه وأحسنها، وأثنى على نفسه بذلك، فقال: { فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ } الذي مهد لعباده ما اقتضته [حكمته]، رحمته وإحسانه، { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } [أي: صنفين]، ذكر وأنثى، من كل نوع من أنواع الحيوانات، { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [لنعم الله التي أنعم بها عليكم] في تقدير ذلك، وحكمته حيث جعل ما هو السبب لبقاء نوع الحيوانات كلها، لتقوموا بتنميتها وخدمتها وتربيتها، فيحصل من ذلك ما يحصل من المنافع. فلما دعا العباد النظر لآياته الموجبة لخشيته والإنابة إليه، أمر بما هو المقصود من ذلك، وهو الفرار إليه أي: الفرار مما يكرهه الله ظاهراً وباطناً إلى ما يحبه، ظاهراً وباطناً، فرار من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة، و من الغفلة إلى ذكر الله، فمن استكمل هذه الأمور، فقد استكمل الدين كله وقد زال عنه المرهوب، وحصل له نهاية المراد والمطلوب.
وسمى الله الرجوع إليه فراراً، لأن في الرجوع لغيره أنواع المخاوف والمكاره، وفي الرجوع إليه أنواع المحاب والأمن، [والسرور] والسعادة والفوز، فيفر العبد من قضائه وقدره، إلى قضائه وقدره، وكل من خفت منه فررت منه إلاّ الله تعالى، فإنه بحسب الخوف منه يكون الفرار إليه، { إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي: منذر لكم من عذاب الله، ومخوف بين النذارة.
{ وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } هذا من الفرار إلى الله، بل هذا أصل الفرار إليه أن يفر العبد من اتخاذ آلهة غير الله من الأوثان والأنداد والقبور، وغيرها، مما عبد من دون الله، ويخلص العبد لربه العبادة والخوف والرجاء والدعاء والإنابة.
{ كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } 52 { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ }53


يقول الله مسلياً لرسوله صلى الله عليه وسلم عن تكذيب المشركين بالله، المكذبين له، القائلين فيه من الأقوال الشنيعة، ما هو منزه عنه، وأن هذه الأقوال ما زالت دأباً وعادة للمجرمين المكذبين للرسل، فما أرسل الله من رسول إلا رماه قومه بالسحر أو الجنون. يقول الله تعالى: هذه الأقوال التي صدرت منهم - الأولين والآخرين - هل هي أقوال تواصوا بها، ولقن بعضهم بعضاً بها؟ فلا يستغرب - بسبب ذلك - اتفاقهم عليها: { بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } تشابهت قلوبهم وأعمالهم بالكفر والطغيان، فتشابهت أقوالهم الناشئة عن طغيانهم؟ وهذا هو الواقع، كما قال تعالى:{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوْ تَأْتِينَآ آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ } [البقرة: 118] وكذلك المؤمنون، لما تشابهت قلوبهم بالإذعان للحق وطلبه، والسعي فيه، بادروا إلى الإيمان برسلهم وتعظيمهم وتوقيرهم وخطابهم بالخطاب اللائق بهم.
{ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } 54 { وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ }55


يقول تعالى آمراً رسوله بالإعراض عن المعرضين المكذبين: { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } أي: لا تبال بهم ولا تؤاخذهم، وأقبل على شأنك.
فليس عليك لوم في ذنبهم، وإنما عليك البلاغ، وقد أديت ما حملت، وبلّغت ما أرسلت به. { وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } والتذكير نوعان: تذكير بما لم يعرف تفصيله، مما عرف مجمله بالفطر والعقول، فإن الله فطر العقول على محبة الخير وإيثاره، وكراهة الشر والزهد فيه، وشرعه موافق لذلك، فكل ما أمر به ونهى من الشرع، فإنه من التذكير، وتمام التذكير، أن يذكر ما في المأمور به، من الخير والحسن والمصالح، وما في المنهي عنه من المضار. والنوع الثاني من التذكير: تذكير بما هو معلوم للمؤمنين، ولكن انسحبت عليه الغفلة والذهول، فيُذكَّرون بذلك، ويكرر عليهم ليرسخ في أذهانهم، وينتبهوا ويعملوا بما تذكروه من ذلك، وليحدث لهم نشاطاً وهمة، توجب لهم الانتفاع والارتفاع. وأخبر الله أن الذكرى تنفع المؤمنين، لأن ما معهم من الإيمان والخشية والإنابة واتباع رضوان الله، يوجب لهم أن تنفع فيهم الذكرى، وتقع الموعظة منهم موقعها، كما قال تعالى:
{ فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ * سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ * وَيَتَجَنَّبُهَ ا ٱلأَشْقَى } [الأعلى: 9-11] وأما من ليس له معه إيمان ولا استعداد لقبول التذكير، فهذا لا ينفع تذكيره، بمنزلة الأرض السبخة، التي لا يفيدها المطر شيئاً، وهؤلاء الصنف، لو جاءتهم كل آية لم يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم.
{ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } 56 { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } 57 { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ }58


هذه الغاية التي خلق الله الجن والإنس لها، وبعث جميع الرسل يدعون إليها، وهي عبادته المتضمنة لمعرفته ومحبته، والإنابة إليه والإقبال عليه، والإعراض عما سواه، وذلك يتضمن معرفة الله تعالى، فإن تمام العبادة، متوقف على المعرفة بالله، بل كلما ازداد العبد معرفة لربه، كانت عبادته أكمل، فهذا الذي خلق الله المكلفين لأجله، فما خلقهم لحاجة منه إليهم.
فما يريد منهم من رزق وما يريد أن يطمعوه، تعالى الله الغني المغني عن الحاجة إلى أحد بوجه من الوجوه، وإنما جميع الخلق فقراء إليه، في جميع حوائجهم ومطالبهم، الضرورية وغيرها، ولهذا قال: { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ } أي: كثير الرزق، الذي ما من دابة في الأرض ولا في السماء إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها، { ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ } أي: الذي له القوة والقدرة كلها، الذي أوجد بها الأجرام العظيمة، السفلية والعلوية، وبها تصرف في الظواهر والبواطن، ونفذت مشيئته في جميع البريات، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا يعجزه هارب، ولا يخرج عن سلطانه أحد، ومن قوته أنه أوصل رزقه إلى جميع العالم، ومن قدرته وقوته أنه يبعث الأموات بعد ما مزقهم البلى، وعصفت بترابهم الرياح، وابتلعتهم الطيور والسباع، وتفرقوا وتمزقوا في مهامه القفار، ولجج البحار، فلا يفوته منهم أحد، ويعلم ما تنقص الأرض منهم، فسبحان القوي المتين.

{ فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } 59 { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ }60


أي: وإن للذين ظلموا وكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم من العذاب والنكال { ذَنُوباً } أي: نصيباً وقسطاً، مثل ما فعل بأصحابهم من أهل الظلم والتكذيب. { فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } بالعذاب، فإن سنة الله في الأمم واحدة، فكل مكذب يدوم على تكذيبه من غير توبة وإنابة، فإنه لا بد أن يقع عليه العذاب، ولو تأخر عنه مدة، ولهذا توعدهم الله بيوم القيامة، فقال: { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } وهو يوم القيامة، الذي قد وعدوا فيه بأنواع العذاب والنكال والسلاسل والأغلال، فلا مغيث لهم، ولا منقذ من عذاب الله تعالى [نعوذ بالله منه].

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.40 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.57%)]