عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 18-08-2020, 03:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,912
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خطبة عيد الأضحى (قصة الذبيح والأضحية)


اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا وسيدنا وقدوتنا وحبيبنا سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وعن أهل بدر والعقبة، وسائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.


يا أيها الراجون خير شفاعةٍ
من أحمدٍ صلُّوا عليه وسلِّموا

صلَّى وسلَّم ذو الجلال عليه ما
لبَّى مُلبٍّ أو تحلَّل مُحرِمُ


أما بعد أيها المسلمون..
تعود بنا الذكريات إلى عصر أبطال التاريخ، إلى أبي الأنبياء، إلى خليل الرحمن سيدنا إبراهيم عليه السلام، الذي قال فيه ابن عباس: ما قام بدين الله كله إلا إبراهيم عليه السلام، قدم جسمه للنيران، وماله للضيفان، و قدم ولده للقربان، قال تعالى ï´؟ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ï´¾ [النجم: 37]، فقام بأمر الله كله وقال تعالى ï´؟ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ï´¾ [النحل: 120] فكان وحده أمة.

في صبيحة هذا اليوم الأغر تهب ذكرى أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم خليل الرحمن، وما من معلمة من معالم الحج إلى بيت الله العتيق وما من شعيرة من شعائره إلا وهي ناطقة بذكرى أبي الأنبياء إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، ولله في ذلك حكمة باهرة، ولقد كانت الذكريات ولا تزال جسراً ممتداً بين الماضي والحاضر، بين القديم والجديد، يتلقى المتأخرون منها دروساً وعبراً مما جرى بالسابقين وجديرٌ بنا نحن المسلمين يا عباد الله أن نوظف هذه الذكرى التي أحياها ربنا سبحانه وتعالى من خلال شعائر الحج إلى بيت الله الحرام جدير بنا أن نحتفي بها وأن نتلقى منها دروساً وعبراً وسبلاً نعالج بها مشكلاتنا وأدواءنا وما أكثرها.

لقد دعا سيدنا إبراهيم ربه قائلا رب هب لي من الصالحين دعا الله ليرزقه بالولد بعدما بلغ من العمر ستا وثمانين سنة كاملة بعدما جف العود واشتعل الرأس شيبا ووهن العظم وبلغ من الكبر عتيا وهنا درس تربوي لابد أن نتعلمه وهو أنه لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس فلما دعا الخليل جاءت الإجابة الفورية من الجليل جاءت الإجابة من عند من يقول للشيء كن فيكون ï´؟ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ï´¾ [الصافات: 101] هذه البشارة فيها: أنه غلام ذكر، والذكر يشتد تعلق الوالدين به. وقوله ï´؟ بغلام ï´¾ إشارة إلى حياته حتى يبلغ. وصفه الله بأنه حليم والْحِلْمُ هو الصبر على جهالة الجاهليين.

وجاء إسماعيل على حين غيبة من الزمان فقد اشتاق القلب إلى الولد وجيء بالولد من عند الله فماذا حدث بعدما رزق خليل الله سيدنا إبراهيم بالولد؟

إن الأنبياء جميعا دائما إذا أنعم الله عليهم بنعمة أدخلهم امتحانا بعد النعمة وفتح لهم باب الامتحان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أشدكم بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ) صحيح أخرجه الحاكم في المستدرك وروى الترمذي في سننه وغيره من حديث مصعب بن سَعْدِ بْنِ أّبِي وّقَّاصٍ رَضِيَ الله عَنْهُ عن أبيه قَالَ: (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ فقَالَ صلى الله عليه وسلم: "الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ ومَا عَلَيْهِ خَطِيئَة )ٌ.

جاء إسماعيل عليه السلام على حين غياب طويل من الزمن ووصل حبه وتغلغل في قلب أبيه وتمكن من قلب أبيه تمكنا كبيرا وإذا وصلت المسألة لهذا الحد لابد أن يدخل الله العبد في الاختبار.

فيوسف عليه السلام لما تربع حبه في قلب أبيه كان لابد من امتحان يدخله أبوه سيدنا يعقوب عليه السلام فكان الفراق بينهما زمانا طويلا قال الإمام الطبري في تفسيره وقد اختلف أهل العلم في قدر المدة التي كانت بين رؤيا يوسف وبين تأويلها.

فقال بعضهم: كانت مدّةُ ذلك أربعين سنة. وقال آخرون: كانت مدة ذلك ثمانين سنة. وقال آخرون: كانت مدة ذلك أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ عَامًا وقال آخرون: كانت مدة ذلك ثمان عشرة سنة.

أما سيدنا إبراهيم عليه السلام لابد أن يدخل الامتحان وامتحان سيدنا إبراهيم كان من نوع فريد ينام سيدنا إبراهيم فيرى عجبا وأي عجب يرى؟ لم ير في المنام أنه يقدم لولده في جامعة من الجامعات و لم ير أنه يزوجه إحدى الفتيات وإنما يرى أنه يذبح ولده الوحيد ولم يكن له يومها أولاد من السيدة هاجر سوى سيدنا إسماعيل ومع ذلك يرى أنه يذبحه.

ورؤيا الأنبياء وحى من الله تعالى وحى واجب التنفيذ إذا رأى أنه يذبح ابنه فلابد أن يذبحه بخلاف إذا رأى إنسان آخر غير الأنبياء أنه يذبح ولده فلا يذبحه ويذبح شاة أو طيرا بدلا من ذلك فلست نبيا وليست رؤياك وحيا.

قال تعالى: ï´؟ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ï´¾ [الصافات: 102] ويا لها من مصيبة! ويا لها من مسألة شاقة على الأنفس! ومثل لنفسك أن تؤمر أنت بذبح ولدك حبيبك فلذة كبدك أحسن أبنائك إليك تذبحه بيديك وسكينك.ولو ابتليت ببلاء غير هذا لتحملت؛ كأن يسقط ابنك من على السطح، أو يصدم في حادث أو يمرض فيموت، أما أن تؤمر أنت فتأخذ سكيناً وتأخذ ابنك فتبطحه على الأرض، وتجلس على صدره فتذبحه. إنه لبلاء عظيم! بل من أعظم الابتلاء في تاريخ البشرية، لكن هكذا ليبين العظماء.

فسيدنا إبراهيم رأى أنه يذبح ولده الوحيد الذي لم يرزق حتى الآن سواه من زوجته هاجر قال مقاتل: رأى ذلك إبراهيم عليه السلام ثلاث ليال متتابعات. وقال محمد بن كعب:كانت الرسل يأتيهم الوحي من الله تعالى أيقاظا ورقودا؛ فإن الأنبياء لا تنام قلوبهم. وهذا ثابت في الخبر المرفوع، قال صلى الله عليه وسلم: "إنا معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا". وقال ابن عباس: رؤيا الأنبياء وحي؛ واستدل بالآية السابقة.

ولذلك مدحه الله أبد الدهر وأثنى عليها وخلد ذكرهما فقال ï´؟ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ï´¾ [الصافات: 106] فهو بلاء خالد،وخلَّد الله ذكره يوم أن قال: ï´؟ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ï´¾ [الشعراء:84] فرفع الله ذكره أبد الدهر.

وقال تعالى يصف تخليد ذكره أيضا ï´؟ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ï´¾ [الصافات: 78 - 81].



والله لو اجتمع علماء الأمة ببلاغ تهم وفصاحتهم وعذب لسانهم وحلو كلامهم وحاولوا أن يصوروا أو يجسدوا لنا هذا الصبر الفريد في تاريخ البشرية من أولها إلى آخرها ما استطاعوا ولكن القران يصور لنا ربنا هذا المشهد وينقله لنا لنعتبر فيقول تعالى ï´؟ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ï´¾ [الصافات: 103 - 111] (نقلا من كتاب الحقوق الإسلامية للشيخ محمد حسان – حق الصبر ص 71-72)

أرأيتم قلبًا أبويًّا
يتقبل أمرًا يأباه

أرأيتم ابنًا يتلقى
أمرًا بالذبح ويرضاه

فاضت بالعبرة عيناه
أضناه الحلم وأشقاه

شيخ تتمزق مهجته
تتندى بالدمع لحاه

ينتزع الخطوة مهموما
والكون يناشد مسراه

وغلام جاء على كبرٍ
يتعقب في السير أباه

والحيرة تثقل كاهل
وتبعثر في الدرب خطاه

ويهم الشيخ لغايته
ويشد الإبن بيمناه

بلغ في السعي نهايته
والشيخ يكابد بلواه

لكن الرؤيا لنبي
صدق وقرار يرضاه




يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.68 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.06 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.44%)]