عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 23-08-2020, 04:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,340
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دار النعيم: أوصاف وأفراح



أيها المسلمون، إن نعيم الجنة الذي ينتظر المؤمنين نعيمٌ لا يحيط به الوصف، فكل ما خطر في بالك ففي الجنة أعظم من ذلك، ففيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.




وذلك النعيم الكبير ينقسم إلى قسمين: نعيم حسي، ونعيم معنوي. فالنعيم الحسي كثير متعدد، فمنه: ما أعلى أبدانهم من الرُّواء والحسن. قال تعالى: ((﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴾ [المطففين:24].




ومنه: الطعام والشراب، وهو أنواع كثيرة بلغت غاية اللذة في الشكل والطعم واللون والآنية التي تحملها، وقد جاءت في وصفه نصوص متعددة، قال تعالى: ﴿ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ ﴾ [الواقعة:20] ﴿ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ﴾ [الواقعة:21]، وقال: ﴿ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ﴾ [المطففين:25] ﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين:26]، وقال: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ [محمد:15].




ومن النعيم: نعيم النكاح، قال تعالى: ﴿ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ﴾ [الطور:20]، وقال: ﴿ وَحُورٌ عِينٌ ﴾ [الواقعة:22] ﴿ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ﴾ [الواقعة:23] ﴿ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الواقعة:24].




ومن النعيم: نعيم اللباس والحلية والفراش والمتكآت، قال تعالى: ﴿ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ [الإنسان:12] ﴿ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا ﴾ [الإنسان:13].




ومن النعيم: نعيم الخدمة، فيخدمهم ولدان مخلدون بلغوا الغاية في الحسن. قال تعالى: ﴿ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا ﴾ [الإنسان:19].




ومن النعيم: منازلهم وقصورهم الواسعة العالية الحسنة داخليًا وخارجيًا. قال تعالى: ﴿ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [الصف:12].




وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة غرفًا يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام) [24]. وقال صلى الله عليه وسلم: ( إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها في السماء ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا) [25].




عباد الله، هذا شيء يسير من النعيم الحسي لأولئك الكرام نسأل الله أن يجعلنا منهم، وأما النعيم المعنوي، فمنه أن أهل الجنة يجلسون على الأرائك ويتحادثون فيما بينهم عما كانوا عليه في الدنيا من العناء والنصب، وكيف نجاهم الله تعالى منها، فيشكرون الله على ذلك. قال تعالى: (( ﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ﴾ [الطور:25] ﴿ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ﴾ [الطور:26] (( ﴿ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ﴾ [الطور:27] ﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾ [الطور:28].




ومن النعيم المعنوي: رؤيتهم لوجه الله تعالى، وإحلالُ رضوانه عليهم. قال تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ﴾ [القيامة:22] ﴿ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة:23].




وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى مناد: يا أهل الجنة: إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: وما هو؟ ألم يثقل الله موازيننا، ويبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، وينجنا من النار؟ فيكشف الحجاب فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئًا أحب إليهم من النظر إليه، ولا أقر لأعينهم) [26].




وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا)[27].




أيها المسلمون، إن الموحدين من عصاة المسلمين يدخلون جهنم فيعذبون فيها بقدر ذنوبهم ثم يخرجون بعد ذلك إلى الجنة. فعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير [28].




وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آخر أهل الجنة دخولاً إليها، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأعلم آخر أهل النار خروجًا منها، وآخر أهل الجنة دخولاً: رجل يخرج من النار حبواً، فيقول الله: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول: يا رب، وجدتها ملأى، فيقول: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا ربي، وجدتها ملأى فيقول: اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها، أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا فيقول: أتسخر مني أو تضحك مني وأنت الملك). فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ضحك حتى بدت نواجذه وكان يقال: ذلك أدنى أهل الجنة منزلة)[29].




الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أيها المسلمون، وبعد أن طوّف الخيال في دار الجمال، وسافر القلب بشوقه إلى تلك المنازل البهية، وتاقت الروح إلى الانتقال إلى ذلك النعيم المقيم، ألا يحثنا هذا الشعور العارم إلى اغتنام ما تبقى من رصيد العمر بصرفه في العمل لتلك الدار الأنيقة.




إن العاقل يتمنى ويشتاق لكنه يعمل للوصول إلى ما تمنى. فالجنة تحتاج إلى مسابقة، قال تعالى: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد:21].




والجنة تحتاج إلى منافسة، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴾ [المطففين:22] ﴿ عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ ﴾ [المطففين:23] ﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴾ [المطففين:24] ﴿ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ﴾ [المطففين:25] ﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين:26].




والجنة تحتاج إلى مسارعة، قال تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران:133].




فلا تكسل أيها الإنسان ولا تبطئ؛ فما هي إلا أيام قليلة من التعب تعقبها الراحة التامة والسعادة الدائمة. فانتصر على نفسك وهواك وشيطانك ودنياك، واجعل الله معبودك الواحد الذي تعبده وتتوكل عليه، واجعله ملاذك ومعاذك، واتبع سنة نبيك فيما أمر وفيما نهى، واجعله أسوتك وقدوتك. وافعل الخير كله ما استطعت، واجتنب الشر كله أينما توجهت، وأحسن معاملة الخالق ومعاملة المخلوقين، حتى يأتيك الموت وقد أديت وظيفة العبودية كما يحب رب البرية، فتصير بذلك من أهل الاستقامة، فعند ذلك تكون من أهل هاتين الآيتين: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأحقاف:13] ﴿ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأحقاف:14]. فنسأل الله تعالى باسمه الأعظم أن يجعلنا من أهل الجنة.




هذا وصلوا وسلموا على الهادي البشير...





[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في 22/5/1436هـ، 13/3/2015م.



[2]) هذه هي الخطبة السادسة والأخيرة من سلسلة بعنوان" الطريق إلى الوطن الأخير" تتضمن هذه السلسلة ست خطب، وكانت الخطبة الأولى بعنوان: رحلة الموت: آداب وأحكام، والخطبة الثانية: الفراغ من دفن الميت: آداب وأحكام، والخطبة الثالثة: أنباء القبور. والخطبة الرابعة: مشاهد في عرصات القيامة، والخطبة الخامسة: دار الشقاء: أهوال وأحوال.



[3] رواه أحمد، وهو صحيح.



[4] رواه ابن ماجه، وهو حسن.



[5] رواه البخاري.



[6] رواه الترمذي، وهو صحيح.



[7] رواه أحمد، وهو صحيح.



[8] متفق عليه.



[9] رواه مسلم.



[10] رواه مسلم.



[11] رواه مسلم.



[12] رواه أحمد وابن حبان، وهو صحيح.



[13] رواه الطبراني، وهو صحيح.



[14] متفق عليه.



[15] متفق عليه.



[16] رواه أحمد، وهو صحيح.



[17] رواه مسلم.



[18] رواه أحمد والبيهقي، وهو صحيح.



[19] متفق عليه.



[20] رواه مسلم.




[21] رواه مسلم.



[22] رواه مسلم.



[23] رواه مسلم.



[24] رواه الترمذي وابن حبان، وهو صحيح.



[25] متفق عليه.



[26] رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان، وهو صحيح.



[27] متفق عليه.



[28] متفق عليه.



[29] متفق عليه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.14 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.81%)]