عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 25-08-2020, 04:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,714
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العقيدة الواسطية

شرح العقيدة الواسطية (15)
الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل




إثبات صفة المعية لله عز وجل






وَقَوْلِهِ: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [الحديد: 4]:

هذه الأدلَّة دلَّت على إثبات صفةٍ مِن صفات الله وهي صفة المعيَّة؛ معية الله لخلقِه، وصفة المعية تَنقسِم إلى نوعين:

1- الأوَّل: مَعيَّة عامَّة، وهي معيَّة الله لجميع خَلقِه معيَّةً عامة، وهي مِن صفات الله الذاتيَّة، وليس مَعناها أنَّ الله مَعهم؛ بمعنى أنه مُمازجٌ لهم مخالطٌ لهم حالٌّ فيهم؛ كما هي الظنون الفاسدة التي يَقول بها أهل الفساد وأهلُ الانحراف والبدع، ولكنها صفةٌ ذاتية؛ بمعنى أنها متعلِّقة بذات الله، ليست متعلِّقةً بالمشيئة، وهذه المعية العامَّة هي التي جاءت في قول الله تعالى: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ [الحديد: 4]، معيَّة لا تَقتضي المخالطةَ ولا الممازجة، وإنما تقتضي أنه سبحانه وتعالى مطَّلِع عليهم لا يَخفى عليه شيءٌ من أمرهم مُصاحبٌ لهم؛ ولهذا يقول العلماء: إن المعية العامة معيَّة بعلم الله (معية عِلمية)؛ لأن الله تعالى يبدَأ هذه الآياتِ ويَختُمها بالعلم؛ ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [الحديد: 4].





وَقَوْلِهِ: ﴿ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [المجادلة: 7]:

وهذه تَقتضي إحاطتَه واطِّلاعه على خلقه، وأنه لا يَخْفى عليه منهم خافية.



2- النوع الثاني: معيَّة خاصة، وقد جاءت في القرآن والأدلة على نوعين:

أ- معية لأشخاص.

ب- ومعية لأعمال وأوصافٍ قامت بعبادِ الله المؤمنين.



وجاءت معيَّة الأشخاص في قولِه تعالى عن نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار وهو الصِّديق في الآية التالية:



وَقَوْلِهِ: ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40].



وهذه معية خاصة، ولما بعث موسى وهارون إلى فرعون، فقال:



وَقَوْلِهِ: ﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه: 46].



هذه معيَّة خاصَّة، والمعية الخاصة لأشخاص، إذا جاء في القرآن فهي أعلى قَدْرًا وخصوصيَّةً وشرفًا مِن المعية التي تَأتي لغير مُخَصَّصِين، وإنما لأوصافٍ عامة كمَعيَّة الله للصابرين وللمحسنين وللمتقين:

وَقَوْلِهِ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128]، وَقَوْلِهِ: ﴿ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46]، وَقَوْلِهِ: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249]:

وكلا هاتين المعيَّتَين: المعية لأشخاص اختصهم الله بذلك، أو المعية لأوصاف الصابرين والمحسنين والمتقين - معية خاصة، وهي من صفات الله الفعلية، التي تكون لمن شاء الله من خلقه؛ كرامة لهم، وجزاء لهم على إيمانهم، وتوحيدهم، وصدقهم؛ ولهذا فإن الفرق بين المعيتين أن المعية العامة من صفات الله الذاتية، والمعية الخاصة من صفات الله الفعلية، وتقتضي المعيةُ الخاصة الحفظَ والتأييد، وهذا معنًى أخَصُّ مِن معنى المعية العامة المقتضية للاطلاع، وأنه لا يخفى عليه من خلقه خافية.



والمعية الخاصة والعامة جاءت اللغة بإقرارِهما من غير أن تكون بممازجة، أو مخالطة؛ تقول: سِرتُ والقمَر معنا؛ فليس المعنى أن القمر نزل ومَشى معنا، وإنما المعنى أن القمر مُصاحبنا، وهو ظاهرٌ فوقنا، نوره يَبلُغنا، فإذا كان هذا في مخلوق - وهو القمر - مع مخلوق لم تَقتضِ المعيةُ الممازجةَ والمخالطةَ والحلول، فكيف بمعية الخالق مع خَلقه؟! المعنى أشملُ وآكَدُ وأعمُّ أنها لا تقتضي اتحادًا، ولا حلولاً، ولا ممازجةً.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.77 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.08%)]