الموضوع: صيحة نذير
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 31-08-2020, 04:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة : Egypt
افتراضي رد: صيحة نذير



قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ (آل عمران: 101)، وقال تعالى: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 40، 41].

هكذا قال الله في حق من أطاعه واتقاه والتزم شرعه وهداه، ولنستمع لما قاله في حق من زهد بالحق واستبدل الأدنى بالذي هو خير، فأعرض عن ذكر الله، يقول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾ (طـه: 127)، ويقول سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهو لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ (الزخرف:37).

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى"، قيل: يا رسول الله ومن يأبى؟ فقال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى".[11].


وقد حوى التاريخ في طياته أخبار انتصار المسلمين الصادقين على أعدائهم وتغلبهم عليهم ليس لكثرة عددهم وعددهم وإنما هو بسبب قوة إيمانهم وتمسكهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم مع الأخذ بالأسباب التي أمرهم الله بها بقوله: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ (الأنفال: 60)، فظفروا بنصر الله لأنهم نصروه وجاهدوا في سبيله لتكون كلمته هي العليا، وكلمة أعدائه السفلى، فكان لهم ما أرادوا نصرًا في الدنيا وسعادة في الآخرة، وصدق الله إذ يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ (محمد: 7)، ويقول: ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ (آل عمران:160).

وإذا أراد العاقل في هذا العصر الذي نعيش فيه معرفة الشاهد من الواقع على صدق هذه الحقيقة، وهي أن المسلمين ينتصرون بسبب التزامهم شريعة الإسلام التي اختارها الله لهم وينهزمون عند زهدهم فيها وبعدهم عن الأخذ بتعاليمها لم يجد شاهدًا أوضح من نتائج الحرب بين العرب واليهود التي تجلت فيها هذه الحقيقة بوضوح ذلك أن العرب الذين أعزهم الله بالإسلام لما لم يلتزموا في هذا العصر - إلا من شاء الله منهم - بشرع الله، ولم يحكموا الوحي الذي نزل به جبريل من الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، واختاروا لأنفسهم التحاكم إلى قوانين وضعية ما أنزل الله بها من سلطان، لما لم يلتزموا بهذه الشريعة الكاملة الصالحة لكل زمان ومكان ظفروا بالخذلان وصارت لهم الذلة أمام من كتب الله عليهم الذلة، وأي ذل وهوان أشد من هذا الذل والهوان، وسيسجل التاريخ ذلك للذين يأتون من بعد، كما سجل ما جرى من خير وشر للذين مضوا من قبل، ولن يقوم للمسلمين قائمة إلا إذا رجعوا إلى الاعتصام بالله والالتزام بشريعة الله [12].


ولقد ظهر ذلك جليًّا واضحًا لما عادت تلك الشعوب إلى باريها وراعيها -سبحانه وتعالى- وراجعوا أخطاءهم وأفاقوا من سباتهم فرجعت دعاتهم واعظة مذكرة وعادت شعوبهم آيبة تائبة واعترفت رئاساتهم بالتقصير والتفريط فنصرهم الله تعالى كما حدث في انتصار العاشر من رمضان، ولكنهم عادوا اليوم فنكسوا تلك الرايات البيض وأبدلوا تلك الشارات الحسنة ويوم يعودون ويثبتون على شرع ربهم تحل عليهم بركات الله من السماء والأرض ويأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ومن حيث لا يحتسبون ولا يشعرون ولا يقدّرون، فإن للعمل بالشريعة المطهرة بركات لا تحصى، فأول ذلك أن الله -سبحانه وتعالى- قد أناط خير الدنيا بتطبيق شريعته.

قال تعالى عن أهل الكتاب: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾ [المائدة: 66]، وهذه الآية وإن كانت في أهل الكتاب من اليهود والنصارى إلا أنها تنسحب علينا أيضًا، وقال أيضًا سبحانه: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96] ولا شك أن المؤمنين يصدقون بوعد الله ويعلمون يقينًا أن خير الدنيا والآخرة في اتباع مرضاته.

وإذا كان ثم من يكذب بهذا الوعد ولا يرى رابطًا وسببًا بين إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم، وبين نزول المطر ووفرة الزراعات ورواج االتجارات، فإن ثمة روابط مادية أيضًا يشاهدها كل ذي بصر من مؤمن وكافر بين هذا وذاك، فالصلاة والصيام تربية وتزكية لضمير الفرد وتوجيه له نحو البر والإحسان، ومحبة الخير للناس، ولا شك أن من هذا صفته أجاد صناعته وزراعته، ولم يغش في تجارته، ولم يقبل رشوة إن كان موظفًا، وحافظ على الأموال العامة من الضياع، ولا شك أن مجتمعًا تكون عامته وأكثريته على هذا النحو سيكون مجتمعًا للرخاء والثروة وزيادة الإنتاج. ولا شك أيضًا أن في إخراج الزكاة أعظم فائدة لنماء الأموال والقضاء على الثورات والشحناء التي تشل الاقتصاد وتوصل البلدان إلى الخراب والدمار.

وفضل الحج وهو عبادة في التقريب بين الشعوب الإسلامية لا ينكر ومع التقريب تحصل المودة وتتبادل المنافع التجارية والصناعية والزراعية، والعالم كله يسعى إلى إقامة مؤتمر كالحج تنتفي فيه الفروق بين البشر ولا يستطيع، وهذا في العبادات وأما المعاملات فهي أبلغ من ذلك لأنها تستهدف أصلًا رفع الظلم وإقامة العدل في الأرض، ولا شك أن الظلم يتبعه الخراب، وأن العدل يتبعه الرخاء والنماء. فلماذا لا تكون إقامة شريعة الله، تعني انفتاح البركات وزيادة الخيرات.

ولا شك أيضًا عند كل ذي لب من مؤمن وكافر أن إقامة الحدود أعني العقوبات الشرعية هي من أكبر أسباب زيادة الخيرات والبركات فقطع يد السارق يعني المحافظة على الأموال وخروجها من المخابئ ليعمل بها في التجارات والزراعات والصناعات، لأن رأس المال جبان -كما يقولون- فإذا توفرت له الحماية خرج، وإذا انتشرت اللصوصية والظلم اختبأ أو هرب، ولا شك أيضًا أن قتل القاتل ردع عن هذه الجريمة المسببة لخراب العمران وتقطيع أو صال المجتمعات، وناهيك بتنفيذ حد الزنا حيث يقطع دابر البغاء، وإنفاق الأموال في غير وجهها، ويقطع الطريق على إنجاب أولًا:د الزنا الذين هم آفة المجتمعات، فالطفل الذي ينشأ لا يعلم له أبًا يمتلئ قلبه بالحقد والكراهية للمجتمع، ولا شك أنه يظلم الناس إذا وجد الفرصة لذلك. ولهذا كان عامة المنحرفين والمجرمين من هؤلاء.

والمجتمع الإسلامي الذي يظهر على هذا النحو من النظافة والطهر لا شك أنه سيكون مجتمع الخير والبركة والنماء. فلماذا ننكر إذن أن يكون هناك رابط وسبب مباشر تراه كل عين ويفقهه كل قلب بين تطبيق الشريعة المطهرة وبين الرخاء المادي والسعادة الدنيوية. وصدق الله القائل: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]. ولذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إقامة حد في الأرض خير من أن يمطروا أربعين صباحًا"[13][14]


لكن ورغم كل هذا أضاع المسلمون شريعة ربهم كأسهل شيء عليهم يضيعونه وفرطوا فيها كأي شيء سهل عليهم التفريط فيه فيا حسرة على العباد.

إن تصور أمة محمد صلى الله عليه وسلم تتحاكم إلى غير شريعة الله لهو أمر مذهل... وأمر بشع.. لا يخفف من بشاعته عموم البلوى ولا ثقل الأمر الواقع!
كيف تخلت هذه الأمة عن رسالتها وعن تميزها الذي ميزها الله به؟
هل أخرج الله هذه الأمة لتكون في ذيل القافلة تلهث وراء الركب؟
وهل أخرجها لتبهم شخصيتها، تصبح مقلدة بل مشوهة من الجاهلية.
ألم يخرجها لتكون قائدة ورائدة وشاهدة على كل البشرية؟

كما قال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].

وكما قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143].

وهل تستطيع أن تحقق شيئًا من ذلك حين تتخلى عن شريعة الله وتنتهج شرائع الجاهلية.

إنما أخرج الله هذه الأمة لأمر أعظم من هذا بكثير أخرجها لتكون هي النموذج الذي تحتذيه البشرية لتهتدي إلى ربها، وتطبق منهجه في الأرض فتنال خير الدنيا وخير الآخرة، وتنال رضوان الله.

وذات يوم حققت الأمة ذلك النموذج الفذ في عالم الواقع ولن تعود إلى التمكين والقوة حتى تعود إلى السبب الذي مكنها من قبل.﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات... ﴾. ولن يعبدوه حق عبادته عبادة خالية من الشرك حتى يلتزموا بتطبيق شريعة الله.﴿ فلا وربك لا يؤمنون...[15] فالتزام شرع الله، وترك شرع ما سواه، هو من مقتضى لا إله إلا الله‏.‏

وكذا كل صغير من أمر المرء وكبير لا بد أن يكون على وفق أمر الله ونهيه سبحانه لا على هوى الإنسان ووفق مراده، ولكن الإنسان يأتي عليه ساعة يتكبر فيها ويتجبر ويظن بنفسه القوة والقدرة على أن يكون مستغنيًا عن السير على أوامر الله فيمضي بعيدًا عنها ليختار لنفسه من المناهج ما شاء وليسن له ولمن ارتضى ما يصنع والذين يتبعونهم على نهجهم قوانين غير قوانين الله ظنًّا منه أنه إنما يفعل ما هو من جملة مستحقاته، ونسي أنه إنما هو عبد مسكين فقير للنفس الذي يخرج منه أن يعيده إليه رب العلمين سبحانه وما أجمل ما عبر عن ذلك شاعر الإسلام الحكيم محمد إقبال –-رحمه الله تعالى- إذ يقول:
الحب ذو العصف والريحان ينبته
من ظلمة الطين رب الحب والطينِ

والغيم من لج الأمواج يرفعه
إلى السموات سلطان السلاطينِ

يسوق للزهر أنسامًا تهيجه
فيرسل الزهر أنغام البساتينِ

للشمس من نوره طوق يزينها
وللندى نسب من حوره العينِ

فقل لصاحب تاج يدعيه له
أفقْ فإنك مسكين المساكين


أيها الإخوة! إن الله تعالى إنما أنزل الكتاب ليعمل به و بعث الرسول ليقتدى به، فأي ادعاء للإنسان يصح إذا ما انفك عن العمل بما جاءه به الرسول، ثم يقول أنا متبع له، بل أي إيمان له يحق إذا كان يقول إنه مؤمن بالله ثم يمضي ليختار لنفسه نهجًا غير الذي به أمر وشرعًا دون ما إليه أرشد؟! يقول صاحب التحرير والتنوير: "إنّ مراد الله تعالى من توجيه الشرائع وإرسال الرسل، ليس مجرّد قرع الأسماع بعبارات التشريع أو التذوّق لدَقائق تراكيبه، بل مراد الله تعالى ممّا شرع للناس هو عملهم بتعاليم رسله وكتبه"[16].


لقد خلق الله الجن والإنس لعبادته وأداء حقه سبحانه فيها، وقد فسر العلماء رحمهم الله العبادة بمعان من أجمعها ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إذ يقول:
العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. وهذا يدل على أن العبادة تقتضي: الانقياد التام لله تعالى، أمرًا ونهيًا واعتقادًا وقولًا وعملًا، وأن تكون حياة المرء قائمة على شريعة الله، يحل ما أحل الله ويحرم ما حرم الله، ويخضع في سلوكه وأعماله وتصرفاته كلها لشرع الله، متجردًا من حظوظ نفسه ونوازع هواه، يستوي في هذا الفرد والجماعة، والرجل والمرأة، فلا يكون عابدا لله من خضع لربه في بعض جوانب حياته، وخضع للمخلوقين في جوانب أخرى، وهذا المعنى يؤكده قول الله تعالى:﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾.

وقوله -سبحانه وتعالى-: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾.

وما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به»[17].


يقول سماحة العلامة ابن باز -رحمه الله تعالى-: "فلا يتم إيمان العبد إلا إذا آمن بالله ورضي حكمه في القليل والكثير، وتحاكم إلى شريعته وحدها في كل شأن من شئونه، في الأنفس والأموال والأعراض، وإلا كان عابدا لغيره، كما قال تعالى:﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ فمن خضع لله سبحانه وأطاعه وتحاكم إلى وحيه، فهو العابد له، ومن خضع لغيره، وتحاكم إلى غير شرعه، فقد عبد الطاغوت، وانقاد له، كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 60].

والعبودية لله وحده والبراءة من عبادة الطاغوت والتحاكم إليه، من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، فالله سبحانه هو رب الناس، وإلههم، وهو الذي خلقهم وهو الذي يأمرهم وينهاهم، ويحييهم ويميتهم، ويحاسبهم ويجازيهم، وهو المستحق للعبادة دون كل ما سواه قال تعالى: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾ فكما أنه الخالق وحده، فهو الآمر سبحانه، والواجب طاعة أمره.


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.23 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]