العنصر الخامس: علاج الكسل.
التعوذ بالله من الكسل:
عن أبي سعيد الجدريّ رضي اللّه عنه قال: «دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة جالسا فيه»، فقال «يا أبا أمامة مالي أراك جالسا في غير وقت صلاة»، قال: هموم لزمتني وديون يا رسول اللّه. فقال: «ألا أعلّمك كلاما إذا قلته أذهب اللّه عزّ وجلّ همّك وقضى دينك». فقال: بلى يا رسول اللّه. قال: «قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الهمّ و الحزن. و أعوذ بك من العجز والكسل. وأعوذ بك من البخل والجبن. وأعوذ بك من غلبة الدّين و قهر الرّجال». قال: فقلت ذلك فأذهب اللّه همّي و قضى عنّي ديني.].[15]
التبكير للعمل: من أسباب النشاط والإنجاز والبركة ان يبكر المسلم إلى أداء ما عليه من واجبات عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بورك لأمتي في بكورها"[16]
الاستعانة بالله: الله سبحانه هو خير معين و خير من يلوذ به المسلم.
لذا عباد الله لابد أن نتوكل ونستعين به فالمسلم يكرر في كل ركعة ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5].
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيءٌ فلا تقل لو أني فعلت كذا كان وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان)[17].
لبست ثوب الدجى والناسُ قد رقدوا
وبت ُ أشكو إلى مولاي ما أجد 
فقلت ُيا أملي في كل نائبةٍ
ومن عليه لكشف الضر أعتمد 
أشكو إليك أموراً أنت تعلمها
مالي على حملها صبرٌ ولا جلد 
وقد مددت يدي بالذل مبتهلاً
يا خير من مُدت إليه يد 
فلا تردنّها يا رب خائبةً
فبحر جودك يَروي كل من يرد 
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد:
العنصر السادس: صور مشرقة من الجد والنشاط.
أصحاب الهمة العالية هم الذين يقوون على البذل في سبيل المقصد الأعلى، و يبدلون أفكار العالم، ويغيرون مجرى الحياة بجهادهم وتضحياتهم، ومن ثَمَّ فهم القلة التي تنقذ الموقف، وهم الصفوة التي تباشر مهمة " الانتشال السريع " من وحل الوهن، ووهدة الإحباط.
زاحم بكتفيك وساعديك قوافل العظماء المجددين من السلف والخلف، ولا تؤجل فإن مرور الزمن ليس من صالحك، وإن الطغيان كلما طال أمده، كلما تأصَّلت في نفوس المتميعين معاني الاستخذاء، ولابد من مبادرة تنتشل، ما دام في الذين جرفهم التيار بقية عرق ينبض، وبذرة فطرة كامنة.
هذا زمان لا توسُّط عنده 
يبغي المغامر عالياً وجليلا 
كن سابقاً فيه أو ابق بمعزلٍ 
ليس التوسط للنبوغ سبيلا[18] 
إن أمتك المسلمة تترقب منك جذبة " عُمَرِيَّة " توقد في قلبها مصباح الهمة في ديجور هذه الغفلة المدلهمة، وتنتظر منك صيحة " أيوبية " تغرس بذرة الأمل، في بيداء اليأس، وعلى قدر المئونة؛ تأتي من الله المعونة، فاستعن بالله ولا تعجز. المصدر: المفكرة الدعوية.
و ها هي نماذج في البناء و العمير و البذل و العطاء بتلك النماذج تتفوق الأمم و تسموا الشعوب و تتوقد العزائم.
1- داود عليه السلام: لما أعطى الله داود عليه السلام إلانة الحديد، فيم استخدمها ذلك النبي الكريم؟ لقد استخدمها في صناعة الدروع، وملابس الحرب، والعتاد العسكري؛ ليجاهد في سبيل الله عز وجل.
2- سيلمان عليه السلام: وقد أعطى الله سيلمان عليه السلام نعماً كثيرة ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ﴾[19]
ولذلك فها هو يستخدم الهدهد في طاعة الله، وفي إرسال كتب الإنذار والإعذار إلى الكفار؛ لدعوتهم إلى دين الله، وتهديدهم إذا هم مالوا وحادوا عن شرع الله.. وها هو يستخدم جنوده من الجن، والإنس، والطير في تهديد الكفار، وإرغامهم وحملهم على إتباع الدين، وها هو يستخدم العفاريت في جلب ما إذا رآه الكفار أسلموا، واستخدم الجن في بناء الصرح الممرد من قوارير، الذي بهر عين ملكة الكفار؛ فأسلمت لما علمت أن ملكها لا يساوي شيئاً بجانب ملك سليمان المؤيد من عند الله عز وجل.
وإن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن. وقال سبحانه ﴿ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ﴾ [20] من الجن الذين عصوا سليمان.
﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ﴾ [سبأ: 12]. أنعم الله عليه بها، ففي أي شيء استخدمها؟ في السفر عليها لطاعة الله، في سبيل الله سبحانه.
﴿ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ﴾ [سبأ: 12]. النحاس المذاب يصنع فيها ما يشاء مما فيه فائدة للدين والبلاد والعباد.
﴿ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ﴾ [سبأ: 12]. سخرهم الله لسليمان.. ماذا يعملون له؟ المحاريب: المساجد، والأبنية. والجفان التي كالجواب، وهي: الأحواض العظيمة التي يجبى إليها الناس. والقدور الراسيات لعظمها ترسو من ثقلها لينتفع مما فيها المسلمون.
وكذلك كان عند الأفراد المسلمين طاقات فردية قدموها لنصرة الدين، وإعلاء كلمة الله:
1- زيد بن ثابت رضي الله عنه: عن خارجة بن زيد، أن أباه زيدا، أخبره: أنه لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، قال زيد: ذهب بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعجب بي، فقالوا: يا رسول الله، هذا غلام من بني النجار، معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة، فأعجب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا زيد، تعلم لي كتاب يهود، فإني والله ما آمن يهود على كتابي قال زيد: فتعلمت له كتابهم، ما مرت بي خمس عشرة ليلة حتى حذقته وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب.[21]
فإذن كان لدى هذا الغلام من الذكاء والفهم الذريع ما تعلم به لغة قوم من الكفار غير لغته؛ ليخدم الدين، وليكون كاتباً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ كتب اليهود المرسلة إليه، ويجيب له عليها.
2- عيسى العوام رحمه الله: وقد تستغربون المواهب التي قد يبدع فيها البعض، ويبرع فيها فيسخرها لخدمة الدين كيف تكون! قال ابن شداد رحمه الله في إحدى الوقائع التي كانت بين صلاح الدين والنصارى: ومن نوادر هذه الوقعة ومحاسنها أن عواماً مسلماً كان يجيد العوم، يقال له: عيسى العوام وكان يدخل إلى البلد بالكتب والنفقات على ظهره ليلاً على غرة من العدو - البلد المسلمة كانت محاصرة بسفن العدو كانوا ينتظرون المدد ورسائل صلاح الدين التي يخبرهم فيها ماذا سيعملون ويمدهم بالنفقات لدعم الجهاد - فكان هذا الغواص المسلم يدخل من تحت سفن الأعداء ثم يخرج بعدها، ويدخل البلدة المسلمة وكان يغوص ويخرج من الجانب الآخر لمراكب العدو، وكان ذات ليلة شد على وسطه ثلاثة أكياس فيها ألف دينار، وكتب للعسكر، وعام في البحر فجرى عليه من أهلكه، ولكن الله قدر أن يموت هذا الرجل وهو جندي في وسط المعركة يخدم الدين، وأبطأ خبره عنا فاستشعر الناس هلاكهم ولما كان بعد أيام بينما الناس على طرف البحر في البلد وإذا البحر قد قذف إليهم ميتاً غريقاً فافتقدوه فوجدوه عيسى العوام. ووجدوا على وسطه الذهب وشمع الكتب وكان الذهب نفقة للمجاهدين. فما رُؤِيَ من أدى الأمانة في حال حياته وقد أداها بعد وفاته إلا هذا الرجل.[22]
فإذن: حتى الغواصين والغطاسين كانوا يستغلون هذه الموهبة لنصرة الدين.
3- ولما دخل رسول الله المدينة توزعت الطاقات، واستغلت المواهب: فهذا بلال يؤذن، وسعد وغيره لحراسة الرسول صلى الله عليه وسلم في مبدأ الأمر. وزيد وغيره لكتابة الوحي والرسائل، وخالد وغيره للقيادة. خالد الذي كان مبدعاً في القيادة استغل طاقته في أي شيء؟ استلم مباشرة الجيوش يقودها في سبيل الله، وحسان، وكعب، وابن رواحة للقيام بالدور الإعلامي المطلوب لخدمة الإسلام.
وابن مسعود صاحب النعلين والمطْهَرة؛ لأنه كان فقيها شديد التعلم كان يسأل رسول الله.. حتى في الأشياء الدقيقة ليتعلم.. وسلمان يدل على فكرة الخندق لما احتاج المسلمون.. ونعيم بن مسعود الثقفي يعرض خدماته لما أسلم.. وأبو طلحة يأتي رسول الله بتبرع سخي بستان كبير، يقول: يا رسول الله ضعها حيث أراك الله.
ووضع التجار إمكاناتهم لنصرة الدين: فهذا عثمان رضي الله عنه يحفر بئراً على نفقته، ويجهز جيش العسرة على نفقته، ويفك أزمة المسلمين في وقت شدة بأن تبرع بالدواب التي حملت التجارة له بما عليها للمسلمين.. والملاحظ في السيرة النبوية أن هذا الاستغلال والتوزيع لم يظهر بشكل واضح إلا في المجتمع المدني بعد إرساء القاعدة الصلبة والهجرة إلى المدينة.
الحرص على توفير الكفاءات التي يحتاج إليها المجتمع المسلم، وقبل ذلك توفير الكفاءات الشرعية التي يتربى الناس عليها: وإلا فما الفائدة من الأطباء والمهندسين إذا كانت قلوبهم خاوية على عروشها من الإيمان والعقيدة الصحيحة. وانظر إلى الغثاء المتدفق من أجيال البعثات على بلاد المسلمين - كثير منهم ممن جاءوا من الغرب، أو الشرق قد أصبحوا حرباً على الإسلام وأهله - فليست القضية مجرد كفاءات علمية، وليست القضية مهارة في الأمور الدنيوية.. قبل ذلك لا بد أن تعمر القلوب بالإيمان، وأن تتربى النفوس، وإلا فإن هذه الطاقات ستستخدم في حرب الإسلام ولو كان أصحابها عبد الله ومحمد وأحمد.
ثم إنه - تعالى - أوصانا بالعمل جميعاً، فقال: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [23]؛ فالعمل لهذا الدين مسؤولية الجميع.
أيا صاحِ هذا الركب قد سار مسرعاً 
ونحن قعود ما الذي أنت صانع؟ 
أترضى بأن تبقى المخلَّفَ بعدهم 
صريعَ الأماني والغرام ينازع[24] 
فـ ﴿ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾ [25]
الدعاء....
[1] [النساء: 71 - 73].
[2] تفسير المنار (5/ 382)
[3] [أخرجه البخاري: كتاب التهجد بالليل، باب: عقد الشيطان في قافية الرأس، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: ما روى فيمن نام أجمع حتى الصبح (774)، النسائي: كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب: الترغيب في قيام الليل (1607، 1608).
[4] طرح التثريب في شرح التقريب (3/ 88)
[5] أخرجه أحمد (1/ 427، رقم 4059)، والبخاري (3/ 1193، رقم 3097)، ومسلم (1/ 537، رقم 774)، والنسائي (3/ 204، رقم 1608)، وابن ماجه (1/ 422، رقم 1330). وأخرجه أيضًا: البزار (5/ 417، رقم 2049)
[6] [التوبة: 54]
[7] [الأحزاب: 72]
[8] شفاء العليل (ص: 250)
[9] [المزمل: 20]
[10] تفسير القرطبي (19/ 55)
[11] المستطرف (2/ 127)
[12] المجالسة وجواهر العلم (ص: 641)
[13] شفاء العليل (ص: 225)
[14] متفق عليه.
[15] إسناده حسن: أخرجه أبو داود (1555)
[16] (أخرجه أبو يعلى ) 5409، (و الطيالسي) 754، انظر صحيح الجامع:2841
[17] أخرجه: مسلم 8/ 56 (2664 ) (34)
[18] ديوان أحمد شوقي (ص: 665)
[19] [النمل: 16]
[20] [ص: 36 - 38]
[21] مسند أحمد (35/ 490)أخرجه ابن سعد 2/ 358 - 359، والبخاري في "تاريخه" 3/ 380 - 381،
[22] (النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية)
[23] [التوبة: 105]
[24] المفصل في فقه الدعوة إلى الله تعالى
[25] [ص: 42].