عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 01-09-2020, 05:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,791
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (55)

صـــــ(6) إلى صــ(10)

أوقات الصلاة
[وقت صلاة الظهر]
قال المصنف رحمه الله:
[فوقت الظهر من الزوال إلى مساواة الشيء فيئه بعد فيء الزوال] الفاء للتفريع،
أي: إذا علمت أن الوقت شرطٌ لصحة الصلاة فاعلم أن وقت الظهر ما سيأتي.
والظهر: هي الصلاة الأولى تسمى بالظهر، وهذا اسمها الغالب، وللعلماء في سبب تسميتها بالظهر خلاف،
قال بعضهم: سُمِّيت بالظهر من الظهيرة، لوجود قائم الظهيرة فيها؛ لأن الشمس تقوم فيها، وهي تقع بعد زوال الشمس مباشرة، فنسبت إلى أقرب موصوفٍ لها.والظُّهر تسمى الأُوْلَى، ويدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي برزة الأسلمي أنه دخل عليه أبو المنهال سيار بن سلامة رحمه الله،
فقال:
دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي،
فقال له أبي:
(كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المكتوبة؟
قال:
كان يصلي الهجير وهي التي تدعونها الأولى)
، فوُصِفت بكونها هجيراً، وبكونها أُوْلى، وبكونها ظهراً، أما كونها هجيراً فلأنها تكون بالهاجرة، وهذا الوقت الذي تقع فيه صلاة الظهر، حيث تكون الشمس فيه شديدة الحرارة، ولذلك أمر بالإبراد عن أول الوقت في شدة الحر، فإذا اشتدت الحرارة هجر الناس الشمس، وصاروا إلى الظل، وهجروا أعمالهم من أجل شدة الحر والمئونة والمشقة، فسمِّيت الهجير من هذا، وسميت الظهر لما ذكرناه، وسميت الأولى لأنها أول صلاة تصلى.وهذا أصح أقوال العلماء أن الظهر هي أول الصلوات، والدليل على ذلك عدة أدلة،
منها:
أنه لما أراد الله أن يبين لنبيه عليه الصلاة والسلام مواقيت الصلاة نزل جبريل في وقت الظهر، فكان أول ما أعلمه بوقته هو الظهر، وكذلك الحال في وصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم للصلوات المكتوبة وأوقاتها كلهم كان يبدأ بصلاة الظهر، وذلك مراعاة لأصل الشرع.
وقال بعض العلماء:
الأولى هي الفجر والثانية هي الظهر لأجل أن يقوى مذهبهم بأن العصر هي الصلاة الوسطى، وهذا مذهبٌ مرجوح،
ويُجاب عنه من وجهين:
أولاً مخالفته لظاهر السنة ولهدي الصحابة في قولهم: (كان يصلي الهجير وهي التي تدعونها الأولى ... )، فدل على أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يسمونها الأولى، وأما اعتذارهم بأن العصر لا تكون وسطى إلا إذا اعتبرنا الفجر الأولى فمحل نظر؛ لأنهم قالوا إن الفجر والظهر يجتمعان في كونهما صلاة نهارية، والمغرب والعشاء يجتمعان في كونهما صلاة ليلية، فيقع العصر بينهما، فتكون صلاةً وسطى من هذا الوجه.والجواب عن هذا يسير،
وهو أن يُقال:
إن الوصف بكونها وسطى -أعني العصر- إنما هو لانتصافها بين نهاريةٍ وليلية، لا بين نهاريتين وليليتين، وهم يراعون عدد الصلوات، ويمكن أن تراعى دلالة الحال، فإن صلاة العصر بين نهاريةٍ وهي الظهر، وليليةٍ وهي المغرب، وعلى هذا لا يرد ما ذكروه.
فلصلاة الظهر وقتان:
أول وآخر، فأما أول وقت صلاة الظهر فهو من الزوال إذا زالت الشمس، وأما آخر وقت الظهر فكما ذكر المصنف حين يصير ظل كل شيءٍ مثله، أي على قدر ظل الرجل إذا قام.أما بالنسبة لاعتبار الزوال أول وقت الظهر فدليله الكتاب والسنة،
أما الكتاب فقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء:78]،
ودلوكها:
زوالها.أما السنة ففي الأحاديث الصحيحة، منها حديث ابن عمر في صلاة جبريل وإمامته بالنبي صلى الله عليه وسلم صبيحة الإسراء.
ومنها: حديث جابر بن عبد الله في الصحيحين (كان يصلي الظهر إذا دحضت الشمس)، أي: زالت.
ومنها: حديث أبي برزة: (كان يصلي الهجير وهي التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس).وكذلك أيضاً حديث مسلم في قصة الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مواقيت الصلاة، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص.فهذه خمسة أحاديث كلها دلت على أن وقت صلاة الظهر يكون بدايته من زوال الشمس، وحُكِيَ الإجماع على أن وقت صلاة الظهر يبتدئ من الزوال، وهذا الإجماع مخالَف بما حُكِيَ عن ابن عباس أنه كان يجيز إيقاع صلاة الظهر قبل الزوال باليسير، وهو قولٌ محكيٌ عن مالك رحمة الله عليه إمام دار الهجرة، وقولٌ مرجوح لمخالفته لظاهر السنة، فحكاية الإجماع يُشكِل عليها ما أُثِر عن ابن عباس وعن مالك رحمة الله عليه.وإذا علمنا أن النصوص دلت على أن أول وقت الظهر الزوال، فما هو الزوال؟
الزوال:
مأخوذٌ من زال الشيء إذا تحرَّك، والمراد بالزوال زوال الشمس، والسبب في ذلك أن الشمس إذا طلعت يكون الظل في جهة المغرب، ثم تسير وينقبض ظلها حتى تنتصف في كبد السماء، فتقف عن مسيرها، وبالمناسبة في سير الشمس ينبغي إثباته، والقول بأن الشمس ثابتة باطل مخالفٌ لنص القرآن،
ولذلك قال بعض العلماء: لا يجوز أن يعتقد المسلم أن الشمس ثابتة،
وذلك لقوله تعالى:
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس:38]، فنص سبحانه على أنها تجري،
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لـ أبي ذر:
(يا أبا ذر! هل تدري أين تذهب هذه؟)، فنسب لها الذهاب والمجيء، وهذا يدل على الحركة بخلاف الثبوت، ولذلك يُعتقد جريانها،
وقول بعض الفلاسفة: إنها ثابتة مخالفٌ لهذا النص الذي أنبأك به الخبير العليم سبحانه وتعالى خالق الشمس وخالق الكون وهو أعلم بما خلق.فالشمس تطلع من مشرقها فيكون الظل في جهة المغرب، على أقصى ما يكون عند ارتفاع شعاعها، ثم ترتفع قليلاً قليلاً فينقبض الظل من جهة المغرب قليلاً قليلاً حتى تنتصف في كبد السماء، فإذا انتصفت في كبد السماء وقف الظل عن الحركة فلا يزيد ولا ينقص،
وهذا الانتصاف قال بعض الخبراء من أهل الفلك:
إنه لحظة يسيرة،
أي:
قد يكون إلى دقائق معدودة جداً، وفي هذا الوقت وهو وقت انتصافها في كبد السماء تسجر جهنم -والعياذ بالله-، ولذلك نُهِي عن الصلاة فيه؛ لأنه لحظة عذاب، وليست بساعة رحمة،
كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فإذا اعتدلت على رأسك فإن تلك الساعة تسجر فيها جهنم).
وثبت عن عقبة بن عامر أنه قال:
(ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب)،
فإذا قال العلماء:
(قام قائم الظهيرة)،
أو قالوا:
(وقف الظل)، فمرادهم هذه الساعة، ولذلك تقف الشمس في كبد السماء فلا تتحرك، فإذا وقفت وقف الظل، وأحياناً يقف الشاخِص بدون ظل، وهذا في الأماكن التي تكون معادلة لمنتصف السماء،
ولذلك يقولون:
إنه في مكة في اليوم السابع من حزيران تكون الشمس لا ظل لها، بمعنى أنها في منتصف السماء، أو في كبد السماء كما ورد في الخبر، فإذا أخذت في هذه اللحظة التي هي لحظة الإمساك تبدأ بعد ذلك في الحركة إلى جهة المغرب، فإذا ابتدأت حركتها إلى جهة المغرب تحرّك الظل إلى جهة المشرق، على عكس ما كان عليه عند غروبها.وهذه اللحظة هي لحظة انتصاف النهار، وتكون في منتصف الوقت ما بين طلوع الشمس وغروبها بإذن الله عز وجل، فإذا انتصفت في كبد السماء وابتدأت بالمسير فحينئذٍ يبدأ وقت الظهر، فقبل مسيرها، وهي لحظة وقوف الظل لا يجوز إيقاع الصلاة -كما قلنا- في قول الجماهير، وانعقد عليه الإجماع، إلا ما جاء عن ابن عباس ومالك رحمه الله تعالى.
فلذلك قالوا: يبدأ وقت الظهر من الزوال،
أي:
من حركة الشمس، فالسبب في تسمية هذا الوقت بالزوال أنّ الشمس تتحرك، فكأنها زالت عن مكانها الذي ثبتت فيه في كبد السماء، وهذا الوقت هو أول وقت الظهر.ثم كيفية معرفة هذا الوقت تختلف باختلاف الفصول، وباختلاف البلدان، ولكن الطريقة التي يمكن للإنسان أن يضبط بها المواقيت.أن يثبت شاخصاً على مكانٍ مستوٍ، ويعرف طول هذا الشاخص، ثم بعد ذلك ينظر في ظل الشاخص، فتبدأ الشمس طالعة من مشرقها فيراقب الظل في جهة المغرب، فكلما تقاصر الظل، خاصةً عند منتصف النهار يضع العلامة، خاصة إذا كان الشاخص على ورقة أو نحوها، فيضع علامة على الظل، حتى يقف الظل فيعلم أن هذه اللحظة التي وقف فيها الظل هي الساعة التي انتصف فيها النهار، بمعنى أنه بمجرد ما يبتدئ الظل بالزيادة والانحسار إلى جهة المشرق فاعلم أنها ساعة الزوال، وأن ما قبلها ساعة انتصاف النهار.و (من) في قوله: (من الزوال) ابتدائية،
أي:
يبتدئُ بزوال الشمس.
وقوله:
(إلى مساواة الشيء فيئه بعد فيء الزوال) الفيء: الرجوع،
ومنه قوله تعالى:
{فَإِنْ فَاءَتْ} [الحجرات:9] أي: رجعت،
قالوا: سمي بذلك لأن الظل يَفِيء،
بمعنى:
يرجع، فبعد أن كان في جهة الغرب إذا به إلى جهة المشرق، وبتقاصُر الظل يكون الفيء، فالظل الذي تقف عليه الشمس عند انتصافها في كبد السماء لا يُحسب، وببداية تحركها إلى جهة المغرب، وزيادة قدر الظل في جهة المشرق يبدأ وقت الظهر كما قلنا، فيضع من هذه البداية علامة على الورقة، ثم بعد مسيرها ينظر إلى طول الظل حتى يساوي العود أو الشاخص الموضوع.والسبب في ذلك أن الزوال أحياناً يقف على قدر من الظل، بمعنى أنه يكون للشاخص ظل، فلو فُرِض أن ظله يختلف بالصيف والشتاء على حسب قرب الشمس من مسيرها الذي هو في منتصف القطب أو انحرافها في فصل الشتاء، فإذا كان الظل الذي وقفت عليه الشمس يعادل شبراً ونصف لشاخص طوله متر، فحينئذٍ يحسب من هذا الشبر والنصف أو القدم -كما يقولون-، ويُعتبر وصول الظل إلى القدم هو بداية وقت الظهر عند الزيادة، فتضع علامة على هذا القدر.وبعد زيادة الظل في جهة المشرق بقدر الشاخص الذي هو المتر، يكون وقت الظهر قد انتهى،
وهذا هو معنى:
إلى أن يصير فيء كل شيءٍ مثله بعد فيء الزوال.فلا بد في غالب الأحوال أن يكون للزوال ظل، ولذلك تجد في بعض التقاويمات أنَّ ظل الزوال قدم.بمعنى أن الشمس تنتصف
[وقت صلاة العصر]
قال المصنف رحمه الله: [ويليه وقت العصر].
قوله: (ويليه) أي: يقع بعد وقت الظهر وقت العصر، والولاء بمعنى أنه بعد انتهاء وقت الظهر يدخل وقت العصر.
وقال بعض العلماء: إن هناك وقتاً مشتركاً بين الظهر والعصر، وهو الأمد الفاصل بين الوقتين، وظاهر السنة ما ذكره ودرج عليه المصنف رحمه الله لظاهر حديث إمامة جبريل، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث الوقتين في صحيح مسلم.والعصر في لغة العرب يُطلق بمعانٍ، فالعصر الدهر،
وحملوا عليه قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ} [العصر:1]، فأقسم الله عز وجل بالزمان كله.
والعصر:
اليوم والليلة،
ومنه قول الشاعر:
ولن يلبث العصران يومٌ وليلة.وكذلك يطلق على الوقت المحدد المعروف الذي يكون في عشي النهار، أي: في آخر النهار.
قالوا:
سُمِّي العصر عصراً لأن الإنسان إذا عصر الشيءَ لم يبق إلا آخره، بمعنى أن النهار ولَّى ولم يبق إلا آخره، وكان بمثابة العصارة الأخيرة في الشيء، فسُمي العصر عصراً من هذا.والعصر هو الوقت الثاني كما ذكرناه، وهو أفضل الصلوات؛
لقوله تعالى:
{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238]، فإن الله عز وجل خصها بالذكر، وعطف الخاص على العام يقتضي تشريف الخاص وتميُّزه على العام بفضيلة،
كما في قوله تعالى:
{تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ} [القدر:4]،
وقوله:
{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة:98]، فذكر جبريل وميكال من باب التخصيص والتشريف، فالعرب تعطف الخاص على العام للدلالة على شرفه،
فلما قال تعالى:
{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] دل على فضل صلاة العصر، وهي الصلاة الوسطى.
وأما الدليل على كونها صلاةً وسطى فما ثبت في الصحيحين من قوله عليه الصلاة والسلام:
(شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر،
ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً أو قال:
حشا الله أجوافهم وقبورهم ناراً)
، وهذا في الصحيح، وهو نص على أن الصلاة الوسطى هي العصر، ووصِفت بكونها وسطى؛ لأنها تقع بين صلاة نهارية وهي الظهر، وصلاة ليلية وهي المغرب،
ومما يدل على أنها هي المختصة بالفضل اختصاصها بالوعيد في قوله عليه الصلاة والسلام:
(من فاتته صلاة العصرِ فكأنما وتر أهله)، بمعنى -والعياذ بالله- فقد أهله.فهذا يدل على عظيم شأنها، وأنها تتميز من بين الصلوات بهذا الفضل العظيم.
قال بعض العلماء: خُصَّت العصر بهذه المزية لأنها تقع عند التجار في أوقات التجارة، فالناس الغالب أنهم في العصر يتبايعون ويشترون، فتكون ساعة غفلة، ولذلك خُصَّت بهذا الفضل.وكذلك الحال بالنسبة لأول النهار،
فلما قال تعالى:
{فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء:25] قال عليه الصلاة والسلام: (صلاة الأوابين حين ترمض الفِصال) قالوا: خصَّ صلاة الضحى بهذا الوقت لأنها ساعة اشتغال الناس بالتجارة، فهذه في النافلة في أول النهار، والعصر فريضةٌ في آخر النهار، وجُعِلت فضيلتها في آخر النهار لأنه وقت الكلال والتعب والسآمة.
ولذلك قالوا:
إنها هي الوسطى، وهي أفضل الصلوات، ووقتها من صيرورة ظل كل شيءٍ مثله على ظاهر حديث جبريل وحديث ابن عمر في الصحيح، إلى أن يصير ظل كل شيءٍ مثليه، فهذا القول الأول.والقول الثاني أن وقت العصر ينتهي إلى اصفرار الشمس، وكلا القولين في وقت الاختيار.وأما وقت الاضطرار فيستمر من ظل كل شيءٍ مثليه إلى غروب الشمس، أو من صُفرة الشمس إلى غروب الشمس.
فأما القول الأول الذي يقول: وقت العصر إلى أن يصير ظل كل شيءٍ مثليه، فتحسب ظل كل شيءٍ مثله، ثم بعد ذلك تحسب صيرورته إلى الضعف، فإذا بلغ الضعف من بعد ظل الزوال فقد انتهى وقت العصر الاختياري، فلا يحل تأخير الصلاة لقادرٍ على فعلها عن هذا الوقت، وهذا على القول الأول، ثم يبدأ الوقت الاضطراري، والوقت الاضطراري للحائض والنفساء إذا طَهُرت من حيضها ونفاسها، فلو أن امرأةً طهُرت من حيضها أو نفاسها في هذا الوقت الذي هو بعد أن صار ظل كل شيءٍ مثليه فحينئذٍ يُحكم بوجوب صلاة العصر عليها إذا طهرت قبل غروب الشمس بركعة، فإن طهرت قبل غروب الشمس بثلاث ركعات وهي مسافرة، أو بخمس ركعات وهي مقيمة، طُولِبت بصلاة الظهر والعصر لما بينهما من الاشتراك بدلالة الشرع، وسنبين هذا إن شاء الله في موضعه.
وأما قول من قال: إن وقت العصر إلى أن تصفر الشمس فهو أقوى الأقوال؛
وذلك لأن حديث مسلم في قوله عليه الصلاة والسلام:
(وقت العصر ما لم تصفر الشمس) ثبت بالسنة المدنية؛ لأنه كان بالمدينة.وحديث إِمَامَة جبريل -وهو حديث ابن عمر - للنبي صلى الله عليه وسلم كان بمكة، والقاعدة أن المتأخر ينسخ المتقدم، ولذلك لا تعارُض بين الحديثين، فيُعتبر حديث (وقت العصر ما لم تصفر الشمس) نصاً في أن وقتها ينتهي عند اصفرار الشمس، والشمس إذا قربت من المغيب ذهب ضياؤها واصفرت، ثم بعد ذلك يبدأ عند الاصفرار وقت الاضطرار كما ذكرنا، ولا يجوز التأخير إليه إلا لمعذور.وإذا غابت الشمس انقطع وقت الاختيار ووقت الاضطرار.
قوله: [إلى مصير الفيء مثليه بعد فيء الزوال].هذا كما قلنا أحد قولي العلماء، والصحيح القول الثاني أن وقتها ينتهي عند اصفرار الشمس.وأما أول وقت العصر فعند الحنفية أوله إذا صار ظل كل شيءٍ مثليه، وقد بيّنا أن الصحيح أنه إذا صار ظل كل شيءٍ مثله، والدليل من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يبتدئ وقت العصر إذا صار ظل كل شيءٍ مثله، فالأحاديث الصحيحة التي من تأمَّلها نظر إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقع العصر عند صيرورة ظل كل شيءٍ مثله.فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي المنهال حيث حدث يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال:
(ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية)، ومعنى ذلك أنه كان يوقعها وقد صار ظل كل شيءٍ مثله، ولا يتأتى أن يُصلي بهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن صار ظل كل شيءٍ مثليه، ثم يرجع الرجل إلى رحله والشمس حية، فهذا معروف، وغالباً من يعرف وقت المدينة يرى أن هذا بعيد، والغالب أنه صلَّى عند صيرورة ظل كل شيءٍ مثله، وانتهى وقت صلاته على ظاهر السنة ما لم تصفَر الشمس، واصفرارها -كما قلنا-: انطفاء نورها، بمعنى أنك تستطيع أن تنظر فيها، فإذا بها تصبح صفراء فتقوى على النظر إليها، ولكنها إذا كانت قريبة من الزوال يكون من الصعوبة أن تنظر إليها.
قوله: [والضرورة إلى غروبها].أي: وقت الضرورة، إلى غروبها،
فإن قال قائل:
ما الدليل على تقسيم الضرورة والاختيار؟
قلنا:
أما دليلنا على الوقت المختار فقوله عليه الصلاة والسلام: (وقت العصر ما لم تصفر الشمس).وأما الدليل على وقت الاضطرار الذي لا يجوز إلا لمعذور،
فقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:
(من أدرك ركعةً قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)، فدل هذا على أن من صلَّى في هذا الوقت، فقد أدرك العصر.
وفي الحديث الآخر: (وقت العصر ما لم يغب الشفق)، فعلمنا أن هناك وقت اختيار وهناك وقت اضطرار، وأن وقت الاختيار ينتهي عند انطفاء الشمس وصيرورتها إلى الصفرة، ووقت الاضطرار من الصفرة إلى غروب الشمس.
قوله:
[ويسن تعجيلها] أي الأفضل والأكمل والأعظم أجر التعجيل بالعصر، لظاهر الحديث الذي ذكرناه في الظهر.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.53 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.79%)]