عرض مشاركة واحدة
  #57  
قديم 01-09-2020, 04:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,220
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

[وقت صلاة المغرب]
قال المصنف رحمه الله: [ويليه وقت المغرب إلى مغيب الحمرة].
أي: ويلي وقت العصر المغرب، والمغرب هي الصلاة الثالثة، وتكون بعد غروب الشمس؛
لما ثبت في الصحيح من حديث جابر رضي الله عنه أنه لما ذكر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم المكتوبة قال:
(والمغرب إذا وجبت)،
ومعنى:
(وجبت): سقط قرص الشمس وغاب،
فإن العرب تقول:
وجب الشيء إذا سقط،
ومنه قوله تعالى:
{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج:36]،
أي:
سقطت الإبل واستقرت على الأرض.
فقول جابر: (والمغرب إذا وجبت) أي: كان عليه الصلاة والسلام يصلي المغرب إذا وجبت الشمس، بمعنى غابت وذهب ضياؤها.
وقوله:
[إلى مغيب الحمرة] أجمع العلماء على أن وقت المغرب يبتدئ عند غروب الشمس، فهذا أول الوقت،
إلا خلافاً لبعض أهل الأهواء الذين لا يُعتد بخلافهم الذين يقولون:
إن المغرب يكون عند اشتباك النجوم، وكان قولاً لبعض السلف المتقدمين، ولكنه قولٌ لا يُعتد به؛ لمخالفته للسنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يردq هل المغرب له وقت واحد أو وقتان؟
قال بعض العلماء:
المغرب وقتها بقدر ما تفعل، واستدلوا بحديث متكلَّمٍ على سنده.والقول الثاني أن المغرب لها وقتان، بمعنى أنه يبتدئ وقتها بعد غروب الشمس، وينتهي في وقتٍ غيره.
فالأولون يقولون:
المغرب لها وقتٌ واحد وهو قدر ما تؤديها بعد غروب الشمس، فلا يجوز التأخير فيها، وهذا أضيق المذاهب كما هو موجود في مذهب المالكية والشافعية.
والقول الثاني وهو الصحيح أن للمغرب وقتين:
الوقت الأول لبدايتها، والثاني لنهايتها، فأما بدايتها فبعد الغروب، وأما نهاية وقتها فيكون عند مغيب الشفق، فإذا غاب الشفق انتهى وقت المغرب،
والشفق شفقان:
شفقٌ أحمر وشفقٌ أبيض، فأجمع العلماء على أن الشفق إذا غاب انتهى وقت المغرب، ولكنهم اختلفوا في حد هذا الشفق.
فقال بعض العلماء: العبرة بالشفق الأحمر،
وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام:
(وقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق)، فنص عليه الصلاة والسلام على أن وقت المغرب ينتهي عند مغيب الشفق، وسكت عليه الصلاة والسلام، فلم يقل شفقاً أحمر ولا شفقاً أبيض، فإذا غابت الشمس يأتي الشفق الأحمر وينتشر من جهة المغرب، فينتحي ناحية الشمس اليمنى وناحيتها اليسرى ويمتد في الأفق، وهذا يختلف باختلاف أزمنة الصيف والشتاء.وهذه الحمرة تستمر قرابة ساعة زمانية، وقل أن تزيد على ساعة.وبعد هذه الحمرة يأتي بياض في الأفق ليس بليلٍ ولا بنهار، وهذا البياض قدره ثلاث درجات فلكية، وكل درجة لها أربع دقائق،
أي:
اثنتا عشر دقيقة إلى ربع ساعة، فهذه الاثنتا عشرة دقيقة هي محل الخلاف بين العلماء رحمة الله عليهم، فإذا قدَّرت بعد غروب الشمس ساعةً كاملة فيغيب فيها الشفق غالباً.
وبعد هذه الساعة الكاملة يبدأ الخلاف بين العلماء: هل انتهى وقت المغرب أو لم ينته؟ فمذهب بعض العلماء أنه ينتهي وقت المغرب بمجرد مغيب الشفق الأحمر، وهو أصح أقوال العلماء، والدليل على ذلك أن الشفق إذا أطلق فالمراد به الشفق الأحمر.وأيضاً فإنه إذا أُطلق فالعبرة في الاسم بمبتدئه؛ لأنه أقل ما يصدق عليه الوصف، ولذلك يعتبر مبتدؤه احتياطاً لأمر الصلاة، وتبقى قد ربع ساعة كما قلنا لا يجوز تأخير المغرب إليها.وبناءً على ذلك إذا غاب الشفق الأحمر يبدأ البياض الذي تدخل به ظلمة الليل، أو ما يسمى في لغة العرب (العتمة)، وسميت بذلك لأن العرب يُعتِمون بالإبل، والسبب في ذلك أنهم كانوا يأتون بالإبل من الرعي، فمن كرمهم وجودهم لا يبادرون الإبل بالحلب خوف الضيف أن يأتي، ويتأخرون إلى قدر العتمة، فترجع إلى ديارهم ومنازلهم وإلى مراحها عند الغروب، فإذا غربت الشمس تركوها، أو تأتي بعد الغروب قليلاً فيتركونها، وإن كان ألذ وأطيب ما يكون عندهم أن يحتلبوها ساعة رجوعها، ولكنهم يؤخرونها خوف الضيف، فيتأخرون إلى (العتمة)، فلذلك يقولون لها العتمة،
وقد قال صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى:
(لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، ألا إنها العشاء وهم يعتمون بالإبل)، فمعنى (اعتموا بالإبل) أي: أدخلوها إلى العتمة، بمعنى أخَّروا حلبها إلى عتمة الليل، وهي الظلمة التي تكون بعد الشفق الأبيض.
قوله:
[ويسن تعجيلها].
أي:
ويسن تعجيل المغرب، ويكون التعجيل نسبياً، فيترك قدر ما يُصلَّى ركعتين خلافاً للحنفية والمالكية رحمة الله عليهم، فتؤخر قدر صلاة ركعتين ثم يقيم، وهو هدي النبي صلى الله عليه وسلم،
فقد ثبت في حديث مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب لمن شاء).
وفي حديث أنس في الصحيح قال: (فلقد رأيت كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري -أي: يجعلونها سترة- حتى إن الرجل لو دخل ظن أن الصلاة قد أقيمت).فدل هذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك قدراً بين الأذان والإقامة،
خلافاً لمن قال من العلماء: إنه يؤذن ويقيم مباشرة، فهذا خلاف السنة، وليس المراد بالتعجيل هذا.فالأفضل في المساجد أن يُترك قدر ما تصلى به السنة، وهي ليست براتبة ولكنها مستحبة لمكان الندب إليها بقول النبي صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله تعالى: [إلا ليلة جمعٍ لمن قصدها محرماً].
ليلة جمع المراد بها: مزدلفة، وسميت جمعاً لاجتماع الناس فيها، والمراد بهذا ليلة النحر للحاج، فإن الحاج إذا دَفَع من عرفات لا يصلي المغرب في عرفات، وإن كان دَفْعُه بعد غروب الشمس، فاحتاط المصنف، والدليل على ذلك هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.ولو صلَّى الحاج بعد غروب الشمس بعرفة صحت صلاته ولكنها خلاف السنة، والأفضل أن يؤخر صلاة المغرب ليلة النحر إلى وصوله إلى مزدلفة، ولا يصلي حتى في الطريق،
بل قال بعض العلماء:
حتى ولو خرج وقت المغرب، فقد اشترك المغرب والعشاء اشتراك جمع، فيؤخرها ولو وصل قرب الفجر؛ لأنه يرى أن وقت الاضطرار يستمر إلى الفجر.واحتج الإمام أبو حنيفة على هذا القول -مع أنه يُضيق في التمسك بظاهر السنة
- فإن أسامة لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: الصلاة! قال عليه الصلاة والسلام: (الصلاة أمامك) قال الإمام أبو حنيفة: قوله: (الصلاة أمامك) تحديدٌ من النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى: ألاَّ تصلي إلا أمامك، يعني جَمْعَاً،
ولذلك قال:
لا تُصلَّى إلا في جمع، ولو وصلها بعد نصف الليل، وهذا من شدة تمسكه رحمة الله عليه بالسنة،
وفي هذا رد على من يقول:
إن الإمام أبا حنيفة يرد السنة ولا يقبلها، ولا يجوز اتهام هذا الإمام الجليل والعلم الفاضل من أئمة السلف رحمة الله عليه، بل هو غيورٌ على سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، وإنما كان يخالف الأحاديث بسبب عدم علمه بها، ولكثرة الوضع بالبلد الذي كان بها
-أي: العراق-، فقد كان الوضع والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم منتشراً في زمانه، فكان يحتاط في الأحاديث، ولذلك قلَّت عنده السنن.فالمقصود أن الحديث يدل على أن السنة للحاج أن يؤخِّر المغرب إلى بلوغه مزدلفة، وهذا هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.لكن هنا مسألة وهي أن المعروف في زمان النبي صلى الله عليه وسلم أنك لو ركبت الدابة أو البعير كما فعل عليه الصلاة والسلام، ودَفَعْت من عرفات إلى مزدلفة، فإنك ستقطع قرابة الساعة أو تزيد قليلاً، ومعنى ذلك دخول وقت العشاء،
فقالوا:
إن جمعه وقع جمع تأخير.فلو أن إنساناً بادر كما هو موجود الآن في السيارات، ودفع أول ما دفع الناس، فوصل في وقت المغرب، فهل يصليها في أول الوقت أو يتأخر؟ والذي يظهر أنه يصليها وقت بلوغه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علَّق ذلك بالمكان لا بالزمان.
[وقت صلاة العشاء]
قال المصنف رحمه الله: [ويليه وقت العشاء].أي يلي وقت المغرب وقت العشاء، ووقت العشاء بعد مغيب الشفق، واختلف العلماء في آخره.
قال رحمه الله تعالى: [إلى الفجر الثاني].
وقت العشاء وقتان:
الوقت الأول ينتهي عند منتصف الليل؛
لقوله تعالى: {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء:78]، وهو منتصفه، والمراد الإشارة إلى اختياره.وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام تأخير الصلاة إلى نصف الليل، كما في رواية.
وقال بعض العلماء: ينتهي وقت العشاء عند الثلث.والأقوى في دلالة الكتاب والسنة ما ورد من كونه منتهياً عند منتصف الليل، أعني الاختياري، ثم يبقى الاضطراري، فإنه ينتهي بطلوع الفجر الصادق.
قوله: [وهو البياض المعترض].
الفجر فجران: الفجر الكاذب، وهو الذي يكون كذنب السرحان، بياضٌ طويلٌ في أعلى الأفق، ولا يعترض،
أي:
لا ينتشر.
قال عليه الصلاة والسلام: (الفجر أن يقول هكذا)،
وقال: (ولا يهيدنكم الساطع المصَعَّد)، (ولكن الفجر أن يقول هكذا)،
بمعنى:
لا يروِّعكم، ولا يمنعكم من الأكل والشرب وجود ضياء الساطع المصَعَّد -الفجر الكاذب-، والفجر الكاذب يكون في السدس الأخير من الليل، وسرعان ما يتلاشى هذا الضياء، بمعنى أنه لا يثبت الضياء فيه.وأما الفجر الصادق فإنه ينتشر فيه الضياء، ولا يزال الإنسان يدخل في الوضوح والإصباح حتى تطلع الشمس، والمراد بهذا أن وقت الفجر المعتبر يكون بطلوع الفجر الصادق، فإذا طلع الفجر الصادق انتهى وقت العشاء الاضطراري.
قال رحمه الله تعالى: [وتأخيرها إلى ثلث الليل أفضل إن سَهُل].هذا لما ثبت في الصحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه،
أنه قال:
(أعتم النبي صلى الله عليه وسلم بالعِشاء فخرج عمر فقال: الصلاة يا رسول الله، رقد النساء والصبيان.
فخرج ورأسه يقطر يقول:
لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالصلاة هذه الساعة)، فدل على فضل تأخير العشاء.والسنة التفصيل، فإذا كان المسجد مسجد جماعة فإنه يُسنُّ للإمام أن ينظر إلى حال المأمومين، فإن كان المأمومون مجتمعين وكثيرين، فحينئذٍ يقيم الصلاة ويُبكر، وإن كانوا متأخرين يؤخر في العشاء إصابةً للسنة.
والدليل على هذا التفصيل ما ثبت في الصحيحين من حديث جابر أنه قال: (والعشاء أحياناً وأحياناً، فإذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطأوا أخر)، فدل على أن أمر مساجد الجماعة يُنظَر فيه إلى حال الناس.وأما بالنسبة للمنفرد والمرأة والرجل المعذور فإن الأفضل له أن يؤخِّر العِشاء؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي)، فدل هذا على فضل تأخير العشاء.
وقال العلماء: السبب في ذلك أنه لا يزال في صلاةٍ ما انتظر الصلاة، ولأن الناس بعد العشاء يضطجعون، خاصة في القديم، والغالب فيهم أنهم بعد العشاء يرتاحون، فكون الإنسان لا يبادر إلى راحته ولا إلى نومه مع أنه قد تعب النهار، وينتظر تأخيرها أبلغ في طاعته لله، حتى يأتي عليه الوقت المتأخر للعشاء، وقل أن تجد أحداً يصلي معه، فيصيب فضلاً لا يصيبه غيره،
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:
(أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها)، (لم يصلها أحد ممن كان قبلكم)، فدل هذا على فضل التأخير من هذا الوجه؛ لأن الناس تغفل وتنام لمكان المشقة وعناء النهار، فلذلك فُضِّل تأخيرها من هذا الوجه، ولذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النوم قبلها، لمكان تعب الناس، ولما فيه من غالب عنائهم بتحصيل مصالحهم في النهار.وأما كيف يعرف المكلف نصف الليل فإنه يحسب من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الصادق، ثم يقسم ذلك على اثنين، ثم يضيف النصف الذي خرج من هذه القسمة إلى وقت الغروب، فلو كان غروب الشمس الساعة السادسة، وأذان الفجر الصادق الساعة الخامسة، فمعنى ذلك أن الليل يستمر من الساعة السادسة إلى الخامسة بمقدار إحدى عشرة ساعة، ونصفها خمس ساعات ونصف، فيضيفها إلى الساعة السادسة التي هي وقت الغروب، فتصبح الساعة الحادية عشرة والنصف هي منتصف الليل.وبناءً على ذلك لا بد أن يعلم ساعة الغروب وساعة طلوع الفجر الصادق، ثم يفعل ما ذكرنا.
وقال بعض العلماء: إنه يَقْسِم ما بين طلوع الشمس وغروبها.وهذا مرجوح.
[وقت صلاة الفجر]
قال المصنف رحمه الله: [ويليه وقت الفجر إلى طلوع الشمس].
أي:
يلي وقت العشاء الفجرُ، وسُمي فجراً لانفجارِ الضوء فيه وانتشاره، وهذه الصلاة هي الصلاة الخامسة، وقد أثنى الله عز وجل عليها، ووصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها أثقل صلاة على المنافقين؛ لأن الإنسان يكون في نومه، ولا يقوم إلا بوازعٍ من الإيمان وخوفٍ من الله عز وجل،
ولذلك أثنى الله على هذه الصلاة وخصها بالذكر وقال:
{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78].
قال بعض العلماء: {قُرْآنَ الْفَجْرِ} أي: صلاة الفجر، وهذا قول جمعٍ من المفسرين،
وقوله تعالى:
{إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} قالوا: يستمر نزول الله جل وعلا في الثلث الأخير من الليل إلى أن تنتهي صلاة الفجر،
ولذلك قالوا:
مشهوداً بالخير بهذا الفضل العظيم،
فلا تزال ساعة الإجابة مرجوة لقوله عز وجل:
(هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟)، فدل على فضل هذه الصلاة من هذا الوجه،
وقيل:
(كَانَ مَشْهُودًا)؛ لأنه تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار؛
لقوله عليه الصلاة والسلام:
(يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكةٌ بالنهار)، فملائكة الليل من صلاة العصر إلى صلاة الفجر، وملائكة النهار من صلاة الفجر إلى صلاة العصر.وإذا نظرت فقلَّ أن تجد وقت العصر يفارق وقت الفجر، فتجدهما متقاربين كأنهما النصف، فتجد بين العصر وبين الفجر توافقاً غالباً، ويكون الفرق بينهما أحياناً إلى نصف ساعة، وأحياناً إلى ساعة أو ساعتين، لكن الغالب أن يكون هناك توافق بين العصر وبين الفجر؛ لأنه في بعض الأحيان يُؤخَّر العصر عن وقته.فالمقصود أن هذه الصلاة مفضَّلة من هذا الوجه،
وقال بعض السلف: إنها هي الصلاة الوسطى، والصحيح أن الوسطى العصر كما ذكرنا، ولكن لهذه الصلاة فضل،
فقد ثبت في الحديث الصحيح أنه:
(من صلى العشاء في جماعةٍ فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعةٍ فكأنما قام الليل كله)، وأن (من صلى هذه الصلاة حيث ينادى لها مع الجماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي).ثم قال عليه الصلاة والسلام -كما في الصحيح-: (فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم)،
أي: لا تتعرض لمسلم، فإذا تعرضت لإنسانٍ من أهل الفجر بأذية، فإنه في ذمة الله جل وعلا، ومن آذاه وتعرض لذمَّة الله أوشك أن يكبه الله على وجهه في النار -نسأل الله السلامة والعافية-، ولذلك خُصَّت هذه الصلاة بهذه الفضائل.وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن الفجر يجب أداؤها بعد تبيُّن الفجر الصادق، وأنها إذا وقعت قبل الفجر الصادق، فليست بصحيحةٍ ولا معتبرة، وعلى المكلف قضاؤها.وأما بالنسبة لانتهاء وقت الفجر فإنه ينتهي بطلوع الشمس،
وقال حبر الأمة وترجمان القرآن:
إنه ينتهي وقتها بصلاة الظهر، وهو قولٌ شاذٌ قال به بعض الفقهاء من أصحاب المذاهب الأربعة، ويُحكى عن ابن القاسم من أصحاب الإمام مالك رحمة الله على الجميع، والصحيح أنه إذا طلعت الشمس فقد انتهى وقت الفجر،
وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(من أدرك ركعةً قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)، ومفهومه أن من لم يدرك الركعة قبل طلوع الشمس، فصلاته صلاة قضاءٍ وليست بصلاة أداء.ولذلك ذهب جماهير السلف والخلف إلى أنه لا يجوز الفجر بعد طلوع الشمس، وإذا طلعت الشمس فقد انتهى وقتها على ما ذكرناه.
قال رحمه الله تعالى: [وتعجيلها أفضل] أي: السنة تعجيل الفجر.
وللعلماء في هذه المسألة قولان: قال بعض السلف رحمهم الله: السنة أن تبتدئ الفجر في أول وقتها، وهو الذي اصطلح العلماء على تسميته بوقت الغَلَس، وذلك لما ثبت من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة أنه كان يصليها بغَلَس.
فقد قال جابر رضي الله عنه كما في الصحيح: (والصبح كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس).والغَلَس يكون في أول الفجر الصادق؛ لأنه مع تبيُّن الضوء في أعلى السماء، فإنه لا تزال ظلمة الليل بين الناس، أعني على البسيطة والأرض، فلا تزال هذه الظلمة تنكشف بحسب قوة الضياء، فالسنة في فعل هذه الصلاة أن تقع عند الغلس أو في الغلس.وذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله -مخالفاً للجمهور- إلى أن السنة والأفضل في الفجر أن يُسْفر بها،
وذلك لما ثبت في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:
(أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر)، والصحيح مذهب الجمهور أنّ الأفضل في صلاة الفجر أن تؤديها في أول وقتها، وذلك لما ثبت من حديث جابر في الصحيحين،
ولما ثبت أيضاً في الحديث الصحيح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
(كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس).
ولا يعارض هذا قول أبي برزة:
(وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه)، فهذا بالنسبة للقرب، فمعناه أن النبي صلى الله عليه وسلم يُوقِعها في الغلس، ولكن إذا سلّم من الصلاة عرف الإنسان جليسه، وذلك لمكان القرب وتأثير الضياء، أعني دخول الضياء على البسيطة فأقوى الأقوال أن الأفضل إيقاعها في أول الوقت،
وأما دليل الإمام أبي حنيفة رحمة الله عليه:
(أسفروا بالفجر).فللعلماء في هذا الحديث أوجه،
فمنهم من قال:
إن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بقوله: (أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر)، التبيُّن والتثبت حتى يكون الإنسان موقعاً الصلاة في وقتها؛ لأن الفجر مشكلته أنه يعترض خاصةً في الأزمنة الماضية لم تكن فيها الساعات موجودة، وكان الناس يجدون مشقةً وعناء، خاصةً في الليالي البيض، فإن الليالي البيض يكون -كما هو معلوم- القمر فيها شديد الضياء، ولذلك يلتبس ضياء السماء مع ضياء الفجر، وتجد الناس ربما صلوا الفجر ثلاث مرات، أو أربع، يظنون أن الصبح قد طلع، والواقع أنه لم يطلع،
قالوا:
فقصَد النبي صلى الله عليه وسلم التبين والتحري.وقال بعض العلماء -والنفس تطمئن إليه-: إن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بالإسفار بالفجر أن تبتدئ بها بغلس وتطيل القراءة فيها، حتى إذا سلَّمت أصبت الإسفار،
وهذا في الحقيقة هو الأقوى لأمرين:

الأمر الأول: أن فيه معنىً يؤكد زيادة الأجر، ووجه ذلك أنك إذا أطلت القراءة، فإنه يوجد موجب للحكم بزيادة الأجر.
الأمر الثاني: تأكد هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان يقرأُ فيها من الستين إلى المائة آية -صلوات الله وسلامه عليه-، مع ما فيه من الترتيل والتحبير في قراءته صلوات الله وسلامه عليه، فإذا كان يُوقِع الصلاة في غَلَس، ويخرج منها حين يتبين الرجل جليسه، فلا شك أن هذا نوعٌ من الإسفار، فقُصِد من الإسفار أن الإنسان يطيل القراءة، بشرط ألا يشق على من وراءه، فهذا هو أعدل الأقوال، فالحديث لا يعارض الأصل، ونضيف إلى ذلك أن المعهود في الشريعة أن مواقيت الصلاة الأفضل فيها الإيقاع في أول الوقت،
كما جاء في حديث ابن مسعود:
أنه لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أحب الأعمال إلى الله،
قال:
(الصلاة على وقتها)،
وفي رواية ابن حبان وغيره:
(على أول وقتها)،
ولذلك يقوى القول بأن المراد من قوله عليه الصلاة والسلام:
(أسفروا بالفجر) التعجيل، وليس المراد به تأخر وقت الصبح إلى الإسفار.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.01 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.92%)]