عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 01-09-2020, 05:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,953
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (57)

صـــــ(1) إلى صــ(13)

شرح زاد المستقنع - باب شروط الصلاة [3]
من فاتته صلاة أو صلوات فلم يدرك وقتها وجب عليه قضاؤها مرتبة، إلا إن نسي فيسقط عنه الترتيب، أو إذا خشي خروج وقت الصلاة الحاضرة، فيصليها ثم يقضي الفائت بعدها.
[أحكام وأقوال العلماء في قضاء الفوائت]
بسم الله الرحمن الرحيم.الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [ويجب فوراً قضاء الفوائت مرتباً].
قوله:
[يجب فوراً]: بمعنى أن تُبادر مباشرةً.
وقوله: (قضاء الفوائت) معناه أنه قد خرج الوقت، فإذا خرج وقت الصلاة لمعذورٍ ثم زال عذره، كأن يكون نائماً فأفاق بعد طلوع الشمس يجب عليه فوراً أن يصلي الصبح،
وهذه المسألة للعلماء فيها قولان:
فقالت طائفةٌ من العلماء: إذا استيقظ الإنسان من نومه بعد خروج وقت الصبح، أو خروج وقت أي فريضةٍ، أو زال عذره، فإنه يجب عليه أن يبادر مباشرةً إلى فعل الفريضة، وإذا أخَّر وهو غير معذورٍ، كأن يكون استيقظ الساعة التاسعة صباحاً، وقد خرج وقت الفجر، فيلزمه مباشرةً أن يتوضأ، وأن يصلي الفجر.فلو جلس إلى العاشرة بدون عذرٍ،
قالوا:
يأثم،
وهذا مذهب من يقول:
إن القضاء على الفور لا على التراخي، ولا يجوز له أن يتراخى إلا من عذر، وهو قول الجمهور.
وقال بعض العلماء: إنه إذا استيقظ الإنسان من نومه، أو كان معذوراً وزال عذره بعد خروج الوقت لا يجب عليه القضاء فوراً، وإنما يصلي ما لم يدخل وقت الثانية، وهذا يتأتَّى في الصبح، فإنك إذا نظرت إلى الوقت فما بين طلوع الشمس وما بين زوال الشمس وقتٌ متسع،
فعندما نقول:
يلزمه الفور، أي: حين يستيقظ، ولكنه ينوي القضاء.وأما بالنسبة للقول الثاني فمن حقه أن يؤخِّر ما لم تَزُل الشمس، وهذا القول الثاني أحد الوجهين عند الشافعية رحمة الله عليهم،
ودليله حديث حذيفة في الصحيحين:
(أن النبي صلى الله عليه وسلم عرَّس -أي: سار إلى آخر الليل- قال: فوقعنا وقعةً ما ألذ منها على المسافر،
فقال صلى الله عليه وسلم: يا بلال اكلأ لنا الليل)
، ومراده أنهم من شدة التعب والإعياء وقعوا -بمعنى ناموا- وقعةً ما ألذ منها على المسافر،
أي:
شعرنا بلذة النوم لمشقة السفر وعناء السهر،
قال:
فقام صلى الله عليه وسلم: (يا بلال اكلأ لنا الليل)،
قال:
فقام بلال فلم يشعر الصحابة، ثم طلعت الشمس، ثم استيقظ عمر رضي الله عنه -كما في الرواية- وجعل يكبِّر، وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ من حر الشمس صلوات الله وسلامه عليه -والتعبير بالحر يدل على أن الشمس قد ارتفعت-
فلما استيقظ قال: (يا بلال ما شأنك؟
فقال رضي الله عنه:
(أخذ بعيني الذي أخذ بعينك يا رسول الله)
أي: ما أنا إلا بشر ضعيف، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان أتى بلالاً حتى نام)،
أي:
ما زال يهدئه،
ويقول له:
الصبح باق، حتى نام رضي الله عنه وأرضاه،
ثم قال عليه الصلاة والسلام:
(ليأخذ كل رجل برأس راحلته، فإنه منزلٌ حضرنا فيه الشيطان)،
أي:
ارتحلوا فأمرهم أن يرتحلوا عن الوادي الذي ناموا فيه،
وقال:
(إنه منزلٌ حضرنا فيه الشيطان)، ثم لما ارتحلوا حتى قطعوه أمر بلالاً فأذن، ثم توضأ فصلى رغيبة الفجر ثم صلى الفجر.ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ مباشرة، فما بين قيامهم من النوم وصلاتهم أمد الارتحال، ومعلوم أن الجيش إذا ارتحل يأخذ وقتاً، فإذا شدوا رِحالهم، ووضعوا الرَّحل، فهذا يحتاج إلى عناء ووقت، فليس هو باليسير، خاصة أنه كان هذا في غزاته الأخيرة عليه الصلاة والسلام في العسرة، فإن هذا يحتاج إلى وقت وعناء، وبناءً على ذلك معناه أنهم قد أخذوا وقتاً ليس باليسير.وبناءً عليه فكون النبي صلى الله عليه وسلم يؤخر إلى هذا الوقت الذي هو ليس باليسير يدل على أنه يجوز أن يؤخِّر الإنسان، ولا حرج عليه ما لم يدخل وقت الظهر.والذين قالوا بأنه لا يجوز التأخير، قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أخَّر وقتاً يسيراً،
والحقيقة أنَّ النفس تميل إلى أن قول من قال:
إنه يجوز له التأخير أقوى؛ لأن التعليل بكونه منزل حضره الشيطان لا يدل على بطلان الصلاة فيه،
بل العجيب أن بعض العلماء يقول:
إنه مكانٌ كمَعَاطِن الإبل التي نُهِي عن الصلاة فيها،
وقال:
(حضرنا فيه الشيطان)، وهذا محل نظر؛
لأن هناك فرقاً بين قوله:
(منزل شيطانِ)، و (منزلٌ حضرنا فيه الشيطان)،
فإن قوله:
(حضرنا فيه الشيطان) أي تسلط على بلال فنام حتى ذهب الصبح، وليس المراد أنه منزلٌ فيه الشياطين؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(حضرنا فيه الشيطان)، والكلمات دلائلها معتبرة في أخذ معانيها وما يُستنبط منها،
فكونه عليه الصلاة والسلام يقول:
(حضرنا فيه الشيطان)، ويعدل إنما هو على سبيل الندب والاستحباب، لا على سبيل الحتم والإيجاب، كأنه كرِه هذا المنزل الذي حصل فيه التفويت للصلاة، وهذا من كمال طاعته لله عز وجل، وهذا شأن كمال الطاعة لا شأن الإلزام،
ولذلك لو قلنا:
إنه كمعاطن الإبل لقال العلماء من نام في غرفةٍ وفاتته صلاة الفجر يجب عليه ألا يصلي فيها، ولا قائل بهذا.
فبناءً على ذلك لا وجه أن نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع لعذرٍ؛ لأن هذا ليس بعذر، وإنما هو من باب الكمال، وإذا كان من باب الكمال والفضيلة، فإن تأخيره -لو كان القضاء على الفور- لا يتأتى أن يَتْرك الفورية الواجبة لفضيلةٍ غير لازمة.فمن هنا صح أخذ وجه الدلالة على أنه يجوز للإنسان إذا استيقظ من نومه أن يؤخِّر، ولا حرج عليه، ولكن الأفضل والأكمل أن الإنسان يخرج من الخلاف، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم بادر بفعل الصلاة،
ولذلك نقول:
الأفضل والأكمل أنه يبادر بالصلاة، حتى يخرج من خلاف العلماء رحمة الله عليهم.وأما لو أخَّر الساعة والساعتين ما لم يدخل وقت الظهر فإنه لا حرج عليه لدلالة السنة على هذا.
[حكم الترتيب بين الفرائض]
قال المصنف رحمه الله: [ويسقط الترتيب بنسيانه] أي: يجب على المكلف أن يرتِّب بين الصلوات،
والدليل على ذلك قوله تعالى:
{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:103] والمؤقت: المحدد،
تقول:
أَقَّت الشيء يُؤَقِّته تأقيتاً.إذا حدده زماناً أو مكاناً أو صفةً، فلا يصح أن تصلي الظهر ولم تصل الفجر، ولا يصح أن تصلي العصر ولم تصل الظهر، ومن أدلة الإلزام بالترتيب ما ثبت في الحديث الصحيح (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس،
فقال:
يا رسول الله! ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس أن تغرب.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما صليتها.فنزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعد أن غربت الشمس، ثم صلى المغرب).فكونه عليه الصلاة والسلام يراعي الترتيب مع أن الوقت وقت المغرب يدل على الإلزام،
وقد قال:
(صلوا كما رأيتموني أصلي)، ولذلك يدل هذا على أن الإلزام مُعتَبر، ومن هنا أخذ العلماء أنه لا يصح لك أن تصلي العصر قبل الظهر، وهذا صحيحٌ من جهة النظر، فإن المكلف إذا وجبت عليه صلاة الظهر فقد تعلقت ذمته بخطاب الظهر، ولا يُخاطب بالعصر إلا بعد أن تفرغ ذمته بفعل الظهر، ولذلك أصبح مُلزَماً بالترتيب من هذا الوجه، فلا يصح أن يصلي العشاء قبل المغرب.وبناءً عليه فمن كان في سفر، ودخل إلى مسجدٍ والقوم يصلون العشاء، فإنه يدخل وراءهم وينويها نافلة، ثم إذا انتهوا أقام للمغرب فصلاها، ثم صلى العشاء، فهذا مذهب من يقول بالترتيب.لكن لو دخل وهم يصلون العصر، وكان قد أخر الظهر يريد أن يجمع، فلما دخل على الناس وجدهم يصلون العصر، فينوي وراءهم الظهر، ولا حرج عليه؛ لأن صورة الصلاتين متحدة، ولا اختلاف في الأفعال.أما في المغرب والعشاء فستختلف الأفعال والأركان، ولذلك لا يتأتى إيقاع إحدى الصلاتين تلو الأخرى، وبناءً على ذلك يُلزم بالترتيب على ظاهر دليل التأقيت في الكتاب والسنة.فلو أن إنساناً صلى صلاة العصر قبل الظهرلم تصح صلاته، فتكون صلاة العصر منه نافلة، فيُلزَم بإعادة الظهر وإيقاع العصر بعدها.
لكن لو نسي فللعلماء قولان: قال بعض العلماء: من صلى العصر ناسياً الظهر، ثم تذكر بعد صلاة العصر يقيم للظهر ويصلي، ولا حرج عليه لمكان النسيان، واختاره المصنف وجمعٌ من أهل العلم،
واحتجوا بظاهر قوله تعالى:
{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286].
وقال جمعٌ من أهل العلم الذين يقولون بوجوب الترتيب: يلزمه أن يعيد الظهر ثم العصر،
وذلك لأن المؤاخذة في قوله تعالى:
(لا تُؤَاخِذْنَا) لا تُسقِط الضمان بالحق، ولذلك الناسي يسقط عنه الإثم، ويبقى الأصل بالمطالبة،
إذ لو أخذنا بظاهر قوله تعالى:
(لا تُؤَاخِذْنَا) على أنه يدل على إسقاط الترتيب لدلّ على إسقاط الصلاة كلها؛ لأنه قد نسيها.وبناءً على ذلك يلزم بفعل الصلاة مع أنه ناسٍ ويلزمه قضاء الصلاة، وحينئذٍ يلزمه أيضاً أن يوقعها مرتبة،
كما استثنيتم من قوله تعالى:
(رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا) الصلاة نفسها، فبناءً على الدليل يلزمكم استثناء الترتيب بدليل الترتيب نفسه.فمن نسي الترتيب يُطالَب به، ويسقط عنه الإثم؛
لأن قوله تعالى: (لا تُؤَاخِذْنَا) رفعٌ للمؤاخذة، والمؤاخذة: الإثم، وليس المراد بها رفع المطالبة،
إذ لو أخذ بقوله تعالى:
(رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا) على أن المراد به عدم المطالبة حتى بالترتيب،
نقول أيضاً:
لا يُطالَب بالصلاة؛ لأنه نص عام على عدم المؤاخذة، فكما أنه طولِب بحق الله بفعل الصلاة، فحينئذٍ يُطَالَب بحق الله في إيقاعها مرتبة، وهذا أعدل الأقوال وأقواها.
فالاستدلال بقوله تعالى:
(رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا) وقوله عليه الصلاة والسلام: (رفِع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) مقيد بإسقاط الإثم دون إسقاط الضمان، ودليله واضح، ألا ترى الإنسان لو قتل إنساناً خطأً لوجب عليه الضمان لحق الله، فيُطَالب بالكفارة وهي عتق الرقبة، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين، مع أنه مخطئ،
والله يقول:
{لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286]، فدلّ على أن المؤاخذة المرفوعة في الآية مؤاخذة الإثم التي لا يفوت بها حق الله وحق المكلَّف.
وهذا أعدل أقوال الأصوليين في هذه المسألة المشهورة وهي:
هل المرفوع في قوله: (رُفِع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) الفعل والإثم، أو أحدهما وهو الإثم؟ فالمرفوع هو الإثم حتى يدل الدليل على رفع الاثنين معاً.
[الترتيب بين الصلاتين في وقت لا يسع سوى الحاضرة]
قال المصنف رحمه الله: [وبخشية خروج وقت اختيار الحاضرة].تقدم معنا أن من الفرائض ما له وقت اختيارٍ ووقت اضطرار، فلو أن إنساناً نام عن صلاته حتى استغرق نومه، فمرَّت عليه صلاة الظهر وصلاة العصر حتى بقي من وقت العصر قدر يسير ثم ينتهي وقت الاختيار، قالوا يبدأ بالعصر فيؤديها، ثم يقيم للظهر فيصليها.
ووجه ذلك أنهم قالوا: إننا لو أمرناه بالترتيب لذهب وقت الاختيار للحاضرة،
ولذلك نقول:
سقط الترتيب تحصيلاً للصلاة الحاضرة، فيؤدي الصلاة الحاضرة في وقتها؛ لأنه إذا ازدحمت الفروض،
فبعضهم يقول:
يُراعَى صفة الفرض؛ إذ الحاضرة مزدحمة مع التي قبلها،
فإذا قلت له:
رتِّب الصلوات بناءً على الأصل الشرعي، فإن معنى ذلك أنه سيقضي الصلاتين، فتصبح صلاته للظهر موجبة لخروجه من وقت الاختيار إلى الاضطرار،
فبناءً على ذلك قالوا:
إنه يكون في حكم المفوِّت لوقت الاختيار، فيلزمه حينئذٍ أن يصلي الحاضرة في وقت الاختيار، ثم يصلي الفائتة.وهكذا قالوا لو لم يبق من وقت الحاضرة إلا قدر أدائها، كأن يستيقظ قبل طلوع الشمس بقدرٍ يصلي فيه الصبح، وكان قد نام عن العشاء والصبح،
قالوا:
فلو أمرناه بصلاة العشاء لفاتت عليه صلاة الصبح، فنأمره بصلاة الصبح حاضرة، ثم بعد طلوع الشمس يصلي العشاء الفائتة؛ لأن العشاء مقضية على كل حال، سواءٌ أصليت قبل الصبح أم بعده.وذهب طائفةٌ من العلماء إلى أنه يصلي العشاء أولاً مراعاةً لدليل الشرع،
حيث قالوا:
تأخر لعذر، وأخر الصلاة الحاضرة لعذر، فيصلي العشاء أولاً استناداً إلى أصول الشريعة التي لم تستثن ولم تفرق، فنأمره بصلاة العشاء حتى ولو خرج وقت الفجر، فإذا خرج وانتهى من قضاء العشاء أقام وصلى الفجر؛ لأنه كالشخص الذي قد خرج عليه الوقت.فهذا الوقت اليسير الذي لا يسع إلا للصبح هو -حكماً- بمثابة من استيقظ بعد خروج الوقت؛ لأنه ملغي بأمر الشرع بالترتيب، وهذا القول من ناحية الأصول أوفق.لكن هناك مخرجٌ لطيف لبعض العلماء،
قال:
يستحب له أن يصلي الفجر إدراكاً للوقت، ثم يقيم فيصلي العشاء ويعيد الفجر احتياطاً،
قالوا:
فيكون بهذا قد احتاط لأمره؛ لأنه سيكون قاضياً في كل الأحوال، فإن كان في القدر المتسع اليسير فضل يكون قد أدركه بالصلاة الأولى، وإن لم يكن له فضل يكون قد استبرأ ذمته بالاحتياط لواجب الشرع.
الأسئلة
[حكم من تعمد تأخير الصلاة حتى خرج وقتها]
q إذا أخر رجلٌ الصلاة عن وقتها متعمداً حتى خرج الوقت، فهل يقضي الصلاة أم لا؟
a باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فهذه المسألة فيها خلافٌ بين العلماء رحمة الله عليهم، فبعض أهل العلم يرى أن من أخَّر الصلاة حتى خرج وقتها وهو متعمد لا يطالب بالقضاء، خاصةً على مذهب من يرى أنه قد كفر بإخراج الصلاة عن وقتها.والقول الثاني أنه لا يكفر، ويُلزم بفعل الصلاة بعد خروج الوقت إن أخرها متعمداً، وهو الأقوى والصحيح إن شاء الله تعالى.
والدليل على ذلك أنه إذا اختلف العلماء رحمهم الله:
هل يطالب بالفعل أو لا يطالب بالفعل رُجِع إلى الأصل، فإن الأصل فيمن دخل عليه وقت الصلاة أنه مطالبٌ بها لتوجه خطاب الشرع عليه بالفعل، فكونه قد أخرها إلى أن خرج الوقت لا يوجب إسقاطها عنه إلا بدليل يدل على أن المتعمد لا يُطالب بفعل الصلاة بعد خروج الوقت، وليس هناك دليلٌ في الكتاب والسنة يدل صراحةً على أنه إذا خرج الوقت لا يطالب بفعل الصلاة،
وغاية ما استدل به أصحاب هذا القول أنهم قالوا:
إن الصلاة محددةٌ ببداية ونهاية، وإذا كانت محددة بالبداية والنهاية فإنه إذا خرج عن نهايتها لا يُطَالَب بفعلها وهذا محل نظر؛ ألا ترى النائم يطالب بفعلها بعد انتهاء وقتها؟! ألا ترى المعذور -وهذا بالإجماع- يُطَالَب بالفعل بعد انتهاء وقتها.فإذا كان هذا مقرَّراً، وهو أن المعذور مطالبٌ بالفعل بناءً على أصل دليل الخطاب، فإنه يدل على أنهم مسلِّمون بوجود الخطاب بعد انتهاء الوقت، وأصبح التأقيت يحتاج إلى دليلٍ من الكتاب والسنة يدل على عدم إلزام المكلف بالفعل بعد خروج الوقت، ولذلك الأقوى أنه يُطَالَب بالفعل، وقد ثبت بدليل السنة الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم نزَّل حقوق الله كحقوق العباد،
فقال عليه الصلاة والسلام:
(أرأيتِ لو كان على أمك دينٌ أكنت قاضيته؟
قالت:
نعم،
قال:
فدين الله أحق أن يقضى)
، فجعل الصوم، وجعل الحج بتوجه الخطاب ديناً على المكلف؛ لأنه فريضة.
يقول الجمهور: فالصلاة دينٌ على المكلف؛ لأنه مكلفٌ بها بتوجه الخطاب،
كالصوم والحج إذا ثبت أنه دَيْن: (فإن دين الله أحق أن يقضى).وكما أن حقوق العباد يُطَالب الإنسان بقضائها حتى ولو أنكرها وجحدها وامتنع مِن الفعل وماطل فيها بعد وقتها وهو قادرٌ على السداد، كذلك حق الله يطالب بأدائه ولو خرج عن وقته؛ لأن السداد مأمورٌ به، وهو القيام بفعل الصلاة، فالذي تطمئن إليه النفس مطالبته بالفعل، والله تعالى أعلم.
وقد قالوا في الحج: لو أخر مفرِّطاً فيجوز أن يحج عنه، فلو أن إنساناً غنياً ثرياً أخَّر الحج حتى مات وهو قادر على أن يحج،
قالوا:
يُطالَب بالحج عنه من ماله،
بناءً على قوله عليه الصلاة والسلام:
(أرأيتِ لو كان على أمك دين، أكنت قاضيته؟
قالت:
نعم.

قال:
فدين الله أحق أن يقضى)، فجعل الحج في ذمة هذا الميت -مع أنه مفرِّط ومتعمدٌ للتأخير- ديناً في ذمته، مع أنه أخرجه عن الوقت المعتبر؛ لأنه بالإجماع على أنه إذا توجه الخطاب على الإنسان بالحج، وهو قادرٌ مستطيع أنَّه واجبٌ عليه، ولكن اختُلِف في مسألة التأخير وعدم التأخير،
فقالوا:
إنه يُطالَب بالفعل ويترتب على المطالبة إلزام الذمة.وبناءً على هذا فإن الصلاة أُلزِمت ذمته بفعلها، وليس عندنا دليل على أنه إذا أخَّر حتى خرج الوقت سقطت عنه، ثم جاء دليل النظر والقياس الصحيح، وهو ما يسمى عند العلماء: قياس الأولى، وقياس الأولى من أقوى الحجج،
حتى إن بعض العلماء يقول:
الخلاف بين الظاهرية والجمهور في الأقيسة لا يشمل قياس الأولى.
فيقولون: إذا كان المعذور الذي عذر ونام حتى فاتت عنه الصلاة يُطالَب بالإعادة، فكيف بإنسانٍ متعمد؟! فإنه أحرى أن يُطالَب بالإعادة،
وهذا يسمونه:
قياس الأولى، فإذا كان صح هذا وهو أن المعذور يطالَب بالفعل مع كونه معذوراً، فمن باب أولى غير المعذور، ولذلك تميل النفس إلى المطالبة بالقضاء، والله تعالى أعلم.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.02 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.76%)]