عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 01-09-2020, 05:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,391
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (60)

صـــــ(1) إلى صــ(13)

شرح زاد المستقنع - باب شروط الصلاة [5]
كثيراً ما يقع العبد المسلم في أمورٍ قد تخل بصلاته، لذا وجب على كل مصل معرفة شروط الصلاة؛ كستر العورة وما يخصها من أحكام، وما يكره في الصلاة وما يحرم فيها حتى تكون صلاته صحيحة.
ما يكره فعله في الصلاة
[السدل في الصلاة]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [ويكره في الصلاة السدل].
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن السدل كما في حديث أبي داود الذي حسن العلماء إسناده:
(أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن السدل في الصلاة)، وبين العلماء رحمهم الله هذا السدل وهو أن يرسل طرفي الرداء دون أن يضمهما أو يجعلهما على أحد عاتقيه، كما في الإحرام يكون الإزار لأسفل البدن، والرداء لأعلاه، فإذا جاء الإنسان يصلي فإنه إذا سدل يكون منفتح الصدر، وهذه الهيئة لا تليق والعبد واقف بين يدي الله عز وجل، ولذلك لو دخل عليه إنسان يجله ويكرمه فإنه مباشرة سيضم ذلك الرداء، ولا يرى من نفسه أن يكشف صدره ما دام أمكنه أن يحجبه.ولذلك يرمي بطرف الرداء إذا أراد أن يصلي، أو على الأقل يضمه، وإذا كان في غير الإحرام شَبَكه، فجعل له مشبكاً أو زَّرره إذا كان له أزراراً، لكن استُثنِي من هذا ما جرت العادة بلبسه مع وجود ما هو دونه مثل العباءة والبشت، فقد أجاز العلماء رحمهم الله أن يرسله؛ لأن العلة غير موجودة فيه، فإن السدل المراد به ما يؤدي إلى الانكشاف،
ولذلك يقولون: ما كان معللاً فإنه يدور مع علة الحكم وجوداً وعدماً.وبناءً على هذا لو كان جرى العرف أنه يُسدَل فلا حرج عليه أن يصلي سادلاً، ولكن مع هذا فالأكمل والأولى أنه يضُم طرفي عباءته حتى يكون ذلك أبعد عن الشبهة.
[اشتمال الصماء في الصلاة]
قال رحمه الله تعالى: [واشتمال الصماء] يقال: حجرةٌ صماء.إذا لم يكن فيها منفذ،
واشتمال الصماء فيه أقوال للعلماء:
أقواها وأولاها أن يأخذ الثوب ويتلحَّف به على وجهٍ لا يوجد فيه لليدين أو لأحدهما منفذ.فبعض الناس في شدة البرد يأتي بالغطاء الذي هو الرداء على أعلى البدن، ويتوشح به على طريقة لا يستطيع أن يخرج يده لو دهمه عدو أو سبع، أو أرادته دابة أو هامة، فلا يستطيع أن يعاجل لدفع هذا الضرر، فنُهِي عن هذا الاشتمال، وهذا وجه.
وقيل: أن يأخذ الثوب ويتلحَّف به ويرده على عاتقيه فينكشف فرجه،
قالوا:
وهذا وجه من الأوجه التي نهي عنها.وورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه تفسيره بالوجه الذي ذكرناه، وبناءً على ذلك،
فإن قلنا:
السدل هو أن يضم الثوب، ويكون الثوب أصم لا منفذ فيه تكون العلة خوف الضرر على الإنسان؛ لأنه ربما في بعض الأحيان خاصة إذا كان يمشي يفاجأ بحية أو سبع أو عدو، فإذا كان مشتملاً للصماء فلا يستطيع أن ينزع سلاحه، أو يكبح عدوه، ولا أن يدفع الضرر عنه،
قالوا:
فنُهِي عنها من أجل مضرة البدن.
والوجه الثاني: لخوف انكشاف العورة، فإذا التحف بالثوب الواحد فلو تحرك منه انكشفت عورته على الصورة التي ذكرناها، وكل هذه الصور منهي عنها، لكن الخلاف في المراد باشتمال الصماء، وهذا مثله نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الملامسة، فالإجماع منعقد على أن بيع الملامسة لا يجوز،
سواءٌ أقلنا:
الملامسة أن يقول له: أبيعك ثوبي على أن يقوم لمسك مقام نظرك،
أم قلنا:
أن يقول له: إذا لمست الثوب فهو عليك بعشرة، أو إذا لمست الثوب انقطع الخيار عنك، فكل هذه الصور في الأصل محرمة، لكن الخلاف أيها المراد بالحديث، فينبغي أن يُتَنَبه أن خلاف العلماء في اشتمال الصماء هنا إنما هو الخلاف في المراد بالحديث،
لكن لو أن إنساناً التحف بالثوب بطريقة تنكشف بها العورة نقول:
هذا حرام، سواءٌ أكان هو اشتمال الصماء أم لم يكن؛ لأن الشرع لا يجيز انكشاف العورة، ولا يجيز لبس الثياب على وجهٍ تنكشف به السوءة.
كذلك لو قلنا: إن اشتمال الصماء لا يشمل التلحف بالثوب، فإن التلحف بالثوب على وجهٍ لا يتمكن الإنسان معه من دفع العدو أو الدابة أو الهامة منهيٌ عنه؛ لمكان الضرر بالبدن.
[تغطية الوجه في الصلاة]
قال رحمه الله تعالى: [وتغطية وجهه].ذلك لأنه ورد حديث أبي داود في النهي عن تغطية الوجه في الصلاة، ولأنه إذا غطى وجهه في الصلاة شابه اليهود، فإن اليهود في معابدهم يغطون، فنُهِي عن هذا لئلا يكون فيه مشابهة لليهود، كما نهي عن التشبيك لمن عَمِد إلى الصلاة، أو جلس في الصلاة ينتظرها، أو كان في الصلاة؛ لأن فيه مشابهةً لليهود.وكذلك أيضاً لأنه إذا غطى وجهه في الصلاة فإنه يمنعه من مباشرة السجود عليه، والسجود على الجبهة والأنف مقصودٌ في حديث السبعة الأعظم التي أُمِر النبي صلى الله عليه وسلم بالسجود عليها كما في حديث ابن عباس في الصحيح.
[وضع اللثام على الفم والأنف في الصلاة]
قال رحمه الله تعالى:
[واللثام على فمه وأنفه].
أي:
يستوي أن يغطي وجهه كليةً، أو جزئياً فيجعل اللثام على أنفه، أو يجعله على فهمه،
قال بعض العلماء:
إنه إذا جعل اللثام على فمه منع من خروج الحروف وإحسان القراءة، ومنع من تبينها إذا كان إماماً، فنهي عن هذا من أجل هذا الوجه.
وقال العلماء:
إن المقام بين يدي الله في الصلاة مقام هيبةٍ وإجلالٍ وتعظيمٍ لله عز وجل وتوقير، فإذا تلثَّم فإن هذا لا يتناسب مع حال المصلي الواقف بين يدي الله عز وجل.
[كف الكم ولفه في الصلاة]
قال رحمه الله تعالى:
[وكف كمه ولفه] كف الكم ولفه تلك الصورتان منهيٌ عنهما.وكف الكم هو أنه إذا أراد أن يسجد ضم كف كمه إليه؛ لأنه إذا سجد ربما اتسخ الكم،
قالوا:
إن هذا كف الكم.وأما لفه فصورته أن يلفه حتى يَنْشَمِر ويرتفع إلى العَضُد أو إلى نصف الساعد، فهذه الصورة لا تليق بمن وقف بين يدي الله؛ لأنها صورة العمل، والعامل إذا أراد أن يقوم بمهنته وعمله كفَّ ثوبه، وكذلك لَفَّ الثوب، ولذلك نهي عن هذا الكف؛ لأنه لا يليق بمقام العبد بين يدي الله، ولذلك لو دُعِيَ إنسانٍ ليدخل على إنسانٍ يجله ويكرمه ويعظمه لما دخل مشمر اليدين؛ لأنها هيئة لا تليق بالدخول على العظيم أو من يراد تعظيمه، ولله المثل الأعلى، فناسب أن يكون موقف الإنسان بين يدي الله عز وجل على غير هذه الصورة.وهذا يقع فيه كثير من الناس بسبب الخطأ والجهل، فهم يتوضئون، ثم يأتون مباشرة وقد حسر أحدهم عن ذراعيه، فيكبر ويصلي وهو حاسر الذراعين، وهذا -كما قلنا- لا يليق بالمصلي أن يفعله، والأدهى من ذلك أنه أثناء الصلاة يفك هذا اللفاف عن يديه، وهذا اشتغال، ولا ينبغي للإنسان أن يشتغل به إلا في حالة واحدة، وهي أن ينسى ذلك، ثم يتذكر في الصلاة،
قالوا:
فإنه يتعاطاه من باب تحصيل الواجب، وهو أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كف الثوب يقتضي خروجه عن هذه الصورة فيُلزم به.
[شد الوسط في الصلاة]
قوله: [وشد وسطه كزنار].كان قديماً إذا فُتِحت بلاد الكفار وفيها قومٌ من أهل الكتاب من أهل الذمة يُلزَمُون بلبس معين يختص بهم حتى لا يشابه المسلمين؛ لأن لهم أحكاماً تخصهم، فربما أنهم لو اختلطوا بالمسلمين ولبسوا لباسهم سُلِّمَ عليهم وعوملوا معاملة المسلمين، وذلك تكريمٌ لهم،
والشرع قصد إهانتهم كما قال تعالى:
{وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:18]، فلذلك الكفار إذا كانوا تحت حكم المسلمين يُذلون، وهذا أصل شرعي في حدود اشتمل عليها كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل الذمة،
والذي شرحه الإمام ابن القيم في كتابه النفيس:
(أحكام أهل الذمة).فمن هذه الأحكام أنه يُشَد وسطهم بالزنار، وهو نوع من اللباس يجمع على وسطهم حتى يتميزوا عن المسلمين، ويكون هذا علامة لهم على أنهم من أهل الكتاب، فلا تُعطَى لهم أحكام المسلمين في الظاهر، فإذا أراد أن يصلي المصلي لا يشد وسطه كالزنار،
أي: كشد الزنار.أما لبس الزنار ذاته فإنه منهي عنه؛ لأن فيه مشابهة للكفار، ولا تجوز مشابهتهم.لكن لو صلى الإنسان فلا ينبغي أن يصلي وقد رفع ثوبه أو شمَر وسطه، ويستوي في ذلك أن يرفع طرف الثوب ويضمه، مثلما يفعله بعض العمال أثناء عملهم، حيث يرفع الطرف الأسفل ثم يشد الوسط، أو يجعل الثوب مرخياً ويأتي بعمامته ويشدها في الوسط، كمن أراد أن يحمل شيئاً حتى يتمكن من حمله بقوة الوسط، فيجعل في وسطه حزاماً أو عمامةً، فهذا منهي عنه، لكن لو كان اللباس يُحتاج إليه، كإنسان يعمل في حدادة أو نجارة، ويلبس البنطال واحتاج أن يشده بحزام، لخوف انكشاف عورته، فلربما انحسر هذا الساتر عن عورته لو لم يشد، فحينئذٍ لا حرج عليه، إنما المراد بالشد الذي ينبئ عن الصورة الناقصة في المصلِّي، مثلما يقع في الثياب يُوضَع في وسطها ما يُشَد، أما لو كان من طبيعة اللباس فهذا مستثنىً ولا حرج فيه.
ما يحرم فعله في الصلاة
[الخيلاء بالثوب وغيره في الصلاة]
قال المصنف رحمه الله: [وتحرم الخيلاء في ثوبٍ وغيره].
لما ثبت من حديث أبي ذر في الصحيحين: أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (ثلاثة لا يكلمهم الله عز وجل يوم القيامة، ولا يزكيهم،
ولهم عذاب أليم: المنان بما أعطى، والمسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)
.
وجاء في الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء)،
قالوا:
نهى عن الإسبال وتَوَعَد بسببه بهذا الوعيد لما فيه من الخيلاء والتبختر،
والحديث الثاني في قوله صلى الله عليه وسلم:
(لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء) يؤكد هذا المعنى، وكذلك ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد إعطاء سيفه في غزوة أحد قال: (من يأخذه بحقه؟
فقالوا:
وما حقه يا رسول الله؟
قال:
أن يضرب به العدو فتقاعس القوم، فخرج أبو دجانة رضي الله عنه وأرضاه، وعصب عصابته الحمراء وأخذ السيف وتبختر في مشيته، فأخذ يختال بين الصفين،
فقال عليه الصلاة والسلام:
إنها مشية يبغضها الله إلا في هذا الموضع)
.فالخيلاء والتبختر في المشي منهيٌ عنه، واعتبر العلماء رحمهم الله أن من تبختر واختال في مشيته أنه من أهل الكبائر،
أي:
أنه فاسق بهذه المشية، ولو مرةً واحدة، فلو أن أحداً اختال في مشيته، أو جر ثوبه خيلاء فإنه يعتبر متوعَّداً بهذا الوعيد، إلا أن يتوب فيتوب الله عليه.فالخيلاء لا يجوز، لا في المشي ولا في الثوب، والخيلاء في الثوب تكون بجره وإسباله، وكذلك ربما تكون في صورة المشية، كأن ترى الإنسان يختال اختيال العظيم،
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(بينما رجل ممن كان قبلكم عليه بردان له يتبختر فيهما، إذ نظر إلى عطفيه فأعجب بنفسه، فخسف به فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة).فهذا يدل على أنه لا يجوز لمسلم أن يختال، أو أن يكون من أهل الخيلاء، بل ينبغي عليه التواضع والذلة لله عز وجل.
[الصلاة في ثوب فيه تصاوير]
قال المصنف رحمه الله:
[والتصوير واستعماله] قوله: [والتصوير] تفعيلٌ من الصور، والتصوير سواءٌ أكان باليد أم بآلة،
فإنه داخلٌ في عموم الحديث عنه عليه الصلاة والسلام:
(ولعن المصورين)،
وقوله صلى الله عليه وسلم:
(أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون).وقد دلت السنة الصحيحة على أن المراد من التصوير إيجاد مثل الخلقة، بغض النظر عن كون المصور أوجدها بآلةٍ أو بنفسه،
والدليل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:
(يقول الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي)، والكاف تقتضي التشبيه، بغض النظر عن كونه شابه الصورة من كل وجهٍ بآلة، أو لم يشابهها فكان قريباً من الصورة الأصلية، فيشمل ذلك التصوير بآلة والتصوير بالفعل.
والدليل الثاني على دخول التصوير بالآلة في النهي أن الصورة التي أخرجتها الآلة لو سُئِل الإنسان عنها: أهي خِلقة الله أو مثل خلقة الله، لأجاب -قطعاً- أنها مثل خلقة الله، فليست هي الخلقة الحقيقية،
وقد قال تعالى: (ممن ذهب يخلق كخلقي)، وهذا يستوي فيه أن يكون بآلةً، أو بالشخص نفسه بفعل يده.وكون الإنسان يصور بهذه الصورة يوجب وقوعه في المحظور.فالمصور ولو بآلة يعتبر مصِّوراً،
وقد قال عليه الصلاة والسلام:
(أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون)، وهذا مطلق يشمل أي حالةٍ تم بها التصوير، فمن قيد احتاج إلى دليل،
وقولهم:
إن التصوير بالآلة كالمرآة هذا قياس مصادمٌ للعموم؛ لأنه قياسٌ مع الفارق، ووجه الفارق أن الصورة في المرآة لا تثبت، والصورة بالآلة ثابتة،
والأمر الثاني:
أن الصورة في المرآة كانت للخلقة نفسها، فهي محاكاة الخلقة دون ثبوت، والصورة بالآلة محاكاة الخلقة مع الثبوت، فأصبح فعل المكلف بالزيادة على الآلة موجوداً، ولأن المصوِّر بالآلة يحتاج إلى تحميض، وهذا التحميض لا شك أنه فعلٌ للتصوير، ولذلك لا يُشَك أن التصوير بالآلة كالتصوير بالفعل،
فلو قال قائل:
إن التصوير بالآلة يحكي صورة الإنسان نقول: إذاً لو صور المصور الماهر صورة الإنسان على حقيقته لما كان مصوراً.
والأمر الثالث:
أنه ينتقض هذا القياس بالنظير،
فلو سألنا وقلنا:
لو أن إنساناً أوجد آلةً تخرج تمثال الإنسان بعد تصويره، فتطبع صورة الإنسان وتخرجه بالجِرم بنفس الصورة التي التقطت، لقيل: الإجماع على أن ذلك محرم؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(صورة تمثال).إذن هذه نفس الصورة، فإن كانت الآلة غير داخلة في التحريم فهذه أخرجتها الآلة، وإن كانت المشابهة تمنع التحريم فهذا مشابه، مع أننا حكمنا بالحرمة في كلتا الصورتين، ولذلك يقوى القول بالتعميم، لكن إذا وُجِدت الضرورة أو الحاجة في الصور لا حرج، كحاجة الإنسان إليها في معاملة استخراج الجواز، أو إثبات الهوية؛ لأنه لولا ذلك لضاعت مصالح العباد، ولحصلت مفاسد وشرور عظيمة، فهذا من باب الضرورة، ولا حرج في هذه الحالة.أما إذا لم تُوجَد الحاجة فالأصل التحريم وأنه لا يجوز، والفتنة الموجودة في صورة اليد كالفتنة الموجودة بصورة الآلة، بل الفتنة بصورة الآلة أعظم من الفتنة بصورة اليد، فالحقيقة أن الذي تطمئن إليه النفس أن مجرد وجود الآلة لا يكفي لزوال التحريم، فإن الآلة ليست بنفسها التي تصور،
ومن قال:
إنها تصور بنفسها لا شك أنه يكابر في الحس، أليست الآلة يُضْغَط عليها؟! ومن ضغط عليها لا يختلف اثنان في تسميته مصوراً، إذاً هو مصور،
فدخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام:
(أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون) هذا أمر.
الأمر الثاني: أنه إذا طبع بالآلة حمَّض الصورة، ولو كانت صورةً فورية احتاج إلى دلكها، ولا بد من معرفة حقيقة التصوير حتى نحكم، ولذلك حقيقته تدل على وجود فعل المكلَّف، فالآلة إنما هي وسيلة، كالقلم الذي يُراش به، وكالمواد التي تعين على خروج النظير والظل.ولذلك الذي يظهر -والعلم عند الله- هو القول بالتحريم سواءٌ أكان عن طريق الظل أم كان عن طريق فعل اليد.فيَحرُم التصوير، وهو من كبائر الذنوب؛
لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن المصور وقال:
(أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون)، (يقال لهم: أحيوا ما خلقتم).ويحرم استعماله إلا من ضرورةٍ وحاجة، فلو أن إنساناً عنده صور للذكرى يأثم ببقائها،
قال علي رضي الله عنه لـ أبي الهياج: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته)، فهذا يدل على أنه لا يجوز استعمالها، وبناءً على ذلك يحرُم الاستعمال ويحرُم الإيجاد والفعل.
[الصلاة في ثوب منسوج أو مموه بذهب]
قال المصنف رحمه الله: [ويحرم استعمال منسوج أو مموه بذهبٍ قبل استحالته].ذلك لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرم الذهب، ويحرم استعمال الذهب؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة).فلا يجوز استعمال الذهب والفضة في الطعام والشراب في الآنية وهي مصلحة حاجية، فيكون من باب أولى إذا لم توجد الحاجة وهي المصلحة الكمالية، وبناءً على ذلك يكون تنبيه الشرع على الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة تنبيهٌ بالأعلى على ما هو أدنى منه، فلا يجوز استعمالهما في الأقلام، ولا في الساعات، ولا في غيرها، إلا ما ورد استثناؤه بالشرع بلبس المرأة ولبس الرجل؛
لقوله تعالى:
{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:18] عن النساء، ولبس الرجل للفضة في خاتمه كما أُثِر عنه عليه الصلاة والسلام في تختمه بالوَرِق.وأما استعمالها في الأقلام وغيرها فهذا لا يجوز، والأصل تحريمه، والاستثناء إنما يكون في خاتم الوَرِق،
وحديث أم سلمة رضي الله عنها:
(دونكم الفضة فالعبوا بها لعباً) المراد به التختُّم، فإن الإنسان إذا تختَّم لعب بالخاتم لعباً،
ولو قيل:
إن المراد (العبوا بها لعباً) يعني: استعملوها، فهذا تعبيرٌ مجازي،
والقاعدة أنه إذا تعارض المعنى في قوله:
(العبوا لعباً) بين الحقيقة التي هي اللعب الحقيقي، وبين المجاز الذي هو المعنى الحكمي، فإنه ينبغي صرف اللفظ على الحقيقة إلا بدليلٍ يوجب العدول عنها إلى المجاز.فلا يستعمل ما فيه ذهب، سواءٌ أكان في الثياب، أم البُسُط، أم الأبواب، أم في غيرها من أدوات البيوت أو في السيارة أو غيرها؛ لأن هذا أصل عام، فلا يجوز استعمالها إلا بما ذكرناه من تحلِّي النساء على الصورة التي ذكرناها سواءٌ أكانت بذهب أم فضة، وتحلي الرجال بالفضة في الخاتم، سواءٌ أكان إنساناً يحتاج إلى الخاتم أم لا يحتاجه.
وقوله:
[أو مموه بذهب] كالكاسات مثلاً تموَّه بالذهب، أو تُطْلى بالذهب، أو الساعة تطلى بالذهب، فهذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم قليل الذهب وكثيره، وقد استثنى بعض فقهاء الشافعية وبعض فقهاء الحنابلة اليسير المموه، وهذا استحسان، ولا يصح الاستحسان مع دليل العموم، ولذلك الاستحسان لا يقوى في مثل هذا، بل يُبقَى على الأصل الذي يدل على التحريم.
[الصلاة في ثوب الحرير]
قال رحمه الله تعالى: [وثياب حرير].
وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ الحرير والذهب فقال: (هذان محرمان على ذكور أمتي، حلال لإناثهم).فدل على أنه لا يجوز لبس الذكر للحرير.ولبس الحرير يستثنى منه قدر أربع أصابع،
وذلك لحديث ابن عمر:
(أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير إلا هكذا، وجمع بين السبابة والوسطى)،
وقال ابن عمر:
أو ثلاث أصابع أو أربع أصابع كما في الرواية الثانية.فقدر الأربعة أصابع من الثوب مستثنى من الحرير.وللعلماء وجهان،
قال بعضهم: إنه أخذ من هذا الحديث بالأربعة الأصابع، وأخذ من حديث الحلة التي لبسها عليه الصلاة والسلام وكان سداها من حرير -والحديث فيه كلام-
أنه ينظر في الملبوس:
فإن كان أكثره حريراً حرُم، وإن كان أقله حريراً ولو أكثر من أربع أصابع يجوز.والصحيح أنه لا يستثنى من الحرير إلا قدر الأربعة الأصابع فقط،
خلافاً للجمهور الذين قالوا:
إنه يُستثنى إذا كان -مثلاً- قطناً وحريراً، وكان القطن أكثر،
فقالوا:
يجوز في هذه الحالة أن يلبس.والصحيح أن المستثنى قدر الأربعة الأصابع، وحديث الحُلَّة فيه ضعف في السند، وشك الراوي من جهة السداة أو تجويفة الحلة، ولا شك أنه إذا كان سداها بالطرف لا يصل إلى الأكثر.
قال رحمه الله تعالى: [وما هو أكثر ظهوراً على الذكور] هذا مثل ما ذكرناه، فإذا كان أكثر ظهوراً بالنسبة للملبوس فإنه يحرم، لكن لو كان أقل -بناءً على مذهب الجمهور- يجوز، ولكن الصحيح قدر أربع أصابع فقط، أما إذا كان حريراً خالصاً فبالإجماع لا يجوز.
قال رحمه الله تعالى: [لا إذا استويا].
في حال استوائهما قال بعض العلماء:
يبقى على الأصل من الحرمة؛ لأن الاستواء داخل تحت دليل العموم الذي ينهى، ويبقى المستثنَى فقط إذا كان أقل وهذا صحيحٌ من جهة الأصول.
قال رحمه الله تعالى: [ولضرورةٍٍ] أي: يجوز للرجل أن يلبس الحرير لضرورة، والضرورة جاء بها النص في حديث عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام، فإنهما سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخِّص لهما في لبس الحرير من الحكة ومن القمل، فأجاز لهما لبس الحرير من أجل الحكة؛ لأن الإنسان الذي معه حساسية في جلده إذا كان الثوب خشناً أثار الجلد وألهبه، لكنَّ ثوب الحرير يخفف احتكاك الجسم وثوران الجلد.
قالوا: فرَخَّصَ النبي صلى الله عليه وسلم لهما، وهذا من باب الاضطرار، لكن ينبغي أن يفهم أمر، وهو أنه ليس المراد بجواز لبس من به حكة للحرير الإطلاق، بل يتقيد بالكل والجزء، فإن كانت الحكة في جميع البدن لبس ثوباً باطنه من الحرير وظاهره من غير الحرير ولا حرج عليه، فإذا تعذر عليه ولبس ثوباً كله حرير لا حرج.
الأمر الثاني: لو أن يده فيها الحكة وبقية بدنه لا حكة فيها، فإنه يجعل بطانة الثوب لليد من حرير، وأما ما عداه فإنه يبقى على الأصل الموجب لعدم جواز اللبس.
وقوله: [وحكةٍ أو مرضٍ أو جرب].كل هذا من باب التمثيل للضرورة.وفي نسخة (حرب)،
ففي الحرب قالوا: يجوز أن يلبس الحرير من باب إغاظة الكافر، والحقيقة هذا الاستثناء لا أعرف له دليلاً صحيحاً يدل عليه.
وإنما قالوا اجتهاداً: إن العدو إذا نظر إلى المسلمين وهم في نعمة هابهم.ولكن الحقيقة أن هذا لا يقوى على الاستثناء من النهي، فإن الهيبة تتحصل بأمور أخرى غير ما ذُكِر من اقتراف ما نهى الله عز وجل عنه، وقد أمَر الله عز وجل عند لقاء العدو بتقواه، وهي السلاح العظيم الذي يثبُت به العبد أمام عدوه، ولذلك ينبغي الرجوع إلى أصول الشرع وعدم الاجتهاد في هذا، وعدم تحليل ما حرَّم الله عز وجل بهذا الاجتهاد، ويُبقى على الأصل الذي يوجب عدم جواز لبس الحرير، سواءٌ أكان في لقاء عدوٍ أم غيره.
لكن بعض العلماء قال: لعل استثناء الفقهاء بلبس الحرير في الحرب مبني على أن الأسلحة في القديم ربما تكون خشنة، وربما يكون ملمسها خشناً يضر بالبدن، فإذا لُبِس الحرير كان أرفق باحتكاك هذه الأسلحة أو حملها على العواتق، أو نحو ذلك.فإذا وجدت حاجة من مثل هذا فلا حرج، فيكون أشبه بالحاجة إلى الحكة والجرب.أما أن يُلبس من أجل إشعار العدو بالنعمة فلا،
بل نقول: إن هذا يغري العدو أكثر،
فإن العدو إذا رأى النعمة على المسلمين قال:
هؤلاء إذا قتلناهم غنمنا خيراً كثيراً.فالأولى البقاء على الأصل الذي يدل على عدم الجواز وهو أولى وأحرى.
وقوله:
[أو حشواً] أي: ما يكون بالحشو في الداخل.
وقوله: [أو كان علماً أربع أصابع فما دون] أي: يكون في طرف الثوب، على أن الاستثناء لأربع أصابع، فلا حرج، لما ذكرناه من حديث ابن عمر.
وقوله: [أو رقاعٍ] الرقاع: جمع رقعة، والثوب يتخرَّق فيحتاج الإنسان أن يرقع هذه الشقوق، فيأخذ الرقعة دون الأربعة أصابع، ولا حرج.
وقال بعض العلماء: لا تتقيد بالأربعة أصابع، بناءً على مذهب الجمهور،
وقلنا:
الصحيح تقيدها بالأربعة أصابع، وما زاد عن أربعة أصابع فلا.
قوله: [أو لبنة جيبٍ] هي التي تكون في الرقبة، والجيب الذي يُدخَل منه الرأس فتكون له لبنة، يعني تكون مثل ما تُسمى في عرف الناس بالياقة اليوم، فهذه في بعض الأحيان تجعل من الحرير، ولا بأس إذا كانت في حدود أربع أصابع.
وقوله: (وسجف فراءٍ) الفراء: من الفرو، وهو معروف، والسجف يكون في أطرافه، مثلما يوجد الآن في بعض الفراء الذي يُلبس في الشتاء، فيجعل في أطرافه قدر أصبعين أو ثلاث أصابع تكون على أطراف السجف، أو تكون من الأسفل في هذه الأطراف، فلا حرج عليه، لكن شريطة ألا تتجاوز الأربعة الأصابع.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.49 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.49%)]