عرض مشاركة واحدة
  #603  
قديم 02-09-2020, 05:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (602)
تفسير السعدى
(سورة القلم)
من (1)الى (16)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة القلم
{ نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ } 1 { مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } 2 { وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ } 3 { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } 4 { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ } 5 { بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ } 6 { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ }7


يقسم تعالى بالقلم، وهو اسم جنس شامل للأقلام، التي تكتب بها [أنواع] العلوم، ويسطر بها المنثور والمنظوم، وذلك أن القلم وما يسطرون به من أنواع الكلام، من آيات الله العظيمة، التي تستحق أن يقسم الله بها، على براءة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مما نسبه إليه أعداؤه من الجنون، فنفى عنه الجنون، بنعمة ربه عليه وإحسانه، حيث منَّ عليه بالعقل الكامل، والرأي الجزل، والكلام الفصل، الذي هو أحسن ما جرت به الأقلام، وسطره الأنام، وهذا هو السعادة في الدنيا، ثم ذكر سعادته في الآخرة، فقال: { وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً } أي: عظيماً، كما يفيده التنكير، { غَيْرَ مَمْنُونٍ } أي: [غير] مقطوع، بل هو دائم مستمر، وذلك لما أسلفه النبي صلى الله عليه وسلم من الأعمال الصالحة، والأخلاق الكاملة، ولهذا قال: { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } أي: عالياً به، مستعلياً بخلقك الذي منَّ الله عليك به، وحاصل خلقه العظيم، ما فسرته به أم المؤمنين [عائشة - رضي الله عنها -] لمن سألها عنه، فقالت: " كان خلقه القرآن " ، وذلك نحو قوله تعالى له:{ خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } [الأعراف: 199]{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ } [الآية] [آل عمران: 159]،{ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [التوبة: 128] وما أشبه ذلك من الآيات الدالات على اتصافه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق، و[الآيات] الحاثَّات على الخلق العظيم، فكان له منها أكملها وأجلها، وهو في كل خصلة منها، في الذروة العليا، فكان صلى الله عليه وسلم سهلاً ليناً، قريباً من الناس، مجيباً لدعوة من دعاه، قاضياً لحاجة من استقضاه، جابراً لقلب من سأله، لا يحرمه، ولا يرده خائباً، وإذا أراد أصحابه منه أمراً وافقهم عليه، وتابعهم فيه إذا لم يكن فيه محذور، وإن عزم على أمر لم يستبد به دونهم، بل يشاورهم ويؤامرهم، وكان يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم، ولم يكن يعاشر جليساً له إلا أتم عشرة وأحسنها، فكان لا يعبس في وجهه، ولا يغلظ عليه في مقاله، ولا يطوي عنه بِشْرَهُ، ولا يمسك عليه فلتات لسانه، ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة، بل يحسن إلى عشيره غاية الإحسان، ويحتمله غاية الاحتمال صلى الله عليه وسلم. فلما أنزله الله في أعلى المنازل من جميع الوجوه، وكان أعداؤه ينسبون إليه أنه مجنون مفتون، قال: { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ } وقد تبين أنه أهدى الناس، وأكملهم لنفسه ولغيره، وأن أعداءه أضل الناس، [وشر الناس] للناس، وأنهم هم الذين فتنوا عباد الله، وأضلوهم عن سبيله، وكفى بعلم الله بذلك، فإنه هو المحاسب المجازي. و { هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } وهذا فيه تهديد للضالين، ووعد للمهتدين، وبيان لحكمة الله، حيث كان يهدي من يصلح للهداية، دون غيره.

{ فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ } 8 { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } 9 { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } 10 { هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ } 11 { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } 12 { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } 13 { أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ } 14 { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } 15 { سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ }16


يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: { فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ } الذين كذبوك وعاندوا الحق، فإنهم ليسوا أهلاً لأن يطاعوا، لأنهم لا يأمرون إلا بما يوافق أهواءهم، وهم لا يريدون إلا الباطل، فالمطيع لهم مُقْدِمٌ على ما يضره، وهذا عام في كل مكذب، وفي كل طاعة ناشئة عن التكذيب، وإن كان السياق في شيء خاص، وهو أن المشركين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم، أن يسكت عن عيب آلهتهم ودينهم، ويسكتوا عنه، ولهذا قال: { وَدُّواْ } أي: المشركون { لَوْ تُدْهِنُ } أي: توافقهم على بعض ما هم عليه، إما بالقول أو الفعل أو بالسكوت عما يتعين الكلام فيه، { فَيُدْهِنُونَ } ولكن اصدع بأمر الله، وأظهر دين الإسلام، فإن تمام إظهاره بنقض ما يضاده، وعيب ما يناقضه، { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ } أي: كثير الحلف، فإنه لا يكون كذلك إلا وهو كذاب، ولا يكون كذاباً إلا وهو { مَّهِينٍ } أي: خسيس النفس، ناقص الهمة، ليس له همةٌ في الخير، بل إرادته في شهوات نفسه الخسيسة. { هَمَّازٍ } أي: كثير العيب [للناس] والطعن فيهم، بالغيبة والاستهزاء، وغير ذلك. { مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ } أي: يمشي بين الناس بالنميمة، وهي: نقل كلام بعض الناس لبعض، لقصد الإفساد بينهم، وإلقاء العداوة والبغضاء، { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ } الذي يلزمه القيام به من النفقات الواجبة والكفارات والزكوات وغير ذلك، { مُعْتَدٍ } على الخلق في ظلمهم، في الدماء والأموال والأعراض { أَثِيمٍ } أي: كثير الإثم والذنوب المتعلقة في حق الله تعالى { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ } أي: غليظ شرس الخلق قاس غير منقاد للحق { زَنِيمٍ } أي: دَعِيٍّ، ليس له أصل و [لا] مادة ينتج منها الخير، بل أخلاقه أقبح الأخلاق، ولا يرجى منه فلاح، له زنمة أي: علامة في الشر يعرف بها. وحاصل هذا، أن الله تعالى نهى عن طاعة كل حلاف كذاب، خسيس النفس، سيئ الأخلاق، خصوصاً الأخلاق المتضمنة للإعجاب بالنفس، والتكبر على الحق وعلى الخلق، والاحتقار للناس، كالغيبة والنميمة، والطعن فيهم، وكثرة المعاصي. وهذه الآيات - وإن كانت نزلت في بعض المشركين، كالوليد بن المغيرة أو غيره، لقوله عنه: { أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } أي: لأجل كثرة ماله وولده، طغى واستكبر عن الحق، ودفعه حين جاءه، وجعله من جملة أساطير الأولين، التي يمكن صدقها وكذبها- فإنها عامة في كل من اتصف بهذا الوصف، لأن القرآن نزل لهداية الخلق كلهم، ويدخل فيه أول الأمة وآخرهم، وربما نزل بعض الآيات في سبب أو في شخص من الأشخاص، لتتضح به القاعدة العامة، ويعرف به أمثال الجزئيات الداخلة في القضايا العامة. ثم توعد تعالى من جرى منه ما وصف الله، بأن الله سيسمه على خرطومه في العذاب، وليعذبه عذاباً ظاهراً، يكون عليه سمة وعلامة، في أشق الأشياء عليه، وهو وجهه.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.93 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.67%)]