عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 05-09-2020, 03:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,222
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (616)
تفسير السعدى
(سورة الإنسان)
من (1)الى (27)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورةالإنسان
{ هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } 1 { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً } 2 { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً }3


ذكر الله في هذه السورة الكريمة أول حالة الإنسان ومبتدأها ومتوسطها ومنتهاها. فذكر أنه مرّ عليه دهر طويل، وهو الذي قبل وجوده، وهو معدوم بل ليس مذكوراً. ثم لما أراد الله تعالى خلقه، خلق [أباه] آدم من طين، ثم جعل نسله متسلسلاً { مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ } أي: ماء مهين مستقذر { نَّبْتَلِيهِ } بذلك، لنعلم هل يرى حاله الأولى، ويتفطن لها أم ينساها وتغره نفسه؟ فأنشأه الله، وخلق له القوى الباطنة والظاهرة، كالسمع والبصر، وسائر الأعضاء، فأتمها له وجعلها سالمة يتمكن بها من تحصيل مقاصده. ثم أرسل إليه الرسل، وأنزل عليه الكتب، وهداه الطريق الموصلة إلى الله، ورغَّبه فيها، وأخبره بما له عند الوصول إلى الله. ثم أخبره بالطريق الموصلة إلى الهلاك، ورهَّبه منها، وأخبره بما له إذا سلكها، وابتلاه بذلك، فانقسم الناس إلى شاكر لنعمة الله عليه، قائم بما حمله الله من حقوقه، وإلى كفور لنعمة الله عليه، أنعم الله عليه بالنعم الدينية والدنيوية، فردَّها، وكفر بربه، وسلك الطريق الموصلة إلى الهلاك. ثم ذكر تعالى حال الفريقين عند الجزاء فقال: { إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً... }.
{ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً } 4 { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } 5 { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } 6 { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } 7 { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } 8 { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } 9 { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } 10 { فَوَقَٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } 11 { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً } 12 { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } 13 { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } 14 { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ } 15 { قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } 16 { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } 17 { عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } 18 { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } 19 { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } 20 { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } 21 { إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً } 22 { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ تَنزِيلاً } 23 { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً } 24 { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } 25 { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } 26 { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ يُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً }27


{ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً * إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } إلى آخر الثواب أي: إنا هيأنا وأرصدنا لمن كفر بالله، وكذب رسله، وتجرأ على المعاصي { سَلاَسِلاَ } في نار جهنم، كما قال تعالى:{ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ } [الحاقة: 32]. { وَأَغْلاَلاً } تغل بها أيديهم إلى أعناقهم ويوثقون بها. { وَسَعِيراً } أي: ناراً تستعر بها أجسامهم وتحرق بها أبدانهم،{ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } [النساء: 56] وهذا العذاب دائم لهم أبداً، مخلدون فيه سرمداً. وأما { ٱلأَبْرَارَ } وهم الذين برت قلوبهم بما فيها من محبة الله ومعرفته، والأخلاق الجميلة، فبرت جوارحهم، واستعملوها بأعمال البر، أخبر أنهم { يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ } أي: شراب لذيذ من خمر قد مزج بكافور أي: خلط بكافور، ليبرده ويكسر حدته، وهذا الكافور [في غاية اللذة] قد سلم من كل مكدر ومنغص، موجود في كافور الدنيا، فإن الآفة الموجودة في الأسماء التي ذكر الله أنها في الجنة وهي في الدنيا تعدم في الآخرة. كما قال تعالى:{ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } [الواقعة: 28-29]{ وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ } [آل عمران: 15]{ لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ عِندَ رَبِّهِمْ } [الأنعام: 127]{ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ } [الزخرف: 71]. { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ } أي: ذلك الكأس اللذيذ الذي يشربون به، لا يخافون نفاده، بل له مادة لا تنقطع، وهي عين دائمة الفيضان والجريان، يفجرها عباد الله تفجيراً، أنى شاؤوا، وكيف أرادوا، فإن شاؤوا صرفوها إلى البساتين الزاهرات، أو إلى الرياض الناضرات، أو بين جوانب القصور والمساكن المزخرفات، أو إلى أي جهة يرونها من الجهات المونقات. وقد ذكر جملة من أعمالهم في أول هذه السورة، فقال: { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ } أي: بما ألزموا به أنفسهم لله من النذور والمعاهدات، وإذا كانوا يوفون بالنذر، وهو لم يجب عليهم، إلا بإيجابهم على أنفسهم، كان فعلهم وقيامهم بالفروض الأصلية، من باب أولى وأحرى، { وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } أي: منتشراً فاشياً، فخافوا أن ينالهم شره، فتركوا كل سبب موجب لذلك، { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ } أي: وهم في حال يحبون فيها المال والطعام، لكنهم قدموا محبة الله على محبة نفوسهم، ويتحرون في إطعامهم أولى الناس وأحوجهم، { مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً }. ويقصدون بإنفاقهم وإطعامهم وجه الله تعالى، ويقولون بلسان الحال: { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } أي: لا جزاء مالياً، ولا ثناءً قولياً. { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً } أي: شديد الجهمة والشر { قَمْطَرِيراً } أي: ضنكاً ضيقاً، { فَوَقَٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ } فلا يحزنهم الفزع الأكبر، وتتلقاهم الملائكة [هذا يومكم الذي كنتم توعدون]. { وَلَقَّاهُمْ } أي: أكرمهم وأعطاهم { نَضْرَةً } في وجوههم { وَسُرُوراً } في قلوبهم، فجمع لهم بين نعيم الظاهر والباطن، { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ } على طاعة الله، فعملوا ما أمكنهم منها، وعن معاصي الله، فتركوها، وعلى أقدار الله المؤلمة، فلم يتسخطوها، { جَنَّةً } جامعة لكل نعيم، سالمة من كل مكدر ومنغص، { وَحَرِيراً } كما قال [تعالى:]
{ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } [الحج: 23] ولعل الله إنما خص الحرير، لأنه لباسهم الظاهر، الدال على حال صاحبه. { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ } الاتكاء: التمكن من الجلوس، في حال الرفاهية والطمأنينة [الراحة]، والأرائك هي السرر التي عليها اللباس المزين، { لاَ يَرَوْنَ فِيهَا } أي: في الجنة { شَمْساً } يضرهم حرها، { وَلاَ زَمْهَرِيراً } أي: برداً شديداً، بل جميع أوقاتهم في ظل ظليل، لا حر ولا برد، بحيث تلتذ به الأجساد، ولا تتألم من حر ولا برد. { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } أي: قربت ثمراتها من مريدها تقريبا ينالها، وهو قائم، أو قاعد، أو مضطجع. ويطاف على أهل الجنة أي: يدور [عليهم] الخدم والولدان { بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ * قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ } أي: مادتها من فضة، [وهي] على صفاء القوارير، وهذا من أعجب الأشياء، أن تكون الفضة الكثيفة، من صفاء جوهرها، وطيب معدنها، على صفاء القوارير. { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } أي: قدروا الأواني المذكورة على قدر رِيِهِّمْ، لا تزيد ولا تنقص، لأنها لو زادت نقصت لذتها، ولو نقصت لم تف بريهم. ويحتمل أن المراد: قدرها أهل الجنة بنفوسهم بمقدار يوافق لذاتهم، فأتتهم على ما قدروا في خواطرهم. { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا } أي: في الجنة، من كأس، وهو الإناء المملوء من خمر ورحيق، { كَانَ مِزَاجُهَا } أي: خلطها { زَنجَبِيلاً } ليطيب طعمه وريحه. { عَيْناً فِيهَا } أي: في الجنة، { تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } سميت بذلك لسلاستها ولذتها وحسنها. { وَيَطُوفُ } على أهل الجنة، في طعامهم وشرابهم وخدمتهم. { وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ } أي: خلقوا من الجنة للبقاء، لا يتغيرون ولا يكبرون، وهم في غاية الحسن، { إِذَا رَأَيْتَهُمْ } منتشرين في خدمتهم { حَسِبْتَهُمْ } من حسنهم { لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } وهذا من تمام لذة أهل الجنة، أن يكون خدامهم الولدان المخلدون، الذين تسر رؤيتهم، ويدخلون على مساكنهم، آمنين من تبعتهم، ويأتونهم بما يدعون وتطلبه نفوسهم، { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ } أي: هناك في الجنة، ورمقت ما هم فيه من النعيم { رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } فتجد الواحد منهم، عنده من القصور والمساكن والغرف المزينة المزخرفة، ما لا يدركه الوصف، ولديه من البساتين الزاهرة، والثمار الدانية، والفواكه اللذيذة، والأنهار الجارية، والرياض المعجبة، والطيور المطربة [المشجية]، ما يأخذ بالقلوب، ويفرح النفوس. وعنده من الزوجات. اللاتي هن في غاية الحسن والإحسان، الجامعات لجمال الظاهر والباطن، الخيرات الحسان، ما يملأ القلب سروراً، ولذةً وحبوراً، وحوله من الولدان المخلدين، والخدم المؤبدين، ما به تحصل الراحة والطمأنينة، وتتم لذة العيش، وتكمل الغبطة. ثم علاوة ذلك ومعظمه الفوز برؤية الرب الرحيم، وسماع خطابه، ولذة قربه، والابتهاج برضاه، والخلود الدائم، وتزايد ما هم فيه من النعيم كل وقت وحين، فسبحان الملك المالك، الحق المبين، الذي لا تنفد خزائنه، ولا يقل خيره، فكما لا نهاية لأوصافه فلا نهاية لبره وإحسانه، { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ } أي: قد جللتهم ثياب السندس والإستبرق الأخضران، اللذان هما أجل أنواع الحرير، فالسندس: ما غلظ من الديباج، والإستبرق: ما رق منه.
{ وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ } أي: حلوا في أيديهم أساور الفضة، ذكورهم وإناثهم، وهذا وعد وعدهم الله، وكان وعده مفعولاً، لأنه لا أصدق منه قيلاً ولا حديثاً. وقوله: { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } أي: لا كدر فيه بوجه من الوجوه، مطهراً لما في بطونهم من كل أذى وقذى. { إِنَّ هَـٰذَا } الجزاء الجزيل والعطاء الجميل { كَانَ لَكُمْ جَزَآءً } على ما أسلفتموه من الأعمال، { وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُور } أي: القليل منه، يجعل الله لكم به من النعيم المقيم ما لا يمكن حصره. وقوله تعالى لما ذكر نعيم الجنة { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ تَنزِيلاً } فيه الوعد والوعيد، وبيان كل ما يحتاجه العباد، وفيه الأمر بالقيام بأوامره وشرائعه أتمّ القيام، والسعي في تنفيذها، والصبر على ذلك. ولهذا قال: { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً } أي: اصبر لحكمه القدري، فلا تسخطه، ولحكمه الديني، فامض عليه، ولا يعوقك عنه عائق. { وَلاَ تُطِعْ } من المعاندين، الذين يريدون أن يصدوك { ءَاثِماً } أي: فاعلاً إثماً ومعصيةً ولا { كَفُوراً } فإن طاعة الكفار والفجار والفساق، لا بد أن تكون في المعاصي، فلا يأمرون إلا بما تهواه أنفسهم. ولما كان الصبر يساعده القيام بعبادة الله، والإكثار من ذكره، أمره الله بذلك، فقال: { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } أي: أول النهار وآخره، فدخل في ذلك، الصلوات المكتوبات وما يتبعها من النوافل، والذكر، والتسبيح، والتهليل، والتكبير في هذه الأوقات. { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ } أي: أكثر [له] من السجود، ولا يكون ذلك إلا بالإكثار من الصلاة. { وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } وقد تقدم تقييد هذا المطلق بقوله:{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ * قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً } [المزمل: 1-2] الآية: [وقوله] { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ } أي: المكذبين لك أيها الرسول بعد ما بينت لهم الآيات، ورغبوا ورهبوا، ومع ذلك، لم يفد فيهم ذلك شيئاً، بل لا يزالون يؤثرون { ٱلْعَاجِلَةَ } ويطمئنون إليها، { وَيَذَرُونَ } أي: يتركون العمل ويهملون { وَرَآءَهُمْ } أي: أمامهم { يَوْماً ثَقِيلاً } وهو يوم القيامة، الذي مقداره خمسون ألف سنة مما تعدون، وقال تعالى:{ يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } [القمر: 8] فكأنهم ما خلقوا إلا للدنيا والإقامة فيها.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.87 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.59%)]