
08-09-2020, 04:24 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,396
الدولة :
|
|
هل قدرنا الله حق قدره؟
هل قدرنا الله حق قدره؟
أحمد الجوهري عبد الجواد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
يا أنتَ يا أحسنَ الأسماءِ في خَلَدي
ماذا أُعرِّفُ من مَتْنٍ ومن سَندِ 
تَقَاصرْت كلُّها الأوصافُ عندكمُ
لمَّا سَمِعْنا ثناءَ الواحدِ الأحدِ 
واللهِ لو أنَّ أقلامَ الورى بُريت
مِن العروقِ لمدحِ السيدِ الصّمدِ 
لم نبلغِ العُشرَ مما يستحقُّ ولا
عُشرَ العشيرِ وهذا غايةُ الأمدِ 
أما بعد، فيا أيها الإخوة!
من تأمل النصوص الدالة على عظمة الله وكبريائه ومجده وجلاله وخضوع المخلوقات بأسرها لعزه كما أوضح ذلك القرآن وأوضحته سنة النبي عليه الصلاة والسلام فإنه لا يملك إلا أن يذل ذلّاً حقيقياً ويخضع خضوعاً نهائيًا للذي له هذه النعوت العظيمة، والأوصاف الكاملة الجليلة، وإن ذلك لمن أكبر الأدلة والبراهين على أنه المعبود بحق وحده، المحمود بحق وحده الذي يجب أن يبذل له غاية الذل والتعظيم وغاية الحب والتأله، وأنه -عز وجل- الحق وما سواه باطل، وهذه هي حقيقة التوحيد ولبه وروحه، وسر الإخلاص وفحواه [1].
ومن هذه الآيات ما قال الله تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسموات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67].
فالله -عز وجل- -أيها الإخوة- هو الذي خلق كل شيء، هو الخالق لكل ما في الكون من سمائه إلى أرضه ومن عرشه إلى فرشه وهو المالك لكل شيء لا يخرج أبداً شيء منها عن ملكه وهو المتصرف في كل شيء لا يخرج شيء أبداً عن إرادته وأمره.
وما أحسن ما قال صاحب الظلال هنا تحت هذه الآية قال: هذه الآية تعرض: «لحقيقة التوحيد من جانب وحدانية الخالق الذي خلق كل شيء، المالك المتصرف في كل شيء. فما أحسن هؤلاء -المشركون - ولا أجملوا حين دَعوا النبي رضي الله عنه للإشراك بالله، وما عبدوه حق عبادته إذ أشركوا به، والله هو خالق كل شيء، وهو المتصرف في ملكوت السموات والأرض بلا شريك، فأنى يعبد معه غيره، وله وحده مقاليد السموات والأرض؟!
نعم ما قدروا الله حق قدره، وهم يشركون به بعض خلقه. وهم لا يعبدونه حق عبادته. وهم لا يدركون وحدانيته وعظمته، وهم لا يستشعرون جلاله وقوته.
وأظهر الاسم الأعظم في أحسن مواطنه فقال: (الله) الملك الأعظم (حق قدره) أي ما عظموه كما يجب له فإنه لو استغرق الزمان في عبادته وخالص طاعته بحيث لم يخل شيء منه عنها لما كان ذلك حق قدره فكيف إذا خلا بعضه عنها فكيف إذا عُدل به غيره؟!
ثم كشف لهم عن جانب من عظمته سبحانه وقوته ﴿ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ وقدَّمها لمباشرتهم لها ومعرفتهم بحقيقتها. ولما كان ما يدركونه منها من السِّعة والكبر كافيا في العظمة وإن لم يدركوا أنها سبع، أكد بما يصلح لجميع طبقاتها تنبيها للبصراء على أنها سبع من غير تصريح فقال: ﴿ جَمِيعًا ﴾. ولما كان العالم العلوي أشرف، ولما كانوا يعلمون أن السموات سبع متطابقة بما يشاهدون من سير النجوم، جمع ليكون مع ﴿ جَمِيعًا ﴾ كالتصريح في جميع الأرض أيضا في قوله: ﴿ وَالسموات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾ فالذي يجعل الأرض بكل طبقاتها وأجزائها في قبضته، والسموات يطويها بيمينه فالسموات والأرض جميعا في يده، ويقول أنا الملك أين الملوك. فصاحب هذه القدرة العظمى كيف يُعْبَد معه آلهة أخرى هي أصنام وتماثيل وأوثان؟!!
لذا نزَّه تعالى نفسه بقوله: ﴿ سُبْحَانَهُ ﴾ أي تنزَّه وتقدس عن الشريك والنظير والصاحبة والولد، ترفع عن أن يكون له شريك وهو رب كل شيء ومليكه“[2].
روى البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: «جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله رضي الله عنه فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء على إصبع، والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع. فيقول: أنا الملك. فضحك النبي رضي الله عنه حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر. ثم قرأ: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » [3].
وفي رواية لمسلم: «والجبال والشجر على إصبع، ثم يهزهن فيقول: أنا المالك، أنا الله».
وفي رواية للبخاري: «يجعل السموات على إصبع والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع».
ولمسلم عن ابن عمر مرفوعاً: «يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون، أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين السبع، ثم يأخذهن بشماله، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟» [4].
فهذا الحديث- أيها الإخوة- دليل على عظمة الله وكماله وكبريائه وعظيم قدرته وعظم مخلوقاته وإذا كان سبحانه بهذه العظمة فكيف يشرك أحد معه في عبوديته غيره؟!
فهو يدل على عظمة الله تعالى حيث يضع السموات كلها على إصبع، إنه -عز وجل- يحمل هذه المخلوقات، فمع عظم هذه المخلوقات، السموات والأرض فإنه سبحانه يأخذها بيده ويهزها ويقول: «أنا الملك أنا الجبار» أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ أين ملوك الأرض؟ وتلا النبي رضي الله عنه الآية تصديقًا لقول الحبر.
قال سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله-: وفي هذا إثبات الصفات لله، وأنه سبحانه له يمين وشمال، وأن كلتا يديه يمين كما في الحديث الآخر؛ وسمَّى أحدهما يمينًا والآخر شمالا من حيث الاسم، ولكن من حيث المعنى والشرف كلتاهما يمين -سبحانه وتعالى-، وليس في شيء منهما نقص“[5].
وهنا يجدر بنا أن نستعيد ما كنا أصلناه فى الحديث عن صفات الله تعالى فى خطبة الحياة المثلى مع أسماء الله وصفاته الحسنى فنقول:
الواجب علينا - أيها الإخوة - الإيمان بالله وأسمائه وصفاته وإمرارها كما جاءت واعتقاد أنها حق كما أخبر الله -عز وجل- وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم التكييف والتمثيل لأن الله -عز وجل- أخبرنا بأسمائه وصفاته وأفعاله ولم يبين كيفيتها فنصدق الخبر ونؤمن به ونكل الكيفية إلى الله -عز وجل- فصفات ذاته تعالى من الحياة والعلم والسمع والبصر والقدرة والإرادة وغيرها وكذلك صفات أفعاله من الاستواء على العرش والنزول إلى سماء الدنيا والمجيء لفصل القضاء بين عباده وغير ذلك كلها حق على حقيقتها وعلى حقيقتها علمنا اتصافه تعالى بها بما علمنا في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وغاب عن جميع المخلوقين كيفيتها ولم يحيطوا بها علما كما قالت أم سلمة رضي الله عنها وربيعة الرأي ومالك بن أنس وغيرهم رحمهم الله تعالى الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ومن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التصديق والتسليم وكذلك القول في جميع صفاته -عز وجل- وإنا والله لكالون حائرون في كيفية سراية الدم في أعضائنا وجريان الطعام والشراب فينا وكيف يدبر الله تعالى قوت كل عضو فيه بحسب حاجته وفي استقرار الروح التي هي بين جنبينا وكيف يتوفاها الله في منامها وتعرج إلى حيث شاء الله -عز وجل- ويردها إذا شاء وكيفية إقعاد الميت في القبر وعذابه ونعيمه وكيفية قيام الأموات من القبور حفاة عراة غرلا وكيفية الملائكة وعظم خلقهم فكيف العرش الذي لا يقدر قدره إلا الله -عز وجل- كل ذلك نجهل كيفيته ونحن مؤمنون به كما أخبرنا الله -عز وجل- عنه على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام وإيماناً بالغيب وإن لم نعلم الكيفية فكيف بالخالق -عز وجل- وأسمائه الحسنى وصفاته العلى ولله المثل الأعلى في السموات والأرض وله الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون آمنا به كل من عند ربنا ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين.
اللهم إنا أسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.
يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون، أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين السبع، ثم يأخذهن بشماله، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟
هذا هو ربنا جلا جلاله الذي يعرف به فيقول: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السموات وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ * لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 255، 256].
ويقول -عز وجل- عنه: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السموات وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر: 22 - 24]
ويقول -عز وجل- عنه: "بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾.
آيات تتحدث عن ربها سبحانه وتظهر عظمته وكبريائه ومن سمعها وتدبرها امتلأ قلبه يقيناً في عظمة الله تعالى اسمع ماذا يقول ربنا عن نفسه: ﴿ اللَّهُ نُورُ السموات وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ ﴾ [النور: 35، 36].
وفي الحديث الذي أخرجه مسلم عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ «إِنَّ اللَّهَ -عز وجل- لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِى لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ حِجَابُهُ النُّورُ - وَفِى رِوَايَةٍ - النَّارُ - لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ»[6].
سبحانك ربنا، ماقدرناك حق قدرك؟!
ولذلك كانت كلمة" الله" كفيلة أن تلقى الجلال والتعظيم لله في قلب من سمعها ولربما اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بها وحدها دون غيرها في مقام التعريف به سبحانه طالما كان السائل فقيهاً كما في الحديث الذي أخرجه مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ شَىْءٍ فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِىءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ قَالَ «صَدَقَ». قَالَ فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ قَالَ «اللَّهُ». قَالَ فَمَنْ خَلَقَ الأَرْضَ قَالَ «اللَّهُ». قَالَ فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ. قَالَ «اللَّهُ». قَالَ فَبِالَّذِى خَلَقَ السَّمَاءَ وَخَلَقَ الأَرْضَ وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ قَالَ «نَعَمْ». قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِى يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا. قَالَ «صَدَقَ». قَالَ فَبِالَّذِى أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمْرَكَ بِهَذَا قَالَ «نَعَمْ». قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا زَكَاةً فِى أَمْوَالِنَا. قَالَ «صَدَقَ». قَالَ فَبِالَّذِى أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمْرَكَ بِهَذَا قَالَ «نَعَمْ». قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِى سَنَتِنَا. قَالَ «صَدَقَ». قَالَ فَبِالَّذِى أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ «نَعَمْ». قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً. قَالَ «صَدَقَ». قَالَ ثُمَّ وَلَّى. قَالَ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُنَّ. فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- «لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ» [7].
ولهذا يرى ابن القيم والطحاوي وغيرهما أن اسم "الله" هو الاسم الأعظم الذي إذا دعى به أجاب وإذا سئل به أعطى، ولذا تكرر ذكر هذا الاسم الجميل الجليل في القرآن الكريم ما يقرب من آلف مرة وليس هناك من الأسماء الحسنى ما تكرر هذا العدد، لهذا وإن ذكرنا الحديث ففيه من ذكر هذا الاسم ما لا يحصى من العدد.
أيها الإخوة! تعالوا نعترف فعلًا، جهرة لا سرًّا وعلانية لا خفية بأننا إلى اللحظة ما قدرنا الله تعالى حق قدره، والسؤال: أين الطريق الى ذلك؟ والجواب: من هنا الطريق إلى كتاب الله -عز وجل- فلم ولن يعرف بالله خير من كتابه الذى تكلم به وأرسله يعرفنا به وأعنى به الكتاب المسطور القرآن الكريم وكذلك بالتأمل فى خلق الله فى الكون والمخلوقات التى جاء ذكرما في القرآن والحديث وهذا هو الكتاب المنظور، فأما القرآن الكريم فإنه كله توحيد وحديث عن الله -عز وجل- بأفصح بيان وأعذب كلام.
وتأمل أخي الحبيب هل ترى في القرآن كله إلا حديثًا عن الله تعالى والإيمان به فالقرآن كله يتحدث عن توحيد الله -عز وجل- يقول ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين: "فالقرآن كله من أوله إلى آخره في تقرير أنواع التوحيد؛ لأن القرآن كله إما خبر عن الله وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وأقواله، فهذا هو التوحيد العلمي الخبري الاعتقادي: "توحيد الربوبية والأسماء والصفات"، وإما دعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له وخلع ما يُعبد من دونه، وهذا هو التوحيد الإرادي الطلبي –"توحيد الألوهية"-.
وإما أمر ونهي وإلزام بطاعة الله، وذلك من حقوق التوحيد ومكملاته، وإما خبر عن إكرام أهل التوحيد وما فعل بهم في الدنيا من النصر والتأييد، وما يكرمهم به في الآخرة، وهو جزاء توحيده سبحانه، وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في الآخرة من العذاب فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد، فالقرآن كله في التوحيد، وحقوقه، وجزائه، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم[8].
ثانيًا: ومن أراد أن يلقى تعظيم الله في قلبه ونفسه ويحس فعلاً جلال الله فليتأمل خلق السموات والأرض والملائكة بل ليتأمل في الأحاديث والآيات التي تحدثت عن العرش والكرسي والملائكة وعظم السموات وعظم الأرض فإنه يكاد يطيش عقله لهذه المخلوقات.
ولنمر مروراً سريعاً نتعرف خلاله إلى بعض هذه المخلوقات عسى ذلك يجعلنا نقدر خالقها -جل وعلا- حق قدره ونجله حق إجلاله.
أولاً: عظمة خلق العرش والكرسي -أيها الإخوة- العرش مخلوق من مخلوقات الله -تبارك وتعالى- فوق سماواته عظيم في خلقه ولم لا وهو سرير ملكه -عز وجل-؟ فقد علم العالمون أن الله فوق العرش كما قال، محيط بالعرش، متخلص من خلقه بائن منهم، علمه في خلقه لا يخرجون من علمه. وقد أخبرنا الله -عز وجل- أن العرش كان قبل أن يخلق السموات والأرض على الماء، وأخبرنا أنه صار من الأرض إلى السماء ومن السماء إلى العرش فاستوى على العرش، فقال -عز وجل-: "وكان عرشه على الماء"وقال: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ ﴾ [الحديد: 4].
وقال -عز وجل-: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، فالله تعالى استوى على العرش يرى كل شيء في السموات والأرضين، ويعلم ويسمع كل ذلك بعينه، وهو فوق العرش، لا الحجب التي احتجب بها من خلقه تحجبه من أن يرى ويسمع ما في الأرض السفلى، ولكنه خلق الحجب وخلق العرش، كما خلق الخلق لما شاء وكيف شاء، وما يحمله إلا عظمته، فقال: ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [السجدة: 5] [9].
قال الإمام أبو الحسن الأشعري في كتابه الإبانة: "ورأينا المسلمين جميعاً يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء، لأن الله -عز وجل- مستو على العرش الذي هو فوق السموات، فلولا أن الله -عز وجل- على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش كما لا يحطونها إذا دعوا إلى الأرض. [10].
وأما عن عظم خلق العرش فقد روى ابن جرير في تفسيره عن الربيع: قال: لما نزلت: ﴿ وسع كرسيه السموات والأرض ﴾ قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله هذا الكرسي وسع السموات والأرض، فكيف العرش؟ فأنزل الله تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسموات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67]. [11].
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول: "اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين وأغنني من الفقر"[12]والحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فتأمل قوله: "ورب العرش العظيم"إن العرش عظيم على ربه كريم على خالقه.
ولذا ورد عن ابن عباس أنه قال: "وأما العرش فإنه لا يقدر قدره".
وقال الله تعالى"رفيع الدرجات ذو العرش"[غافر] فذكره على سبيل الفخر والاعتزاز.
وقال تعالى جاهه وعظم سلطانه: "وهو الغفور الرحيم الودود ذو العرش المجيد"[البروج] فعظمه ومجده.
وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله العليم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم".[13].
وأما عن الكرسي فيكفي قوله تعالى: ﴿ وسع كرسيه السموات والأرض ﴾، فانظر كم عظمة الكرسى والعرش وإنما هما مخلوقان له -عز وجل- فما بالنا بعظمة الخالق سبحانه.
ثانياً: عظم خلق السموات والأرض وما بينهما:
عن ابن مسعود، قال: "بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء وسماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم"[14] فانظر كم حجم السموات وماهى إلى عظمته بشيئ جل فى علاه.
عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: "ما السموات والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم". [15].
وقال ابن جرير: حدثني يونس أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: حدثني أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما السموات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس". قال: وقال أبو ذر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض". [16].
ثالثاً: عظم خلق الملائكة:
كيف بنا إذا انتقلنا إلى الملائكة وذواتهم وكيفيتها وأن بعضهم يمكنه أن يلتقم الدنيا في لقمة قال تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ﴾ [فاطر: 1] قال الحافظ ابن كثير: أي: منهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة ومنهم من له أربعة، ومنهم من له أكثر من ذلك، كما جاء في الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبريل ليلة الإسراء وله ستمائة جناح، بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب[17]؛ ولهذا قال: ﴿ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾. قال السدي: يزيد في الأجنحة وخلقهم ما يشاء.[18].
وفي حديث الصور المشهور الذي ساقه غير واحد من أصحاب المسانيد وغيرهم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه: "إن الناس إذا اهتموا لموقفهم في العرصات تشفعوا إلى ربهم بالأنبياء واحدًا واحدًا من آدم فمن بعده فكلهم يحيد عنهم حتى ينتهوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فإذا جاءوا إليه قال: أنا لها أنا لها، فيذهب فيسجد لله تعالى تحت العرش ويشفع عند الله في أن يأتي لفصل القضاء بين العباد فيشفعه الله ويأتي في ظلل من الغمام بعدما تنشق السماء الدنيا وينزل من فيها من الملائكة ثم الثانية ثم الثالثة إلى السابعة وينزل حملة العرش والكروبيون، قال: وينزل الجبار -عز وجل- في ظلل من الغمام ولهم زجل من تسبيحهم يقولون: سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان ذي العزة والجبروت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت، سبوح قدوس رب الملائكة والروح، سبوح قدوس، سبحان ربنا الأعلى، سبحان ذي السلطة والعظمة، سبحانه سبحانه أبداً أبدا. [19].
إنهم يقدرون الله حق قدره ويعرفون عظمته حق معرفتها ولذا أقبلوا على عبادته لايفترون عنها طرفة عين فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال خلق الله الملائكة لعبادته أصنافاً فإن منهم لملائكة قياماً صافين من يوم خلقهم إلى يوم القيامة، وملائكة ركوعاً خشوعاً من يوم خلقهم إلى يوم القيامة، وملائكة سجوداً من يوم خلقهم إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة وتجلى لهم تعالى ونظروا إلى وجهه الكريم قالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك. [20].
روى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق أمية بن الصلت في شيء من شعره فقال:
رجل وثور تحت رجل يمينه ♦♦♦ والنسر للأخرى وليث مرصد
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق فقال:
والشمس تطلع كل آخر ليلة
حمراء يصبح لونها يتورد 
تأبى فما تطلع لنا في رسلها
إلا معذبة وإلا تجلد 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق، وهذا إسناده جيد. [21].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|