وهذا الفضيل بن عياض ظل يربي ولده عليا ولكن علي معرض عنه فماذا فعل الفضيل هل ضربه، أو طرده من البيت وظل يمن عليه بأنه ينفق عليه وهكذا؟؟.. لا لم يفعل شيئا من ذلك بل ظل يدعو له لمدة ثلاث سنوات وكان يدعو في صلاته ويقول اللهم إني اجتهدت أن أؤدب عليا فلم أستطع فأدبه أنت لي فتحول عليا بفضل الله إلي غاية في الزهد والعبادة بل فاق والده في الطاعة.
مما أثر عن عبد الله بن المبارك أنه قال: كان الفضيل بن عياض أفضل الناس في الزهد والعبادة وأفضل منه علي بن الفضيل.. وكان بسبب تربية الفضيل له ومات علي هو ساجد في الصلاة سنة 184 هجرية فقال والده رحم الله حبيبي من كان يعينني علي الزهد والعبادة.
خامسا: الرفق واللين:
بالقسوة والتخويف نربي شخصا ضعيفا، يقول ابن خلدون في المقدمة " من كان مرباه بالعسف والقهر سطا به الظلم وحمل على الكذب والخبث خوفا من أبساط الأيدي عليه بالقهر وعلمه المكر والخديعة وفسدت فيه معاني الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله وصار عيالا على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل) انتهي.
فعندما يتعرض الطفل للعدوان من قبل مصدر أمنه، فالأب والأم يشكلان من حيث الجوهر حماة الطفل ومصدر استقراره وأمنه وملاذه الوجودي، وعندما يتعرض الطفل للعدوان والاعتداء والتسلط من جهات خارجية فإن الأثر الممكن قد يكون ضئيلا جدا بالمقارنة مع التسلط الذي قد يتعرض له من قبل أبويه مصدر أمنه.
فعندما يتعرض الطفل للعنف من قبل الأبوين أو أحدهما، فهذا يعني أن الطفل قد خسر آخر معاقله الوجودية، وهذا يعني أن آثار القمع والتسلط الداخلي الذي يصدر عن الأبوين قد يشكل مقتلا نفسيا للطفل، ويؤدي إلى تدميره أخلاقيا وذهنيا في مراحل لاحقة من حياته.
ولقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم القاسي على أهله روى الطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " شر الناس الضيق على أهله. فقالوا يا رسول الله (الصحابة) وكيف يكون ضيقا على أهله فقال " الرجل إذا دخل بيته خشعت امرأته وهرب ولده وفر عبده فإذا خرج ضحكت امرأته واستأنس أهل بيته ".
وذم النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأقرع بن حابس وهو ينكر علي النبي صلى الله عليه وسلم تقبيله للحسن والحسين فقال أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة (من لا يرحم لا يرحم ).
و قال عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ؛ قَالَ: غَضِبَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى ابْنِهِ، فَهَجَرَهُ، فَقَالَ لَهُ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ رَحِمَهُ اللهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَوْلَادُنَا ثِمَارُ قُلُوبِنَا وَعِمَادُ ظُهُورِنَا، وَنَحْنُ لَهُمْ سَمَاءٌ ظَلِيلَةٌ وَأَرْضٌ ذَلِيلَةٌ، إِنْ غَضِبُوا؛ فَأَرْضِهِمْ، وَإِنْ سَأَلُوا؛ فَأَعْطِهِمْ، وَلَا تَكُنْ عَلَيْهِمْ قُفْلًا؛ فَيَمَلُّوا حَيَاتَكَ وَيَتَمَنُّوا مَوْتَكَ.
وورد أن الحسن والحسين غابا عن أمهما ساعةً، فشغفت وحنت وخافت عليهما، وبدأ البحث عنهما، ثم وجدهما النبي صلى الله عليه وسلم، فما كان منه إلا أن احتضنهما قائلاً: "حبيباي.. حبيباي" فلم يعنف ولم يضرب، بل أظهر الود والحنان كعادته صلى الله عليه وسلم، وصدق الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].
وكان عبد الله ابن عمر يربي ابنه سالم علي الحب وكلما قابله يقبله ويعانقه فكان سالم أحد الفقهاء السبعة في المدينة بتربية عبد الله ابن عمر.
ومن الأساليب الناجحة في كثير من المواطن وليس كلها الاستجابة لميول الطفل وترضيته حتى يرضي، وذلك كلما كان أقرب إلي الصغر لابد من ترضيته وتنفيذ مطالبه، وعندما يلتزم الآباء بهذه القاعدة التربوية العظيمة، فإن رباط الحب سيقوى بينهم وبين أبنائهم.
وهذا ما يؤكده رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى ابن عساكر عن وائلة بن الأسقع رضي الله عنه كما في الجامع الكبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلي عثمان بن مظعون ومعه صبي صغير له يلثمه، فقال له: ابنك هذا؟ قال: نعم، قال تحبه ياعثمان؟ قال: أي والله يا رسول الله إني أحبه، قال: أفلا أزيدك حبا له؟ قال: بلي فداك أبي وأمي، قال: "إنه من ترضي صبيا صغيرا من نسله حتى يرضي، ترضاه الله يوم القيامة حتى يرضي ".
وإيمانا من المربى بأهمية ترضية الصغير حتى يرضي، وانطلاقا من فرط حبه لابنه، فإنه قد ينسى نفسه أحيانا ويدلل ابنه دلالا يفقده شخصيته ويحوله إلي شخص لا يمكننا الاعتماد عليه.
والتدليل يعني: - تلبية كافة طلبات الابن مهما كانت صعوبتها في أي وقت كان، الأمر الذي يجعل الطفل يشعر بأنه شخص مجاب الطلبات والأوامر، لذلك فإن الإفراط في التدليل يعني:
1 - إضعاف جانب تحمل المسئولية في الابن لأن جميع طلباته مجابة.
2 - تحكم الابن في أبويه وخضوعهما له.
3 - تمكن مشاعر "التكبر " و"الغرور " لدي الابن، وتكراره لعبارة: "أبي لا يرفض لي طلبا "، "أمي لا تقول لي "لا" أبدا".
4 - تمرد الابن علي سلطة والديه وعدم احترامه لوالديه أو تنفيذه لأوامرهما.
5 - تحول الابن المدلل إلي شخص غير قادر علي التكيف الاجتماعي، لأنه دائما يتوقع من أصحابه وأقرانه أن يستجيبوا لغروره وطلباته. فإياك إياك والتدليل ولا تنس قول الشاعر:
فقسا ليزدجروا ومن يك حازما ♦♦♦ فليقسوا أحيانا علي من يرحم.
سادسا: إتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم في التأديب.
ولقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم منهجا في تربية الولد وتأديبه لا ننتقل إلي خطوة إلا إذا أخذنا بالخطوة السابقة حتي تؤتي التربية ثمارها وهذه الخطوات كما يلي:
1 - معالجة الخطأ بالتوجيه المباشر: روي البخاري ومسلم عن عمر بن أبي سلمة يقول : كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك فما زالت تلك طعمتي بعد ).
2 - معالجة الخطأ بالإشارة: عن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهم، قال: "أردف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الفضل بن عباس، رضي الله عنهم، يوم النحر خلفه على عَجُزِ راحلته، وكان الفضل رجلاً وضيئاً، فوقف النبي، صلى الله عليه وسلم، للناس يُفتيهم، وأقبلت امرأة من خثعم (وضيئة) تستفتي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنه، فالتفت النبي، صلى الله عليه وسلم، والفضل ينظر إليه، فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل، فعدل وجهه عن النظر إليها، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، فهل يقضي عنه أن أحج عنه؟ قال: نعم) رواه البخاري ومسلم.
3 - معالجة الخطأ بالعتاب: روي الطبراني عن عبد الله بن يسر المازني رضي الله عنه قال: "بعثتني أمي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بقِطْف من عنب، فأكلت منه قبل أن أبلغه إياه، فلما جئتُ أخذ بأذني وقال: يا غُدر. (أي يا غادر).
4 - معالجة الخطأ بالتعريض:روي البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلي السماء في صلاتهم) فاشتد قوله في ذلك حتي قال: (لينتهين عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم).
5 - معالجة الخطأ بالتوبيخ:روي البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه قال: ساببت رجلا فعيرته بأمه (قال يا ابن السوداء)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، ويلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم من العمل ما لا يطيقون، وإن كلفتموهم فأعينوهم ).
6 - معالجة الخطأ بالزجر:عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كخ.. كخ.. ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة" أخرجه البخاري ومسلم.
7 - معالجة الخطأ بالقدوة العملية:عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بغلام يسلخ شاةً ما يحسن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "تنح حتى أريك فأدخل يده بين الجلد والعظم.. فدحس بها حتى توارت إلى الإبط، ثم مضى فصلى للناس ولم يتوضأ " أخرجه أبو داوود، فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه أولاً ولم يعنفه.
8 - معالجة الخطأ بالمحاولة والتكرار:روي أبو داود والترمذي عن كلدة ابن الحنبل رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه، ولم أسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ارجع فقل السلام عليكم أأدخل ).
9 - معالجة الخطأ بالتخويف:ولا بأس بإظهار السوط ونحوه هيبةً وزجرًا، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم "أمر بتعليق السوط في البيت" وذلك حتى يراه أهل البيت فإنه أدب لهم.
10 - معالجة الخطأ بشد الأذن:وهذه أول عقوبة جسدية للطفل، إذ بهذه المرحلة يتعرف علي ألم المخالفة وعذاب الفعل الشنيع الذي ارتكبه واستحق عليه شد أذنه فقد قال الإمام النووي في كتابه الأذكار: عن عبد الله بن يسر المازني رضي الله عنه قال: "بعثتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقِطْف من عنب، فأكلت منه قبل أن أبلغه إياه، فلما جئتُ أخذ بأذني وقال: يا غُدر. (أي يا غادر).
11 - معالجة الخطأ بالضرب:روي أبو داود والحاكم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ).
والضرب ليس عليه إطلاقه للأب ولكن له شروط وضوابط، ولقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم شروطا للضرب وهي:
1 - أن يكون ابتداء الضرب في سن العاشرة.
2 - أقصى الضربات عشر.
وإن أقصى عدد الضربات لا يتجاوز في أي حال من الأحوال في العملية التربوية العشر ضربات؛ وذلك لما أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله ".
3 - لا يضرب الوجه أوالرأس أو الفرج.
4 - أن يكون مفرقًا معتدلاً بحيث لا يحدث عاهةً ولا يكسر، وقد كان عمر رضي الله تعالى عنه يقول للضارب: "لا ترفع إبطك" أي لا تضرب بكل قوة يدك، والفقهاء متفقون على أن الضرب لاينبغي أن يكون مبرحًا أي موجعا.
5 - يحذر الغضب الذي يخرجه عن حد الاعتدال.
6 - يتجنب السب والشتم البذيء.
7 - إذا ذكر الطفل ربه، يرفع يده عنه، لما رواه الترمذي عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ضرب أحدكم خادمه فذكر الله فارفعوا أيديكم" أخرجه الترمذي، وكذلك الأمر بالنسبة للصبي.
8 - لا يصح التحريق بالنار لورود النهي عنه.
سابعا: العدل بين الأولاد:
لا يميز بين الأبناء ولا يفضل الذكور علي الإناث فهذا يؤدي إلي إحداث جو من الشحناء والبغضاء داخل البيت لذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالعدل بين الأولاد في الأمور المادية والمعنوية، وكذلك لا يجوز تمييز أحدهم في العطاء والوصية ولا يجوز حرمان أحد من حقه في الميراث فهذا حق فرضه الله تعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قطع ميراثا فرضه الله ورسوله قطع الله به ميراثا من الجنة "رواه البيهقي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله سبعين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فتجب لهما النار ثم قرأ أبو هريرة رضي الله عنه: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ ). قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب. وأخرجه أبو داود والبيهقي.
وقد أخرج أبو داود في سننه، عن النعمان بن بشير قال: أنحلي أبي نحلاً أو نُحلةً غلاماً له. عنده عبد أعطاه لولده، قال: فقالت له أمي عمرة بنت رواحة: ائتي رسول الله صلى الله عليه فأشهده، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال: إني نحلت ابني النعمان نُحلاً، وإن عمرة سألتني أن أشهدك على ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألك ولد سواه؟) قال: قلت: نعم، قال: (فكلهم أعطيت مثل ما أعطيت النعمان؟)، فقال: لا، فلما قال: لا، قال عليه الصلاة والسلام (فأرجعه). وفي رواية: (فرده)، وفي رواية: (فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم).
فرجع أبي في تلك الصدقة، وفي رواية: (فلا تشهدني إذن، فإني لا أشهد على جور). ظلم، وفي رواية: (فأشهد على هذا غيري). وفي لفظ لمسلم: ثم قال: "أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟" قال: بلى، قال: "فلا إذن".
وفي هذا تعليل واضح من النبي صلى الله عليه وسلم لوجوب العدل والمساواة بين الأولاد.
وعليه، فإن ما يقوم به بعض الآباء من التمييز بين الأبناء هو أمر منهي عنه شرعاً، وذلك لما له من آثار نفسية على الأبناء.
ثامنا: مصاحبته وفن صناعة الحوار:
صناعة الحوار وتعلم فن الإنصات: لابد أن يصنع الآباء حوارا هادفا بين أبنائهم ومن المهم أن يتعلم الآباء فن الإنصات واحترام عقول الصغار ولا يسفهوا من أفكارهم حتى لا يقيموا جدارا بينهم وبين أبنائهم حتى يكون الآباء هم المرجع الوحيد لأبنائهم عند حدوث أي مشكلة حتي لا يضطر الولد أو البنت اللجوء إلي الصديق أو الشارع.
ونحذر ما يسمي في البيوت بالخرس العائلي كل فرد مشغول بحالة ولا أحد يتكلم مع الآخر بسبب الوسائل الحديثة الأب مع التليفزيون، والأم مع الفيس بوك، والأولاد إما مع المحمول، وإما الأصحاب.
وإذا أردنا أن نتعلم فن الحوار فعلينا بالرجوع إلي السنة النبوية المطهرة: عن أبي أمامه قال: إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم.. فقال: يا رسول الله! ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه.. وقالوا مه مه! فقال: ادنه. فدنا منه قريبا. قال: فجلس. قال أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله! جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال أتحبه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال أتحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم! اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه. فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. صححه الألباني.. هل ختم الحوار مباشرة لا؟ بل وضع يده على صدر الشاب وقال اللهم اطهر قلبه وحصن فرجه واغفر ذنبه. إذا لم يعجبك كلامه ادعوا له و لا تنهره.... تخيل النبي صلى الله عليه وسلم وهو في موضع الأبوة لكل المسلمين يحدث معه هذا الأمر. يروى الإمام البخاري عن مسلمه بن سعد الساعدى أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس يوما إلى نفر من أصحابه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فأتي بإناء فيه لبن ليشرب فشرب ثم يريد أن يعطى الموجودين بعده، فمن السنة أن يعطى من عن يمينه والغلام عن يمينه ولكن يريد أن يعطى الأشياخ لسنهم فقال يا غلام ائذن لي أن أسقي الأشياخ قبلك فقال يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحدا. راوي الحديث يقول فسلمه النبي صلى الله عليه وسلم في يده.
قمة احترام الطفل وتعويده علي مجالسة الكبار، وإبداء رأيه فلم ينهره، ولم يقل له كما يفعل البعض مع الصغار عندما يأتي الضيوف ادخل عند النساء لأنه عيب يجلس مع الكبار، فيتربى الولد ضعيف الشخصية، فإذا لم يجلس الولد أو يمشي مع الكبير ليتعلم قمتي يحدث؟
فالصغير لن يتعلم إلا بالاحتكاك مع الكبير لأن علماء الاجتماع يقولون إن الطباع يسرق بعضها بعضا.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا علي مصاحبة الصغار لتعليمهم. فهيا نقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم عند خروجنا نأخذ معنا الصغار إلي المكان الذي يمكن أن نصطحبهم إليه لكي يتربوا تربية عملية.
أخبرنا الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف خلفه في حجة الوداع أسامة بن زيد من عرفات إلى مزدلفة وفي مزدلفة تبدلت الأدوار وركب خلفه الفضل بن العباس هذا يتعلم وهذا يتعلم.
ويرى الإمام مسلم عن عبد الله بن جعفر عليهما رضوان الله قال " أردفني النبي صلى الله عليه وسلم خلفه يوما فأسر إلى حديثا لا أحدث به أحدا من الناس ".
وكان الصحابة الكرام رضي الله عنهم حريصين كل الحرص علي أن يحضر أبنائهم مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ لا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مِثْلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ " فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " هِيَ النَّخْلَةُ "(متفق عليه).
قال فذكرت ذلك لعمر رضي الله عنه قال لأن تكون قلت هي النخلة أحب إلي من كذا وكذا.
وعلي هذا صار التابعين علي نهج سيد المرسلين كان سفيان بن عيينة مفتى مكة يجلس في مجلسه العلمي فدخل عليه في المجلس ولد صغير فنظر إليه الناس واستقلوا شأنه ففهم سيدنا سفيان نظرات الناس و معناها فقال " لو رأيتني ولى عشر سنين طولي خمسة أشبار ووجهي كالدينار وأنا كشعلة نار ثيابي صغار وأكمامي قصار وزيلي بمقدار ونعلي كآذان الفار وأختلف إلى علماء الأمصار كالزهري وعمر بن دينار أجلس بين أيديهم كالمسمار محبرتي كالجوزة ومقلمتي كالموزة وقلمي كاللوزة فإذا أتيت قالوا أوسعوا للشيخ الصغير.
تاسعا: تعويده علي تحمل المسئولية منذ صغره:
إذا أردت أن تنمي شخصية ابنك لابد أن تعوده وهو صغير على تحمل المسئولية، لما نتأمل حياة النبي صلى الله عليه وسلم، نجد أن إعداد الله له كان بتحمله المسئولية وهو في الصغر، مثلا لما بلغ النبى صلى الله عليه وسلم من العمر 6سنوات أخذته أمه لزيارة قبر أبيه في المدينة المنورة وكان معهما أم أيمن وهم عائدون توفيت أمه آمنه بنت وهب بمنطقة اسمها الأبواء، من الذي قام بالدفن! أم أيمن ويساعدها النبي صلى الله عليه وسلم ويتحمل مسئولية دفن أمه بيديه هذا ما نريد أن نتعلمه من حياة النبى صلى الله عليه وسلم.
حينما نتكلم عن تحمل المسئولية يلزم أن يأتي في ذهننا مسئولية الأسرار الولد لابد أن يعرف أن للبيت أسرار لا تخرج خارجه، هذا ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم.
يقول أنس ابن مالك رضي الله عنه خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما ضربي ولا سبني ولا انتهرني ولا عبس في وجهي وكان أول ما أوصاني بابني اكتم سري تك مؤمنا ".
يقول سيدنا أنس فكانت أمي وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألنني عن سر رسول الله فلا أخبرهم به وما أنا بمخبر بسر رسول الله أحدا أبدا ".
سيدنا أنس كان يحب التابعي الجليل ثابت البنانى فقال يا ثابت والله لو حدثت أحد بسر رسول الله صلى الله عليه لحدثتك به ".
مات سيدنا أنس وسنه 101 سنة يعنى حفظ سر رسول الله قرابة 80 سنة لم يتحدث فيه مع أحد لأن البداية كانت يا بني اكتم سرى تك مؤمنا.
وأعظم مسئولية نعلمها للأولاد: المسئولية تجاه الدين والأمة، وأشعره بحاجة الأمة إلي جهده وبذله منذ نعومة أظفاره، وهذا ما حدث مع الصحابي الجليل زيد بن ثابت رضي الله عنه: لما ذهب إلي النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر فقال له لا زلت صغيرا يا بني فذهب إلي أمه حزينا باكيا فقالت له أمه تستطيع أن تخدم الإسلام من طريق آخر أنت تكتب وتقرأ وتحفظ كثيرا من سور القرآن فذهبت به إلي النبي وقالت يا رسول الله إن زيد ولدي يقرأ ويكتب ويحفظ كثيرا من سور القرآن فاستعمله لخدمة الإسلام وكان عمره وقتها 11 سنة فاختبره النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ له من سورة (ق) فأعجب به النبي صلى الله عليه وسلم واكتشف أنه متميز في هذه المسألة اللغوية فبدأ يحدثه عن احتياجات الأمة قائلا: يا غلام تأتيني كتب من يهود لا آمن عليها أحدا فتعلم لي كتاب يهود يقول زيد فذهبت فتعلمت العبرية في خمسة عشر يوما فكنت أكتب بها للنبي صلى الله عليه وسلم وأترجم ما يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم من يهود وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر أرادوا جمع القران فلم يجدوا أفضل من زيد بن ثابت لهذه المهمة وعمره 23 سنة (يتولى جمع القران).
يقول زيد ابن ثابت لقد كلفني أبو بكر بمهمة هي أثقل من نقل الجبال وخوض البحار وقام بها على خير وجه.
العنصر الخامس: خطورة إهمال التربية:
إذا أردت أن تعرف ثقافة أي شعب فانظر إلى سلوكيات فئة الأطفال فيه؛ لأنهم المرتكز الأول في تنمية الشعوب، لذلك يُعد إهمال التربية من الأمور التي من الممكن أن تهوي بجيل المستقبل، والتي نتلقى نتائجه المدمرة على المدى البعيد، كما أن ذلك قد يؤدي إلى "تشتت" و"ضياع" الأبناء الذين هم أساس أي مجتمع، من خلال مرافقتهم لأصدقاء السوء، أو التأثر بما يشاهدونه عبر "التلفاز" والقنوات الأجنبية.
قال الإمام ابن القيم: وصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 31].
ثم يقول: "فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارا كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: يا أبت إنك عققتني صغيرا فعققتك كبيرا وأضعتني وليدا فأضعتك شيخا".
ولهذا الإهمال نتائج خطيرة منها: إتاحة الفرصة لرفقاء السوء أن يصطادوا الأبناء المٌهمَلين من قبل آبائهم.
ومنها سرعة انجذاب الأولاد لداعي الفساد ومنها شيوخ الجريمة في المجتمع، مما يترتب عليه إخراج جيل ممسوخ الهوية شاذ السلوك لا يستطيع أن يدافع عن دين أو عرض أو أرض وهذا ما ينشده أعداء الإسلام، ومن أجل ذلك كانت توجيهات الإسلام حاسمة وصريحة في هذا الميدان قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) متفق عليه.
أسأل الله العظيم أن يصلح لنا ولكم الذرية، وأن يحفظ أولادنا من كل مكروه وسوء، وأن يجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
انتهت بفضل الله وتوفيقه.