
14-09-2020, 03:22 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,385
الدولة :
|
|
علو الهمة
علو الهمة
أحمد أحمد سلطان
العناصر
العنصر الأول تمهيد للموضوع العنصر الثاني الأدلة من القرآن والسنة على علو الهمة العنصر الثالث همة السلف في طلب العلم العنصر الرابع قصة واقعية مؤثرة ومعبرة العنصر الخامس علو همة الصحابة العنصر السادس أسباب انحطاط الهمم والارتقاء بها
العنصر الأول
تمهيد للموضوع
أيها الأحباب:
إن عالي الهمة يجود بالنفس والنفيس في سبيل تحصيل غايته، وتحقيق بغيته، لأنه يعلم أن المكارم منوطة بالمكاره، وأن المصالح والخيرات، و اللذات و الكمالات كلها لا تنال إلا بحظ من المشقة، ولا يُعبر إليها إلا على جسر من التعب:
بَصُرتُ بالراحة الكبرى فلم أرها
تُنال إلا على جسر من التعب 
فقل لِمُرَجِّي معالي الأمور
بغير اجتهاد: رجوتَ المحالا 
أحزان قلبي لا تزول
حتى أبشر بالقبول 
وأرى كتابي باليمين
وتُسَرَّ عيني بالرسول 
فعالي الهمة يُرى منطلقاً بثقة وقوة وإقدام نحو غايته التي حددها على بصيرة وعلم، فيقتحم الأهوال، ويستهين الصعاب..
ذريني أنل ما لا يُنال من العُلا
فصعب العلا في الصعب والسهل في السهل 
تريدين إدراك المعالي رخيصة
ولا بُدَّ دون الشَّهْدِ من إبر النحْلِ 
من أراد الجنة سلعةَ الله الغالية لم يلتفت إلى لوم لائم، ولا عذل عاذل، ومضى يكدح في السعي لها.
قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴾ [الإسراء: 19].
وقال صلى الله عليه وسلم: "من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة".
وعالي الهمة يعرف قدر نفسه، في غير كبر، و لا عجب، ولا غرور، وإذا عرف المرء قدر نفسه، صانها عن الرذائل، وحفظها من أن تهان، ونزهها عن دنايا الأمور، و سفاسفها في السر والعلن، وجنبها مواطن الذل بأن يحملها ما لا تطيق أو يضعها فيما لا يليق بقدرها، فتبقى نفسه في حصن حصين، وعز منيع لا تعطى الدنية، و لا ترضى بالنقص، ولا تقنع بالدون..
العنصر الثاني
الحث على علو الهمة في القرآن والسنة
والمتأمل في نصوص القرآن والسنة يري أنها قد حثت المؤمنين على ارتياد معالي الأمور، والتسابق في الخيرات، وتحذيرهم من سقوط الهمة، وتنوعت أساليب القرآن في ذلك..
فمنها: ذم ساقطي الهمة وتصويرهم في أبشع صورة:
﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ ﴾[الأعراف: 175، 176].
ومنها: ثناؤه سبحانه على أصحاب الهمم العالية وفي طليعتهم الأنبياء والمرسلون وفي مقدمتهم أولو العزم من الرسل وعلى رأسهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.. ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الأحقاف: 35].
ومنها: أنه عبر سبحانه عن أوليائه الذين كبرت همتهم بوصف الرجال في مواطن البأس والجلد والعزيمة والثبات على الطاعة، والقوة في دين الله ﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة: 108].
﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ﴾ [النور: 37].
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23].
ومنها: أنه سبحانه أمر المؤمنين بالهمة العالية، والتنافس في الخيرات..
﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة: 148].
أما السنة الشريفة فمليئة بالكثير من الصور..
قال صلى الله عليه وسلم: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها، فليغرسها).
وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (إن الله تعالى يحب معالي الأمور، ويكره سفاسفها).
وقال صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه: (إذا سأل أحدكم فليكثر، فإنما يسأل ربه عز وجل).
وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس..فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة).
العنصر الثالث
همة السلف في طلب العلم
قال الخطيب البغدادي: (سمعت علي بن عبيد الله بن عبد الغفار اللغوي، يحكي: أن محمد بن جرير الطبري - المتوفي سنة 310 ه - - مكث أربعين سنة، يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة).أي: أنه - رحمه الله - كتب ما يقارب 584000) ورقة خلال هذه السنين!! فأي همة هذه التي وصلت بهذا العالم الجليل إلى هذه المنزلة العالية!!!!
• الإمام أبو الفرج ابن الجوزي يقول عن نفسه: (كتبت بأصبعي هاتين ألفي مجلدة، وتاب على يديَّ مائة ألف، وأسلم على يديَّ عشرون ألف يهودي ونصراني).ويقول: (ولو قلت إني قد طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر وأنا بعد في الطلب).فإذا كان قدر ما قرأ وهو في الطلب (عشرين ألف) مجلدة، واحتسبنا أن صفحات المجلد الواحد في المتوسط (300) صفحة، كان مقدار ما قرأ (6000000) ستة ملايين صفحة!! وإذا كان ما كتب بأصبعيه (ألفي) مجلدة، كان مقدار ما كتب (600000) ستمائة ألف صفحة!!هذا ما قرأ ونسخ، فما هو مقدار ما كتب وصنف؟!!
• ويحدث الإمام ابن عقيل عن همته وهو في عشر الثمانين من عمره، فيقول: (إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي وأنا مستطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين أشدَّ مما كنت أجده وأنا ابن عشرين).
• كان عثمان الباقلاوي دائم الذكر لله تعالى، فقال: (إني وقت الإفطار أحس بروحي كأنها تخرج! لأجل اشتغالي بالأكل عن الذكر).
• وقال عُبيد بن يعيش: (أقمت ثلاثين سنة ما أكلت بيدي بالليل، كانت أختي تُلقِّمُني وأنا أكتب الحديث).
• قال أبو زرعة: (كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألفِ حديث (أي: مليونا)، فقيل له: ما يدريك؟ قال: ذاكَرتُه وأخذت عليه الأبواب).
• قال أبو زرعة الرازي: (أحفظ مائتي ألف حديث، كما يحفظ الإنسان: (قل هو الله أحد) وفي المذاكرة ثلاثمائة حديث).
• قال المبرد: (ما رأيت أحرص على العلم من ثلاثة: الجاحظ، والفتح بن خاقان، وإسماعيل بن إسحاق القاضي:
أما الجاحظ: فإنه كان إذا وقع في يده كتاب، قرأه من أوله إلى أخره، أي كتاب كان..
وأما الفتح: فكان يحمل الكتاب في خفه، فإذا قام من بين يدي المتوكل ليبول أو ليصلي، أخرج الكتاب فنظر فيه وهو يمشي، حتى يبلغ الموضع الذي يريد، ثم يصنع مثل ذلك في رجوعه إلى أن يأخذ مجلسه..
وأما إسماعيل بن إسحاق: فإني ما دخلت عليه قط إلا وفي يده كتاب ينظر فيه، أو يقلب الكتب لطلب كتاب ينظر فيه، أو ينفض الكتب).
• ومن المعاصرين قال الشيخ راغب الطباخ رحمه الله: (كان علامة حلب الشيخ أحمد الحجار رحمه الله يحب اقتناء الكتب، حتى سمعنا أنه رأى كتاباً يباع، ولم يكن معه دراهم، وكان عليه ثياب، فنزع بعضها وباعه، واشترى الكتاب في الحال)..
• قال رُفيع بن مهران البصري: (كنا نسمع الرواية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالبصرة، فما نرضى حتى نركب إلى المدينة فنسمعها من أفواههم).
• وهذا يحيى بن معين رحمه الله خلَّف له أبوه ألف ألف درهم، فأنفقها كلها على تحصيل الحديث حتى لم يبق له نعل يلبسه).
• وقد قال ابن القاسم: (أفضى بمالك - أي الإمام مالك - طلب الحديث إلى أن نقض سقف بيته فباع خشبه).
• عن فرقد أنهم دخلوا على سفيان في مرض موته، فحدثه رجل بحديث فأعجبه، وضرب سفيان يده إلى تحت فراشه فأخرج ألواحاً فكتبه، فقالوا له: على هذه الحال منك؟!!! فقال: إنه حسن، إن بقيت فقد سمعت حسنا، وإن مت فقد كتبت حسنا.
• قال القاضي إبراهيم الجراح تلميذ الإمام أبو يوسف الذي كان يقال له قاضي قضاة الدنيا: مرض أبو يوسف - أي مرض الموت - فأتيته أعوده، فوجدته مغمىً عليه، فلما أفاق قال لي: يا إبراهيم، ما تقول في مسألة؟ قلت: في مثل هذه الحالة؟!! قال: ولا بأس بذلك، ندرس لعله ينجو به ناج، ثم قال: يا إبراهيم، أيهما أفضل في رمي الجمار - أي في مناسك الحج - أن يرميها ماشياً أو راكباً؟ قلت: راكباً، قال: أخطأت، قلت: ماشياً، قال: أخطأت، قلت: قل فيها يرضى الله عنك، قال: أما ما كان يوقف عنده للدعاء فالأفضل أن يرميه ماشياً، وأما ما كان لا يوقف عنده فالأفضل أن يرميه راكباً.ثم قمت من عنده، فما بلغت باب داره حتى سمعت الصراخ عليه، وإذا هو قد مات رحمه الله.
• قال عبد الرحمن بن مهدي:لو قيل لحماد بن سلمة: إنك تموت غداً، ما قدر أن يزيد في العمل - أي الصالح - شيئا.
• وعن وكيع قال: كان الأعمش قريباً من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى، واختلفت إليه أكثر من ستين سنة فما رأيته يقضي ركعة.
• كان الربيع بن خثيم يُقاد إلى الصلاة وبه الفالج - الشلل - فقيل له: قد رُخِّص لك.. قال: إني أسمع حي على الصلاة، فإن استطعتم أن تأتوها ولو حبواً.
• قال بكر بن حمدان المروزي: سمعت ابن خراش يقول: شربت بولي في طلب هذا الشأن - يعني طلب الحديث - خمس مرات.
• وعن عبد الرحمن ابن تيمية قال عن أبيه: كان (الجدُّ) إذا دخل الخلاء يقول لي: اقرأ في هذا الكتاب، وارفع صوتك حتى أسمع..أي لا يريد ان يضيع وقته حتى وهو في الخلاء رحمه الله.
• قيل للشافعي: كيف شهوتك للعلم؟ قال: أسمع بالحرف - أي بالكلمة - مما لم أسمعه، فتودُّ أعضائي أن لها أسماعاً تتنعم به ما تنعمت به الأذنان.
• قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: كنت يتيماً في حجر أمي، فدفعتني إلى الكُتَّاب، ولم يكن عندها ما تعطي المعلم، وكان المعلم قد رضي مني أن أَخلُفه إذا قام، فلما جمعت القرآن دخلت المسجد، فكنت أجالس العلماء، وكنت أسمع الحديث فأحفظها، فلم يكن عند أمي ما تعطيني أشتري به القراطيس، فكنت أنظر إلى العظم فآخذه فأكتب فيه، فإذا امتلأ طرحته في جرة، فاجتمع عندي حُبَّان.
• وكان الإمام البخاري ذكياً جداً فقد حفظ سبعين ألف حديثاً وهو صغير، يقول محمد بن حاتم: كنت أختلف أنا والبخاري - وهو غلام - إلى الكُتَّاب، فيسمع ولا يكتب، حتى أتى على ذلك أيام، فكنا نقول له يكتب مثلنا، فلما بلغ ما كتبناه خمسة عشر ألف حديث طلب منا أن نسمعها منه، وقرأها عن ظهر قلب، حتى جعلنا نحمك كتبنا على حفظه.
• رحل يحيى بن يحيى إلى الإمام مالك وهو صغير، وسمع منه وتفقه، وكان مالك يعجبه سمته وعقله، وروي أنه كان يوماً عند مالك في جملة أصحابه، إذ قال قائل: قد حضر الفيل، فخرج أصحاب مالك لينظروا إليه غيره - أي: وبقي يحيى مكانه - فقال له مالك: لم تخرج فترى الفيل، لأنه لا يكون بالأندلس، فقال له يحيى: إنما جئت من بلدي لأنظر إليك واتعلم من هديك وعلمك، ولم أجيىء لأنظر إلى الفيل، فأعجب به مالك وسماه) عاقل أهل الأندلس.
• لما فرَّ عبد الرحمن الداخل من العباسيين، وتوجه تلقاء الأندلس، أهديت إليه جارية جميلة، فنظر إليها، وقال: إن هذه من القلب والعين بمكان، وإن أنا اشتغلت عنها بهمتي فيما أطلبه ظلمتها، وإن اشتغلت بها عما أطلبه ظلمت همتي، ولا حاجة لي بها الآن.. وردَّها على صاحبها.
• قيل للإمام الشعبي: من أين لك هذا العلم كله؟ قال: بنفي الاعتماد، والسير في البلاد، وصبر كصبر الحمار، وبكور كبكور الغراب.
• وحكي عن الإمام ثعلب أنه كان لا يفارقه كتاب يدرسه، فإذا دعاه رجل إلى دعوة شرط عليه أن يوسع له مقدار مِسورة - وهي المتكأ من الجلد - يضع فيه كتاباً ويقرأ.وكان سبب وفاته أنه خرج من الجامع يوم الجمعة بعد العصر وكان قد لحقه صمم، لا يسمع إلا بعد تعب، وكان في يده كتاب ينظر فيه في الطريق، فصدمته فرس فألقته في هُوَّة، فأُخرج منها وهو كالمختلط، فحُمل إلى منزله على تلك الحال وهو يتأوه من رأسه فمات ثاني يوم رحمه الله تعالى.
• رأى الإمام أحمد بعض عارفيه في إحدى رحلاته في طلب الحديث، فقال له معترضاً مستكثراً ما حفظ وما كتب وما روى: مرة إلى الكوفة، ومرة إلى البصرة!!! إلى متى؟!! فقال الإمام أحمد: مع المحبرة إلى المقبرة.
• عن فاطمة بنت عبد الملك زوج أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله قالت: ما رأيت أحداً أكثر صلاة ولا صياماً منه، ولا أحد أشد فرقاً من ربه منه، كان يصلي العشاء ثم يجلس يبكي حتى تغلبه عيناه ثم ينتبه، فلا يزال يبكي حتى تغلبه عيناه، ولقد كان يكون معي في الفراش فيذكر الشيء من أمر الآخرة فينتفض كما ينتفض العصفور من الماء، ويجلس يبكي فأطرح عليه اللحاف.
• كان الأسود بن يزيد يجتهد في العبادة، ويصوم في الحر حتى يخضر جسده ويصفر، فكان علقمة بن قيس يقول له: لم تعذب نفسك؟ فيقول: كرامتها أريد.
• قال أحمد بن إدريس القرافي: قام الشيخ تقي الدين أربعين سنة لا ينام الليل إلا أنه كان إذا صلى الصبح اضطجع على جنبه إلى حيث يضحى النهار.
العنصر الرابع
قصة واقعيه عن علو الهمه
كان زميلاً لي في الكلية العسكرية... كان الأول على زملائه في كل شيء في طاعته لله... في حسن خلقه... في دراسته... في تعامله... كان صاحب قيام ليل ومحافظة على صلاة الفجر وغيرها وحب للخير... وبعد أن تخّرج وفرح كما يفرح الطلبة بالتخرج وإذا به يُصاب بما نسميه (الأنفلونزا) وتطور معه المرض حتى أصاب العمود الفقري فأصيب بشلل تام ولم يعد يستطيع الحركة... حتى أن طبيبه المعالج قال لي أنه حسب مرئياته فلا أمل له في الشفاء... وإن احتمال رجوعه لما كان عليه ونجاح العلاج معه لا تتجاوز العشرة في المائة فقلت الحمد لله على كل حال وسألت الله له الشفاء وهو القادر على كل شئ... ثم زرته في المستشفى وهو مقعد يرقد على السرير الأبيض لمواساته وتذكيره بالله والدعاء له فإذا به هو الذي يذكّرني بالله!! وهو الذي يواسيني... وجدته قد امتلأ وجهه نوراً... واشرق بالإيمان نحسبه والله حسيبه...
قلت له: الحمد لله على السلامة... وأسأل الله لك الشفاء العاجل طهور إن شاء الله...فأجابني بالشكر والدعاء ثم قال كلمته العجيبة في حالته المأساوية نعم إنها كلمة عجيبة!! لم يشتكي! ولم يتبرم!! ولم يقل أرأيت ماذا حل بي يا أخ خالد!! إنما قال تلك الكلمة التي دوّت في أذني وأثرّت في قلبي وما زلت احفظها حتى الآن... قالها وهو يبتسم... قال حفظه الله: يا أخي لعل الله علم منى تقصيري في حفظ القـرآن فلهذا أقعدني لأتفرغ لحفظه... وهذه نعمة من نعم الله!! سبحـان الله... مـا هذا الكلام؟! من أين هذه العبارات؟! كيف تتحول النقمة إلى نعمة؟!
إنه الإيمان يصنع المعجزات بعد فضل الله وتوفيقه...
وصدق الله في جزاء من صبر واسترجع عند المصيبة وقال إنا لله وإنا إليه راجعون إن له ثلاث جوائز... قال تعالى ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 157].
نعم إنها الرحمة من الله والثناء منه والهداية لصراطه المستقيم والثبات على شرعه القويم وفي صحيح مسلم من حديث صهيب مرفوعاً... (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذاك لأحد إلا لمؤمن إن أصابته سراء شكر وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) مختصر مسلم 2092.
ما أجمل تلك العبارات التي قالها... إنها والله تعدل عشرات الكلمات النظرية... لأن المواقف الإيمانية تربي وتعلّم الشيء الكثير... وفي كل خير...
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|