الموضوع: البدعة وخطرها
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 14-09-2020, 03:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,251
الدولة : Egypt
افتراضي البدعة وخطرها

البدعة وخطرها


أ. عبدالعزيز بن أحمد الغامدي




الخطبة الأولى

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ جعل اتباع نبيه برهان محبته؛ ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 31]، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، لا خير إلا ودلنا عليه، ولا شر إلا حذرنا منه، القائل: (( تركت فيكم أمرين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي )) صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بسنته واتبع هديه إلى يوم الدين.



أما بعد: فإن الله تعالى أكمل لنا دينه الذي ارتضاه لنا، وقام بتبليغه المصطفى صلى الله عليه وسلم أتم بلاغ؛ بأوضح بيان، فما بقي على أمته إلا السير على خطى هديه والاتباع لمنهجه، روى البخاري ومسلم من حديث طارق بن شهاب قال: (قالت اليهود لعمر بن الخطاب إنكم تقرؤون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً قال: وأي آية؟ قالوا: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ﴾ [المائدة: 3]، قال: عمر: والله إني لأعلم اليومَ الذي نزلت على رسول الله فيه، والساعةَ التي نزلت فيها، نزلت على رسول الله عشية يوم عرفة في يوم جمعة). انظروا كيف فقه هذا اليهودي عظمة هذه الآية لدلالتها على تمام الدين. فدين اكتمل وبُلِّغ بتمامه لا يحتاج إلى زيادة.



قال الإمام مالك رحمه الله: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة لأن الله يقول: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة: 3] فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً. ومعنى كلام الإمام مالك: أن الدين كامل بإخبار الله، وقد أرسل الله محمد صلى الله عليه وسلم لتبليغه كاملا، فمن يبتدع في الدين كأنه يتهم الرسول أنه ما بلغ الدين كاملا.



وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (اتبعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كفيتم، وكل بدعة ضلالة).



أيها الإخوة، مع كمال هذا الدين وبلاغه لنا بتمامه؛ إلا أن بعض أهلِ الإسلام ظنوا أنه لا مانع شرعا من الزيادة في الدين، رغبة في زيادة التقرب إلى الله، وغفلوا عن أن الزيادة في دين الله بغير ما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم طريق يبعد عن الله ولا يقرب. وهؤلاء وقعوا في مصيدةِ خُطوة ماكرة من الشيطان؛ ألا وهي خُطوة البدعة والتي هي من أخطر خطوات الشيطان؛ فأشغلهم الشيطان بالبدعة عن السنة، وظنوا أنهم يحسنون صنعا.



عباد الله، ما هي هذه البدع؟ ما المقصود بها؟

الجواب: إنها المحدثات في الدين؛ فهي كل طريق وسبيل وسنن؛ تضاف للدين؛ يقصد بها التعبدُ لله؛ وهي خارجةٌ عما رسمه القرآن والسنة.



إخوة الإيمان، هل هناك تحذير من هذه البدع من القرآن والسنة؟ والجواب: نعم أيما تحذير، قال تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام: 153]؛ قال التابعي المفسر مجاهد: ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ﴾ [الأنعام: 153]: البدع والشهوات. وروى مسلم وغيره عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه؛ حتى كأنه منذر جيش؛ يقول: صبحكم ومساكم، ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين؛ ويقرن بين أصبعيه السبابةِ والوسطى، ويقول: (( أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة )).



وعند أبي داود والترمذي من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد (يعني كان رقيقا مملوكا)، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين؛ عَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة)).



قال ابن رجب رحمه الله: فكل من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يَرجع إليه فهو ضلالة؛ والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة.



ويقول ابن كثير: ومن لم تسعه طريقة الرسول وطريقة المؤمنين السابقين فلا وسَّع الله عليه.



اللهم اجعلنا ممن وسعه طريقَ الرسول صلى الله عليه وسلم، اللهم ارزقنا محبة سنته والتمسك بهديه. اللهم آمين اللهم آمين اللهم آمين.



الخطبة الثانية

سؤال: هل هناك مجال لقبول شيء من هذه البدع، كأن تكون نيةُ من أتى بها محبةَ الله أو محبةَ رسوله صلى الله عليه وسلم، أو إرادةَ التقرب إلى الله، وابتغاءَ الثواب من الله؟ ومن أمثلة ذلك الاحتفال بالمولد النبوي، أو ليلة الإسراء والمعراج، أو ليلة النصف من شعبان.

والجواب: البدعة مردودة على فاعلها، والعمل المبتدع ليس فيه أجر، بل هو إلى الإثم أقرب، لمخالفته لهدي النبي صلى الله عليه وسلم. روى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد)). وفي رواية: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)). فهذا الحديث يدل بمنطوقه على أن كل عمل ليس عليه هدي النبي صلى الله عليه وسلم فهو مردود على صاحبه. قال ابن حجر صاحب فتح الباري شرح صحيح البخاري: (وهذا الحديث معدود من أصول الإسلام؛ وقاعدة من قواعده، فإن معناه من اخترع من الدين ما لا يُشهد له أصل من أصوله فلا يلتفت إليه).



إخوة الإسلام، فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كل عمل لا يكون وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مردود على عامله، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به اللهُ ورسولُه فليس من الدين في شيء. قال ابن كثير تعليقا على آخر سورة الكهف: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ ﴾ [الكهف: 110] قال: أي ثوابَه وجزاءَه الصالح، ﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا ﴾ [الكهف: 110] قال: أي ما كان موافقا لشرع الله، ﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110] قال: وهو الذي يراد به وجهُ الله وحده لا شريك له، ثم قال رحمه الله: وهذان ركنا العملِ المتقبلِ؛ لا بد أن يكون خالصا لله؛ صوابا على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.



عباد الله، إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ بدعة ضلالة))، يدل على أنه لا بدعة في الدين حسنة. ولذا يقول ابن عمر رضي الله عنه: (كل بدعة ضلالة؛ وإن رآها الناس حسنة).



وقال الإمام الشاطبي: قوله صلى الله عليه وسلم ((كل بدعة ضلالة)) محمول عند العلماء على عمومه؛ لا يستثني منه شيء البتة، وليس فيها (يعني البدع) ما هو حسن أصلاً.




وقال الشيخ رومي الحنفي: فمن أحدث شيئاً يتقرب به إلى الله تعالى من قول أو فعل فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، فعُلم أن كلَّ بدعة من العبادات الدينية لا تكون إلا سيئة.



اللهم ارزقنا حب سنة نبيك والعمل بها، اللهم بغض إلينا البدع ووفقنا لاجتنابها واجتناب دعاتها، اللهم ارزقنا في ديننا الإتباع وجنبنا الابتداع. اللهم ارزقنا حبَّك، وحبَّ العمل الذي يقربنا من حبِّك. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا...





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.81 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.57%)]