عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 22-09-2020, 03:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,323
الدولة : Egypt
افتراضي لنهلكن الظالمين

لنهلكن الظالمين


ياسر عبدالله محمد الحوري





الحمد لله ناصر المظلومين ومنجي المستضعفين، الحمد لله قاصم الجبابرة والمتكبرين ومهلك الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، وصفِّيُهُ من خلقه وحبيبه، الرحمة المهداة والنعمة المسداة، أرسله الله رحمة للعالمين.



أما بعد:

فيقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ * وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 13 - 15].



أيها المسلمون:

إنَّ الظلمَ من الأمراض الفتاكة، والجرائم البشعة، التي انتشرت في أواسط المجتمعات، حتى هلك إثر ذلك أفرادٌ وجماعات، وسحقت بسببه شعوبٌ، وأبيدت أُمم، وسلبت خيرات، ونزعت بركات. ويكفينا إذا أردنا أن نعرف خطورته أن نعلم أن الله جل جلاله حرَّمه على نفسه، وجعله محرَّماً بين عباده، ومن أجل مكافحته وعلاج المرضى بدائه وإزالته واستئصاله؛ بعث الله الرسل، وأنزل الكتب، وأوضح السبل، قال سبحانه إرشاداً لعباده وتذكيراً: ﴿ وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 19] وقال: ﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49]، وقال: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ﴾ [طه: 112].



لقد حذر الباري جل في علاه من هذا الداء المستفحِل، فقال: (يا عبادي إنِّي حرمتُ الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)، إنها دعوة للتطهر من أدران الظلم بجميع أنواعه، في حق العباد وحق المعبود، جاءت في سياق الامتداح للذين سمت نفوسهم، وتطهرت أرواحهم من براثِن الشرك ومستنقعات الرذائل: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].



فوَاعَجَبَاً كَيْفَ يَعصِي الإِلَه

أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الجَاحِدُ



وَللهِ فِي كُلِّ تَحْرِيكَةٍ

وَفِي كُلِّ تَسْكِينَةٍ شَاهِدُ



وَفِي كُلِّ شِيءٍٍ لَهُ آيَةٌ

تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الوَاحِدُ






إنّ الظلم والطغيان هو الديوان الذي لا يتركه الله حتى يقتصَّ من الظالم للمظلوم؛ فمرتع الظلم وخيم، وعاقبته سيئة،وجزاءُ صاحبه البوار وخراب الدار، ولو بغى جبلٌ على جبلٍ لدُّكَ الباغي منهما.



عن جابرٍ - رضي الله عنه - قال: لما رجعت مهاجرةُ الحبشةِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا تخبروني بأعجب ما رأيتم في أرض الحبشة؟ فقال فتيةٌ منهم: بلى يا رسول الله، بينما نحن يوماً جلوسٌ إذ مرت عجوزٌ من عجائزهم تحمل على رأسها قُلةً من ماء، فمرت بفتًى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها، فخرت المرأة على ركبتيها وانكسرت قُلَّتُها، فلما قامت التفتت إليه وقالت له: سوف تعلم يا غادر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، سوف تعلم ما أمري وأمرُك عنده غداً، قال صلى الله عليه وسلم:صدقت، كيف يقدِّسُ اللهُ قوماً لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم؟



أَمَا وَاللهِ إِنَّ الظُّلْمَ شُؤْمٌ

وَمَا زَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ



إِلَى الدَّيَّانِ يَوْمَ الدِّينِ نَمْضِي

وَعِنْدَ اللهِ تَجْتَمِعُ الْخُصُومُ



سَتَعْلَمُ فِي الْحِسَابِ إِذَا الْتَقَيْنَا

غَدًا عِنْدَ الْمَلِيكِ مَنْ الظَّلُومُ



تَنَامُ وَلَمْ تَنَمْ عَنْكَ الْمَنَايَا

تَنَبَّهْ لِلْمَنِيَّةِ يَا نَؤُومُ



لَهَوْتَ عَن الْفَنَاءِ وَأَنْتَ تَفْنَى

وَمَا حَيٌّ عَلَى الدُّنْيَا يَدُومُ



تَرُومُ الْخُلْدَ فِي دَارِ الْمَنَايَا

وَكَمْ قَدْ رَامَ غَيْرُكَ مَا تَرُومُ



سَلِ الأَيَّامَ عَنْ أُمَمٍ تَقَضَّتْ

سَتُخْبِرُكَ الْمَعَالِمُ وَالرُّسُومُ






ذُكِر عن أبي بكر الوراق أنه قال: "أكثر ما ينزع الإيمانَ من القلب: ظلم العباد".



أعوان الظَّلمة:

إنَّ من ألدِّ خصوم البشرية وأعداء الإنسانية، هم جلساء الظلمة وبطانتهم وأعوانهم، الذين يحققون للظالم رغباتِه، ويوصلونه إلى طموحاته وأمنياته، يحسنون القبيح ويقبِّحون الحسن، يزينون له الباطل ويسترون الحق، يحجبون الفضيلة ويعينون على الرذيلة، يقرِّبون السفهاء ويُبعدون العقلاء.



ولذا: نعى القرآن على أمثال أولئك الأعوان:

﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [هود: 113].



فكيف بمن أعانهم على ظلمهم؟ أو كان أداةً من أدوات الظلم والطغيان لقمع الحق؟

وتأمل يا عبد الله إلى قول ربك وهو يبين مصارع الطغاةِ وأعوانِهم، وأنهم لا يستطيعون أن يقدموا عذراً ولا مبرراً وهمالذين كانوا يثبِّتُون أوتاد الظلم ليخلُدَ في الأرض، قال تعالى حكايةً عن فرعون وحرسه وقواته الخاصة به: ﴿ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ ﴾ [القصص: 39 - 42]



مهما قدموا من مبررات فلن يسلموا، وصدق الله: ﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ [الزخرف: 54].

والشعب لو كان حراً ما استخف به ♦♦♦ فردٌ ولا عاث فيه الظالم النهمُ



عَن ابنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَعَانَ ظَالِمًا سُلِّطَ عَلَيْهِ».

وَقَالَ سَعِيدُ بنُ الْمُسَيِّبَ: لا تَمْلَؤُا أَعْيُنَكُمْ مِنْ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ إِلاَّبالإِنْكَارِ مِنْ قُلُوبِكُمْ لِئَلا تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ.



وَقَالَ مَكْحُولُ الدِّمَشْقِي: يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الظَّلَمَةُ وَأَعْوَانُ الظَّلَمَةِ؟ فَمَا يَبْقَى أَحَدٌ مَدَّ لَهُمْ حِبْرًا أَوْ حَبَّرَ لَهُمْ دَوَاةً أَوْ بَرَى لَهُمْ قَلَمًا فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلاَّ حَضَرَ مَعَهُمْ، فَيُجْمَعُونَ فِي تَابُوتٍ مِنْ نَارٍ فَيُلْقَوْنَ فِي النَّارِ.



وَجَاءَ رَجُلٌ خَيَّاطٌ إلى سُفْيَانِ الثَّوْرِي، وقيل للِإمام أحمد، فَقَالَ: إِنِّي رَجُلٌ أخِيطُ ثِيَابَ السُّلْطَانِ هَلْ أَنَا مِنْ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ؟ فَقَالَ سُفْيَانُ: أَنْتَ مِنَ الظَّلَمَةِ أَنْفُسِهِمْ وَلَكِنْ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ مَنْ يَبِيعُ مِنْكَ الإِبْرَةَ وَالْخُيُوط.



عاقبة الظلم:

في الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه، عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلِتْه".

فهيهات أن ينجوا الظلومُ وخلفه ♦♦♦ سهامُ دعاءٍ من قسيِّ ركوعِ



أيها المسلون:

لقد ساق لنا القرآن نماذجَ وأمثلةً لمن استكبروا في الأرض، وطغوا وبغوا، وعاثوا فيها الفساد، وساموا شعوبهم أمر الشقاء والعذاب.. كيف كانت عاقبتهم؟ ما أخبار قُرُوشِهم وعروشِهم؟



استمع إلى قول الحقِّ - تعالى شأنُه وتقدست أسماؤه -: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 6 - 14]، لنتذكر جيداً: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 14].. ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 14].

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.33 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.17%)]