
19-10-2020, 01:07 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,366
الدولة :
|
|
محاسبة النفس
محاسبة النفس
الشيخ ندا أبو أحمد
الدار الآخرة أول ليلة في القبر وأهوال القبور (6)
فهيا أخي الحبيب.. يا من فرَّطْتَ وضيَّعتَ!
حاسب نفسك وقل لها: إلى متى التفريط والتضييع والتقصير، حاسب نفسك واعلم أن محاسبة النفس هي طريق السالكين إلى ربهم، وزاد المؤمنين في آخرتهم، ورأس مال الفائزين في دنياهم ومعادهم، فما نجا من نجا يوم القيامة إلا بمحاسبة النفس ومخالفة الهوى، فمَن حاسب نفسه قبل أن يحاسب، خفَّ في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه.
ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراتُه، وطالت في عرصات القيامة وقفاتُه، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاتُه.
ولقد حثنا ربُّنا - سبحانه وتعالى - على محاسبة النفس، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].
قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: ﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾؛ أي: حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وانظروا ماذا ادَّخَرْتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم!
قال ابن القيم - رحمه الله -: فإذا كان العبد مسؤولاً ومُحاسَبًا على كل شيء حتى على سمعه وبصره وقلبه، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36].
فهو حقيق أن يحاسِب نفسه قبل أن يُناقَش الحساب.
وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحَاسَبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، وتهيؤوا للعرض الأكبر، يومئذ تُعرضُون لا تخفى منكم خافية".
فَبادِرْ إلى الخَيْراتِ قَبل فَواتِها
وخالِف مُرادَ النَّفسِ قبل مَماتِها
سَتَبكِي نُفوسٌ في القِيامَة حَسرةً
على فَوْتِ أَوقاتٍ زَمانَ حَياتِها
فَلا تَغتَررْ بالعِزِّ والمالِ والمُنَى
فكم قد بُلينا بانقِلابِ صِفاتِها
فهيا، هيا أخي! قِف مِن نفسك وقفةَ صِدق وقل لها:
يا نفس، كيف أنتِ مني غدًا؟! وقد رأيتِ ركابَ أهل الجَنَّة يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم.
كيف بكِ وقد حيل بينك وبينهم؟!
هل سينفع الندم؟! هل ستغني الحسرات؟! أم هل سينفع طلب الرجوع بعد الممات؟!
ويحك يا نفس.. تنشغلين بعِمارة دنياك مع كثرة خطاياكِ، كأنَّك من المُخلَّدين، أما تَنظُرين إلى أهل القبور، كيف جمعوا كثيرًا فصار جمعهم بورًا؟! وكيف أمَّلوا بعيدًا فصار أملُهم زُورًا، وكيف بنوا مشيدًا فصار بنيانهم قبورًا!!
ويحك يا نفس.. أما لكِ بهم عبرة، أما لكِ إليهم نظرة؟!
أتظُنِّين أنهم دُعوا إلى الآخرة، وأنتِ من المخلَّدين؟!
هيهات.. هيهات!! ساء ما تتوهمين، ما أنت إلا في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك.
ويحك يا نفس.. تُعرضين عن الآخرة وهي مُقبلة عليك، وتُقبلين على الدنيا وهي فارَّة مُعرِضةٌ عنكِ!!
فكم من مُستقبِل يومًا لا يَستكمله! وكم من مُؤمِّل لغدٍ لا يبلغه؟!
ويحكِ يا نفس.. ما أعظمَ جهلَكِ! أما تعرفين أن بين يديك جنة أو نارًا، وأنت سائرة إلى أحدهما؟!
فما لك تمرحين وتفرحين، وباللهو تنشغلين، وأنت مطلوبة لهذا الأمر الجسيم؟!
عساك اليوم أو غدًا بالموت تُخْتطفين.
ويحك يا نفس.. أراكِ تَرَيْن الموتَ بعيدًا، والله يراه قريبًا، فما لك لا تستعدين للموت وهو أقرب إليكِ من كل قريب؟ أما تتدبرين؟!
يا نفس.. انظري واعتبري بمن سكن القبور بعد القصور، واعلمي أن الفرصة واحدة لا تتكرر، فإذا جاءت السكرة فلا رجعة ولا عودة.
فأنت في دار المُهلة، فجاهدي قبل النقلة، قبل أن تقولي: ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [المؤمنون: 99، 100].
يا نَفسُ قَد أَزِف الرَّحيلُ
وأَظلَّكِ الخَطْبُ الجَلِيلُ
فَتأَهَّبي يا نَفسُ لا
يَلعَب بك الأملُ الطويلُ
فلَتَنزلِنَّ بمنزلٍ
يَنسى الخليلَ فيه الخليلُ
ولَيركبنَّ عليكِ فيـ
ـه مِن الثَّرى ثقلٌ ثَقيلُ
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|