حتى لو اعترف أحدهما بذنب، فليس كلُّ اعتراف مقبولاً، بل لا بد أن يكون اعترافاً خالياً من الإكراه، والسكر والجنون، فعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! طَهِّرْنِي). فَقَالَ: "وَيْحَكَ! ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ، وَتُبْ إِلَيْهِ". قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! طَهِّرْنِي). -أَلَمُ الذنب يحرق قلبه، فلذلك هو يريد أن يتطهر،- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ، وَتُبْ إِلَيْهِ". قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي)، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ الرَّابِعَةُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: "فِيمَ أُطَهِّرُكَ؟!" فَقَالَ: (مِنْ الزِّنَى). فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -ولم يكتف باعترافه-: "أَبِهِ جُنُونٌ؟" فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ، فَقَالَ: "أَشَرِبَ خَمْرًا؟" فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ -أي يشم رائحة فمه- فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَزَنَيْتَ؟" فَقَالَ: (نَعَمْ). -يريد أن تخرج كلمة لا، لكنه قال: نعم- فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَكَانَ النَّاسُ فِيهِ فِرْقَتَيْنِ؛ قَائِلٌ يَقُولُ: (لَقَدْ هَلَكَ، لَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ). وَقَائِلٌ يَقُولُ: (مَا تَوْبَةٌ أَفْضَلَ مِنْ تَوْبَةِ مَاعِزٍ؛ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: اقْتُلْنِي بِالْحِجَارَةِ). قَالَ: فَلَبِثُوا بِذَلِكَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ جُلُوسٌ، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ: "اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ". قَالَ: فَقَالُوا: (غَفَرَ اللَّهُ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ). قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً؛ لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ".
قَالَ: ثُمَّ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ مِنْ الأَزْدِ، فَقَالَتْ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! طَهِّرْنِي). فَقَالَ: "وَيْحَكِ ارْجِعِي، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ، وَتُوبِي إِلَيْهِ". فَقَالَتْ: (أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِي كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ؟!) قَالَ: "وَمَا ذَاكِ؟!" قَالَتْ: (إِنَّهَا حُبْلَى مِنْ الزِّنَى). فَقَالَ: "آنْتِ؟!!" قَالَتْ: (نَعَمْ). فَقَالَ لَهَا: "حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ". قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ، قَالَ: فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (قَدْ وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةُ). -والنبي صلى الله عليه وسلم لا يريد منها أن ترجع، وهم يرجعونها مرة بعد مرة- فَقَالَ: "إِذًا لا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ". -أنظر إلى هذه الرحمة المهداة- فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ فَقَالَ: (إِلَيَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ). -تشدّد الصحابة رضي الله تعالى عنهن فكانت النتيجة-، قَالَ: فَرَجَمَهَا. رواه مسلم [19]
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم.
الخطبة الأخيرة
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمة مهداة للعالمين كافة، وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع خطاه إلى يوم الدين، أما بعد:
إن ما يجري اليوم من أخذ الناس بالشبهات، وتكفير المسلمين والاعتداء على الآمنين مخالف لهدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم هذه المعاملة النبوية مع المعترفين بجرمهم؛ تنِمُّ عن رحمته وشفقته ورأفته على المذنبين من الأمة، والتحقيق معهم وسؤالهم عن هذا الفعل وكيفيته التي- يتتبع الأحوال التي توجد فيها أدنى شبهة، حتى يسقطَ الحدُّ، بل بعد الاعتراف لو فرَّ أثناء إقامة الحد فلا مانع من تركة ليتوب، عن يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ فِي حِجْرِ أَبِى، فَأَصَابَ جَارِيَةً مِنَ الْحَيِ، فَقَالَ لَهُ أَبِى: (ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبِرْهُ) -هذا الحديث نفهم منه أن من فعل فعلا لا يعرض نفسه لإقامة الحد عليه يتوب بينه وبين الله يكثر من الحسنات، يكثر من الدعاء والتوسلات، والصلاة في الليل، وقيام الليل في الثلث الأخير منه، يا من فعلت كبيرة لا تفضح نفسك، توجه إلى الله وكلما فعلت حسنة انتقص من قدر الكبيرة عندك، فإن كانت الكبيرة مائة بالمائة وعملت حسنات ربما تصل إلى تسعين إلى خمسين، فكلما أكثرت ربما تأتي يوم القيامة وليس عليك سيئة يا مرتكب الكبيرة، ولكن أراد أن يقع من الصحابة أخطاء حتى يكون تشريع لنا أن نفعل وأن نهتدي وأن نقتدي بهم وفيهم- (ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبِرْهُ بِمَا صَنَعْتَ، لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ لَكَ). وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَخْرَجٌ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي زَنَيْتُ فَأَقِمْ عَلَىَّ كِتَابَ اللَّهِ). فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي زَنَيْتُ فَأَقِمْ عَلَىَّ كِتَابَ اللَّهِ). ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي زَنَيْتُ فَأَقِمْ عَلَىَّ كِتَابَ اللَّهِ).
ثُمَّ أَتَاهُ الرَّابِعَةَ فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي زَنَيْتُ فَأَقِمْ عَلَىَّ كِتَابَ اللَّهِ). فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكَ قَدْ قُلْتَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَبِمَنْ؟". قَالَ: (بِفُلاَنَةَ). قَالَ: "هَلْ ضَاجَعْتَهَا؟" قَالَ: (نَعَمْ). قَالَ: "هَلْ بَاشَرْتَهَا؟" قَالَ: (نَعَمْ). قَالَ: "هَلْ جَامَعْتَهَا؟" قَالَ: (نَعَمْ). قَالَ: (فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ -قَالَ-: فَأُخْرِجَ بِهِ إِلَى الْحَرَّةِ، فَلَمَّا رُجِمَ فَوَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ)؛ -وجد الألم- (جَزَعَ، فَخَرَجَ يَشْتَدُّ)، -وفر من تنفيذ الحد- (فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ؛ وَقَدْ أَعْجَزَ أَصْحَابَهُ)، -وهم خلفه- (فَنَزَعَ لَهُ بِوَظِيفِ بَعِيرٍ فَرَمَاهُ بِهِ فَقَتَلَهُ)، -عظمة من جمل فقتل بها-. -قَالَ-: ثُمَّ أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "هَلاَّ تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ!". قَالَ هِشَامٌ -راوي الحديث-: فَحَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لأَبِى حِينَ رَآهُ -وهذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم ومنطقه وحديثه-: "وَاللَّهِ يَا هَزَّالُ! لَوْ كُنْتَ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ؛ كَانَ خَيْراً مِمَّا صَنَعْتَ بِهِ". رواه أحمد [20].
يقول له: انظر لم سلمته لهذا الحدِّ، وهذا من قوة إيمانهم، لكن خطأ في الفهم بينه لنا النبي صلى الله عليه وسلم، لو سترته بثوبك كان خيرا مما صنعت به.
انظر إلى هذا التحقيق النبوي، الذي فيه الرحمة على المعترف، يبحث له عن أي شبهة حتى لا يقيم عليه الحدَّ، ومن ذلك قول: "وَيْحَكَ! ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ، وَتُبْ إِلَيْهِ". "أَبِهِ جُنُونٌ؟"، "أَشَرِبَ خَمْرًا؟"، ويوجه له الأسئلة المباشرة: "أَزَنَيْتَ؟"، "هَلْ ضَاجَعْتَهَا؟" "هَلْ بَاشَرْتَهَا؟" "هَلْ جَامَعْتَهَا؟".
يبحث له عن شبهة، ويلقنه الأعذار: لعلك قبلت أو غمزت -كما في بعض الروايات-، وتركه إن تراجع "هَلاَّ تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ!".
ومن هدي نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم أنه نهى الأمَّة عن الاستهزاءِ بمن أقيمت عليهم الحدود أو سبِّهم أو لعنِهم، ومن فعل ذلك كان معاوناً للشيطان على إخوانه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله تعالى عنه- قَالَ: (أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَكْرَانَ، فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ)؛ -لأن السكران يجلد- (فَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِيَدِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِنَعْلِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ)، قَالَ رَجُلٌ: (مَا لَهُ؟ أَخْزَاهُ اللَّهُ!) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ". رواه البخاري [21]
وفوق ما هو فيه أن الشيطان أغواه وتريد أنت أن تؤيد الشيطان وتكون عونا له على أخيك؟ لا تسبه، ولا تشتمه، بل ادع له بالهداية.
وعلينا أن نتبع هديه صلى الله عليه وسلم في معاملته ورحمته بالمذنبين، أصحاب المعاصي والخطايا، وأرباب الآثام فإنه صلى الله عليه وسلم يرحمهم ويحثهم على التوبة.
قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا ﴾ [الإسراء: 70]، وكلُّ بني آدم مكرَّمون ومكرمون، فما أكثر من يدعو على المشركين اليوم بسبب وبدون سبب، وقد يكون يدعو دعاءً عامًّا على كلّ المشركين حتى الأبرياء، من أطفالٍ وشيوخٍ ونساء، وذلك ناشئ عن قسوة في القلوب، فالرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم لم يكن كذلك، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. قَالَ: "إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً". رواه مسلم [22].
رحمة لمن؟ للجميع حتى المشركين! ولكن ما ثبت من دعائه صلى الله عليه وسلم على جماعة مخصوصة من المشركين مثل: (رعل وذكوان وعصية). دعا عليهم شهرا كاملا، وقصتهم لها سبب معروف، وذلك أنهم غدروا واعتدوا على الصحابة، وقتلوا جماعة منهم، فحق له أن يدعو عليهم لا أن يدعو على غيرهم.
بل من معالم رحمته بقومه المشركين، مع شدة معاداتهم له ولدعوته؛ ولتعذيب المسلمين، دعا لهم بالغيث والمطر، عَنْ مَسْرُوقٍ (... أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ، حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنْ الْجَهْدِ، وَحَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ)، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ -رحم قومه- فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! اسْتَغْفِرْ اللَّهَ لِمُضَرَ)، -بعد أن فعلوا فعلوه معنا، وأخرجونا من المدينة وقتلوا من قتلوا وعذبوا من عذبوا!- (فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا!) فَقَالَ: "لِمُضَرَ؟ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ!" قَالَ: فَدَعَا اللَّهَ لَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ﴾ [الدخان: 15]. قَالَ: فَمُطِرُوا! فَلَمَّا أَصَابَتْهُمْ الرَّفَاهِيَةُ؛ قَالَ: عَادُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الدخان: 10، 11]. ﴿ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ ﴾ [الدخان: 16]. قَالَ: يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ). رواه البخاري ومسلم [23]، وهزمهم الله سبحانه وتعالى يوم بدر.
وقام صلى الله عليه وسلم لجنازة يهوديِّ معللاً أنه نفس إنسانية لها حقوق، يعني مواطن يعيش عندك لابد أن يكون له حق معين، فـعَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ وَسَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ كَانَا بِالْقَادِسِيَّةِ، فَمَرَّتْ بِهِمَا جَنَازَةٌ، فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا: إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ! -أي من أهل الذمة- فَقَالا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّتْ بِهِ جَنَازَةٌ، فَقَامَ، فَقِيلَ: إِنَّهُ يَهُودِيٌّ! فَقَالَ: "أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟!". رواه البخاري [24] ومسلم.
والتعذيب يا عباد الله! ينافي الرحمة، حتى تعذيب أهل الذمة لا يجوز، ولو تأخروا في دفع ما عليهم من حقوق، فكيف بتعذيب المسلم لأخيه المسلم، ففي فلسطين حدثت هذه الحادثة مع السلف الأول؛ حيث (مَرَّ هِشَامُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَلَى أُنَاسٍ مِنْ الأَنْبَاطِ بِالشَّامِ)، -يعني العمال والفلاحين الذين يعملون في الأرض- (قَدْ أُقِيمُوا فِي الشَّمْسِ)، وفي رواية: (وَصُبَّ عَلَى رُءُوسِهِمْ الزَّيْتُ) فَقَالَ: (مَا شَأْنُهُمْ؟) قَالُوا: (حُبِسُوا فِي الْجِزْيَةِ)، وفي رواية: (قِيلَ يُعَذَّبُونَ فِي الْخَرَاجِ)، -ما دفعوا ما عليهم-. فَقَالَ هِشَامٌ: (أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا").
وزاد في رواية: قَالَ: (وَأَمِيرُهُمْ يَوْمَئِذٍ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ عَلَى فِلَسْطِينَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَحَدَّثَهُ فَأَمَرَ بِهِمْ فَخُلُّوا). رواه مسلم [25]
ومن رحمته صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخروج على المسلمين، فقَالَ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا". رواه البخاري ومسلم [26]
ومن رحمته بأمته صلى الله عليه وسلم نهى حتى عن الإشارة بالسلاح ولو كان مازحا، أن يشير لأخيه المسلم فلا يجوز هذا، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ؛ فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ؛ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ".
وفي رواية: (فقال أبو موسى: والله ما متنا حتى سدَّدنا بعضها في وجوه بعض). رواه مسلم [27]
ولقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على ولاة الأمور أمور المسلمين؛ القساة على الأمة بالمشقة، ودعا للولاة الرحماء بالأمة بأن يرفق الله بهم، فعنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ! مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ"). رواه مسلم [28]
قال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى وآله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وأن ثبت أقدامنا وأن ينصرنا على القوم الكافرين.
اللهم وحد صفوفنا وألف بين قلوبنا، اللهم أزل الغل والحقد والحسد والبغضاء من صدورنا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
وأقم الصلاة؛ ﴿ ... إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].
[1] تفسير الطبري (18/ 552).
[2] قطوف من الشمائل المحمدية لجميل زينو (1/ 35).
[3] (د) (4928).
[4] (خد) (278)، انظر الصَّحِيحَة: (2094).
[5] فيض القدير (5/ 171).
[6] انظر: صحيح الترغيب (2255). وقال الهيثمي (8/ 187): [رجاله رجال الصحيح].
[7] (د) (4941)، (ت) (1924)، صحيح الترغيب (2256) (حسن لغيره).
[8] فتح الباري (10/ 440).
[9] (د) (2669)؛ انظر الصحيحة ح(701).
[10] (حم) (15589), (حب) (132)، (الصحيحة) (402).
[11] (خ) (3046).
[12] (خ) (462)، (م) 59- (1764).
[13] (خ) (3166).
[14] (خ) (1356).
[15] (خ) (2068).
[16] (خ) (6010).
[17] أبو داود (4376)؛ والنَّسائي (4885)؛ الصحيحة (1638).
[18] (خ) (2515)، (م) 221- (138).
[19] (م) 22 - (1695).
[20] (حم) (21890)، انظر: (الصحيحة) (3460).
[21] (خ) (6781).
[22] (م) 87- (2599).
[23] (خ) 4821 (م) 40- (2798).
[24] (خ) 1312 (م) 81- (961).
[25] (م) 118- (2613).
[26] (خ) (6874)، (م) 161- (98).
[27] (م) 123- (2615).
[28] (م) 19- (1828).