عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 31-10-2020, 04:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,237
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أدباء عصر سلاطين الشراكسة: ابن إياس

أدباء عصر سلاطين الشراكسة: ابن إياس (2)


د. إيمان بقاعي



ابن إياس والسّلطان قانصوه الغوري:
وصل قانصوه الغوري إلى سدة الحكم والمملكة المصرية في أحرج ساعاتها، "فقد اضطربت أحوالها الدّاخلية وتركز في نفوس أمرائها وجنودها حب العصيان والخيانة، واعتادوا الفتنة والثّورة والتَّأبي على أوامر السّلطان"[1] الّذي اضطرَّ إلى اللّجوء إلى الأموال الموقوفة فأخذ منها جانبًا وفرض الضّرائبَ على الناس حتى أثار غضبهم وذلك إلى جانب مواجهته أمور الدّولة الخارجية[2].

لقد كانت خزائن السّلطان "خاوية"[3] بسبب مواجهاته لكل ما حوله بالإضافة إلى معاناة البلاد من الآثار السَّلبية للحروب الصَّليبية والتترية الّتي تركت أثرًا سلبيًّا على المدى الطّويل"[4] من كل النواحي.

كانت علاقة ابن إياس بقانصوه الغوري _ وهو ابن قومه ووطنه الأم _ علاقة جريئة، فحين خرج السّلطان الأشرف إقطاعات[5] أولاد النّاس، وكان ابن إياس قد خرج إقطاعه لأربعة مِن المماليك، هب مقاتلاً بالشّعر السّلطان وتدابيره، وبلسان جريء، قائلاً بيتين من المواليا:
يا مالك الملك يا مَنْ بالعبادِ ألطفْ
دبِّر عبيدَك وأصلحْ دولةَ الأشرفْ
كم مِن أقاطيع أخرجَها وما أنصفْ
وأطغى المماليكَ ذا يهجمْ وذا يخطفْ[6]

ويشارك ابن إياس العامة شماتتهم بالغوري وقت شاع نبأ مرض أصابه في عينه فأشاع العامة أنه عمي، فيقول:
سلطانُنا الغوري غارت عينُه
لمَّا اشترى ظلمَ العباد بدينِهِ

لا زالَ "ينظر" أخذَ أرزاقِ الورى
حتى أُصيبَ "بآفةٍ في عينِهِ"[7]





وحين أبطأ السّلطان الغوري في نفقة أمرائه، أمر بجباية الأموال مقدمًا وحثَّ على المصادرات وطلب مِن أصحاب الدكاكين والبيوت عشرة أشهر معجلاً، وفم يجد ابن إياس إلا الشّعر متنفسًا فقال:
لما جبوا أملاك مصر والقرى
في عام سبع مضني الأهلاك

الله أكبرُ يا لهُ مِن حادثٍ
قد ضجَّ منه الأرضُ والأملاك[8]





وحدث أن أمر السّلطان الغوري أصحاب الدَّكاكين قاطبة أن يقطعوا الطّرقات مِن الشّوارع قدر ذراع بالكامل، وكانت الطّرقات قد غليت جدًّا، فلما رسم السّلطان بذلك حصل للنّاس الضّرر الشَّامل بسبب التَّكلفة وقد استحث النّاس بسرعة العمل وعز وجود الترّابة، فقال ابن إياس معترضًا:
مِن دولةِ الغوري ومِن جورِهِ
لقد حمَّلنا فوقَ ما لا نطيق

وقد كفى مِن فعلِهِ ما جرى
مِن قلَّةِ الأمرِ و"قطع الطَّريق"[9]




ويحدث أيضًا أن يفك السّلطان الغوري رخام قاعة كان ناظره الخاص قد أفنى عمره على بنائها وسماها "نصف الدنيا"، ليجدد قاعة من قاعات القلعة فيقول:
سلطانُنا الغوري قد جار
والصَّبرُ منَّا أعيا

وصار في ذا الجورِ عمَّالا
حتى خربَ "نصفَ الدُّنيا"[10]




وابن إياس - بنزعته الأدبية الجريئة - يلاحق الأحداث بدقة ويعلق عليها.

ومن الوقائع "المهول" حسب قول ابن إياس: واقعة زنا صمم الغوري على أن يكون فيها "الصَّلب" عقوبة الزّاني والزّانية على الرّغم من إنكار الواقعة ورفض قضاة المذاهب الأربعة وقاضي القضاة النّطق بهذا الحكم الّذي يخالف "الشّرع الحنيف"، فما كان مِن السّلطان إلا أن عزلهم وأمر بتنفيذ العقوبة، فأثار ذلك بعض الشّعراء ومنهم ابن إياس الّذي قال:
لقد صلبَ السّلطانُ مَن كان زانيا
وأظهرَ في أحكامِهِ مسلكًا صعبا

فقلتُ لأربابِ الفسوقِ تأدَّبوا
فحدُّ الزِّنا قد صار في عصرِنا صَلْبا[11]




يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.76 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.08%)]