عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 04-11-2020, 10:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,373
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القواعد الشرعية ودورها في ترشيد العمل الإسلامي

القواعد الشرعية ودورها في ترشيد العمل الإسلامي (4)
محمد أبو الفتح البيانوني

ثانياً: إجراء تطبيقات على خمس من القواعد السابقة:
1- قاعدة: ((والصلح خير)).
وردت هذه القاعدة في قول الله - تعالى -: ((والصلح خير)) (النساء: 128)، فهي وإن وردت في سياق خوف النشوز والإعراض من الزوج عن الزوجة، فهي تفيد بإطلاق لفظها وعمومه تفضيل الصلح على غيره في كل أمر، فقد روى البخاري عن عائشة - رضي الله عنها -، في تفسير هذه الآية، قالت: (هو الرجل يرى من امرأته ما لا يعجبه كبـراً أو غيره فيريد فراقها فتقول: أمسكني واقسم لي ما شئت! قالت: فلا بأس إذا تراضيا) (123).
يقول القرطبي: قوله - تعالى -: ((والصلح خير))، ((لفظ عام مطلق يقتضي أن الصلح الحقيقي الذي تسكن إليه النفوس، ويزول به الخلاف، خيرٌ على الإطلاق، ويدخل في هذا المعنى جميع ما يقع عليه الصلح بين الرجل وامرأته في مال أو وطء، أو غير ذلك.. )) (124).
فتكون هذه القاعدة عامة في كل خلاف يقع بين الناس، ومن هنا قيل: الصلح سيد الأحكام..
2- قاعدة: ((فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه)).
وردت هذه القاعدة في قول الله - تعالى -: ((إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن أضطر غير باغ ولا عاد فلآ إثم عليه إن الله غفور رحيم)) (البقرة: 173)
فقد قيدت هذه القاعدة حالة الاضطرار إلى تناول الحرام المعفو عنها بعدم البغي والتعدي في هذا التناول، فكانت أصلاً ودليلاً للقاعدتين المشهورتين: (الضرورات تبيح المحظورات) (125)، (والضرورة تقدر بقدرها) (126).
فقررت أن الضرورة في علة الإباحة للمحظور، وأن هذه الإباحة مقيدة بقدر الضرورة دون تعدٍّ أو تجاوز.
وليست هذه القـاعدة خاصة في تناول المحظورات من الأطعمة حالة الاضطرار، وإنما هي عامة في كل ما يضطر المرء إلى استعماله وتناوله مما هو محرم عليه، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وقد عدَّ العلماء هذه الآية أصلاً ودليلاً من أدلة القاعدة الفقهية الكبرى: (المشقة تجلب التيسير) (127).
3- قاعدة (البينة على المدعي واليمين على من أنكر).
أصل هذه القاعدة جزء من حديث شريف رواه الإمام مسلم بلفظ: (لو يعطى الناس بدعواهم لا دعي ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعي عليه) (128). وجاء لفظها كاملا في رواية للبيهقي وغيره بإسناد حسن أو صحيح عن ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم، ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر)) (129).
يقول الإمام النووي: (وهذا الحديث قاعدة كبيرة من قواعد أحكام الشرع، ففيه أنه لا يقبل قول الإنسان فيما يدعيه بمجرد دعواه، بل يحتاج إلى بينة أو تصديق المدعي عليه، فإن طلب يمين المدعى عليه فله ذلك، وقد بين - صلى الله عليه وسلم - الحكمة في كونه لا يعطى بمجرد دعواه، لأنه لو كان أعطي بمجردها لادعى قوم دماء قوم وأموالهم/ واستبيح، ولا يمكن المدعى عليه أن يصون ماله ودمه، وأما المدعي، فيمكنه صيانتهما بالبينة) (130).
وتعد هذه القاعدة أصلاً عظيما في باب الخصومات والمرافعات، وهي محل اتفاق بين العلماء.
4- قاعدة: (الاضطرار لا يبطل حق الغير) (131).
هذه القاعدة تعتبر تابعة لقاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) وقيداً لها فإذا كان الاضطرار بضوابطه وشروطه يبيح للمرء ارتكاب المحظور وتناوله، ولو كان هذا المحظور ملكاً لغيره، فإن هذا الاضطرار لا يبطل حق الغير في ضمان ما أتلف من ماله دون إذنه، وإلا كان من إزالة الضرر بالضرر، والقاعدة الفقهية تقول: (الضرر لا يزال بمثله) (132).
ومن هنا قرر العلماء أن من اضطر لأكل طعام غيره دون إذنه، فإن عليه بعد ذلك قيمة ما أكل أو مثله صيانة لحق الغير من الإبطال.
وفي هذا يقول الشيخ أحمد الزرقا - رحمه اله - في شرحه للقواعد: الاضطرار لا يبطل حق الغير سواء كان الاضطرار:
1- بأمر سماوي، كالمجاعة والحيوان الصائل.
2- أو غير سماوي، كالإكراه الملجئ.
ففي الأول يجوز له أن يأكل من مال الغير بقدر ما يدفع به الهلاك عن نفسه جوعاً، ويدفع الصائل بما أمكن ولو بالقتل، ويضمن في المحلين وإن كان مضطراً، فإن الاضطرار يظهر في حل الإقدام لا في رفع الضمان وإبطال حق الغير.. وفي الثاني إذا كان وارداً على إتلاف مال الغير فإن المكره يضمنه (133).
وقد رتب الفقهاء على هذه القاعدة فروعاً كثيرة تعرف في محلها في كتب القواعد والفقه.
5- قاعدة (الجواز الشرعي ينافي الضمان) (134).
تفيد هذه القاعدة أنه إذا جاز إتلاف شيء في حالة من الأحوال، فإن هذا الجواز يتنافى مع وجوب الضمان على المتلف، لأن التلف حصل بذلك الأمر الجائز.
وقد قيد العلماء هذه القاعدة بشرطين:
1- أن لا يكون ذلك الشرط الجائز مقيداً شرط السلامة.
2- أن لا يكون عبارة عن إتلاف مال الغير لأجل نفسه.
وذلك لأن الضمان يستدعي سبق التعدي، والجواز الشرعي يأبى وجود التعدي (135)، فلو حفر إنسان بئراً في ملكه الخاص به، أو في طريق العامة ولكن بإذن ولي الأمر، فوقع فيها إنسان أو حيوان، فلا يضمن حافر البئر شيئاً. ولو وجد المسلم عند مسلم خمراً أو خنزيراً، فأتلفه له إنكاراً للمنكر، فلا يضمن المتلف ما أتلفه، لأن إتلافه لمثل هذا جائز له.. وهكذا..
وتندرج تحت هذه القاعدة فورع فقهية كثيرة، خرجها العلماء عليها، كما أن لها مستثنيات يوقف عليها في كتب الفقه عامة وكتب القواعد خاصة (136). إلى غير ذلك من قواعد تتعلق بجانب المعاملات.
المبحث الرابع: نماذج من القواعد، وتطبيقاتها في جانب الأخلاق
لم يكن نصيب الجانب الخلقي من القواعد الشرعية بأقل من غيره في الجوانب السابقة، وإنما زاد عليها نظراً لأهمية الجانب الخلقي في نظام الإسلام من جهة، ولحاجة هذا الجانب إلى قواعد وضوابط أكثر من غيره من جهة أخرى.
فإن من محاسن ديننا الإسلامي تركيزه على الضوابط والمعايير أكثر من تركيزه على الأحكام التفصيلية فيها، نظراً لسعة دائرته، التي يصعب استيعابها بأحكام تفصيلية خلقية من جهة، ولاعتماد كثير من المواقف الخلقية على عوامل نفسية داخلية يصعب الحكم عليها من جهة أخرى.
لهذا كله جاءت الضوابط والمعايير الخلقية لتكون بيد كل مسلم، وفي متناول كل شخص، يزن بها الحسن من القبيح، ويعرف بها الخطأ من الصواب.. فقوله - صلى الله عليه وسلم - مثلاً: ((البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس)) (137)، وقوله: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) (138)، يشكلان معاً معياراً دقيقاً، وضابطاً مطرداً لكثير من المواقف والتصرفات.. ومثل هذا كثير في النصوص الشرعية والأحكام الخلقية.
أولاً: سرد نماذج للقواعد الخلقية:
1- قوله - سبحانه وتعالى-: ((ومن يتوكل على الله فهو حسبه)) (الطلاق: 3).
2- وقوله: ((ما على المحسنين من سبيل)) (التوبة: 91).
3- وقوله - تعالى -: ((إنما يفترى الكذب الذين يؤمنون)) (النحل: 105).
4- وقوله: ((إن الظن لا يغنى من الحق شيئاً)) (يونس: 36).
5- وقوله: ((إن بعض الظن إثم)) (الحجرات: 12).
6- وقوله: ((إن جاءكم فاسق بنبإٍ فتبينوا)) (الحجرات: 6).
7- وقوله: ((ومن يتق الله يجعل له مخرجا ً)) (الطلاق: 2).
8- وقوله: ((ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً)) (الطلاق: 4).
9- وقوله: ((ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)) (الحشر: 9).
10- قوله - تعالى -: ((إن مع العسر يسراً)) (الشرح: 6).
11- قوله - صلى الله عليه وسلم - ((كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)) (139).
12- وقوله: ((احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك)) (140).
13- وقوله: ((إن تصدق الله يصدقك)) ((صدق الله فصدقه)) (141).
14- وقوله: ((يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا)) (142).
15- وقوله: ((المرء مع من أحب)) (143).
16- وقوله: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)) (144).
17- وقوله: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) (145).
18- وقوله - صلى الله عليه وسلم - ((البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس)) (146).
19- وقوله - صلى الله عليه وسلم - ((كن كابن آدم)) (147)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل)) (148).
20- وقول عائشة - رضي الله عنها -: (ما خير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه) (149).
إلى غير ذلك من قواعد خلقية تزخر بها النصوص الشرعية...
ثانياً: إجراء تطبيقات على خمس من القواعد السابقة:
1- قاعدة: (إن جاءكم فاسق بنبإٍ فتبينوا)).
هذه القاعدة جزء من آية كريمة تؤكد على خلق (التبين) في الأمور، و(التثبت) في الأخبار، قال الله - تعالى -: ((يأيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)) (الحجرات: 6).
وقد جاء في سبب نزولها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث الوليد بن عقبة مصدقاً (أي جامعاً للصدقات) إلى بني المصطلق، فلما أبصروه أقبلوا نحوه، فهابهم - في رواية: لإحنة كانت بينه وبينهم - فرجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره أنهم قد ارتدوا عن الإسلام، فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد ابن الوليد وأمره أن يتثبت ولا يتعجل، فانطلق خالد حتى أتاهم ليلاً، فبعث عيونه، فلما جاؤوا أخبروا خالداً أنهم متمسكون بالإسلام، وسمعوا أذانهم وصلاتهم، فلما أصبحوا أتاهم خالد ورأى صحة ما ذكروه، فعاد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فنزلت هذه الآية.. (150).
ولا يشك أحد في أهمية خلق التبين والتثبت ولا سيما في الأمور المهمة والأخبار الغريبة، ولا فيما يتركه عدم التثبت من آثار وخيمة، وما يخلفه من ندم..
ولكم خلف خلق التعجل في الأمور والأخذ بالظن من آثار سيئة في العلاقات الإنسانية، فقطع الأرحام وباعد بين القلوب، وفرق الصفوف.. ومن هنا كان هذا الخلق متطلباً إعلامياً هاماً، وركيزة كبرى من ركائز الإعلام السليم.. ولطالما فقد كثير من الناس والمؤسسات مصداقيتهم عند الآخرين من وراء ضعف هذا الخلق أو فقده!!
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.77 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.47%)]