الحنابلة - قالوا:
بيع الحاضر للبادي حرام ولا يصح أيضا. وإنما يحرم ولا يصح بخمسة شروط:
أحدها:
أن يكون البادي قد حضر بالسلعة ليبيعها، أما إن كان قد حضر بها ليخزنها أو ليأكلها فحضه أحد الحاضرين على بيعها ثم تولى له بيعها فإنه يجوز، لأن في ذلك توسعة لأهل المدينة والمراد بالبادي كل من يحضر إلى المدينة من غير أهلها، سواء كان بدويا أو لا. ثانيهما: أن يقصد البدوي بيع سلعته بسعر يومها، أما إذا قصد أن يتربص بها ولا يبيعها رخيصة فإن المنع يكون من جهة البائع لا من جهة الحاضر الذي تولى بيعها سمسرة. ثالثها: أن يكون البدوي جاهلا بالسعر، فإذا كان عالما به فإنه يصح للحاضر أن يتولى له بيع سلعته لأنه لم يزده علما. رابعا: أن يكون المشتري من أهل الحاضرة، أما إن كان بدويا مثله فإنه يصح للحاضر أن يتولى البيع له لأنه لا أثر للتوسعة في بيع بدوي لمثله خامسها:
أن يكون الناس في حاجة إلى سلعته. أما شراء أهل الحاضرة للبادي فجائز.
الشافعية - قالوا:
بيع الحاضر للبادي المذكور حرام. وهل هو كبيرة أو صغيرة؟ خلاف:
وإثمه على من يعلم أنه حرام، سواء كان الحاضر أو البادي. وبعضهم يقول: إن إثمه على الحاضر أما البادي فلا إثم عليه لأنه وافقه على ما فيه مصلحة له فيعزر في ذلك. والحاضر:
ساكن الحاضرة وهي المدن والريف والقرى. والريف:
أرضها فيها زرع وخصب ولا بناء بها "وإن كان بها بيوت الأعراب المأخوذة من الشعر". وليس ذلك مرادا هنا. وإنما المراد: الغريب الذي يأتي بالمتاع من خارج البلد ليبيعه فيها بل قال بعضهم:
إن التقيد بالغريب ليس بشرط، فلو كان عند واحد من أهل البلد متاع مخزون من قمح ونحوه، ثم أخرجه ليبيعه دفعة واحدة فقال له شخص آخر ليباع تدريجيا فإنه يأثم، سواء كان من أهل البلد أو كان غريبا مثله، وسواء كان هو الذي يتولى بيعه له أو غيره، لأن العلة في النهي متحققة في الحالتين:
وهما:
التضييق على الناس، وغلاء الأسعار. واعتمد بعضهم أن يكون القادم بالمتاع غريبا. أما القائل بأنه يأثم مطلقا سواء كان غريبا أو من أهل البلد. فإنما يحرم ذلك بثلاثة شروط:
أحدها أن يكون المتاع مما تعم الحاجة إليه في ذاته كالطعام وإن لم يكن جميع أهل البلد في حاجة إليه، بل يكتفي احتياج طائفة ولو كانوا غير مسلمين، فإذا كان الطعام لا تعم الحاجة إليه كالفاكهة ونحوها فإنه لا يحرم فيها ذلك. ثانيها:
أن يكون القادم قاصدا لبيع السلعة بسعر يومه، أما إذا كان يريد بيعها على التدريج فقال له شخص:
أنا أتولى لك بيعها تدريجا فإنه لا يأثم، لأن القائل لم يضر بالناس في هذه الحالة، ولا سبيل لمنع صاحب السلعة بيعها تدريجا لأن المالك يتصرف كما يشاء في حدود الدين.
ثالثها: أن يستشيره صاحب السلعة فيما هو أنفع له، هل البيع تدريجا أو البيع دفعة واحدة؟ وفي هذا خلاف: والمعتمد أنه يجب عليه أن يشير عليه بما هو الأنفع له. فإذا قال له: بعه تدريجا، أو أتولى لك بيعه تدريجا فإنه لا يأثم.
الحنفية - قالوا:
المراد بالحاضر السمسار، والبادي البائع القروي، فلا يصح أن يمنع السمسار "ساكن الحضر" البائع القروي من البيع فيقول له:
لا تبع أنت فإنني أعلم بذلك منك فيتوكل له ويبيع ما جاء به من سلعة.
وحكم هذا أنه مكروه تحريما فهو صغيرة من الصغائر، وإنما يكره في حالة ما إذا كان الناس في حالة قحط واحتياج فإن هذا يضر بهم، فيزيد عليهم ثمن السلعة ويضيق عليهم، أما إذا كان الناس في حالة رخاء وسعة فإنه لا يكره
(7) المالكية - قالوا:
ينهى عن تلقي السلع التي ترد إلى بلد من البلدان لتباع فيها، فلا يحل لشخص أن يقف خارج البلدة ويتلقى البائعين الذين يحضرون بسلعهم فيشتريها منهم، لأن في ذلك إضرار بأهل البلدة وتضييقا عليهم، فإذا ابتعد عن البلدة مسافة ستة أميال فإنه يصح له حينئذ أن يشتري من تلك السلع ما يشاء، سواء كان لتجارة أو لقوت، وسواء كانت البلدة الواردة إليها السلع لها سوق أو لا على المعتمد. أما من كان على مسافة أقل من ستة أميال، فإن كان للبلد سوق فإنه لا يجوز له أن يشتري للتجارة. أما للقوت فإنه يجوز. وإن لم يكن لها سوق فإنه يجوز أن يشتري للتجارة وللقوت. فإذا وصلت السلع إلى البلد فإن كان لها سوق فلا يجوز الأخذ منها مطلقا إلا إذا وصلت السوق، وإن لم يكن لها سوق جاز الأخذ منها مطلقا للتجارة وللقوت.
(8) الحنفية - قالوا:
السوم على سوم الغير يكره تحريما إذا اتفق المشتري مع البائع على تعيين الثمن مبدئيا وركن البائع إلى البيع بذلك، أما إذا لم يركن البائع إلى الثمن فإنه يصح الزيادة عليه، بل هو محمود لما فيه من منفعة البائع ورواج السلعة، ومثل البيع خطبة النكاح. فإنه يكره أن يخطب الرجل خطيبة غيره بعد الاتفاق على المهر وإلا فلا يكره. وكذلك الإجارة.
المالكية - قالوا:
السوم على سوم الغير إن كان قبل الركون إلى الثمن والاتفاق عليه مبدئيا فإنه يكون خلاف الأولى. أما بعد الركون إلى الثمن فإنه حرام.
الشافعية - قالوا:
السوم على سوم الغير يحرم بعد استقرار الثمن والتراضي به صريحا، أما إذا سكت البائع أو
قال:
حتى أستشير فإنه لا يكون رضا بالثمن صريحا، فلا يحرم السوم في هذه الحالة على الصحيح، وإنما يحرم إذا كان عالما به، فإذا لم يكن عالما له فإنه لا يحرم.
الحنابلة - قالوا:
يحرم سوم الرجل على سوم أخيه بعد رضا البائع بالثمن صريحا، ولا تحرم المساومة والمزايدة في حالة المنادة على المبيع بالبيع، كما يفعله كثير من الناس فإنه جائز بلا نزاع
(9) المالكية - قالوا:
المرابحة بيع السلعة بالثمن الذي اشتراها به مع زيادة ربح معلوم للبائع والمشتري وهو خلاف الأولى، لأنه يحتاج إلى بيان كثير قد يتعذر على العامة فيقع البيع فاسدا، لأن البائع ملزم بأن يبين المبيع وكل ما أنفقه عليه زيادة على ثمنه. وربما يفضي إلى نزاع. ومثله بيع الاستئمان:
وهو أن يشتري السلعة على أمانة البائع بأن يقول له: بعني هذه السلعة كما تبيع للناس لأني لا أعرف ثمنها.
وكذلك بيع المزايدة:
وهو أن يتزايد اثنان فأكثر في شراء سلعة قبل أن يستقر ثمنها ويتفق عليه البائع مع أحدهما، وإلا كان ذلك حراما لأنه سوم على سوم الغير في هذه الحالة كما تقدم.
ثم إن بيع المرابحة على وجهين:
الوجه الأول:
أن يساومه على أن يعطيه ربحا عن كل مائة عشرة مثلا أو أكثر أو أقل، ويشتمل هذا الوجه على صورتين:
الصورة الأولى:
أن يكون للبائع قد اشترى السلعة بثمن معين ولم ينفق عليها شيئا زيادة عن الثمن. وهذه أمرها ظاهر فإن على المشتري أن يدفع الثمن مضافا إليه الربح بالحساب الذي يتفقان عليه، والصورة الثانية:
أن يكون البائع قد أنفق على السلعة زيادة على ثمنها الذي اشتراها به، وتشمل هذه ثلاثة أمور:
الأولى: أن يكون ما أنفق عليها عينا ثابتة قائمة بالسلعة، كما إذا اشترى ثوبا أبيض فصبغه، أو اشترى صوفا منفوشا ففتله، أو اشترى ثوبا فخاطه أو طرزه، فإن الصبغ والفتل والتطريز والخياطة صفات قائمة بالثوب، وحكم هذا:
أنه يكون كالثمن فيضاف إلى الثمن ويحب له الربح بنسبته، وإنما يشترط أن يبينه البائع كما يبين الثمن فيقول: قد اشتريت الثوب بكذا، وصبغته بكذا، أو خطته بكذا، أو طرزته بكذا، فإذا كان قد تولى ذلك بنفسه كأن كان خياطا فخاط ثوبه، أو صباغا فصبغه فإنه لا يحتسب له شيء من أجرة وربح.
الثاني:
أن يكون ما أنفق عليه غير قائم بالبيع ولا يختص به، كأجرة خزنه في داره وحمله، وحكم هذا:
أنه لا يحسب من أصل الثمن ولا يحسب له ربح، أما إذا كان اكترى له دارا بخصوصه ليخزنه فيها ولولاه ما احتاج إلى هذه الدار، فإن أجرتها تحسب من الثمن ولا يحسب لها ربح. ومثل ذلك أجرة السمسار إذا كانت العادة تحتم الشراء به. الثالث: أن يكون غير قائم بالمبيع ولكنه يختص به. وهذا إن كان مما يعمله التاجر بنفسه عادة كطي الثوب وشده ولكنه قد استأجر عليه غيره فإنه لا يحسب ما أنفقه لا في الثمن ولا في الربح.
أما إن كان مما لا يتولاه التاجر بنفسه كالنفقة على الحيوان، فإنه يحسب من أصل الثمن ولا يحسب له ربح، ويشترط أن يبينه أيضا، فإذا اشترط البائع على المشتري أن يعطيه ربحا على كل ما أنفقه سواء كان له عين قائمة بالمبيع كالصبغ وما ذكر معه، أو ليست له عين ثابتة غير مختصة كأجرة الحمل. أو مختصة ولكن العادة جرت بأن يفعلها البائع بنفسه أو العكس. فإنه يعمل بشرطه إذا سماها جميعها.
ومن هذا يتضح لك أن تسمية الثمن وتسمية ما أنفقه على السلعة سواء كان قائما بها أو لا شرط على أي حال، فإذا قال له:
أبيعك هذه السلعة على أن أربح في المائة عشرة مثلا، ثم ذكر له الثمن مضافا إليه ما أنفقه على السلعة ولم يسم له ما يصح إضافته إلى الثمن بربح، وما يصح إضافته بدون ربح، وما لا يصح إضافته إلى الثمن أصلا. فإن العقد يقع فاسدا لجهل المشتري بالثمن في هذه الحالة.
الوجه الثاني:
من وجهي البيع بالمرابحة:
أن يبيع السلعة بربح معين على جملة الثمن كأن يقول له:
أبيعك هذه السلعة بثمنها مع ربح عشرة أو خمسة ويشترط في هذه الحالة أيضا: أن يسمى الثمن وما يتبعه مما أنفقه على السلعة، سواء كان قائما بها كالصبغ ونحوه، أو لا كأجرة خزنها وحملها وهكذا مما لا يضاف إلى الثمن مع ربح، أو يضاف بدون ربح، أو لا يضاف أصلا وفي هذه الحالة يصح البيع ولكنه يطرح عن المشتري ما أنفقه البائع على السلعة مما لا يضاف إلى الثمن كأجرة الحمل ونحوها إلا أن يشترط حسبانه فإنه يصح. ولا فرق في الثمن بين أن يكون ذهبا أو فضة ونحوهما أو يكون قيميا، فإذا اشترى ثوبا بشاة فإنه يصح أن يبيعه بشاة مماثلة للشاة التي اشتراه بها في صفاتها ويزيده ربحا معلوما، ولكن يشترط أن تكون الشاة التي يريد شراءه بها مملوكة له عنده أو ليست عنده ولكنها مضمونة. بحيث يمكن الحصول عليها، أما إذا لم تكن كذلك فإنه لا يصح.
الحنابلة - قالوا:
إذا كان الربح معلوما والثمن كذلك صح بيع المرابحة المذكور بدون كراهة فإذا قال:
بعتك هذه الدار بما اشتريتها به وهو مائة جنيه مثلا مع ربح عشرة فإنه يصح؛ أما إذا قال له:
بعتك هذه الدار على أن الربح في كل عشرة من ثمنها جنيها ولم يبين الثمن فإنه يصح مع الكراهة؛ وعلى البائع أن يبيع الثمن على حدة وما أنفقه على المبيع على حدة، فإذا اشتراه بعشرة وأنفق عليه عشرة، وجب عليه أن يبينه على هذا الوجه فيقول: اشتريت بعشرة، وصبغته، أو كلته، أو وزنته، أو علفته بكذا، وهكذا.
الشافعية - قالوا:
يصح بيع المرابحة سواء قال له:
بعتك هذه السلعة بثمنها الذي اشتريتها به وهو مائة مثلا وربح عشرة. أو قال له:
بعتك هذه السلعة بربح كل جنيه عن كل عشرة من ثمنها ثم إن كان المشتري يعلم الثمن ويعلم ما أنفقه البائع على السلعة زيادة على الثمن فإنه يدخل في قوله:
بعتك بثمنها وربح كذا وإن لم يبينها، إلا أجرة عمل البائع بنفسه، أو عمل متطوع له بعمل مجانا فإنه لا يدخل إلا إذا بينه. أما إذا كان المشتري لا يعلم شيئا من النفقات فإنه لا يدخل شيء منها في العقد إلا إذا بينه البائع، وكذلك الثمن إذا كان عرضا ولم يعلم به المشتري فإنه يلزم أن يبينه البائع كأن يقوله له:
بعتك هذه الثوب بثمنه الذي اشتريته به وهو عرض كذا، وقيمته كذا. أما إذا كان المشتري يعلم به فلا يلزم بيانه. على أنه إن بينه يقع العقد صحيحا، وإنما البيان لدفع الكذب المحرم. أما إذا كان الثمن نقدا أو مثليا كالمكيلات ونحوها فإنه لا يلزم بيانه.
الحنفية - قالوا:
يصح البيع بالمرابحة أي بالثمن الأول مع ربح بشرطين: الأول: أن يكون المبيع عرضا فلا يصح بيع النقدين مرابحة، فإذا اشترى جنهين من الذهب بمائتين وعشرين قرشا فضة، فإنه لا يصح أن يبيعهما بثمنهما المذكور مع ربح خمسة مثلا، وذلك لأن الجنيهات لا تتعين بالتعيين كما تقدم غير مرة، إذ يصح أن يقول:
بعتك هذا الجنيه بكذا ثم يعطيك جنيها غيره لأنه لا يملك بالشراء.
وللبائع أن يضم إلى أصل الثمن كل ما أنفقه على السلعة مما جرت به عادة التجار، سواء كان عينا قائمة بذات المبيع كصبغ الثوب وخياطته وتطريزه وفتل الصوف والقطن "غزلهما" وحفر الأنهار والمساقي. أو كان خارجا عن المبيع غير قائم به كأجرة حمله وإطعام الحيوان بلا تبذير وأجرة السمسار. وهل يلزم أن يشترط البائع ضم ما أنفقه من ذلك إلى أصل الثمن ويبينه أو لا؟ خلاف: والراجح أن المرجع في ذلك للعرف كما أشرنا إلى ذلك أولا، فما جرت عادة التجار بضمه إلى الثمن يضم وإلا فلا. الشرط الثاني:
أن يكون الثمن مثليا كالجنيه والريال ونحوهما من العملة، وكذلك المكيلات والموزونات والمعدودات المتقاربة. أما المعدودات المتفاوتة فإنها ليست مثلية، فإذا اشترى بعيرا بعشرة جنيهات فإنه يصح أن يبيعه بثمنه مع ربح معين، وكذلك إذا اشتراه بعشرة "أرادب" من القمح فإنه يصح أن يبيعه بها مع ربح إردب من جنسها. وكذلك إذا اشترى إردبا من القمح بصفيحة من السمن زنتها ثلاثون رطلا فإنه يصح أن يبيعه بثمنه مع زيادة العينة من السمن وهكذا، فإذا كان الثمن غير مثلي بل كان قيميا أي يباع بالتقويم لا بالكيل ونحوه كالحيوان والثوب والعقار، فإنه لا يصح البيع به مرابحة إلا بشرطين: الشرط الأول:
أن يكون ذلك الثمن هو بيعنه الذي بيعت به السلعة أولا، مثال ذلك أن يشتري زيد من عمرو ثوبا بشاة ثم يشتري محمد الثوب من زيد بنفس الشاة التي اشتراه بها بعد أن يملكها من عمرو. الشرط الثاني:
أن يكون الربح معلوما كأن يقول له:
اشتريت منك هذا الثوب بالشاة التي اشتريته بها مع ربح عشرة قروش، أو مع ربح كيلة من القمح، أما إذا كان الربح غير معين كأن يقول له: اشتريت منك هذا الثوب بالشاة المذكورة مع ربح خمسة في المائة من ثمنه فإنه لا يصح.
لأن ثمن الثوب غير معين في هذه الحالة