عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 21-11-2020, 10:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,312
الدولة : Egypt
افتراضي فضل الحج والترهيب من ترك حج الفريضة

فضل الحج والترهيب من ترك حج الفريضة
الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري










الحمدُ لله الذي فرَضَ الحجَّ لبيته الحرام، وجعلَ قصدَهُ مُكفِّراً للذنوب والآثام، ولم يَرضَ لمن أكملَهُ وقامَ بحُقوقهِ جزاءً إلاَّ الفوزَ برضوانه في دار السلام، أحمَدُه أنْ جعلَ هذا البيتَ مثابةً للناس وأمناً، وجعلَ أفئدةً من الناسِ تهوي إليه محبةً وشوقاً، فهم يتردَّدون إليه ويزدادون لَهَفَاً عليه وتَوْقَاً، فقُلوبُهم على الدَّوام تَحنُّ إليه، وعاجزُهم يتأسَّفُ لانقطاعه عن الوُصولِ إليه، فسبحان من دَعا عِبادَهُ لحجِّ بيتِه الحَرام، ليُسبِغَ عليهم جزيلَ الإحسانِ وأوفرَ الإنعام، فأقبَلُوا إليه من كلِّ فجٍّ عميقٍ رجالاً ورُكباناً، وتركوا لأجله أولاداً وأهلاً وأوطاناً وأخداناً، وبذلوا نفوسَهُم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، ليشهدوا منافعَ لهم فيها صلاح دينهم ودُنياهُم، ويَحضُروا مشاهدَ يُدركون بها مآربهم ومُناهُم، فتباركَ الذي منَّ عليهم وهَداهُم، وأوفَدَهُم إلى كرامته وحَدَاهُم، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له في أُلوهيَّتِه ورُبوبيَّتِه وصفاتِه وأفعالِه، وهو المنفردُ بأنعامِه على الخلقِ وأفضالِه، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وعلى أصحابه وآله، وعلى التابعين له في أقوالهِ وأفعاله وجميع أحواله.








أما بعدُ: فيا أيها الناسُ، اتقوا الله تعالى، وقُوموا بما أوجبَ عليكم مِن حجِّ بيتِهِ وقصدِ حَرَمِه، وارغبُوا فيما يُفيضُه على قُصَّادِ بيتهِ من جُودِه وكَرَمه، ومن الفضائل والمواهب المتنوِّعة والنوافل، ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97]، وقال صلى الله عليه وسلم: (أيُّها الناسُ قَد فَرَضَ اللهُ عليكُمُ الحَجَّ فَحُجُّوا) رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَن حَجَّ للهِ فلم يَرْفُث، ولم يَفْسُق، رَجَعَ كيومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ) رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.








وسُئل صلى الله عليه وسلم: (أيُّ الأعمالِ أفضَلُ؟ قال: إيمانٌ باللهِ ورسُولِهِ، قيلَ: ثُمَّ ماذا؟ قال: جِهادٌ في سبيلِ اللهِ، قيلَ: ثُمَّ ماذا؟ قالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ) رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.



أتدرُون ما هو الحجُّ المبرور؟ هو الذي جَمَعَ بين الإخلاصِ لله، والمُتابعةِ لرسوله صلى الله عليه وسلم.








أمَّا الإخلاصُ: فأنْ تَقصُد بحجِّك وجهَ ربِّك وطلب رضوانه، والفوز بمغفرته وثوابهِ وجِنانه، فتكون مُحتسباً في همِّك ونصبك ونفقاتك، راجياً للثواب في حلِّك وترحالك وسعيك وخُطواتك، عالماً أنك في عبادةٍ متصلةٍ من خُروجك من وطنكَ بل من شُروعك في استعدادك وجمع حاجاتك، فأنت في عبادةٍ في جميع حركاتك وسكناتك، إلى أن ترجع إلى بيتك حائزاً للسلامة والقبول والغنيمة الرابحة ومُضاعفة حسناتك.



وأما المتابعةُ للرسولِ صلى الله عليه وسلم: فأنْ تقتدي به في حجِّك وعُمرتك في أقواله وأفعاله، فإنه صلى الله عليه وسلم قال: (لتأخُذُوا مَناسِكَكُم، فإني لا أدرِي لعلِّي لا أَحُجُّ بعدَ حَجَّتِي هذهِ) رواه مسلم.








أخي الحاج: عندما تأتي إلى الميقات: فلتغتسل وتتنظَّف وتتطيَّب، ثم لتتجرَّد من اللباس المُعتاد وتلبس إزاراً ورداءً أبيضين نظيفين ونعلين، ثمَّ إذا صلَّيت الصلاة الحاضرة: تنوي الإحرام بالعُمرة مُتمتِّعاً بها إلى الحجِّ، فتقولُ على وجه الإخلاص والتعظيم، والخُضوعِ للملكِ العظيم: لبيك عمرة.



ثمَّ لتُهلَّ بالتلبية والتوحيد بتلبية النبيِّ صلى الله عليه وسلم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.








ثمَّ اعلم: أن المقصودَ من كشف رأسك ولبسك الإحرام ونزعك المخيط: هو الانكسار والذُّلُّ والإنابة للرَّبِّ المحيط، فليكن الخشوع مُلازماً لك في ظاهرك وباطنك، وفي أقوالك وأفعالك، الإهلالُ بالتلبيةِ شِعارُك، وآثارُ الذُّلِّ من هيئة الإحرام وصفته دِثارُك، والخُشوعُ والخُضوع ملء قلبك، والطَّمَعُ في مغفرة الله ورحمته وأجره غاية مطلوبك.



وعند وصولك ودُخولك للمسجد الحرام، تتجه لطواف العمرة خاشعاً، وتستلم الحجر الأسود مُقبلاً قائلاً: الله أكبر، وتجتهد في الإكثار في طوافك وسعيك وسائر المناسك: من ذكر الله وتسبيحه وحمده وتكبيره، فإنما شُرعت جميع المناسك لإقامة ذكر الملِك الكبير.








ولتدعُ بما أحببتَ من خيرِ الدنيا والآخرة، فإن الله يُسبغ على عباده في تلك المشاعر والمواقف النِّعمَ الباطنة والظاهرة.



فإذا فرغتَ من الطواف فصلِّ ركعتين خلف المقام، ثم تعودُ إلى الحجر الأسود بالاستلام، واخرج إلى السعي من باب الصفا، فإذا دنوتَ من الصفا فاقرأ: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 158]، أبدأُ بما بدأ اللهُ به، فَترَقا عليهِ، حتَّى ترى البيتَ فَتستقبلُ القِبلَةَ، فَتوحِّدُ اللهَ وتكَبِّرهُ، وتقول: «لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، لهُ الْمُلْكُ ولهُ الحمدُ وهوَ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ، لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ، أَنجَزَ وَعدَهُ، ونصَرَ عبدَهُ، وهزَمَ الأحزابَ وحدَهُ» ثُمَّ تدعو بينَ ذلكَ، تفعلُ مِثلَ هذا ثلاثَ مَرَّاتٍ، ثم انزل ماشياً متضرِّعاً، ساعياً بين الميلين الأخضرين بنيِّك صلى الله عليه وسلم مُقتدياً، ثم احلق وقصِّر عند الفراغ والتمام، راجياً من ربِّك القبول والمغفرة وحُسن الختام، وبهذا قد تمَّت عُمرتك، فالبس ثيابك، واحمَدُه تعالى وسلْهُ أن يغفر لك ويُجزل ثوابك.








ثم لا تزالُ بحلِّك مستمتعاً، حتى يكونَ يومُ الترويةَ فتخرجُ إلى منىً وعَرَفَاتٍ بالحجِّ مُحرِماً، واقفاً في تلك المشاعرِ داعياً مستغفراً، فأنتَ في كَرَمِ الكريمِ طامعاً، ترجو من ربكَ أن يُعطيكَ ما تُأمِّل، وأن يُعيذك من شرِّ نفسك وسيئاتِ ما كُنتَ تعمل، تنظرُ في عَرَفاتٍ إلى حال ضُيوف الله ووُفوده، وقولِهم في سيِّدهم ومُضيِّفهم يرجون جُودَه، فلو رأيتَهُم في تلكَ المواقف وقد خَضَعت منهم الرِّقابُ، وعَنَت قلوبُهُم ووجوهُهُم لربِّ الأرباب، قد تنوَّعت مآربُهم ومطالبُهم، وتباينت غاياتهم ومشاربُهُم، واللهُ لا يَتبرَّمُ بإلحاح الملحِّين، ولا يُبالي لكثرةِ أسئلةِ السائلين، لا يَشْغَلُه سمعُ صوتٍ مُدنفٍ سقيمٍ عن صوتِ داعٍ وراجٍ لكَرَمِ الكريم، ولا تُغلِطُه المسائلُ على كثرتها، ولا تُكْرِثُه الحوائجُ على عَزَمتها، ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: (ما مِن يومٍ أكثَرَ من أنْ يُعتِقَ اللهُ فيهِ عبداً منَ النارِ، مِن يومِ عَرَفَةَ، وإنهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُباهي بهِمِ الملائكةَ، فيقولُ: ما أرادَ هؤُلاءِ؟) رواه مسلم.








قال شيخُ الإسلامُ ابنُ تيمية: (فإنهُ من المعلُومِ أنَّ الحَجِيجَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ يَنزِلُ على قُلُوبهِم من الإيمانِ والرَّحْمَةِ والنُّورِ والبرَكَةِ ما لا يُمكِنُ التعبيرُ عنهُ) انتهى.








قال ابن القيم رحمه الله في ميميَّتهِ:





وراحُوا إلى التعريفِ يَرجُونَ رَحمةً

ومغفرةً مِمَّن يَجودُ ويُكرمُ



فللهِ ذاكَ الموقفُ الأعظمُ الذي

كموقفِ يومِ العَرضِ بل ذاكَ أعظمُ



ويدنو به الجبَّارُ جلَّ جلالُه

يُباهي بهم أملاكَه فهو أكرَمُ



يقولُ عبادي قد أتوني مَحبةً

وإني بهم برٌّ أجودُ وأُكرمُ



فأشهدُكم أني غفرتُ ذنوبَهم

وأعطيتُهم ما أمَّلُوه وأُنعمُ



فبُشراكُمُ يا أهلَ ذا الموقفِ الذي

به يَغفرُ اللهُ الذنوبَ ويَرحَمُ



فكم من عتيقٍ فيه كُمِّلَ عِتقُه

وآخرَ يُستسعى وربُّكَ أرحمُ



وراحُوا إلى جمعٍ فباتُوا بمَشعرِ الحرامِ

وصَلُّوْا الفجرَ ثمَّ تقدَّمُوا



إلى الجمرةِ الكُبرى يُريدون رميها

لوقتِ صلاةِ العيدِ ثمَّ تيمَّمُوا



منازلَهُم للنحرِ يبغُون فضلَه

وإحياءَ نُسْكٍ من أبيهم يُعظَّمُ



ولَما تَقَضَّوا ذلك التَّفَثَ الذي

عليهم وأوفَوا نذرَهم ثمَّ تَممَّوا



يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.99 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.12%)]