عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 01-12-2020, 01:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,406
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتى من قريش (قصة إسلامية للأطفال)

فتى من قريش

(قصة إسلامية للأطفال)

سيد مبارك


في رحاب الإيمان:
كان "قيس بن رباح" يعدو في طرقات مكة يسأل من يعرفه ومن لا يعرفه: أين أجد "محمدًا"، هذا الذي أفسد رجالنا ونساءنا وأبناءنا وعيب ديننا وشتم آباءنا وأهان آلهتنا؟ وبينما هو هائم في طرقات مكة يسأل وقد تملكه غضب شديد أطار لبه لما أصاب ولده، تعجَّب من غضبه وهو الحليم الذي ينصح إخوانه من عشيرته بالحكمة وكظم الغيط.

وينصحهم دومًا بإمعان العقل والفكر قبل القوة والقسوة والرعونة التي تزيد الأمور سوءًا، وتعجَّب أكثر عندما سخر من الرجل الغاضب الذي يريد شراء سيف لقتل "محمد"، وأوصاه بالتعقل والصبر، وترك الأمر لمن هو أقوى منه وأدرى في معالجة الأمر، والآن هو مثل هذا الرجل، يا للمفارقة!

ولما أصابه الإرهاق وقد حل ظلام الليل لم يجد غير المكان الوحيد الذي ينبغي أن يلجأ له ليذهب عنه ما يكاد يحنقه ويغيظه، بيت الله الحرام؛ ليعتذر للآلهة عن طيش ولده "خالد"، ويقدم لها القربان الذي يرضيها عنه، وما لبث أن شعر بالسكينة تعود له عندما وصل في تفكيره لهذا الحد، وصار إلى بيت الله تعالى لا يلوي على شيء.

ثم توقف فجأة وهو ينظر إلى السماء ويقول متعجبًا:
ماذا حدث للقمر؟ ماذا حدث للقمر؟
لقد رأى "قيس بن رباح" ما أثار حيرته، وعصف بفؤاده، وألجم لسانه، فتوقف فاغرًا فاه وهو يقول: هذا مستحيل!
هذا شيء خارق، إنها معجزة.
ثم تذكر غضب الآلهة وانتقامها، وربط بينها وبين هذا الذي يراه، فأخذ يعدو تجاه الكعبة؛ ليعتذر لها قبل أن يهلك.
• • •


كان "خالد" مُوثَقًا بالحبال، وغير قادر على الحركة، وأمه أمامه تبكي في لوعة، فنظر إليها وقال: أماه، هل أنت غاضبة مني؟ والله لقد رأيت "محمدًا" على جبل الصفا يحذر الناس بعذاب أليم، ويدعوهم لعبادة ربه، وسمعته وصدقته.

قالت الأم في حسرة: يا بني، لقد جلبت لنا العار والفضيحة، ولو علم الناس بكفرك بالآلهة لهلكت وهلكنا، ألم ترَ كيف يعذب أمية بن خلف عبده "بلالًا"؟ وكيف فعلت قريش بآل ياسر؟

ثم استطردت وهي تنتحب وتبكي: ألم ترَ عمارًا وقد مات أبوه من شدة التعذيب، وقتل "أبو جهل" أمَّه سمية أمام عينيه؟ لماذا يا بني فعلت ذلك وكنت فخرًا لأبيك أمام عشيرته وقومه؟

قال: يا أماه، انظري لهذا الإله المقطوع الرأس الذي تتعبدين له أنت وأبي، هل يسمعك؟ هل نطق مرة وقال لنا شيئًا؟
قالت الأم مشفقة على ابنها: تعلم أنه لا يتكلم ولا يرى ونحن نعبده؛ لأنه يقربنا إلى الله؟

قال خالد: هل أخبرنا هو بذلك، أم هذا ما نظنه نحن وصدقناه بلا عقل أو منطق؟
يا أماه، يقول رب "محمد" صلى الله عليه وسلم له في القرآن الذي جاء به:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾ [الزمر: 1 - 3].

أماه، في قميصي رقعة أخرجيها وانظري ما فيها، لعل الله يشرح صدرك كما حدث لي، إنه كلام رب "محمد"، القرآن الذي جاء به.

قالت الأم: يا للهولَ! رقعة، عن أي رقعة تتكلم يا ولدي؟ ثم دست يديها في جيب قميصه، وأخرجت الرقعة ويداها ترتعشان، ونظرت وقرأت وأعادت قراءتها مرارًا وتكرارًا.

ثم جلست على الأرض يعلوها الانبهار والخوف في آن واحد، وهي تضع يدها على فمها، وهي تهمس مخافة أن يسمعها أحد: والله إنه لكلام لم أسمع مثله من قبل، أهذا ما جاء به محمد، هل هذا هو كلام ربه؟!

نظرت إلى الإله المقطوع الرأس، ونظرت إلى الرقعة، وبدأ بصيص من نور الإيمان يشع في قلبها، وكان هذا كافيًا لترى الحقيقة التي غابت عنها كل هذا الزمن.
حقيقة هذه الآلهة المزعومة.

انشقاق القمر:
اقترب "قيس والد خالد" من بيت الله تعالى وقال:
ها هي الكعبة أمام عينيه ببهائها، ما أجملها وأروعها! لا يستريح القلب إلا بالنظر إليها.
ودخل في خشوع وذهب ليسجد للآلهة، فإذا ببعض الناس تندفع للخارج فقال: ويحكم علامَ تندفعون؟

قالوا: ألا ترى أن القمر قد انشقَّ نصفين؟
قال: نعم، رأيت ذلك وتعجبت منه؛ فهو شيء خارق لا يقدر عليه إلا خالق الكون والناس، ولعل هذا انتقام الآلهة؛ لأنها غاضبة منا.

ثم أردف في غضب:
ويحكم ألا تخافون انتقامها؟ فقد تسقط على رؤوسكم السماء، وبدلاً من التكلم معها ليسكن غضبها تندفعون للخارج، ماذا جرى لعقولكم؟

قالوا: بل ماذا جرى لعقلك أنت؟ ألم تسمع؟
قال "قيس": أسمع ماذا؟

قالوا: إن "محمدًا" أخبر قريشًا أنه سيبين لهم آية تدل على صدق ما جاء به من ربه، وسيجعل القمر ينشق نصفين؟ وقد فعل، وما أظنه إلا سحر أعين الناس..، ثم انصرفوا وتركوه في حيرة يقول لنفسه: محمد من فعل هذا بسحره، مستحيل!

آية كهذه لا يقدر عليها بشر، قالها في نفسه وقد أدرك حقيقة ما يرى: ليس هذا من فعل الآلهة إذًا، إنه رب محمد الذي جاء ليقتله.

تبًّا لك يا قيس، لا يمكن أن يكون هذا سحرًا؛ فالعقل ينفيه، وأنت أعقل وأحكم من تكذيب آية كهذه يراها المرء رؤية عين.

كانت نفسه تأبى الاعتراف والإقرار بهذا "لمحمد"؛ لأن ذلك اعتراف منه بنبوته، وبما جاء به من ربه، وأنه الإله الحق، ولا إله غيره، فكيف يتبرَّأ من هذه الآلهة التي عبدها عمره كله، أبًا عن جدٍّ، ولكنه لا يستطيع أن ينكر أن هذه الآية معجزة، وشيء خارق، لا يقدر عليها إلا خالق السماء والأرض وما فيهما، ثم نظر للآلهة، ونظر للسماء والقمر منشقٌّ نصفينِ.

تم اتجه للكعبة وسجد، لا يدري من يدعو، رب محمد أم الآلهة التي أضاع عمره كله في الدفاع عنها.

هناك شك يدب في قلبه، وعواصف من المشاعر المتناقضة، وأخذ يبكي ويبكي وهو ساجد لا يقول شيئًا، ثم شعر بشعور عجيب بالسكينة في قلبه، فرفع رأسه ونظر إلى السماء وقد أضاء وجهه وأشرق وصفا ذهنه وقد بدا أنه قد عرف طريقه، فرفع يديه وقال بضراعة: لا إله إلا أنت، إن كان ما جاء به محمد هو الحق، فاللهم اجمع شمل أسرتي، وألحقنا بالمؤمنين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله.

ثم قام وأسرع الخطى نحو بيته، كله شوق لرؤية ابنه "خالد"، الذي كان سببًا من حيث لا يدري لهدايته.
ويا للعجب قالها في نفسه، لقد خرج غاضبًا يريد قتل "محمد" وهو أبغض خلق الله لقلبه؛ لِما حدث لابنه، والآن يعود وليس هناك أحب إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلبه يشتاق لرؤية ابنه الذي زاده فخرًا على فخر.

حياة وأمل:
عاد قيس إلى بيته، ودخل في لهفة فرأى ابنه كما تركه، وأمه بجواره وقد امتقع وجهها وتغير، فلم يلتفت لذلك؛ فعينه على ابنه "خالد".

أخذ خَنجرًا يضعه بين ملابسه للدفاع عن نفسه، واتجه نحو خالد يريد فك وَثاقه، ولكن الأم لم تدرك والابن لم يدرك.

ففزعت الأم، وبكى خالد من أجل والده، لا من أجل نفسه؛ فقد وهب حياته لله تعالى، ولا يخشى الموت؛ فقد وجد الحق، ولكن كيف يرضى الأب قتل ابنه وفلذة كبده، وأي عارٍ يحمله بقية حياته وقد سفك دم ابنه؟!

واندفعت الأم تمسك بيديه: ويحك يا قيس! إنه ابنك من لحمك ودمك، أتقتله لأمر ظنه خيرًا؟

أمسك "قيس" يدها برفق وقال: لا تخافي، لن أقتله، وإن قتلته فما طابت لي الحياة بعد ذلك، نظرت إليه في شك وقالت له: اسمع يا قيس، إن أردت أن تقتله فاقتلني أنا أيضًا، فوالله لقد اقتنعت وآمنت بما آمن به ابنك، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فافعل ما بدا لك!
ووقفت بينه وبين ابنه تحميه بجسدها.

وقف "قيس" وقد ذهل، يقول في نفسه: بهذه السرعة استجاب الله تعالى لي، وجمع بيني وبين ابني وزوجتي، ما أرحمه من إله حق! وما أكرمه من رب رحيم كريم!

ثم علت وجهه ابتسامة حانية، وأضاء وجهه وأشرق رضًا بما يحدث، وزوجته تنظر إليه في عجب، فرد فعله لم يكن تتوقعه قط.

ولم يمهلها لتستطرد في تفسير ما يحدث.

وأبعدها برفق وهو يقول لها: لا تخافي، ورب محمد الذي لا إله إلا هو، لقد شرح الله صدري، وآمنت بما آمنتم به، وهذا من فضلِ ربي.

وبينما هي في ذهول، تقدم وقطع بالخَنجر وَثاق ابنه، وضمه إلى صدره يبكي ويقول: لا تؤاخذني يا ولدي بما صنعت؛ فقد كان الحمل ثقيلاً، والحمد لله الذي هداني بسببك، والله لقد رأيت آية شرحت صدري للإسلام.

قال خالد: الحمد لله، الحمد لله، نعم الأب أنت، ثم نظر لأمه وقال: ونعم الأم أنت، بارك الله لكما، ورزقني برَّكما ما طابت لي في هذه الدنيا حياة!

بكى خالد وبكى والداه.
ثم تنهد "قيس والد خالد" وقال في جدية: الحمد لله على نعمة الإيمان بالله تعالى، ولكن لنكتم إسلامنا حتى لا يؤذينا مَن لا يرحمنا ولا يعرفنا، أو يشي بنا من لا يحبنا ويحسدنا حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولاً.

ووافق الجميع، ودبَّت في أرجاء البيت حياة جديدة، يملؤها الأمل، ويضيء نورها الإيمان والتوكل على الله تعالى.

وشرعوا على الفور بكسر الأصنام، والتخلص منها في أرجاء البيت، واستمر "قيس" في صنعته في صنع السيوف بحماس منقطع النظير حتى لا يشك فيه أحد.

ينتظر حتى يأتي أمر الله تعالى، ويوحي إلى رسوله بما يفعله؛ ليفرحوا بإسلامهم بكل حرية بلا خوف.

وظل "خالد" يساعد أباه تارة، وتارة أخرى يلعب مع الفتيان، وهو يكتم خبره، ولكنه يختلط بالناس ليسمع ويراقب عن كثب، وقد وجد حياته أخيرًا، حياة لها هدف ومعنى وقيمة.

حياة يعبد فيها ربًّا يسمع ويرى، حي قيوم، يعلم ما يقوله، ويسمع كلامه، فيما يتناقله الناس من وحي ينزل على رسوله صلى الله عليه وسلم، وينتظر اليوم الذي يفك فيه ربه كرب المؤمنين به؛ ليستخدم كل طاقته لنصرة الدين الذي رأي فيه الحق كل الحق.

بينما ظلت أمه في بيتها تعين زوجها وابنها على الصبر والطاعة، وتذكرهما دومًا بالله تعالى، وكرمه وفضله ورحمته التي جمعت بينهم على حب دينه والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم.

ثم مرت الأيام، وجاء الأمر بالهجرة والفرار بالدين مهما كان الثمن، وكان "خالد" وأسرته في انتظار هذه اللحظة.

فتركوا كل شيء، وأخذوا ما يعينهم على مشقات الرحلة ومصاعب الطريق، وبدأت هجرتهم سرًّا مع الكثير من المؤمنين إلى "المدينة"، وقد كانت رحلة شاقة، فيها الكثير من المشقة والأهوال، ولكن يكفي أنه قد اجتمع شملهم مع إخوانهم في الدين.

يصلون معًا، ويذكرون الله بلا خوف جهارًا نهارًا.
وقد ارتسمت على وجوهم علامات الرِّضا والسكينة.
لم يقلقهم مطاردة المشركين، وتربصهم بهم، ولم يخافوا أبدًا.

فقد كان يقينهم بالله قويًّا، وتوكلهم عليه بلغ مداه، حتى ظهرت على مرمى البصر ملامح مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخيرًا، قد آن الأوان لتستريح القلوب، وترتوي من ينبوع الإيمان ما شاءت بلا حد.
آن الأوان للجهر بشهادة أن إله إلا الله محمد رسول الله بلا خوف أو قهر من المشركين.

وفي المدينة، كانت حياة ثرية مليئة بالأعمال النافعة التي تجمع بين الدين والدنيا، وطغى الحب والإيثار والتكافل بين المؤمنين.

وبدأت بشائر الجهاد في سبيل الله تعالى تؤتي ثمارها، وينتشر الدين، وتحطم الأصنام التي تعبد من دون الله تعالى، ويدخل الناس في دين الله أفواجًا، وكانت هناك مواقف وقصص وبطولات تستحق أن نرويها، وتلك قصص أخرى ربما نكتب عنها فيما بعد.

تمت بحمد الله!




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.88 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.99%)]