[ابوالوليد المسلم]

فوائد الأيام[1]




د. عبدالحكيم الأنيس

الظلام والإبداع
توصَّل باحثون ألمان إلى أن الظلام يعمل على تحفيز الإبداع، وذلك في دراسة أجريت في جامعة دورتموند التقنية فحصت تأثير الإضاءة على الأفكار.

وشملت التجربة 74 شخصًا، كلفهم الباحثون بحلِّ العديد من أسئلة الذكاء، منها مثلًا السؤال عن الاستخدامات الممكنة لمنتج معيَّن. وتم تقسيم المشتركين إلى مجموعتين، الأولى جلستْ في غرفة مضاءة بضوء النهار، والثانية في غرفة مظلمة تمامًا.

وأظهرت النتائجُ أن المشتركين الذين جلسوا في الغرفة المظلمة قدموا أفكارًا أكثر وأفضل بكثير من المشتركين الآخرين.

وعلَّل الأستاذ الدكتور هارتموت هولتسمولر من جامعة دورتموند ذلك بأنه في الظلام يتفتق ذهنُ الإنسان بشكل أكبر، وتسقط الحواجز الاجتماعية، فدون الخوف من التعرض لسهام النقد يصبح الإنسانُ أكثرَ إبداعًا ويقدِّم أفكارًا خلاقة.

كما قد يكون الجوُّ المظلم الخالي من المُلهيات التي تشتِّت انتباهَ الشخص مساعِدًا على استجماعه أفكارَهُ بشكلٍ أفضل من الجو المضيء الذي قد يشتِّتُ انتباهَ الفرد.

أقول: كان الإمام الشافعي يقول: الظلمة أضوَأُ للقلب!
وقصته في إطفاء السراج معروفة.

◘ ◘ ◘ ◘
الزهد في الخير
قال الشيخ أبو بكر بن اللباد (ت: 333هـ): (ما قرب الخير من قوم قط إلا زهدوا فيه)!!
الديباج المذهب (2/197).

◘ ◘ ◘ ◘
املأ صباحك بالعلم
قال أبو يوسف: سئل أبو حنيفة بعد صلاة الصبح عن مسائل، فأجاب فيها فقيل له: أليس كانوا يكرهون الكلام في مثل هذا الوقت إلا بخير؟ فقال أبو حنيفة: وأي خير أكبر من أن تقول: هذا حلال وهذا حرام، تنزه الله، وتحذر الخلق من معاصيه، إن الجراب إذا فرغ من الزاد جاع صاحبه.

◘ ◘ ◘ ◘
حفظ الرب
قال الإمام أبو البركات الأنباري البغدادي (ت: 577هـ) في كتابه الجميل "فرائد الفوائد" المطبوع ضمن (ثلاثة كتب لأبي البركات الأنباري) ص78:
(حفظُ الربِّ أبلغُ مِن توقِّي العبد).

◘ ◘ ◘ ◘
كيف تهون المصيبة
قال أبو البركات أيضاً في كتابه المذكور ص81:
(ترقُّب المثوبة يهوِّن المصيبة).

◘ ◘ ◘ ◘
الحنين إلى الوطن
قال الزاهد العابد إبراهيم بن أدهم:
عالجتُ العبادة فما وجدتُ شيئا أشدَّ عليَّ مِن نزاع النفس إلى الوطن.
وقال:
ما قاسيتُ فيما تركتُ أشدَّ عليَّ من مفارقة الأوطان.
ومعنى قوله: "عالجت العبادة": جاهدتُ نفسي في الإقبال عليها، والقيام بها، والتفرُّغ لها، وأدائها كما يجب.

◘ ◘ ◘ ◘
العمل غير السيطرة
كان الأديب الكاتب المعروف أحمد أمين بن إبراهيم الطباخ (ت:1373هـ) يقول:
(أريد أنْ أعمل لا أن أسيطر).

◘ ◘ ◘ ◘
قتله الخوف
كان الإمام عبد الله بن وهب المصري (125-197هـ) رجلاً صالحاً خائفاً لله، وكان سبب موته أنه قُرئ عليه كتاب الأهوال من (جامعه) فأخذه شيءٌ كالغشي، فحُمِلَ إلى داره، فلم يزل كذلك إلى أن قضى نحبه!
الانتقاء لابن عبد البر ص94. وانظر فيه خبرًا آخر.

◘ ◘ ◘ ◘
بئس الزاد
قال الإمام الشافعي:
(بئس الزاد إلى المعاد: العدوان على العباد).

◘ ◘ ◘ ◘
النجدة الحقيقية
من أجمل ما قيل في تفقُّد حال الصديق إذا كان في ضيق قول الشاعر الأول:
سأشكرُ عَمْراً ما تراختْ منيتي أياديَ لم تُمنن وإن هي جلتِ
فتى غير محجوب الغنى عن صديقهِ ولا مظهر الشكوى إذا النعلُ زلَّتِ
رأى خَلَّتي من حيثُ يخفى مكانُها فكانتْ قذى عينيه حتى تجلَّتِ


وقوله: (من حيث يخفى مكانها) عجيب جداً، فإنه يدل على أن ذلك النبيل كان يبحث بنفسه عن حال ذلك الإنسان، ولم يدعه يُظهر ما نزل به. فلما علم الحال كانت حاجة ذلك الإنسان كالشوكة في عينيه الاثنتين، فلم يقر له قرار حتى قضيت الحاجة وانفرجت الغمة.


[1] درجتُ مدة على إرسال فائدة إلى الأصدقاء يوميا بعنوان: (فائدة اليوم)، وقد سماها بعض الإخوة (فوائد الأيام)، وهذه طائفة مما اجتمع منها.

[2] لو قال: (فالذم منهم لمن يحصي) لكان أوضح.

[3] في الأصل: معابتهم. للعاقل الناس!!