
11-12-2020, 09:50 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,294
الدولة :
|
|
العفاف ذلك الكنز الثمين
العفاف ذلك الكنز الثمين
عبدالله بن عبده نعمان العواضي
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فيا أيها الناس، إن الفضيلة شيمة نبيلة، وحلية كريمة جليلة، تتصف بها النفوس الأبية العلية، وتزرع منها الأعمال والأخلاق الزكية البهية، والرذيلة جربٌ على وجوه أصحابها، وعار وشنار على متبعيها وطلابها، لا تتحلى بها إلا النفوس الدنية التي تباعدت عن العز والشرف، فزرعت فيها الهوان والسقوط، وأوردتها أسفل سافلين.
عباد الله، إن أهل الفضيلة يعيشون في رياض وارفة من الطهر والسعادة، وأما أهل الرذيلة فهم غارفون في الخطيئة وقابعون في سجون الغموم والقلق والخوف، فلذاتهم عابرة، وشقاوتهم دائمة، ﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ [آل عمران: 182].
أيها المسلمون، إن من صور الفضيلة السامية: الحفاظ على الأعراض، وصيانتها من كل ما يخدشها ويشينها، فالعرض عند العاقل وعند العربي وعند المسلم خط أحمر، لا سماح بالجولان حول حماه، والتعرض لهتكه وخدشه، ولو أُهلكت له الأموال، و أريقت -في الحفاظ- عليه الدماء، وتبعثرت لأجله الإشلاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (... ومن قاتل دون أهله فهو شهيد)[3].
ولأهمية الحفاظ عليه، وخطر التفريط فيه كان من الكليات الخمس التي جاء الإسلام للمحافظة عليها، وحراستها من كل صائل عليها.
أما الكرماء في بذله، والمتساهلون في الذود عنه ودفع الصائلين عليه فهم أهل دياثة ودناءة، وسفول وقماءة، ينتهي بهم هذا الطريق المعوج إلى لعنة الزمان، وغضب الرحمن، واحتقار عقلاء بني الانسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يدخلون الجنة، ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق والديه، والمرأة المترجلة، المتشبهة بالرجال، والديوث) [4].
عباد الله، إن العفاف والطهر هو أسمى صورة للحفاظ على الأعراض، فالعفاف عزة ونقاء، وطهارة وبهاء، وسعادة وهناء. وهو لذة مستمرة، وزينة باقية، وجُنة واقية، وحصن منيع.
وهو راحة وأمان، واستقرار واطمئنان، وحياة رغدة سعيدة، وعيشة مملؤة بالهدوء والنعمة الظليلة. وهو صحة وسلامة، وغنى وقوة، وجَنة تفوح منها نسائم السمعة الطيبة والذكر الحسن. ويبقى بين الناس العقلاء الأصحاء خصلةً حميدة، وخلقاً جميلاً، وأدباً أصيلاً، يحفظ الرجال والنساء، والصغار والكبار، والأفراد والجماعات من شقاء الدنيا والآخرة.
عفافُ المرء بين الناس عزٌّ
وفخرٌ في الحياة وفي الممات
وشمسٌ لا تُغيِّبها الليالي
وحصنٌ من سهام الموبقات
فلا تبرحْ حِماه إلى الدنايا
فتهلكْ في أُتون المهلكات
أمة الطهر والعفاف، إن الثورة على الدين الصحيح، والأخلاق الحميدة التي قادتها الحياة المادية المعاصرة قد وصلت بمعاولها إلى جدار العفاف، فهدمت منه ما هدمت، وخدشت منه ما خدشت، فشجّعت على الجريمة الجنسية، والانحراف الأخلاقي، بل وقنّتت للفاحشة وأهلها، وفتحت لهم أماكن الدعارة من مراقص وملاهٍ وفنادق، وشواطئ، وغير ذلك وحرستها ليأمن مجرموها في الجريمة. بل صار الحال في بعض البلدان أن كل شيء له ثمن إلا الأعراض!
ونظراً لانتصار الكفار في الحياة المادية، وامتلاكهم وسائل التأثير والسيطرة بدأوا يصدرون قذرهم ونجسهم إلى بلدان المسلمين سراً وعلناً تحت مسميات مختلفة.
أو ذهب بعض المسلمين إليهم مستورداً: إما بتجارة وإما بدراسة وإما بعمل وإما بغير ذلك، فرجع إلى قومه وبلاده ليجرح العفاف أو ينحره بقوله أو بفعله.
عند ذلك رفعت الفاحشة رأسها، وطفقت تفشو بين المسلمين حتى صارت ظاهرة في بعض بلدانهم، وأصبحت مظهراً من مظاهر التقدم والتطور- زعموا -، وأضحى الحياء والطهر والعفاف صورة من صور الرجعية والتأخر، هكذا يقولون أو يظنون، ألا ساء ما يحكمون.
فسبحان الله! كيف تغيرت المفاهيم، وانقلبت الفطر كما انقلبت فطر قوم لوط فلاموا لوطاً ومن معه على العفاف والطهارة، قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 82].
قال بعض الأدباء: " كانت العفة في سقاء من الحجاب موكوء فما زال عطشى الرذيلة يثقبون في جوانبه كل يوم ثقباً، والعفة تتسلل منه قطرة قطرة، حتى تقبض الوكاء وتكرَّش، ثم لم يكفهم ذلك حتى أرادوا أن يحلّوا وكاءه حتى لا تبقى فيه قطرة واحدة ".
أمة الإسلام، إننا بحاجة إلى الحديث في هذه الموضوع المهم؛ حفظاً لأعراضنا، وصيانة لمجتمعاتنا، ومعذرة إلى ربنا؛ لعل أصحاب الرذيلة إلى ربهم يرجعون، وجميعَ المسلمين يعون الخطر فينتبهون.
وإن الشر بدأ يتفاقم على المجتمعات الإسلامية المحافظة على عفافها كهذا المجتمع الذي نعيش فيه، فظهرت أعمال، وأقيمت منتديات، وسوقت دراسات قانونية لإقرارها وإلزام الدولة بها، لتصبح الجريمة بعد ذلك محمية بالقانون!
أيها المسلمون، إن دين الإسلام دين العفاف والطهارة؛ لأنه مصلحة في عاجل الناس وآجلهم، وإن بقاءهم في سلام مرهون ببقاء العفاف فيهم، والناظر في هذه الشريعة المحمدية يرى أن الإسلام يدعو إلى التمسك بالعفاف، والحفاظ عليه، والدفاع عنه من كل صيالة.
يذكر أحد الدعاة في بلاد الغرب أن امرأة ألمانية جاءت لتعلن إسلامها بين يديه فسألها -قبل أن تعلن الشهادة؛ ليعلم دوافع إسلامها وصدقها في ذلك؛ فإن حالنا نحن المسلمين لا يسر حبيباً، قال: ما سبب إسلامك؟ فقالت: أنا أسلمت؛ لأن الإسلام دين العفة، ثم ذكرت قصة حدثت كانت سبباً لإسلامها.
عباد الله، إن الإسلام لا يحارب الفطرة الجنسية، ولكنه يوظفها التوظيف الصحيح، فقد دعا الإسلام إلى الزواج؛ لأنه أعظم وسيلة لقضاء الوطر من غير خطر على البشر، فقال تعالى: ﴿ فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ﴾ [النساء: 3].
وحث في الزواج على اختيار الزوج والزوجة الصالحين، فالعفيف هو الذي يقبل به أولياء المرأة زوجاً لموليتهم، والعفيفة هي التي يقبلها المسلم العاقل زوجة له، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) [5].
وقال: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) [6].
فالفاحش الزاني لا يزوج من بنات المسلمين، والفاحشة الزانية لا يرغب فيها ذوو الشرف والطهارة من أهل الإيمان حتى يتوبوا إلى الله توبة نصوحا قال تعالى: ﴿ الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 3].
إن الإسلام يدعو -عند العجز عن الزواج- إلى الصبر والصوم طلباً للعفة، قال تعالى: ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ.. ﴾ [النور: 33]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن يستعفف يعفه الله) [7].
وقال: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء) [8].
والإسلام يأمر المسلم والمسلمة بغض البصر وعدم إطلاقه، قال تعالى: ﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ [النور: 30-31]؛ لأن البصر رائد الفجور وطريق الشرور.
والإسلام يدعو الرجل إلى الغَيرة على حرماته ونسائه، قال سعد بن عبادة رضي الله عنه: يا رسول الله، لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أتعجبون من غيرة سعد! والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن) [9].
فالرجال أساس عفة النساء، فإذا عفوا وغاروا حافظت النساء على عفافهن، وإذا فحشوا فالنساء تبع لهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم، وعفوا تعف نساؤكم)[رواه الحاكم والطبراني].
قال الغزالي: "ثمرة الحمية الضعيفة قلة الأنفة مما يؤنق منه من التعرض للحرم والزوجة، واحتمال الذل من الأخسّاء، وصغرُ النفس، والقماءة، ومن ثمراته: عدم الغيرة، وإنما خلقت الغيرة لحفظ الأنساب، ولو تسامح الناس بذلك لاختلطت الأنساب؛ ولذلك قيل: كل أمة ضعفت الغيرة في رجالها ضعفت الصيانة في نسائها".
وينسب للشافعي أنه قال:
عفوا تعفَّ نساؤكم في المحرم
وتجنبوا مالا يليق بمسلم
إن الزنا دَين فإن أقرضته
كان الزنا من أهل بيتك فاعلم
وحفاظاً على العفاف فإن الإسلام يدعو الأبوين إلى تربية البنين والبنات ابتداء بالقدوة الحسنة: الأب للأبناء، والأم للبنات، ثم بالمراقبة والمتابعة، فاليوم جيوش الفاحشة والرذيلة ومحاربو العفاف والفضيلة يصلون إلى البيوت من غير سلاح عبر القنوات الفضائية، ومواقع النت الإباحية، وصفحات الاتصال الاجتماعية، والمكالمات الهاتفية، ورسائل الجوالات الوقحة.
فلينظر الأب والأم ماذا يُعرض في البيت، وماذا يفعل الأبناء والبنات قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
وحفظاً لعفة المرأة وسلامتها دعاها الإسلام إلى لزوم بيتها، وأن لا تكون خرّاجة ولاّجه إلا لحاجة قال تعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى.. ﴾ [الأحزاب: 33].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|