شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كيفية التكشف عند قضاء الحاجة
صــ 9إلى صــ 16
الحلقة (13)
[تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان إذا أراد حاجة)]
قوله:
[حدثنا زهير بن حرب].
هو أبو خيثمة زهير بن حرب، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، وقد أخرج عنه مسلم كثيرا، ولهذا يأتي ذكره في صحيح مسلم كثيرا.
قال في التقريب: روى عنه مسلم في صحيحه أكثر من ألف حديث، لكن أكثر منه أبو بكر بن أبي شيبة؛ لأنه روى عنه مسلم أكثر من ألف وخمسمائة حديث.
[حدثنا وكيع].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة يدلس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن رجل].
هذا الرجل مبهم.
وقد جاء في عون المعبود: (عن رجل) قيل: هو القاسم بن محمد أحد الأئمة الثقات، وقيل: هو غياث بن إبراهيم وهو ضعيف.وأورد البيهقي هذا السند في سننه الكبرى مع تحديد أن الرجل هو القاسم بن محمد،
قال البيهقي: وأخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله الخسروجردي أنبأنا أبو بكر الإسماعيلي حدثنا عبد الله بن محمد بن مسلم من أصل كتابه حدثنا أحمد بن محمد بن أبي رجاء المصيصي شيخ جليل حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن القاسم بن محمد عن ابن عمر قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة تنحى، ولا يرفع ثيابه حتى يدنو من الأرض).ولعل هذا هو الوجه الذي صحح الحديث به.وعلى كل حال فإن معنى الحديث صحيح ولو لم يصح سنده، والأخذ به مطلوب؛ لأن الأمر بستر العورة مطلوب ولا تكشف إلا على قدر الحاجة، والحاجة إنما تكون عند الدنو من الأرض؛ لأنه يحصل به من التستر ما لا يحصل عند رفع الثوب في حال القيام قبل أن يهوي إلى الأرض.
[ذكر الاختلاف في روايات حديث: (أن النبي كان إذا أراد حاجة)]
[قال أبو داود: رواه عبد السلام بن حرب عن الأعمش عن أنس بن مالك، وهو ضعيف].
قول أبي داود رحمه الله: (رواه عبد السلام بن حرب عن الأعمش عن أنس وهو ضعيف)، الضعف الذي في هذه الرواية التي أشار إليها أبو داود هو من جهة الإرسال والانقطاع بين الأعمش وأنس؛
لأنه قيل: إن الأعمش لم يسمع من أنس شيئا، وقد جاء أنه لقيه لكن ما جاء أنه سمع منه.وهي رواية أيضا موجودة عند الترمذي،
وفيه أيضا طريق أخرى عن ابن عمر لكنه قال: وكلاهما مرسل؛ لأن الأعمش ليس له رواية لا عن أنس ولا عن ابن عمر.وعبد السلام بن حرب هذا ثقة،
قال عنه الحافظ في التقريب: ثقة له مناكير، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[قال أبو عيسى الرملي: حدثنا أحمد بن الوليد حدثنا عمرو بن عون أخبرنا عبد السلام به].الذي ذكر هذا هو أحد رواة أبي داود وهو أبو عيسى الرملي،
وهو وراق أبي داود يقول: إن هذا الذي أشار إليه أبو داود وصل إليه من غير طريق أبي داود متصلا إلى عبد السلام.
قوله:
[حدثنا أحمد بن الوليد].
وأحمد بن الوليد هذا ليس له ترجمة في التقريب.
[حدثنا عمرو بن عون].
عمرو بن عون ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا عبد السلام].
هو ابن حرب، وهو الذي أشار إليه أبو داود، وعبد السلام يروي عن الأعمش عن أنس، وقد عرفنا العلة التي أشار إليها أبو داود في ذلك وهي أنه ضعيف بسبب الإرسال.وإطلاق أن رواية الأعمش عن الصحابة مرسلة هذا من باب إطلاق المرسل إطلاقا عاما،
وهو غير الإطلاق الخاص المشهور الذي هو قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا،
يعني: أن المرسل المشهور عند المحدثين هو: ما قال فيه التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا.ولكن يأتي الإطلاق العام، وهو أن يروي الراوي عمن لم يدرك عصره أو عمن أدرك عصره ولم يسمع منه، وهذا هو الذي يسمى المرسل الخفي، فالمرسل الخفي يكون الراوي مدركا لمن أرسل عنه ولقيه ولكن لم يسمع منه، ولهذا فإنهم يفرقون بين المرسل الخفي وبين المدلس، فالتدليس يختص برواية الراوي عن شيخ سمع منه ما لم يسمعه منه بلفظ محتمل، أما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه، أو لقيه ولم يسمع منه، فهذا هو المرسل الخفي.
كراهية الكلام عند الحاجة
[شرح حديث: (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كراهية الكلام عند الحاجة.حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا ابن مهدي حدثنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن عياض قال: حدثني أبو سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان فإن الله عز وجل يمقت على ذلك).قال أبو داود: لم يسنده إلا عكرمة بن عمار].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب كراهية الكلام عند الحاجة،
يعني: كون الإنسان يقضي حاجته ويتكلم مع غيره، نعم إذا كان هناك حاجة وضرورة إلى الكلام فله أن يتكلم بحدود الحاجة والضرورة،
مثلا: إذا كان الإنسان في الخلاء وطرق عليه الباب فلا بأس أن يجيبه، لكن كون الرجل يقضي الحاجة وهذا يقضي الحاجة ويتحدثان كأنهما جالسان للحديث فهذا لا يليق ولا ينبغي، بل على الإنسان أن يسكت عند قضاء الحاجة ولا يتكلم ولا يذكر الله عز وجل، ولكن إذا اضطر إلى الكلام أو كان هناك أمر يقتضي الكلام فليتكلم في حدود ما تدعو إليه الحاجة.
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط) يعني: لفعل الغائط،
يقال: ضرب الغائط إذا قضى حاجته،
وأما إذا قيل: يضرب في الأرض فمعناه: أنه يسافر،
وأما إذا قيل: ضرب الغائط فمعناه: أنه قضى الحاجة، فـ (ضرب) إذا عدي بنفسه فالمراد به قضاء الحاجة، وإذا عدي بـ (في) فالمراد به السفر في الأرض.
وقوله: (فإن الله يمقت على ذلك) يعني: أن الله يبغض ذلك،
والمقت هو: شدة البغض،
والممقوت هو: المبغوض.
[تراجم رجال إسناد حديث: (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما)]
[حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة].
عبيد الله بن عمر بن ميسرة ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا ابن مهدي].
هو عبد الرحمن بن مهدي، وهو ثقة، بل من أئمة الجرح والتعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وقد قال عنه الذهبي في كتاب (من يعتمد قوله في الجرح والتعديل): إن يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي إذا تكلما في شخص أو جرحا شخصا فهو لا يكاد يندمل الجرح،
يعني: أنهما إذا اتفقا على تجريح شخص فإنهما يصيبان الهدف ويصلان إلى الغاية في الجرح والتعديل.وابن مهدي إمام من أئمة الجرح والتعديل.
[حدثنا عكرمة بن عمار].
عكرمة بن عمار صدوق يغلط، وروايته عن يحيى بن أبي كثير فيها اضطراب، وهنا روايته في هذا الإسناد هي عن يحيى بن أبي كثير اليمامي، ويحيى بن أبي كثير اليمامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة،
وهو الذي قال الكلمة المشهورة التي رواها عنه مسلم في صحيحه: (لا يستطاع العلم براحة الجسم)،
يعني: من أراد أن يحصل العلم فلابد أن يتعب ولابد أن ينصب؛ لأنه لا يحصل أحد العلم بدون مقابل، بل لابد من بذل النفس والنفيس والغالي والرخيص، فبذلك يحصل العلم، أما أن يريد علما وهو كسول مخلد إلى الراحة، لا يصبر على النصب والمشقة والتعب، فإن هذا لا يحصل شيئا، وطلبه للعلم أو رغبته في العلم مع كسله وخموله من الأماني الكاذبة، ولكن من أراد العلم فليبذل ما يستطيع لتحصيله.
ويحيى بن أبي الكثير اليمامي يروي هذا الحديث عن هلال بن عياض ويقال: عياض بن هلال وهو مجهول، تفرد بالرواية عنه يحيى بن أبي كثير، وأخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
[حدثني أبو سعيد].
هو سعد بن مالك بن سنان،
مشهور بكنيته ونسبته: أبي سعيد الخدري، وهو من أكثر الصحابة حديثا، وهو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث ضعيف من جهتين: من جهة عكرمة بن عمار؛ لأن في روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطرابا، ومن جهة أيضا هلال بن عياض أو عياض بن هلال؛ لأنه مجهول تفرد بالرواية عنه يحيى بن أبي كثير اليمامي.ولكن المعنى صحيح من جهة أن الإنسان لا يجعل حالته وهو يقضي حاجته كحالته في غير ذلك، فلا يتحدث كيف شاء من غير الحاجة ومن غير شيء يدفع إلى ذلك؛ ولأن الكلام أيضا قد يكون فيه ذكر الله، والإنسان لا يذكر الله عز وجل في أماكن قضاء الحاجة.
[الدفاع عن رجال الصحيح الذين تكلم فيهم]
[قال أبو داود: هذا لم يسنده إلا عكرمة بن عمار].
وعكرمة بن عمار عرفنا ما قيل فيه، وفي هذا إشارة إلى علة الحديث، وفيه العلة الأخرى وهي: الرجل مجهول الذي هو هلال بن عياض أو عياض بن هلال.وعكرمة بن عمار أخرج حديثه البخاري تعليقا ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.ولكن ينبغي أن يعلم أن الأشخاص الذين تكلم فيهم وقد أخرج لهم البخاري على أحوال، وابن حجر رحمه الله في كتابه (هدي الساري) الذي هو مقدمة الفتح ذكر الذين تكلم فيهم من رجال البخاري على حروف المعجم، وأجاب عن الكلام فيهم من جهة أن الكلام لم يثبت أو أن المتكلم هو نفسه مجروح ولا يقبل جرحه وكلامه، أو من جهة أن رواية هذا الذي تكلم فيه تكلم فيها في شخص أو من جهة شخص، والرواية في الصحيح ليست من جهة الشخص المتكلم فيه، أو لأنه روى عنه حديثا أو حديثين متابعة أو ما إلى ذلك، فذكر الجواب عن هؤلاء الذين انتقدوا وتكلم فيهم، وبين أن الكلام في ذلك أو فيهم لا يؤثر للأسباب التي ذكرها والتوجيهات التي أشار إليها.
وفي بعض النسخ زيادة على كلام أبي داود الأخير: [قال أبو داود: هذا لم يسنده إلا عكرمة وهو من حديث أهل المدينة حدثناه أبو سلمة حدثنا أبان حدثنا يحيى بهذا.يعني: موقوفا].
يعني: موقوفا على أبي سعيد الخدري.والله أعلم.
الأسئلة
[صلاة المتأخر على الجنازة]
q إذا أتيت بعد التكبيرة الثالثة من صلاة الجنازة فكبرت وتبعت الإمام فقرأت الفاتحة ماذا أفعل؟ وإذا كان الإمام يطول في الدعاء هل أصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وأدعو للميت بدون تكبير، فإذا سلم الإمام أسرد التكبير الباقي، أم ماذا أفعل؟
a الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا)، فالإنسان يدخل معه، وإذا تمكن أن يقرأ الفاتحة والصلاة على النبي والدعاء فعل، وإذا لم يمكن إلا أحدها فالدعاء هو الأولى؛ لأن الدعاء هو الأصل في صلاة الجنازة، وإذا سلم يكبر، وإذا كبر يدعو للميت دعاء قصيرا فيقول: الله أكبر، اللهم اغفر له، ثم يقول: الله أكبر، اللهم اغفر له، ويسلم.