على بساط الحب
طاهر العتباني
في رحاب الصحب الكرام..
حبُّ الصحابةِ سُنَّةُ الأبرارِ *** فاسكُب هواكَ بروضةِ الأشعارِ
واستَسقِ من فيضِ الهدايةِ مَدحهمْ *** وانقُشْ على الدُّنيا رؤَى الأَنصارِ
من كانَ يسكبُ شِعرَهُ متغزلاً *** ويعيشُ رهنَ الوهمِ والقيثارِ
فأنا أصبُّ خَوالجي في ثلَّةٍ *** رفعَت لدينِ اللهِ كلَّ منارِ
واستَبسلتْ رغم الشدائدِ والعِدا *** نصراً لدينِ اللهِ دونَ فِرارِ
فهُم الهداةُ، وكلُّ هديٍ بعدَهُمْ *** يَجري على سُننِ الهداةِ السَّاري
عقَدوا لواءَ العزم فوقَ جَبينهمْ *** لا لَم تَرُعهُم صولةُ الكفارِ
وهمُ الأُلى حمَلوا لواءَ عقيدةٍ ال *** توحيدِ في الأَعصارِ والأمصارِ
وهمُ الأُلى مستضعَفينَ تَخالُهمْ *** أُسداً يهابهُمُ الكَميُّ الضاري
حتى إذا ما مكَّنَ الرحمنُ دي *** نَهمُ لهم لم يركَنوا لقرارِ
زحَفوا إلى كلِّ البلاد أَشاوساً *** يبغونَ نشرَ الذكرِ والآثارِ
قرؤوا كتابَ اللهِ فارتشفوا الهُدى *** من فيضهِ القدسيِّ في إكبارِ
شَرِبوا معانِيَهُ فأشرقَ قلبُهمْ *** بالوَحي، وارتَكنوا إلى الجبَّارِ
هذا رسولُ اللهِ بينهمُ وه *** ذا خَطوُهُ قبَسٌ من الأنوارِ
باعوا نفوسَهمُ لبارئهم وقَدْ *** وفَّوا بها بيعَ الفتى المِغوارِ
للهِ درُّهمُ، وما ضحَّوا بهِ *** أفَلا نسيرُ على خُطى الأَحرارِ؟
هذا "أبو بكرٍ" يصدِّق "أحمداً" *** ويكونُ أوَّلَ مؤمنٍ وحَوارِي
إيمانهُ يزِنُ الجبالَ رزانةً *** ويفُوقُ وزناً مُؤمني الأعصارِ
يأبى جِوارَ المشركينَ، ويرتضي *** مُتسامياً باللهِ خيرَ جِوارِ
صَحِبَ النبيَّ مهاجراً ومجاهداً *** واختارَهُ المختارُ للأخطارِ
شهدَ الوقائعَ كلَّها وهو الذي *** سبقَ الجميع بكلِّ سبقٍ جارِ
وتلا كتابَ اللهِ بين جموعِهمْ *** فاستَيقنوا مِن حكمةِ القهارِ
ومضَى على سننِ الرسولِ، يَحوطُهُ *** عزمُ اليقينِ وصَولةُ الأَطهارِ
لَم يخشَ مرتدًّا، ولم يعبَأْ بِمنْ *** قد راجَعوهُ بحجَّةٍ وحوارِ
ومضى بجندِ الحقِّ تحتَ لوائهِ *** نصرَ اليقين بقوةِ الإصرارِ
هذا هوَ الفاروقُ يأتي بعدَهُ *** في الفضلِ فاعرِف قدوةَ الأخيارِ
بدعاءِ طهَ جاءَ يسعَى مسلماً *** فأعزَّ دينَ اللهِ بالإقرارِ
قد كانَ في كلِّ المواطنِ مَعلماً *** للحقِّ يمشي في يقينٍ سارِ
ويخافهُ الشيطان في كلِّ الفِجا *** جِ، وليس يخشى بَطشةَ الفجارِ
ويقيمُ دولة أُمَّةِ الإسلام في *** ركبِ العدالةِ رحبةَ الأمصارِ
وتُديلُ دولتُهُ الملوكَ وما بنوا *** فوقَ الجماجم من بناءٍ هارِ
هذا أبو حفصٍ، وتلك مسيرةٌ *** للحقِّ تمضي دونَ أيِّ إسَارِ
عثمانُ ذو النورَينِ يأتي بعدَهُ *** في الفضلِ، أنعِم بالحييِّ الشاري
في يومِ عُسرتها يقدمُ مالَهُ *** وشهادةُ المختار رمزُ فخارِ
ما ضرَّ عثمانَ الحييَّ مصيبةٌ *** وقعت بهِ من عصبةِ الأشرارِ
هل كانَ إلا فاتحاً سبلَ الهدى *** مخرَت سفائنهُ عُبابَ بحارِ
هل كان إلا راعياً متوسِّماً *** دربَ النبيِّ تواضعاً للباري
هل كان إلاَّ مُنفقاً من مالهِ *** يُعطي الجزيلَ وليس ثمَّ يماري
نالَ الشهادة مِثلما الفاروقُ لم *** يجزعْ ويبطِش بطشةَ الفجارِ
أمَّا الإمامُ فإنه ركنُ الهدى *** لم يخشَ قدماً صولةَ الكفارِ
قد نام في بُردِ النبيِّ ولم يهَبْ *** إذ سار ركبُ المصطفى للغارِ
ردَّ الأمانات التي عهدَت بها *** كفُّ النبيِّ إليهِ في إعذارِ
وتزوجَ الزهراء يا نِعم الفَتى *** نعمَ الفتاةُ سليلةُ المختارِ
في "خيبرٍ" قد كان سيفاً باتراً *** وسَلِ اليهود تُجبك بالأخبارِ
هو آخرُ الخلفاءِ واجهَ فتنةً *** عَمياء، لم يركَب سِوى الأخطارِ
في عقلهِ ألَقُ الشريعة واضحٌ *** يمشي بقلبِ الفارسِ المغوارِ
حتى إذا طَعنَ الشقيُّ الهامةَ ال *** شَّماءَ، لم ينقمْ مِن الفجارِ
حكمُ الشريعة واضحٌ: رأسٌ برأ *** سٍ..ذاك حكمُ العادل الصبَّارِ
أما التي نزلت براءتُها وكا *** نَت رغمَ ليلِ المحنةِ الهدَّارِ
قبساً مِن الصبرِ الجميلِ ومَعدِناً *** للدينِ والتقوى ونعمَ الجارِ
وهي التي روَتِ الحديث وعلَّمتْ *** وتفقَّهت، وحبيبةُ المُختارِ
نقلَت من الأحكام فيضاً زاخراً *** وأزاحَتِ الأستارَ عن أسرارِ
في المكثرينَ يعدُّها أهلُ الحدي *** ثِ، فهل ترى للفضلِ من إنكارِ؟
ذي سيرةُ الصحبِ الكرامِ وفضلُهمْ *** فتعلَّموا من سيرةِ الأبرارِ
لا تُنكروا شمسَ الضحى فهُمُ الشمو *** سُ على القرونِ، وثُلَّةُ الأقمارِ
فضلُ الصحابةِ كوكبٌ متوقِّدٌ *** فخُذوا الضِّيَاْ من كوكبٍ سيَّارِ.