الموضوع: فصل في السحر
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 17-12-2020, 07:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,730
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فصل في السحر

فصل في السحر
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك







الثاني: ما يقع بخداع وتخيلات لا حقيقة لها، نحو ما يفعله المُشعوذ من صرف الأبصار عما يتعاطاه بخفة يده، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: ﴿ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾ [طه: 66]، وقوله تعالى: ﴿ سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ ﴾ [الأعراف: 116]، ومن هناك سموا موسى ساحرًا، وقد يستعين في ذلك بما يكون فيه خاصية، كالحجر الذي يجذب الحديد المسمى المغنطيس.


الثالث: ما يحصل بمعاونة الشياطين بضرب من التقرب إليهم، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾.


الرابع: ما يحصل بمخاطبة الكواكب واستنزال روحانياتها بزعمهم.
قال ابن حزم[111]: ومنه ما يوجد من الطلسمات، كالطابع المنقوش فيه صورة عقرب في وقت كون القمر في العقرب "1050ب"، فينفع إمساكه من لدغة العقرب، وكالمشاهد ببعض بلاد الغرب - وهي سرقسطة - فإنها لا يدخلها ثعبان قط إلا إن كان بغير إرادته، وقد يجمع بعضهم بين الأمرين الأخيرين، كالاستعانة بالشياطين ومخاطبة الكواكب، فيكون ذلك أقوى بزعمهم.


قال أبو بكر الرازي في "الأحكام[112]" له: كان أهل بابل قومًا صابئين، يعبدون الكواكب السبعة ويسمونها آلهة، ويعتقدون أنها الفعالة لكل ما في العالم، وعملوا أوثانًا على أسمائها، ولكل واحد هيكل فيه صنمه يتقرب إليه بما يوافقه بزعمهم من أدعية وبخور، وهم الذين بُعث إليهم إبراهيم، وكانت علومهم أحكام النجوم، ومع ذلك فكان السحرة منهم يستعملون سائر وجوه السحر وينسبونها إلى فعل الكواكب؛ لئلا يُبحث عنها وينكشف تمويههم.


قال الحافظ: ثم السحر يُطلق ويراد به الآلة التي يُسحر بها، ويطلق ويراد به فعل الساحر، والآلة تارة تكون معنى من المعاني فقط، كالرُّقى والنفث في العقد، وتارة تكون بالمحسوسات، كتصوير الصورة على صورة المسحور، وتارة بجمع الأمرين الحسي والمعنوي، وهو أبلغ.


واختلف في السحر: فقيل: هو تخييل فقط ولا حقيقة له، وهذا اختيار أبي جعفر الأستراباذي من الشافعية[113] وأبي بكر الرازي من الحنفية[114] وابن حزم[115] الظاهري وطائفة.


قال النووي[116]: والصحيح: أن له حقيقة، وبه قطع الجمهور[117]، وعليه عامة العلماء، ويدل عليه: الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة.


قال الحافظ: لكن محل النزاع: هل يقع بالسحر انقلاب عين أو لا؟ فمن قال: إنه تخييل فقط منع ذلك، ومن قال: إن له حقيقة، اختلفوا، هل له تأثير فقط بحيث يغير المزاج، فيكون نوعًا من الأمراض، أو ينتهي إلى الإحالة بحيث يصير الجماد حيوانًا مثلًا وعكسه؟


فالذي عليه الجمهور[118]: هو الأول، وذهبت طائفة قليلة إلى الثاني، فإن كان بالنظر إلى القدرة الإلهية فمسلم، وإن كان بالنظر إلى الواقع "1051أ" فهو محل الخلاف، فإن كثيرًا ممن يدعي ذلك لا يستطيع إقامة البرهان عليه.


ونقل الخطابي[119]: أن قومًا أنكروا السحر مُطلقًا، وكأنه عنى القائلين بأنه تخييل فقط، وإلا فهي مكابرة.
وقال المازري[120]: جمهور العلماء[121] على إثبات السحر، وأن له حقيقة، ونفى بعضهم حقيقته، وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة، وهو مردود؛ لورود النقل بإثبات السحر، ولأن العقل لا يُنكر أن الله قد يخرق العادة عند نطق الساحر بكلام ملفق، أو تركيب أجسام، أو مزج بين قوى على ترتيب مخصوص، ونظير ذلك: ما يقع من حُذاق الأطباء من مزج بعض العقاقير ببعض حتى ينقلب الضار منها بمفرده فيصير بالتركيب نافعًا، وقيل: لا يزيد تأثير السحر على ما ذكر الله تعالى في قوله: ﴿ يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ﴾ [البقرة: 102]؛ لكون المقام مقام تهويل، فلو جاز أن يقع به أكثر من ذلك لذكره.


قال المازري: والصحيح من جهة العقل: أنه يجوز أن يقع به أكثر من ذلك.


قال: والآية ليست نصًا في منع الزيادة، ولو قلنا: إنها ظاهرة في ذلك، ثم قال: والفرق بين السحر والمعجزة والكرامة: أن السحر يكون بمعاناة أقوال وأفعال حتى يتم للساحر ما يريد، والكرامة لا تحتاج إلى ذلك، بل إنما تقع غالبًا اتفاقًا.


وأما المعجزة: فتمتاز عن الكرامة بالتحدي، ونقل إمام الحرمين الإجماع على أن السحر لا يظهر إلا من فاسق، وأن الكرامة لا تظهر على فاسق، ونقل النووي في زيادات "الروضة[122]" عن المتولي نحو ذلك، وينبغي أن يعتبر بحال من يقع الخارق منه، فإن كان متمسكًا بالشريعة متجنبًا للموبقات فالذي يظهر على يده من الخوارق كرامة، وإلا فهو سحر؛ لأنه ينشأ عن أحد أنواعه كإعانة الشياطين.


وقال القرطبي[123]: السحر حيل صناعية يُتوصل إليها بالاكتساب، غير أنها لدقتها لا يتوصل إليها إلا آحاد الناس، ومادته الوقوف على خواص الأشياء، والعلم بوجوه تركيبها وأوقاته وأكثرها تخييلات بغير حقيقة وإيهامات بغير ثبوت، فيعظم عند من لا يعرف ذلك، كما قال الله تعالى عن سحرة فرعون: ﴿ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأعراف: 116]، مع أن حبالهم وعصيهم لم تخرج عن كونها حبالًا وعصيًا، ثم قال: والحق: أن لبعض أصناف السحر تأثيرًا في القلوب، كالحب والبغض، وإلقاء الخير والشر "1051ب"، وفي الأبدان بالألم والسقم، وإنما المنكور أن الجماد ينقلب حيوانًا أو عكسه بسحر الساحر ونحو ذلك.


قوله: وقول الله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾... الآية، كذا للأكثر، وساق في رواية كريمة إلى قوله: ﴿مِنْ خَلَاقٍ ﴾، وفي هذه الآية: بيان أصل السحر الذي يعمل به اليهود، ثم هو مما وضعته الشياطين على سُليمان بن داود عليه السلام، ومما أُنزل على هاروت وماروت بأرض بابل، والثاني متقدم العهد على الأول؛ لأن قصة هاروت وماروت كانت من قبل زمن نوح عليه السلام على ما ذكر ابن إسحاق وغيره، وكان السحر موجودًا في زمن نوح؛ إذ أخبر الله عن قوم نوح: أنهم زعموا أنه ساحر، وكان السحر أيضًا فاشيًا في قوم فرعون، وكل ذلك قبل سليمان.


واختلف في المراد بالآية: فقيل: إن سليمان كان جمع كتب السحر والكهانة فدفنها تحت كرسيه، فلم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي، فلما مات سُليمان، وذهبت العلماء الذين يعرفون الأمر جاءهم شيطان في صورة إنسان، فقال لليهود: هل أدلكم على كنز لا نظير له؟ قالوا: نعم، قال: فاحفروا تحت الكرسي فحفروا - وهو متنح عنهم - فوجدوا تلك الكتب، فقال لهم: إن سليمان كان يضبط الإنس والجن بهذا، ففشا فيهم أن سُليمان كان ساحرًا، فلما نزل القرآن بذكر سُليمان في الأنبياء أنكرت اليهود ذلك وقالوا: إنما كان ساحرًا، فنزلت هذه الآية، أخرجه الطبري وغيره عن السدي[124].


ومن طريق سعيد بن جبير بسند صحيح نحوه[125]، ومن طريق عمران بن الحارث، عن ابن عباس موصولًا بمعناه[126]، وأخرج من طريق الربيع بن أنس نحوه[127]، ولكن قال: إن الشياطين هي التي كتبت كتب السحر ودفنتها تحت كرسيه، ثم لما مات سليمان استخرجته وقالوا: هذا العلم الذي كان سُليمان يكتمه الناس.


وأخرجه من طريق محمد بن إسحاق، وزاد: أنهم نقشوا خاتمًا على نقش خاتم سليمان، وختموا به الكتاب[128]، وكتبوا عنوانه: هذا ما كتب آصف بن برخياء الصديق للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم، ثم دفنوه، فذكر نحو ما تقدم[129].


وأخرج من طريق العوفي، عن ابن عباس "1052أ" نحو ما تقدم عن السدي، ولكن قال: إنهم لما وجدوا الكتب قالوا: هذا مما أنزل الله على سُليمان فأخفاه منا[130].


وأخرج بسند صحيح عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: انطلقت الشياطين في الأيام التي ابتلي فيها سُليمان فكتبت كُتبًا فيها سحر "وكفر[131]" ثم دفنتها تحت كرسيه ثم أخرجوها بعده فقرؤوها على الناس[132].


وملخص ما ذكر في تفسير هذه الآية: أن المحكي عنهم: أنهم اتبعوا ما تتلوا الشياطين هم أهل الكتاب؛ إذ تقدم قبل ذلك في الآيات إيضاح ذلك، والجملة معطوفة على مجموع الجُمل السابقة من قوله تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ ﴾... إلى آخر الآية [البقرة: 101]، و"ما" في قوله: ﴿ مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ ﴾ موصولة على الصواب، وغلط من قال: إنها نافية؛ لأن نظم الكلام يأباه، و: ﴿ تَتْلُو الشَّيَاطِينُ ﴾ لفظه مضارع، لكن هو واقع موقع الماضي، وهو استعمال شائع، ومعنى: ﴿ تَتْلُو ﴾ تتقول؛ ولذلك عداه بـ "على"، وقيل: معناه[133] تتبع أو تقرأ، ويحتاج إلى تقدير. قيل: هو: تقرأ على زمان ملك سليمان.


وقوله: ﴿ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ﴾ ﴿ مَا ﴾: نافية جزمًا.
وقوله: ﴿ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا ﴾، هذه الواو عاطفة لجملة الاستدراك على ما قبلها.
وقوله: ﴿ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾.


﴿ النَّاسَ ﴾: مفعول أول، و﴿ السِّحْرَ ﴾: مفعول ثان، والجملة: حال من فاعل ﴿ كَفَرُوا ﴾، أي: كفروا معلمين. وقيل: هي بدل من: ﴿ كَفَرُوا ﴾، وقيل: استئنافية، وهذا على إعادة ضمير ﴿ يُعَلِّمُونَ ﴾ على الشياطين، ويحتمل عوده على الذين اتبعوا فيكون حالًا من فاعل ﴿ اتَّبَعُوا ﴾، أو استئنافًا.


وقوله: ﴿ وَمَا أُنْزِلَ ﴾ موصولة ومحلها النصب عطفًا على السحر، والتقدير: يُعلِّمون الناس السحر والمنزل على الملكين، وقيل: الجر عطفًا على ﴿ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ﴾ أي: تقوَّلا على ملك سليمان، وعلى ﴿ بِبَابِلَ ﴾، وقيل: بل هي نافية عطفًا على: ﴿ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾.
والمعنى: ولم ينزل على الملكين إباحة السحر، وهذان الإعرابان ينبنيان على ما جاء في تفسير الآية عن البعض، والجمهور على خلافه وأنها موصولة، ورد الزجاج على الأخفش دعواه أنها نافية، وقال: الذي جاء في الحديث والتفسير أولى "1052ب".


وقوله: ﴿ بِبَابِلَ ﴾ متعلق بـ: ﴿ بِبَابِلَ ﴾ أي: في بابل، والجمهور على فتح لام ﴿ الْمَلَكَيْنِ ﴾ وقرئ بكسرها، و﴿ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾: بدل من ﴿ الْمَلَكَيْنِ ﴾، وجُرا بالفتحة، أو عطف بيان، وقيل: بل هما بدل من ﴿ النَّاسَ ﴾، وهو بعيد، وقيل: من ﴿الشَّيَاطِينُ ﴾ على أن هاروت وماروت اسمان لقبيلتين من الجن، وهو ضعيف.


وقوله: ﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ ﴾ بالتشديد من التعليم، وقرئ في الشاذ بسكون العين من الإعلام بناء على أن التضعيف يتعاقب مع الهمزة، وذلك أن الملكين لا يُعلِّمان الناس السحر، بل يُعْلِمانهم به وينهيانهم عنه، والأول أشهر، وقد قال علي: الملكان يعلمان تعليم إنذار لا تعليم طلب.


وقد استدل بهذه الآية على أن السحر كُفر ومتعلمه كافر، وهو واضح في بعض أنواعه التي قدمتها، وهو التعبد للشياطين أو للكواكب.
وأما النوع الآخر: الذي هو من باب الشعوذة، فلا يكفر به من تعلمه أصلًا.
قال النووي[134]: عمل السحر حرام، وهو من الكبائر بالإجماع[135]، وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات[136]، ومنه ما يكون كفرًا، ومنه ما لا يكون كفرًا، بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر، وإلا فلا.


وأما تعلمه وتعليمه: فحرام، فإن كان فيه ما يقتضي الكفر كفر واستُتيب منه، ولا يُقتل، فإن تاب قُبلت توبته، وإن لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عُزر.
وعن مالك[137]: الساحر كافر يُقتل بالسحر ولا يُستتاب، بل يتحتم قتله كالزنديق.
قال عياض[138]: وبقول مالك قال أحمد[139] وجماعة من الصحابة والتابعين.
قال الحافظ: وفي المسألة اختلاف كثير وتفاصيل، ليس هذا موضع بسطها، وقد أجاز بعض العلماء تعلم السحر لأحد أمرين: إما لتمييز ما فيه كفر من غيره، وإما لإزالته عمن وقع فيه.
فالأول: فلا محذور فيه إلا من جهة الاعتقاد، فإذا سلم الاعتقاد فمعرفة الشيء بمجرده لا تستلزم منعًا، كمن يعرف "كيفية[140]" عبادة أهل الأوثان للأوثان؛ لأن كيفية ما يعلمه الساحر إنما هي حكاية قول "1053أ" أو فعل، بخلاف تعاطيه والعمل به.


وأما الثاني: فإن كان لا يتم كما زعم بعضهم إلا بنوع من أنواع الكفر أو الفسق فلا يحل أصلًا، وإلا جاز للمعنى المذكور، وسيأتي مزيد لذلك في باب هل يُستخرج السحر؟ قريبًا والله أعلم، وهذا فصل الخطاب في هذه المسألة.


وفي إيراد المصنف هذه الآية: إشارة إلى اختيار الحكم بكفر الساحر؛ لقوله فيها: ﴿ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾ [البقرة: 102] فإن ظاهرها أنهم كفروا بذلك، ولا يكفر بتعليم الشيء إلا وذلك الشيء كُفر، وكذا قوله في الآية على لسان الملكين: ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ﴾ [البقرة: 102]، فإن فيه إشارة إلى أن تعلُّم السحر كفر، فيكون العمل به كفرًا، وهذا كله واضح على ما قررته من العمل ببعض أنواعه، وقد زعم "بعضهم[141]" أن السحر لا يصح إلا بذلك، وعلى هذا: فتسمية ما عدا ذلك سحرًا مجاز، كإطلاق السحر على القول البليغ.


وقصة هاروت وماروت جاءت بسند حسن من حديث ابن عمر في "مسند أحمد"[142]، وأطنب الطبري في إيراد طُرقها بحيث يقضي بمجموعها على أن للقصة أصلًا، خلافًا لمن زعم بطلانها، كعياض ومن تبعه، ومحصلها: أن الله ركب الشهوة في ملكين من الملائكة اختبارًا لهما، وأمرهما أن يحكما في الأرض فنزلا على صورة البشر وحكما بالعدل مدة، ثم افتتنا بامرأة جميلة فعوقبا بسبب ذلك بأن حبسا في بئر ببابل مُنكسين، وابتليا بالنطق بعلم السحر، فصار يقصدهما من يطلب ذلك ليتعلم منهما ذلك، وهما قد عرفا ذلك فلا ينطقان بحضرة أحد حتى يحذراه وينهياه، فإذا أصر تكلما بذلك، فيتعلم منهما ما قص الله عنهما، والله أعلم.


وقوله تعالى: ﴿ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ [طه: 69]، في الآية نفي الفلاح عن الساحر، وليست فيه دلالة على كفر الساحر مطلقًا، وإن كثر في القرآن إثبات الفلاح للمؤمن ونفيه عن الكافر، لكن ليس فيه ما ينفي نفي الفلاح عن الفاسق، وكذا العاصي.


قوله: وقوله: ﴿ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾ [الأنبياء: 3]، هذا يخاطب به كفار قريش، يستبعدون كون محمد صلى الله عليه وسلم رسولًا من الله؛ لكونه بشرًا من البشر، فقال قائلهم نكرًا على من اتبعه: ﴿ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ ﴾، أي: أفتتبعونه حتى تصيروا كمن اتبع السحر وهو يعلم أنه سحر "1053ب".


قوله: وقوله: ﴿ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾ [طه: 66]، هذه الآية عمدة من زعم أن السِّحر إنما هو تخييل، ولا حجة له بها؛ لأن هذه وردت في قصة سحرة فرعون، وكان سحرهم كذلك، ولا يلزم منه أن جميع أنواع السحر تخييل.


قال أبو بكر الرازي في "الأحكام"[143]: أخبر الله تعالى أن الذي ظنه موسى من أنها تسعى لم يكن سعيًا، إنما كان تخييلًا، وذلك أن عصيهم كانت مجوفة قد مُلئت زئبقًا، وكذلك الحبال كانت من أدم محشوة زئبقًا، وقد حفروا قبل ذلك أسرابًا، وجعلوا لها آزاجًا وملؤوها نارًا، فلما طُرحت على ذلك الموضع وحُمي الزئبق حركها؛ لأن من شأن الزئبق إذا أصابته النار أن يطير، فلما أثقلته كثافة الحبال والعصي صارت تتحرك بحركته، فظن من رآها أنها تسعى ولم تكن تسعى حقيقة.
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.30 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.70%)]