(وفيكم سماعون لهم) والتحذير من الفكر المنحرف
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد
﴿ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 47]
والتحذير من الفكر المنحرف
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أعاذنا الله وإياكم من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]، فالسمع نعمة عظيمة، وهبها الله سبحانه لعباده، فعلى العباد ألا يستخدموها فيما حرم الله جل جلاله، لأنهم سيسألون عنها، ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36].
وما أكثر ما نسمع في هذا الزمان، وما أكثر ما نرى، وما أكثر ما تتقلب الأفئدة والقلوب حسب ما تسمع وترى، والذي أقصده في هذا هو السماع والبصر وتقلُّب القلوب نحو دين الله، ونحو سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحو ما قدمه لنا العلماء من شرح وتفسير وتوضيح، وسهروا الليالي والأيام فكتبوها، ونجد اليوم من يريد إلغائها والطعن فيها، نسأل الله السلامة، هذه الجوارح نِعَم.
لكنّ بعض الناس وبعض العباد استخدمها في الشر، وفيما لا ينفع بل يضرّ، فغير المسلمين يسعون ليلا ونهارا، في إبعاد المسلمين عن دينهم، وعن هدي نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك بالحروب والاجتياحات لديار المسلمين تارة، فلم يفلحوا أن يردوا المسلمين عن دينهم، فلجئوا إلى التشكيك في القرآن والسنة، والطعن في الدين عموما تارة أخرى، فنجحوا إلى حدٍّ ما، ووجدوا أقماعا سمّاعون لهم، وأبواقا يرددون تُرَّهاتهم،كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [المائدة: 41، 42].
فمن أخطر الطوائف على أمَّة الإسلام؛ هم من بعض أبنائها الذي ينتسبون إليها! ولكنهم استخدموا آذانهم أقماعًا كأنها صحونا تلتقط الشائعاتِ من الشرق والغرب، والأخبارَ الساقطةَ والكاذبةَ ممن هبَّ ودبَّ، فيصدقُ عليهم قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 47]، واستخدموا ألسنتهم وأفواهَهم أبواقا، فيشيعون ما تلقتطه أسماعهم بين المؤمنين، بقصد إثارة الفتن والخصومات بين المسلمين ﴿ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [التوبة: 47].
هذه وظيفتهم عند شياطين الإنس والجن، الشائعاتُ والتشكيكات: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ﴾ [النساء: 83]، والأصل عند ثوران الفتن والشائعات في بدايتها، أن يَرجِع المؤمنون أمرها إلى ولاة الأمور، قال سبحانه: ﴿ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 83].
وللصدِّ عن دين الله جل جلاله، وللتشكيك في هدي رسول الله صلى الله عليه وعلى صحبه وآلِه، أنشأ الغرب والشرق الكثيرَ من قنوات التواصل، والإذاعاتِ والفضائيات، ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية والمحوسبة، هدفها ووظيفتها الأصلية، تشويهُ ما كان من ديننا، وهدي نبينا صلى الله عليه وسلم، ومن تراثنا وتاريخنا، على أن هذا الدينَ تخلُّفٌ ورجعيّة، والإسلام دين لا يصلح لهذا الزمان!!
﴿ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 47]، فيأتي من أبناء هذه الأمة ويا للأسف، من يتلقى ذلك التشكيك، وذاك الطعن، فيلوون أعناق النصوص لَيًّا، ويطعنون في دين الله طعنا، فانطبق عليهم قول الله جلاله: ﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ﴾ [النساء: 46]، فيا ليتهم ارعوَوا وانتهَوا لقول الله سبحانه: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ ﴾ [النساء: 46]. حتى لا ينطبق عليهم قول المنتقم الجبار جل جلاله: ﴿ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 46].
لا بد من إحسان الظن بجميع المسلمين، فإذا سمعنا من عدوّنا شيئا ضدَّ إخواننا المؤمنين، أو سمعنا إشاعةً من أقماع وأبواق السمّاعين، لا نسارع في تصديقها، ونغلِّب ظن الخير بالمؤمنين، ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ [النور: 12]، هذا إفك وكذب واضح لا يصدق.
والخبر السيِّءُ، والطعنُ والتشكيك في الإسلام، وأئمةِ الدين، وميراثِ خيار الأمة، هذا الطعن وذاك التشكيك؛ على المؤمنين عدم تناولِه بألسنتهم، أو إذاعته بين الناس، أو التكلم به في المجالس، بل يحكمون بأنه كذب وبهتان عظيم، كما قال سبحانه: ﴿ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 16].
فبعض أبناء هذه الأمة وممن ينتسبون إليها، وقد يشار إليهم بالبنان، شككوا في بعض الأحكام الشرعية، وبعضهم شكّك في بعض العقائد التوحيدية، ثم ترقَّى بهم الأمر؛ بل تدنى أمرهم إلى أن طعنوا في صحيح البخاري ومسلم، وتفسير ابن كثير ومسند أحمد، وشرح النووي، وفتح الباري، وكتب ابن تيمية وابن القيم والذهبي، بل بعضهم أمر بسحبها من الأسواق، بل تجرأ بعضهم فحرق نسخا منها، وأمر بحرق جميع كتب المسلمين، وبعضهم استثنى من الحرق القرآن الكريم والصحيحين، وغالى بعضهم فقال: القرآن لا يصلح لهذا الزمان!! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!!
والعجيب الغريب أن هؤلاء الشرذمة، لهم جوارح وحواس لكنها لا تنفعهم، فـ﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179]، لهم قلوب لا يتفقهون بها فهم لا ينتفعون، ولا ينفعهم التفكير في الدنيا عند الله سبحانه وتعالى، يوم القيامة، ولهم أعين لا يبصرون بها الحقَّ ولا يريدونه، ولهم آذان لا يسمعون بها الحق، لذلك هؤلاء كالأنعام عندما تقرأ أنت عندها القرآن فهل تفقه أو تفهم أو تتدبر؟!
ألم يتفكروا في خلق الله! ألم يتدبروا في آيات الله! ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46].
ومن صفاتهم؛ أنهم ذوو أجسامٍ وهيئات حسنة، وملابسَ جميلة، وذوو كلامٍ ساحر، يجذب المستمعين، يجلس أحدهم أمام الجمهور، كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [المنافقون: 4].
هؤلاء الذين باعوا بلادهم وأوطانهم وأرضهم، بعد أن باعوا دينهم وعِرضهم، ليخدموا من كانوا هم سمَّاعون وأبواق وأقماع لهم، فخسروا دينهم ودنياهم.
﴿ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 47]، هناك صنف آخر من السماعين لهم، وهم المخدوعون من بعض شباب هذه الأمة، فجعلوا آذانهم وأبصارهم أقماعا لأفكار الخوارج الذين يكفرون أمة الإسلام قاطبة دون استثناء في هذا الزمان، إلا نفرا يسيرا ممن بايعهم، وسايرهم على منهج التكفير، كما كفَّر أسلافُهم خيرَ المسلمين من الصحابة رضي الله عنهم وسائر التابعين، ولم يستثنوا من ذلك إلا نفرا يسيرا في زمانهم.
فمن هؤلاء الشباب من يقع فريسة لهذه الأفكار، فيجد لها في قلبه متسعا، فيتشبع بها، فينهمك في المتشابهات من النصوص والآيات، التي يفهم هو منها ردَّةَ المسلمين وتكفيرَهم، فيكفر المسلمين، ويلوي عنق النص الذي لا يوافق هواه، فانتهز غير المسلمين من الغرب والشرق هذه الأفكار، وغذَّوها في الليل والنهار، وخدعوا هؤلاء الشباب، واستدرجوهم، فكونوا منهم جيوشا -من حيث يعلمون أو لا يعمون؛ أنهم سمَّاعون لهم - كوَّنوا جيوشا من شباب المسلمين، لا يقتلون إلا المسلمين، الذين حكموا عليهم –حسب التغذية المستمرة، ومكرِ الليل والنهار - حكموا عليهم بالردة والكفر، فالدول الإسلامية تموج بالفتن وسفك الدماء، وغيرها آمنة مطمئنة، بل يهرب إليها المسلمون بحثا عن الأمن والأمان!!
يُبْحَث عن الأمن والأمان في غير دول المسلمين، فينطبق عليهم قوله صلى الله عليه وسلم: "يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ"[1].
يتبع