عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-01-2021, 10:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,714
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أهل البهتان والإثم المبين

وقال: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما) [7].








وعن سعيد بن جبير قال: كنت عند ابن عمر فمروا بفتية أو بنفر نصبوا دجاجة يرمونها، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا عنها، وقال ابن عمر من فعل هذا؟ إن النبي صلى الله عليه و سلم لعن من فعل هذا[8].








وهذا في حق الأحياء، وأما الأموات المسلمون فكذلك يجب احترامهم، ويحرم إيذاؤهم، وقد دل على ذلك ما جاء في أحكام وآداب القبور والمقابر في الإسلام.








فمن ذلك: احترام ما تبقى من أجزاء أجسادهم دون كسرها والعبث بها، فعن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (كسر عظم الميت ككسره حياً) [9].



والابتعاد عن سبهم، قال النبي صلى الله عليه و سلم: (لا تسبوا الأموات؛ فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا) [10].








والبعد عن المشي بالأحذية فوق القبور، فقد نظر رسول الله -صلى الله إلى رجل يمشى في القبور عليه نعلان فقال: (يا صاحب السبتيتين، ويحك! ألق سبتيتيك) [11].








عباد الله، لقد رتب ديننا الحنيف على إيذاء الناس والإضرار بهم عقوبات في الدنيا وعقوبات في الآخرة؛ لكي يرتدع أهل الإجرام والأذى، وينالوا جزاء تجنِّيهم وتعديهم.



فمن تلك العقوبات الرادعة: الحدود الشرعية على الجناة في الجرائم الكبيرة؛ حفظاً لدماء الناس و أموالهم وأعراضهم وأمنهم.








ومن تلك الحدود: حد الحرابة على الذين يهددون الناس في نفوسهم وحقوقهم واستقرارهم، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 33].








ومن تلك الحدود: حد القصاص في القتل العمد، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 178].








ومنها: حد السرقة، قال تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38].








ومنها: حد رجم الزاني المحصن، وجلد غير المحصن، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم )[12].



ورجم رسول الله الغامدية وماعزاً رضي الله عنهما.








ومنها: التعزير، وهو عقوبة تأديبية على ضرر لم ترد فيه عقوبة معينة في الشرع، فقد يكون بالكلام وقد يكون بالحبس، أو بالضرب، وقد يصل إلى القتل إن رأى ولي أمر المسلمين ذلك.








عباد الله، ومن العقوبات الرادعة: أن يتفكر المسلم الساعي في إيذاء غيره في الإثم والبهتان الذي يحمله معه إلى يوم القيامة وما يترتب عليه من العقوبة والقصاص في نار جهنم.



قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً ﴾ [الأحزاب: 58].








فالقصاص يوم القيامة من الحسنات والسيئات، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: هل تدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا -يا رسول الله- من لا درهم له ولا متاع، قال: (المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاته وصيامه وزكاته، وقد شتم هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيقعد فيعطى هذا من حسناته، و هذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يعطي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار )[13].








وقال: (من ضرب بسوط ظلماً اُقتص منه يوم القيامة) [14].



وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا) [15].








أيها المسلمون، إن إيذاء الناس والإضرار بهم إنما يأتي حينما يغيب عن القلوب وازع القرآن ووازع السلطان.



فخوف الله ومراقبته، والإيمان به وبلقائه وحسابه تحجز من يروم إيذاء غيره عن الأذى، كما امتنع ابن آدم الصالح عن قتل أخيه، قال الله تعالى: ﴿ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 28].








وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن) [16].



فوجود الدين المتين في قلوب المسلمين يمنعهم أن يكونوا من المؤذين، وكلما ضعف الدين كثر الضرر بين البشر.








فهذا وازع القرآن-أي: المانع الشرعي-، وأما وازع السلطان فهو وجود هيبة الدولة في قلوب الرعية حينما تقوم الحكومة بمسئوليتها في استتباب الأمن وفرض القوة بالعدل في كف الناس عن الجناية، والصرامة والعقوبة الرادعة في حق الجناة المؤذين.








عن سليمان بن يسار أن صبيغ بن عسل قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن وعن أشياء، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فبعث إليه عمر فأحضره وقد أعد له عراجين من عراجين النخل، فلما حضر قال له عمر: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ، فقال عمر رضي الله عنه: وأنا عبد الله عمر، ثم قام إليه فضرب رأسه بعرجون فشجه، ثم تابع ضربه حتى سال دمه على وجهه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، فقد ذهب - والله - ما كنت أجد في رأسي، فقيل: إنه لم يتكلم ببدعته مدة بقاء عمر فلما مات عمر رجع إلى بدعته، والله أعلم.








فهذا وازع السلطان، فمن لم يرده عن آذاه وازع القرآن؛ لضعف إيمانه، وتأخر عقوبته، رده هذا الوازع: أي حزم الحكم وشدته في الحق.



قال عثمان رضي الله عنه: "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".



وقال المهلب بن أبي صفرة لبنيه: "إذا وليتم فلينوا للمحسن، واشتدوا على المريب؛ فإن الناس للسلطان أهيب منهم للقرآن".








فإذا غاب من قلوب العباد هذان الوازعان فماذا ستكون النتيجة؟



إن النتيجة: أن يقهر القوي الضعيف، ويبطش القادر بالعاجز، ويستذل الغني الفقير، ويصبح الناس كحال الغنم غاب راعيها ولا مبيت لها ولا حمى، وهي مبعثرة بين ذئاب جائعة لم تذق ذواقاً مدة من الزمن.








فعلى أهل الأذى أن ينتهوا ويرعووا، ويؤبوا إلى رشدهم ويرجعوا، ويتذكروا وقوفهم الذليل بين يدي العظيم الجليل يوم القيامة. ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴾ [البروج: 10].








فقد يُمد للمؤذي حبل الإمهال فلا يظنن أن الله غافل عن أذاه، فليستنقذ نفسه من شرَك الغفلة في زمن المهلة، ففي الحياة الدنيا متسع لرجوع المذنبين، وعودة المؤذين، مهما عظم الأذى، فاليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل.








ونقول للداعمين للمخربين والمؤذين لعباد الله بالمال والسلاح ما قلنا لسامعي قولهم، ومنفذي جريرتهم، وأن يستغلوا ما أنعم الله عليهم من مال وجاه فيما ينفع لا فيما يضر، وينظروا إلى قول الله تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ ﴾ [القصص: 17].



أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.







الخطبة الثانية



الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.







أما بعد:



أيها المسلمون، قليلاً قليلاً من الصبر والحكمة، والحلم والتؤدة، فحبل الأذية قصير مهما طال، وهلاك الظالمين قريب مهما منَّتهم الآمال وتأخرت عنهم الآجال، فالعاقبة وخيمة، والنهاية بئيسة أليمة، والقصاص من ذوي الإضرار بالخلق حتم إن عاجلاً وإن آجلاً، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله، وصاحب الأذى يسعى إلى حتفه بظلفه، ويغزل كفن مأساته بكفه، والله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.








وعلى الإنسان الصالح بذل النصيحة النافعة لعشاق الأذى ترغيباً أو ترهيباً، بأسلوب حسن، وكلمة طيبة؛ معذرة إلى الله تعالى، ولعل أصحاب أذية الناس أن يرجعوا إلى رشدهم، ويؤبوا إلى ربهم، فرب كلمة نفعت مالم ينفع السلاح، وأثمرت مالم تثمر المواجهة بالقوة.








عباد الله، إن عقلاء البشر- ولو كانوا كفاراً- يحافظون على الممتلكات العامة من التخريب والعبث والسلب والنهب، خاصة الكهرباء التي تشرق حياتنا المعاصرة-جميعاً- بشروقها، وتغرب بغروبها، وتتحرك بحركتها وتسكن بسكونها، أو لا يشعر هواة التخريب أنهم أول المتضررين وأول من يُسدل الظلام عليهم ستاره، فيا لاحس المبرد كُف وتوقف قبل أن تصحو من السكرة فلا تجد غير الندامة والحسرة.



نسأل الله أن يرد أهل الضرر إلى الصواب، وأن يحبس البلاد من الخراب والاضطراب.



هذا وصلوا وسلموا على البشير الهادي....







[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في 14/ 7/ 1434هـ، 24/ 5/ 2013م.




[2] رواه الطبراني وابن أبي الدنيا، وهو حسن.




[3] متفق عليه.




[4] متفق عليه.




[5] رواه أحمد وابن حبان، وهو صحيح.




[6] رواه مسلم.




[7] رواه البخاري.




[8] متفق عليه.




[9] رواه أحمد وابن حبان وأبو داود وابن ماجه، وهو صحيح.




[10] رواه البخاري.




[11] رواه أحمد وابن حبان، وهو صحيح.




[12] متفق عليه.




[13] رواه أحمد وابن حبان، وهو صحيح.




[14] رواه البيهقي والبخاري في الأدب المفرد، وهو صحيح.




[15] رواه مسلم.




[16] رواه أحمد وأبو دواد والحاكم، وهو صحيح.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.99 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.51%)]