في وصف مصر لعمرو بن العاص (ت 63هـ)
محمد شريف سليم
مصر تربة[1] غبراء، وشجرة خضراء[2]، طولها شهر، وعرضها عشر[3]، يكنفها جبل أغبر[4]، ورمل أعفر[5]، يَخطُّ وسطَها نهر ميمون الغدوات، مبارك الروحات[6]، يجري بالزيادة والنقصان كجري الشمس والقمر له أوان[7]، تظهر به عيون الأرض وينابيعها، حتى إذا عَجَّ عجَّاجُه[8]، وتعظَّمتْ أمواجُه[9]، لم يكن وصول بعض أهل القرى إلى بعضٍ إلا في خفاف القوارب، وصغار المراكب، فإذا تكاملت تلك كذلك نَكص[10] على عَقِبِه كأول ما بدأ في شدته، وطما في جدته[11]، فعند ذلك يخرج القوم ليحرثُوا بطون أوديته وروابيه[12]، يبذرون الحبَّ، ويرجون الثمار من الربِّ، حتى إذا أشرق وأشرف[13]، سقاه من فوقه الندى، وغَذاه من تحته الثرى، فعند ذلك يَدُرُّ حِلابه[14]، ويغني ذبابه[15]، فبينما هي يا أمير المؤمنين درة بيضاء، إذا هي عنبرة سوداء، وإذا هي زَبرجَدةٌ خضراء، فتعالى الله الفعَّال لما يشاء.
[1]سهلة الإنبات.
[2] أنها كثيرة الشجر الأخضر.
[3] لعله يريد أن الماشي يقطعها طولاً في شهر، وعرضًا في عشرة أيام.
[4] يحيط بها جبل ضارب إلى السواد.
[5] أبيض مائل إلى الحمرة أو الصفرة.
[6] محمود الذهاب والإياب.
[7] يزيد وينقص في أزمنة معينة.
[8] الصياح من كل ذي صوت، والمعنى كثر ماؤُه.
[9] تقطعت وتسربت في الأراضي.
[10] رجع وذهب.
[11] نقص بشدة كما زاد بقوة.
[12] أعالي الأرض وأسافلها.
[13] ظهر وبان.
[14] يعظم محصوله.
[15] يكثر عليه الجانون.