عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 11-01-2021, 11:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,332
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الصيف حكم وأحكام

عباد الله!




تحية إكبار وإعظام، وحروف ثناء وإجلال لأولئك النسوة العفيفات الكريمات اللاتي يحافظن على حجابهن وسترهن في شدة القيظ وعواء الهجير في فصل الصيف، إنما حبسهن عن إبداء المحاسن خوف العليم الخبير، والحياءُ وحب الحشمة طلباً للأجر، وخوفاً من الوزر، وحرصاً على الستر، خلافاً لتلك النساء اللائي يختصرن الحجاب ويتلاعبن به ويبدين ما أمر الله أن يخفى عن عيون الأجانب، فشتان بين الفريقين: بين اللاتي يردن الله والدار الآخرة فتجشمن التحجب كما أمرت الشريعة، وبين أولئك اللاتي يفرحن بقدوم الصيف ليعرضن المحاسن والمفاتن دون رادع من حياء، ومانع من قريب غيور، ودون خوف من الذي لا تعزب عليه خفيات الصدور.









أيها المسلمون!




في الصيف تضحك الأرض حينما تبكي السماء بالأمطار وهطول الغيث المدرار، الذي يرحم الله به العباد والبلاد والشجر والدواب. فتبتسم به الأرض بعد عبوسها، وتكتسي بعد عُريها، وتبتهج بعد شقائها، وتنتج بعد عقمها، وتحيا بعد موتها. قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحج: 63]، إن المطر مظهر كبير من مظاهر رحمة الله بعباده، ودليل بيّن على علمه بهم، قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28]، وهو برهان ساطع على عجز المخلوقين وحاجتهم إلى خالقهم القادر على غوثهم وقضاء حوائجهم، فلوا أجدبوا وأقحطوا فلا مغيث لهم إلا الله، ولا ساقي لهم أحد سواه. قال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ﴾ [الواقعة: 63 - 65]، وقال تعالى: ﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾ [الحجر: 22]، أي: ليست خزائنه عندكم بل نحن الخازنون له، ننزله متى شئنا.









إن نزول الغيث منحة كريمة، ونعمة عظيمة، من نعم الله على عباده تستحق الشكر وحسن العبادة، وأن تنسب إلى الله لا إلى غيره من كوكب ونحوه. عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليلة، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: (هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب) متفق عليه. والسبب في هذا الحكم - يا عباد الله - أن من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فقد صرف أفعال الله إلى غيره، وهذا كفر.









عباد الله!




إن هناك تهديدات بيئية تعلن عبر وسائل الإعلام المختلفة بأن البلاد أو بعض المحافظات مهددة بالجفاف، وتنظر إلى أسباب ذلك نظراً مادياً مجرداً، وكان الأولى بهذه الجهات أن تقول للناس: إن الأرض مهددة بالجفاف إذا جفت أرواحكم من الطاعات، وكثرت من الخلق المعاصي والسيئات، فعمَّ الظلم، وانتشر الفساد، ومنعت الزكاة، وأُكل المال الحرام كثيرا؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس بخمس قالوا: يا رسول الله! وما خمس بخمس؟ قال: ما نقض قوم العهد إلا سلط عليهم عدوهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، ولا طففوا المكيال إلا منعوا النبات، وأخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر) رواه الطبراني وهو صحيح.









معشر المسلمين!




هناك آداب وأحكام في فصل الصيف يحسن بالمسلم أن يتعلمها وأن يتعبد الله تعالى بما استطاع منها، فمن ذلك: أنه يستحب للمسلم عند نزول أول الغيث أن يصيب منه بعض بدنه، فعن أنس قال: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم مطر، فحسر رسول الله صلى الله عليه و سلم ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله! لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربه تعالى) رواه مسلم. قال النووي رحمه الله: ومعناه: أن المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها، فيتبرك بها.









ومن الآداب: أن يقول المسلم عند نزول الغيث: اللهم صيّباً نافعاً، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان إذا رأى المطر قال: اللهم صيبا نافعا) رواه البخاري. والصيب: هو السحاب ذو المطر، ومناسبة الدعاء بهذا في هذه الحال: أن المطر إذا لم يكن نافعاً فهو ضار، وقد يصير عذاباً ونقمة، بدل الرحمة والنعمة؛ فإن الله عذب بعض عباده العاصين له بالمطر، قال تعالى: ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأعراف: 84].









ومن الآداب: أنه يستحب الدعاء بخيري الدنيا والآخرة أثناء نزول الغيث، قال رسول اله صلى الله عليه وسلم: (ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء، و تحت المطر). رواه الحاكم وهو حسن. قال الشافعي: وقد حفظت عن غير واحد طلب الإجابة عند نزول الغيث وإقامة الصلاة.









ويستحب للمؤذن أثناء المطر أن يقول في أذانه بدل حي على الصلاة: ألا صلوا في الرحال، أو صلوا في رحالكم، أو الصلاة في الرحال. وقد ثبت ذلك عن رسول الله في الصحيحين والسنن والمسانيد والمعاجم. وهذا رحمة من الله بعباده وتيسير عليهم.









أيها المسلمون!




من الأحكام المهمة في فصل الصيف: الجمع بين الصلوات عند هطول المطر، فاعلموا أولاً: أن الأصل أن تؤدى كل صلاة في وقتها المحدد شرعاً، قال الله تعالى: ﴿ ...فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103]، ولكن الله لم يجعل في هذا الدين حرجاً وضيقاً على أهله، فخفف عنهم ما يشق عليهم ومن ذلك الجمع بين الصلوات في المطر. فعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (جمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر) وفي حديث وكيع قال: قلت لابن عباس: (لِم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمته). رواه مسلم.









ثانياً: أجاز جمهور العلماء الجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر جمع تقديم، أي: تقدم صلاة العشاء فتصلى بعد المغرب مباشرة، وأما الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر فمنعه جمهور العلماء، وأجازه الشافعية في أحد القولين، ورواية عن أحمد، ومذهب الجمهور أرجح، إلا إذا وجدت المشقة نفسها التي توجد بين المغرب والعشاء فلا حرج حينئذ من الجمع بين الظهر والعصر، والله أعلم.









ثالثاً: لا يكون المطر عذراً للجمع إلا بشروط: أن يكون المطر غزيراً مستمراً، وأن يكون الجمع في مسجد الجماعة أو المصلى الذي تصلى فيه الصلوات الخمس، وعليه فلا يجوز الجمع في البيوت، ولا المساجد التابعة للمصانع أو الدوائر بحيث لا أثر للمطر على ذهابهم إلى الصلاة ورجوعهم منها؛ لأن العبرة بالمشقة فإذا انتفت فلا جمع.









رابعاً: قد يحصل - أحياناً - اختلاف بين الإمام والمصلين في قضية الجمع‘ فقد يرى الإمام عدم مشروعية الجمع، وقد يرى بعض المصلين خلاف رأيه، فالأولى بالمؤتمين أن يرضوا بما اختاره لهم إمامهم إذا كان فقيهاً أخذاً بالعزيمة، فإذا كثر الراغبون في الصلاة فليس للإمام أن ينكر عليهم إذا انتخبوا لهم إماماً يصلي بهم والعذر بالمطر صحيح قائم. حفظاً للمسجد من الشجار والنزاع.









خامساً: أما الجمع بين الجمعة والعصر، فالصحيح أنه لا يجوز؛ لأنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولاختلاف الصلاتين من أوجه كثيرة ذكرها العلماء. والله أعلم.









ومن الأحكام المحتاج إليها في فصل الصيف: أن مياه الشوارع المصحوبة بطين التي تتطاير على الثياب أثناء المطر أو بعده ليست نجسة؛ فالأصل الطهارة ولا يخرج عن هذا الأصل إلى غيره إلا بيقين.









ومن الأحكام المحتاج إليها في فصل الصيف كذلك: استحباب الخروج للاستسقاء عند الجدب والقحط، بهيئة خاشعة وقلوب مقبلة تائبة، لعل الله أن يرحم عباده حينما يخرجون إلى الصلاة والدعاء تائبين منيبين بعد الإسراف في ارتكاب الذنوب وإغضاب أرحم الراحمين.




بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.









الخطبة الثانية




الحمد لمن يسند إليه كل حمد، إليه مرفوعاً بغير عد، والصلاة والسلام النبي محمد، وعلى آله الطاهرين، وصحابته الراشدين، أما بعد:




عباد الله!




إن حديثنا عن الصيف يجرنا إلى الحديث عن الكهرباء التي نفتقر إليها في جميع الفصول، ولكن الحاجة إليها تعظم في فصل الصيف خصوصاً في المحافظات الحارة.









فأقول: إن الكهرباء نعمة عظيمة علينا في هذا الزمن الذي أصبحت مكوناً من مكوناته وجزء كبيراً من حركته ونشاطه. ومنافعها كثيرة متعددة.




غير أن فصل الصيف يعظم فيه قدر الاحتياج إليها لحفظ الأطعمة والأشربة؛ لوجود شدة الحرارة، التي تسرع بالتلف إلى المأكولات والمشروبات، إضافة إلى كونها وسيلة من وسائل تعديل الجو وتلطيفه بالمكيفات والمراوح.









أيها المسلمون! إن عشاق الظلام لا يحبون رؤية النور والعيشَ فيه، ويكرهون أن تمتد خيوطه على آفاق البلاد، فراحوا يفجرون أعمدة الضياء ومطالع الأنوار، لتلبس البلد بعد ذلك وشاح الظلمات ساعات طويلة، وتخسر الدولة وشعبها أموالاً غزيرة، وجهوداً كثيرة.




كم جرت من كوارث وحوادث، ومظالم وجرائم، وكربات وآلام، وأوجاع وأسقام، وكم عطلت من أعمال، وذهب من مال، جراء انطفاء الكهرباء.









فأين العقول من أولئك المفجرين والمتعاونين معهم، وأين الإيمان وحب الخير من قلوب أولئك المجرمين ومن يمولهم، يريدون أن يقتاتوا من دموع الناس ودمائهم، وأن تنالهم دعواتهم وشكاواهم إلى قاصم ظهور الجبارين، ومنصف المظلومين من الظلمة المتمادين.









وأين الحزم والردع من جهات الضبط حتى لا يتجرأ متجرأ على مثل هذه الأفعال المشينة التي صارت عقاباً جماعياً على الشعب كله.




فإلى الله المشتكى من يقظة المفسدين، وتناوم القادرين على ضبطهم وإزالة فسادهم.




ثم صلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، محمد بن عبد الله...








[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في 23/ 6/ 1434هـ، 3/ 5/ 2013م.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.57 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.84%)]