عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 12-01-2021, 04:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,326
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

الفرق بين الصبر والمصابرة
قال تعالى: وَصَابِرُوا [آل عمران:200]، فالصبر غير المصابرة، والمصابرة أن يكون عدوك أمامك، والسيف في يده، وأنت أمامه والسيف في يدك، وأنت تتمايل تتحين الفرصة لضربه وهو كذلك، فإن أنت صابرته غلبته، وإن ما صابرته فشلت وغلبك في الصبر وقتلك.ويرى: أن عنترة بن شداد العبسي المعروف عند العرب والعجم شاعت شهرته وطار صيته في العالم في بطولته، ما بارزه ولا قاتله بطل إلا هزمه، فسألوه يوماً: ما سر هذه البطولة وهذا الانتصار؟ قال لهم: كل ما في الأمر أنني أصابره حتى ينهزم. لا أقل ولا أكثر، كلما أشعر بالضعف أتقوى بالصبر، وهو كل ما يشعر بالضعف يتقوى ثم ينهزم أضربه.فهذا عنترة بن شداد العبسي مضرب المثل في البطولة، فسألوه: كيف تنتصر دائماً؟ قال: ما هناك شيء أتفضل به على غيري، عضلاتي، بنيتي، بدني كغيري، أضعف من كثير من الذين يقاتلهم، كل ما في الأمر: أنني أصابرهم كلما يحاول نحاول نحاول.. نصبر فينهزم قبلي، لما يضعف أضربه وأنتصر عليه، هذه حقيقة.وقوله تعالى: وَصَابِرُوا [آل عمران:200]، هنا: المصابرة في وجه العدو، وأعداؤنا هم: الشهوة العارمة، والنفس الأمارة بالسوء، والدنيا بزخارفها وألوان متعها، وأبو مرة إبليس عليه لعائن الله أكبر هذه الأعداء، يقول تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ [فاطر:6]، أي: اجعلوه عدواً حقيقاً.(وَصَابِرُوا)، هذه في حال السلم، لسنا في صراع بين المشركين والمؤمنين، فليس هناك حرب بيننا وبين الكافرين، ولكن هنا نصابر الشهوات العارمة، ونهزمها، وما تدفعنا وتهزمنا لأن نرتكب الخبث والمعصية والجريمة، نصابر الدنيا الغرارة، الخداعة بزخارفها، لا تعمينا ولا تصمنا ونعرف حقيقتها وزوالها وخبثها، ولا نبالي بها، ولا نعصي الجبار من أجلها، ولكن نعصي النفس الأمارة بالسوء، كل ما تزين لك قبيحاً شينه في وجهها، وكل ما تميلك إلى كذا مل إلى كذا وتخل عنها حتى تمد عنقها وتستسلم، جاهد، صابر.إذا الشيطان زين لك كلمة وحسنها لا تقلها، وحسن لك لقمة لا تلقمها ولا تبتلعها فهو عدوك، فهنا الميدان ميدان مصابرة، ومصابرة الميدان الجهاد ضد الأعداء، وهم الكفار فكلهم أعداء الإسلام والمسلمين، أهل الكتاب والمجوس، والمشركين والملاحدة والبلاشفة وكل الدنيا، فكيف نصابرهم؟ أولاً: إذا أعلنت الحرب ودخلت قواتنا أو رجالنا الميدان لا ننهزم، ولا نعطيهم ظهرونا، ولا نوليهم أدبارنا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ [الأنفال:15]، لم يقل: لا تعطوهم ظهوركم، ولكن جاء بكلمة ما يطيقها الحر، فلا تعطوهم أدباركم، وتفرون أمامهم وتعطوهم ظهوركم. فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ [الأنفال:15-16]، اللهم إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال:16]؛ تحقيقاً لمبدأ (وَصَابِرُوا)، فكيف تنهزم أمامهم وأنت ترغب في الاستشهاد والموت، وأنت تريد السماء، والملكوت الأعلى والدار الآخرة، وهذا الحيوان الميت أمامك، كيف تنهزم أمامه؟!وهنا من ذكريات التاريخ لطيفة، مسجل عند الأوروبيين أيام بداية العثمانية، حاملة راية الإسلام وهي تفتح في شرق أوروبا وتغلغلت إلى البوسنة والهرسك -كما تقولون-، يقولون: كان الجندي العثماني يربط نفسه مع المدفع، ويضرب.. ويضرب .. حتى تنفد الطلقات، فيأتي العدو فيقتله وجهاً لوجه، ولا يعطيه دبره؛ عملاً بقول الله تعالى: فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ [الأنفال:15]، حتى أصبح يضرب بهم المثل في القوة، أتاتورك القوة التركية، أيام كان الإسلام يعمر قلوبهم وفاضت أنواره على كل أحاسيسهم ومشاعرهم، عرف هذه العدو فكاد لنا ولهم، فأهبطهم إلى الأرض، وأفقدهم الإيمان، وأفقدهم المعرفة بالله، وهو كما تشاهدون.(وَصَابِرُوا): حرام عليك أن تنهزم، فالمسلم ما ينهزم، أمره الله أن يصابر عدوه حتى يستشهد أو يقتل عدوه، هذا في كل ساحات المعركة، (وَصَابِرُوا) عدوكم تغلبوه بالصبر، فتغلبوه في الحرب.
فضل الرباط في سبيل الله
قال تعالى: وَرَابِطُوا [آل عمران:200]، المرابطة هي: أن ثغورنا في حدود ديارنا سواء الضيقة أو الواسعة، يجب أن نرابط فيها، وكان المؤمن لا يأخذ أجراً من السلطان، يقول لأم أولاده: أعدي لي طعام شهر، سويق أو التمر أو الخبز الجاف وفراشه على ظهره ويمشي إلى الثغر، يبيت راكعاً ساجداً يدعو الله، ويعيش على ذلك الشغف من العيش، ويظل لمدة شهر وهو يحرس ديار الإيمان والإسلام، ثم يعود.وكم من تراهم ذاهبين وراجعين لا أجرة ولا وسام ولا شرف، فقط في سبيل الله، ويتخرجون ربانيين الذي ينقطع إلى الله في الليل والنهار، في مكان لا زخرف فيه ولا طعام ولا شرب، لمدة أربعين يوماً يصبح ولي الله.هذا الرباط الآن انتهى، لكن حل محله الثغور، جمع ثغرة، الثكنات جمع ثكنة، فمع من نتكلم؟ مع ثلاثة وأربعين دولة. من قسم المسلمين؟ فكيف دولة الإسلام تصبح نيفاً وأربعين دولة؟! أأذن الله في هذا؟ أهذا يسعدنا؟! أهذا يعزنا؟! أهذا يحفظ ديننا؟! والله ما كان في الكل.فالثالوث الأسود هو الذي فرقنا وشتتنا، حين مددنا أعناقنا واستجبنا له، الجهل هو جهلنا أولاً، واليوم كنت أسمعكم القانون تفسير القرآن صوابه خطأ وخطؤه كفر، إياك أن تقول قال الله، فحرموا أمة الإسلام من كتاب ربها، وإذا لم تهتد أمة الإسلام كتاب الله وسنة رسوله، فإلى ما ستهتدي؟ فلا توجد الهداية والنور إلا في القرآن الكريم.فتأمروا على القرآن الكريم وحولوه إلى الموتى، فكنت لا تسمع القرآن يقرأ إلا في بيت الميت فقط، حتى أصبحت العاهر البغي إذا ماتت في دار البغي أو البغاء، يؤتى بأهل القرآن ويقرءون ويأخذون الطعام والفلوس. فهل هذه هي أمة الإسلام؟ وإن عجبت وقلت: كيف؟الجواب عندنا بسرعة: فقد استعمرتنا أوروبا وأذلتنا كيف حكمنا الكفر وسادنا؟! فهل نحن ربانيون أولياء الله؟! لا والله! ما كان هذا، وأماتونا بهذا السحر العجيب.اللطيفة: ذكر الشيخ رشيد رضا في المنار عند قوله تعالى: يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا [آل عمران:199]، قال شيخ من كبار علماء الأزهر، سمتاً واستقامة وصلاحاً وعلماً أعلن في مجلس الأزهر، قال: الذي يدعي أنه يعبد الله بالكتاب والسنة زنديق. فلا يتعبد الله إلا بالفقه وما دونه علماء الإسلام الفقهاء، أما الذي يدعي أنه يعبد الله بالكتاب والسنة زنديق، في أعظم مجلس في العالم الإسلامي. رد عليه الشيخ، قال: الذي يدعي أنه لا يعمل بالكتاب والسنة زنديق، وقلنا: والله! زنديق؛ تأييد للنظرية الأولى تفسير القرآن خطأ، صوابه خطأ وخطأه كفر، ما تقول: قال الله وقال رسوله، قال سيدي فلان، قال شيخنا، قال كذا.. فأماتوا الأمة، وقطعوها عن الروح والنور، وماتت كما علمتم وشاهدتم.(وَرَابِطُوا)، الآن نقول: يجب على هذه الدويلات أن تجتمع وأن تبايع إماماً واحداً، وأن تكون الدويلات ولايات، والمسئولون فيها إن كانوا صلحاء يكونون ولاة، وإمام المسلمين واحد، وحدود المسلمين شرقاً وغرباً هي ديارهم، ثم في تلك الحدود تقام الثكنات، ويرابط رجال الإيمان والإسلام.فالآن لا يوجد سيف ورمح، بل يوجد الصواريخ الممتازة، والطائرات النفاثة، الهياجة، السلاح المدمر، ذاك الذي يكون في حدود ديار العالم الإسلامي، ويجب أن نكون أكثر منهم عتاداً وسلاحاً، وما اشتريناه اليوم نصنعه غداً، ويجب وإلا ما أطعنا الله في قوله: (ورابطوا)، فأي رباط هذا؟ فلو تريد أوروبا أن تحتل أي دولة إسلامية لاحتلتها خلال أربعة وعشرين ساعة، فالأمة مفرقة وممزقة، وتمزقت عقيدتها وسلوكها وآدابها ولا يلام أحد على آخر، تدبير الله فقط.فيجب أن نعلم أننا عصاة فاسقون عن أمر الله، إذا لم نصبر، إذا لم نصابر، إذا لم نرابط فهذه أوامر الله.
الصبر والمصابرة وتقوى الله عز وجل سبيل الفلاح
وأخيراً قال: وَاتَّقُوا اللَّهَ [آل عمران:200]، وبعد ذلك: لتفلحوا في الدنيا بالعز والكمال والسعادة والطهر والصفاء، وفي الآخرة بالنجاة من النار ودخول الجنة دار الأبرار. وَاتَّقُوا اللَّهَ [آل عمران:200]، كيف نتقي الله عز وجل وهو العلي الأعلى وأنت العظيم، فلا قدرة لنا على أن نتقي غضب الله وعذابه، فتقوى الله بمحبته ومخافته، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يطعم ويسقي، ويحفظ ويكلأ وخلق كل شيء من أجلنا، وبيده سبحانه كل شيء، فهو الذي يسلب الحياة والمال. فاتقي الله يا عبد الله! بأن تحبه وتخافه، فلا تخرج عن طاعته.فالذي لا يعرف محاب الله، ولا كيف يؤديها لله، ولا يعرف مساخط الله يستحيل أن يكون من المتقين، فلابد من العلم، فإذا لم تعرف ما يحب الله من الاعتقاد والقول والعمل، والصفات والذوات، إذا لم تعرف ما يكره الله ويغضب من أجله من السلوك، من النيات، من الأقوال من الأعمال، فكيف إذاً ستتقي الله عز وجل؟لابد إذاً من العلم، قولوا: يكفي ما نحن عليه، أين آثار العلم؟ نعود من حيث بدأنا إن أردنا أن نعود، قف يا عبد الله! وانظر إلى هذا المجلس، من صلاة المغرب إلى أذان العشاء ورجالنا، ونساؤنا وأطفالنا مصغين يستمعون، كل ليلة وطول العام في كل قرية في كل حي في العالم الإسلامي، هذا والله طريق العلم والحصول عليه.أهل القرية ينتدب بعضهم بعضاً هيا نعود إلى الله عز وجل، إلى متى ونحن في هذا العار والخزي والبوار؟!يا معشر إخواننا! لا يتخلف من غد أحد عن المسجد، حان وقت الساعة السادسة أخذ المسلمون يحملون نساءهم وأطفالهم إلى بيت ربهم، في كل حي وفي كل قرية، في المملكة، في الجمهورية.. لا تجد شخص إلا وهو في بيت ربه يتعلم الكتاب والحكمة، فهل سيبقى جاهل أو جاهلة؟بدون قلم ولا كتاب، عرفوا وإذا عرفوا يرضون بأن تأكلهم النار، ويحل بهم الخزي والعار؟ والله! ما يرضون من عرف ما يقبل التلوث بحال من الأحوال، ومن ثم لا زنا، ولا خيانة، ولا كذب، ولا سرقة، ولا عجب، ولا سخرية، بل صفاء، وطهر كامل، ما شاء الله، آمنا بالله، ما دفعنا شيئاً. وَاتَّقُوا اللَّهَ [آل عمران:200]، نتقي الله عز وجل بمعرفة ما يغضبه وما يسخطه، وما يرضيه ويحببه، معرفة علمية ونأخذ بالعمل، وبذلك نصل إلى مستوى: (أني اتقيت عذاب الله وسخطه).
معنى قوله تعالى: (لعلكم تفلحون)
ومن ثم الختم الأخير: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200]، (لعل) أي: ليعدكم إلى الفلاح، فالفلاح في الدنيا انتصار، عز وكمال، أمن ورخاء، طهر وصفاء.وفي الآخرة: البعد عن عالم الشقاء، النار -والعياذ بالله-، ودخول الجنة دار الأبرار، قال تعالى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].وصلِّ اللهم على نبينا محمد وآله وسلم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.51 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.71%)]