النفس وأحوالها
أم محمد عياطي
لماذا ذمَّ الله سبحانه وتعالى النفسَ الأمَّارة، فقال: ﴿ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ﴾ [يوسف: 53]؟
ولماذا أقسم الله عز وجل بالنفس اللوَّامة، فقال: ﴿ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾ [القيامة: 2]؟
ولماذا نادى الله جل جلاله النفس المطمئنة، فقال: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 27 - 30]؟
فكيف نُروِّض النفسَ الأمَّارة بالسوء لأمر ربها، فنعاتبها ونكثر عتابها، ونلومها على التفريط والتقصير، ونكثر لومها وحسابها، فنحظى بالنفس العظيمة، وهي النفس اللوَّامة! وكيف لا؛ وقد أقسم بها البارئ في كتابه، والقَسَمُ لا يكون إلا بعظيم! عندها تخضعُ النفس لرقابة الضمير الرادع، الذي سيقوم مَقامَ الحارسِ الأمين الذي يحميها ويعصمها من الوقوع في الخطايا، فتُقلِع عن المعاصي وتنفِّر منها، وتطمئن بالطاعات وتسكن بها، وهكذا يطيب بها المقام في رياض الرضوان في الدنيا، ولا حال تبلغه أبلغ مِن هذا الحال، فحظِيت بذلك، بالنداء الحاني من رب العزة، وما أهنأَه مِن نداءٍ، فهو يَزيدها طمأنينة وأمانًا، في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 27 – 30]؛ فقد ناداها مولاها، ولم يأتِ بها قسرًا، وكأننا نتذكَّر قصة السماوات والأرض عندما ردَّا على نداء الخالق: ﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾ [فصلت: 11].
فها هو النداء يُغدِقها محبةً ورضوانًا، فيفتح لها البابينِ في آن واحد لتَلِجَ بابَ العباد الصالحين في الدنيا، وتلج باب جنة النعيم في الآخرة، وهذا لَعَمْرِي الفوزُ بالحُسْنَيينِ.
وتبقى النفس - وما أدراك ما النفس! - قصةَ الهبوط والصعود، وقصة التوبة والعصيان؛ فهي القوة الداخلية المتضاربة التي نغدو خلالَها كخَشَبةٍ في معترك الأمواج تخفُّ ذنوبنا فنرسو على شاطئ الأمان تارة، ونُثقَل بالخطايا فنغوص حيث القاعُ تارة أخرى، وظلمات فوقها ظلمات!
وتعتلي بنا إلى مصافِّ الملائكة؛ حيث الطهرُ والنقاء.
وتنزل بنا إلى مرتبة الحيوان؛ حيث الغرائز العارمة والشهوة العمياء.
وتنساق إلى مسار الشياطين؛ حيث داء النفوس مِن عداوة وغلواء!
فيا عجبًا للإنسان، فهو المخلوق الوحيد الذي يجمع ما انطوَت عليه سجايا جميع المخلوقات من طباع وأسرار؛ فهو يستسلم لأصله الطِّينيِّ مِن طين وماء، فيَركَن للأرض بشرورها وغرورها فينزلق في منحدراتها ويضيع في متاهاتها وزواياها، ويرتفع بالرُّوح ليباري أملاكَ السماء، وهو في هذا وذاك بين مد النفس وجزرها، حتى يُعلي قدر الروح ويعطيها حظَّها من الوصال لمن نفخها في الجسد البالي، وتبقى:
والنفسُ كالطِّفلِ إِن تهمِلْه شبَّ على ♦♦♦ حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم