عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 15-01-2021, 09:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,037
الدولة : Egypt
افتراضي رد: معنى اسم الرحمن الرحيم

معنى اسم الرحمن الرحيم


الشيخ وحيد عبدالسلام بالي







الثانية: ضَياعُ الهُدى:
عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: لما حُضِرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وفي البيتِ رجالٌ فيهم عمرُ بن الخطاب، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "هَلُمَّ أَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ"، فقال عُمَرُ: إِنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد غَلَبَ عليه الوجَعُ، وعندكم القرآنُ، حسْبُنَا كتابُ اللهِ، فاختلفَ أهلُ البيتِ فاختصَموا، منهم مَنْ يقولُ: قرِّبُوا يكتبْ لكم النبيُّ صلى الله عليه وسلم كتابًا لن تضلُّوا بعدَهُ، ومنهم مَنْ يقولُ ما قال عمرُ رضي الله عنه: فلما أكثَروا اللَّغوَ والاختلافَ عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قُومُوا عَنِّي"، وكان ابنُ عباس يقول: إِنَّ الرَّزيةَ ما حال بين رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وبين أَنْ يكتُبَ لهم ذلك الكِتابَ مِن اختلافِهم ولغطِهم[62].

الثالثة: إِخفاءُ ليلةِ القَدْرِ عن المسلمين:
عن عُبادةَ بنِ الصَّامتِ قال: خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليخبرَنا بليلةِ القَدْرِ، فتلاحَى رجُلانِ مِن المسلمين، فقال: "خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ فَتَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَرُفِعَتْ..."[63].

الفائزون برحمَةِ اللهِ:
1- طاعة اللهِ ورسولِهِ:
فكلَّما كان العبدُ أكثرَ طاعةً للهِ تبارك وتعالى ورسولِه صلى الله عليه وسلم كُلَّما كان أكثرَ استحقاقًا لرحمةِ الله عز وجل، قال تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آل عمران: 132]، وقال عز وجل: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام: 155].

2- الإحسانُ:
قال الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56]، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ..."[64].

3- تقوى الله تبارك وتعالى:
فإن كانتْ رحمةُ اللهِ قد وسعتْ كلَّ شيءٍ وشَمِلتْ البَرَّ والفاجِرَ، والمسلمَ والكافرَ، فما من أحدٍ إلا وهو يتقلَّبُ في رحمةِ اللهِ آناءَ الليلِ وأطرافَ النَّهارِ وهذا في الدُّنيا وتلك هي الرحمةُ العامةُ.

أما الرَّحمةُ الخاصَّةُ بدخولِ الجَنَّةِ في الآخرةِ فهي للمؤمنين والمتقين وَحْدَهُم، قال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 156].

4- صلةُ الرَّحِمِ:
عن عبد الرحمن بن عوفِ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "قَالَ اللهُ: أَنَا اللهُ، وَأَنَا الرَّحْمَنُ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَها اسْمًا مِنِ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُه، وَمَنْ قَطَعَهَا بتَتُّهُ"[65]، وبَتَتُّه أي: قطعتُه.

فانظرْ أخي الكريمَ إلى هذه الشكوى المرَّة مِن الرَّحمِ المقطوعةِ إلى اللهِ، وانظُرْ أتُحِبُّ أَنْ تكونَ مِن الواصلين للرَّحمِ أَمْ مِنَ القاطعين.

وعن أبي هُريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: "إِنَّ الرَّحِمَ مشْجَنَةٌ من الرَّحمنِ، تقولُ: يا ربِّ، إِنِّي قُطِعْتُ، يَا رَبِّ إِنِّي ظُلِمْتُ، يَا رَبِّ إِنِّي أُسِيْءَ إِلَيَّ، يَا رَبِّ، يا ربِّ، فيُجِيبُها ربُّها عز وجل، فيقولُ: أما تَرْضَيْنَ أن أصِل مَنْ وصَلكِ وأقطعَ مَنْ قطعَكِ؟"[66].

وفي رواية: "أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَذَاكِ"، قال أبو هُريرة: اقرؤوا إن شئتم: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾ [محمد: 22][67].

5- التماسُ مرضاةِ اللهِ:
عن ثوبانَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ العبدَ ليلتمسُ مرضاةَ اللهِ، ولا يزالُ بذلكَ، فيقولُ اللهُ عز وجل لجبريلَ: إِنَّ فلانًا عَبْدِي يَلْتَمِسُ أَنْ يُرضيَني، أَلَا وَإِنَّ رَحْمَتِي عَلَيْهِ، فَيَقُولُ جِبْرِيلُ: رَحْمَةُ اللهِ عَلَى فُلَانٍ، وَيَقُولُها حَمَلَةُ العَرْشِ، وَيَقُولُها مَنْ حَوْلَهم حَتَّى يَقُولَها أَهْلُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ، ثُمَّ تَهْبِطُ لَهُ إِلَى الأَرْضِ"[68].

6- الصبر على الابتلاء:
قال تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].

قال ابن كثير: ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ﴾؛ أي: ثناءٌ عليهم، وقال سعيدُ بن جبير: أي أمَنَةٌ من العذابِ[69].

ومِنْ رحمةِ اللهِ بمَنِ استرجع عند المصيبةِ أنه يُخْلِفُ له خيرًا منها، عن أمِّ سَلمةَ رضي الله عنها قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَجَرَهُ اللهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا"، قالتْ: فلما تُوفِّيَ أبو سَلمةَ قلتُ كما أمرني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف اللهُ لي خيرًا منه، رسولَ الله صلى الله عليه وسلم[70]، فيا لسعادَةِ أمِّ سَلمةَ، فقد تزوَّجَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بصَبْرِهَا.

7- رحمةُ الناس:
فعن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال وهو على المنبرِ: "ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللهُ لَكُمْ"[71].

عن أسامة بن زيد رضي الله عنه؛ أن صبيًّا قد رُفع في حِجْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ونفسُه تقعقِعُ ففاضَتْ عينا النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال له سَعْدٌ: ما هذا يا رسولَ الله؟ قال: "هَذِهِ رَحْمَةٌ وَضَعَهَا اللهُ فِي قُلُوبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ، وَلَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ إِلَّا الرُّحَمَاءَ".
وفي رواية: "إِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ"[72].
"مَنْ رَحِمَ رُحِمَ ومَنْ تَجاوَزَ تَجاوَزَ اللهُ عنه" والجزاءُ من جنسِ العملِ.

فعن أبي مسعودٍ الأنصاريِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "حُوسِبَ رجلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الخَيْرِ شَيْءٌ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ، وَكَانَ مُوسِرًا، فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ المُعْسِرِ"، قَالَ: "قَالَ الُله عز وجل: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ"[73].

قد يعجَبُ المرءُ مِن رحمةِ اللهِ بعبدٍ تجاوزَ عن فقيرٍ فيكافِئُه بالنَّجاةِ من النَّارِ والخلودِ في الجَنَّةِ، ولكنه يكونُ أكثرَ عجبًا حين يرحمُ اللهُ امرأةً مِنَ البغايا ويغفرُ لها مِن أجلِ شَربة ِماءٍ سَقَتْها لكلبٍ...
فما أرحمَ اللهَ! وما أكرمَهُ! وما أعظمَهُ!

فعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَمَا كَلْبٌ يَطِيفُ برَكِيَّةٍ، قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَـشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيـلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ، فَغُفِرَ لَها بِهِ"[74].

8- الجماعةُ رحمةٌ:
قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ﴾ [هود: 118، 119]، قيل في هذه الآية المرحومون لا يختلفون.
وقد جاء في بعضِ الحديث: "الجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ، وَالفُرْقَةُ عَذَابٌ".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يدُ اللهِ مَعَ الجَمَاعَةِ".

ويقصِدُ بالجماعةِ: أي جماعةَ المسلمين والرُّفقةَ الصالحةَ فإِنَّ لزومَهُم كلَّه خيرٌ؛ فإنهم يذكِّرونك إِنْ غَفَلْتَ، ويعلمونَك إن جَهلْتَ، ويُواسُونَكَ إِنْ أُصِبْتَ.

فعَنْ عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه قال: "عليك بإخوانِ الصدق تَعِشْ في أكنافهم فإنَّهم زينةٌ في الرَّخاءِ، وعُدَّةٌ في البلاءِ، ولا تصاحِبْ إلا الأمينَ، ولا أمينَ إلا مَنْ يخشى الله عز وجل، ولا تصاحبِ الفاجرَ فتتعلمَ من فجورِهِ".

صفةُ الرَّحمةِ:
الشرْح:
هذه آياتٌ في إثباتِ صفةِ الرَّحمةِ:
الآية الأولى: قولُه: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [النمل: 30].
هذه آيةٌ أتى بها المؤلِّفُ ليثبتَ حُكمًا، وليستْ مُقدِّمةً لما بعدها، وقد سبق لنا شرحُ البسملة، فلا حاجةَ إلى إعادتِه.
وفيها من أسماءِ اللهِ ثلاثةٌ: اللهُ، الرَّحمنُ، الرَّحيمُ، ومِنْ صفاتِهِ: الألوهيَّةُ، والرَّحمةُ.

الآية الثانية: ﴿ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا ﴾ [غافر: 7]، هذا يقوله الملائكة: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ [غافر: 7].

ما أعظمَ الإِيمانَ! وأعظمَ فائِدتَهُ!
الملائكةُ حولَ العرشِ يحملونَهُ، يَدْعُون اللهَ للمؤمنِ.

وقولُه: ﴿ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا ﴾: يدلُّ على أَنَّ كلَّ شيءٍ وصلَهُ علمُ اللهِ، وهو واصلٌ لكلِّ شيءٍ، فإِنَّ رحمَتَهُ وَصَلَتْ إليه؛ لأنَّ اللهَ قرنَ بينهما في الحُكمِ ﴿ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا ﴾.

وهذه هي الرَّحمةُ العامَّةُ التي تشملُ جميعَ المَخْلوقاتِ، حتى الكفارَ؛ لأنَّ اللهَ قرنَ الرَّحمةَ هذه مع العلمِ، فكلُّ ما بلغه علمُ اللهِ - وعِلمُ اللهِ بالغٌ لكلِّ شيءٍ - فقد بلغتْهُ رحمتُه، فكما يَعْلَمُ الكافِرَ، يرحمُ الكافِرَ أيضًا.

لكِنَّ رحمتَهُ للكافرِ رحمةٌ جسديَّةٌ بدنيةٌ دنيويةٌ قاصِرةٌ غايةَ القُصورِ بالنسبةِ لرحمةِ المؤمنِ، فالذي يَرزقُ الكافرَ هو اللهُ الذي يَرزقُه بالطعامِ والشَّرابِ واللباسِ والمَسكنِ والمَنْكَحِ وغيرِ ذلك.
أما المؤمنون، فرحمتُهم رحمةٌ أخصُّ مِن هذه وأعظمُ؛ لأنها رحمةٌ إيمانيَّةٌ دينيةٌ دنيويّةٌ.

ولهذا تجدُ المؤمِنَ أحسنَ حالًا من الكافرِ، حتَّى في أُمورِ الدُّنيا؛ لأَنَّ الله يقول: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل: 97]: الحياةُ الطيبةُ هذه مفقودَةٌ بالنسبةِ للكفارِ، حياتُهم كحَياةِ البهائِمِ، إذا شَبِعَ رَاثَ، وإذا لم يشبَعْ جلسَ يصرخُ، هكذا هؤلاءِ الكفارُ، إن شبعوا بَطروا، وإلا جلسوا يصرخُون، ولا يستفيدون مِنْ دُنياهم، لكنَّ المؤمنَ إِنْ أصابته ضرَّاءُ صبَر واحتسبَ الأجرَ على اللهِ عز وجل، وإن أصابتْهُ سرَّاءُ شكرَ، فهو في خيرٍ في هذا وفي هذا، وقلبُه منشرِحٌ مطمئِنٌّ ماشٍ مع القضاءِ والقَدَرِ، لا جزعَ عند البلاءِ، ولا بطرَ عند النعماءِ، بل هو متوازنٌ مستقيمٌ معتدلٌ.
فهذا فرقٌ ما بين الرَّحمةِ هذه وهذه.

لكِنْ مع الأسفِ الشَّديدِ أيُّها الإخوةُ: إِنَّ مِنَّا أُناسًا آلافًا يُريدون أنْ يلحقوا بركبِ الكفَّارِ في الدُّنيا، حتى جعلوا الدُّنيا هي همَّهم، إِنْ أُعطوا رَضُوا، وإِنْ لم يُعطَوا إذا هم يَسْخَطون، هؤلاءِ مهما بلغُوا في الرَّفاهيةِ الدنيويَّةِ فهم في جحيمٍ، لم يَذوقوا لذَّةَ الدُّنيا أبدًا، إنما ذَاقَهَا مَنْ آمنَ باللهِ وعَمِلَ صالحًا.

ولهذا قال بعضُ السلف: "واللهِ، لو يعلمُ الملوكُ وأبناءُ الملوكِ ما نحنُ فيه لجالدونا عليه بالسيوفِ"؛ لأنه حالَ بينهم وبين هذا النعيمِ ما هُمْ عليه من الفُسوقِ والعصيانِ والرّكونِ إلى الدُّنيا وأنها أكبرُ همِّهم ومبلغُ علمِهم.

قوله: ﴿ رَحْمَةً وَعِلْمًا ﴾: ﴿ رَحْمَةً ﴾: تمييزٌ محوَّلٌ عن الفاعلِ، وكذلك ﴿ وَعِلْمًا ﴾؛ لأَنَّ الأصلَ: ربَّنا وَسِعَتْ رحمتُك وعلمُك كلَّ شيءٍ.
وفي الآية مِنْ صفاتِ اللهِ: الرُّبوبيَّةُ، وعمومُ الرَّحمةِ، والعلمُ.

الآية الثالثة: قوله: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43].
﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأحزاب: 43]: متعلقٌ بـ (رحيمٍ)، وتقديرُ المعمولِ يَدُلُّ على الحَصْرِ، فيكونُ معنى الآيةِ: وكان بالمؤمنينَ لا غيرِهم رحيمًا.

ولكن كيف نجمعُ بين هذه الآيةِ والتي قَبْلَها: ﴿ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا ﴾ [غافر: 7]؟
نقولُ: الرَّحمةُ التي هُنا غيرُ الرَّحمةِ التي هُناك، هذه رحمةٌ خاصَّةٌ متصِلَةٌ برحمةِ الآخرةِ لا ينالُها الكفارُ، بخلافِ الأُولى، هذا هو الجمعُ بينهما، وإلا فكلٌّ مرحومٌ، لكِنْ فَرْقٌ بين الرَّحمةِ الخاصَّةِ والرَّحمةِ العامَّةِ.

وفي الآية من الصفات: الرَّحمةُ.
ومن الناحية المَسْلكيَّةِ: الترغيبُ في الإيمانِ.

الآية الرابعة: قوله: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156]:
يقولُ جل جلاله وتباركت أسماؤه متمدحًا مُثنيًا على نفسِه: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾، فأثنى على نفسِه عز وجل بأنَّ رحمتَهُ وسِعَتْ كلَّ شيءٍ مِن أهلِ السماءِ ومِنْ أهلِ الأرضِ.
ونقولُ فيها ما قلنا في الآية الثانية، فليُرجَعْ إليه.

الآية الخامسة: قوله: ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ [الأنعام: 54]:
﴿ كَتَبَ ﴾: بمعنى: أوجبَ على نفسِه الرَّحمةَ، فاللهُ عز وجل لكرمِهِ وفضلِه وجُودِهِ أوجبَ على نفسِه الرَّحمةَ، وجعلَ رحمتَهُ سابقةً لغضبه، ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾ [فاطر: 45]، لكِنْ حلمُه ورحمتُه أوجبَتْ أَنْ يَبْقى الخلْقُ إلى أجلٍ مُسمًّى.

ومِنْ رحمَتِهِ ما ذكَرَهُ بقوله: ﴿ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54]: هذه مِنْ رحمتِه.

﴿ سُوءًا ﴾: نَكِرَةٌ في سياقِ الشَّرطِ، فتعمُّ كلَّ سُوءٍ، حتى الشِّركَ.

﴿ بِجَهَالَةٍ ﴾: يعني: بسَفَهٍ، وليس المرادُ بها عدمَ العلمِ، والسَّفَهُ عدمُ الحِكمةِ؛ لأنَّ كلَّ مَنْ عصى اللهَ، فقد عصاهُ بجهالةٍ وسَفَهٍ وعدمِ حكمةٍ.

﴿ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾: فيغفرُ ذَنْبَهُ ويرحمُه.
ولم يختمِ الآيةَ بهذا، إلا سينالُ التائبُ المغفرةَ والرَّحمةَ، هذا مِنْ رحمتِه التي كتبها على نفسِه، وإلا لكان مقتضى العَدْلِ أَنْ يُؤاخِذَه على ذنبهِ، ويجزيَهُ على عملِه الصالحِ.

فلو أَنَّ رجلًا أذنبَ خمسين يومًا، ثم تاب وأصلحَ خمسينَ يومًا، فالعدلُ أنْ نُعذِّبَه عن خمسينَ يومًا، ونجازيَه بالثوابِ عن خمسينَ يومًا، لكنَّ اللهَ عز وجل كتبَ على نفسِه الرَّحمةَ، فكلُّ الخمسين يومًا التي ذهبَتْ من السُّوءِ تُمحى وتزولُ بساعةٍ، وزِدْ على ذلكَ: ﴿ فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ﴾ [الفرقان: 70]، السيئاتُ الماضيةُ تكونُ حسناتٍ؛ لأنَّ كلَّ حسنةٍ عنها توبةٌ، وكلَّ توبةٍ فيها أجرٌ.

فظهرَ بهذا أثرُ قولِه تعالى: ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾.
وفي الآيةِ مِنْ صِفاتِ اللهِ: الرُّبوبيةُ، والإِيجابُ، والرَّحمةُ.

الآية السادسة: قوله: ﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يونس: 107].
الله عز وجل هو الغفورُ الرَّحيمُ، جمعَ عز وجل بين هذين الاسمين؛ لأَنَّ بالمغفرةِ سقوطَ عقوبةِ الذُّنوبِ، وبالرَّحمةِ حُصولَ المطلوبِ، والإنسانُ مفتقرٌ إلى هذا وهذا: مفتقرٌ إلى مغفرةٍ ينجو بها من آثامِهِ، ومفتقرٌ إلى رحمةٍ يسعد بها بحُصولِ مطلوبِهِ.

فـ ﴿ الْغَفُورُ ﴾: صيغةُ مبالغةٍ مأخوذةٌ من الغَفْرِ، وهو السَّتْرُ مع الوقايةِ؛ لأنه مأخوذٌ من المِغْفَرِ، والمِغْفَرُ شيءٌ يُوضعُ على الرأسِ في القتالِ يَقِي من السِّهامِ، وهذا المِغْفَرُ تحصُلُ به فائدتانِ هما: سترُ الرأس، والوقايةُ.

فـ ﴿ الْغَفُورُ ﴾: الذي يسترُ ذنوبَ عبادِهِ، ويَقِيهم آثامَها بالعفوِ عنها.
ويدلُّ على هذا ما ثبتَ في الصحيح: "أَنَّ اللهَ عز وجل يخلو يومَ القيامة بعبدِهِ، ويقرُّرُهُ بذنوبِه، يقولُ: عَمِلْتَ كذا، وعَمِلْتَ كذا... حتى يُقرَّ، فيقولُ اللهُ عز وجل: قد سترتُها عليك في الدُّنيا، وأنا أغفرُها لك اليوم"[75].

أما ﴿ الرَّحِيمُ ﴾، فهو ذو الرَّحمةِ الشاملةِ، وسَبقَ الكلامُ في ذلك.
وفي الآية من الأسماء: الغفورُ، والرَّحيمُ، ومن الصفاتِ: المغفِرَةُ، والرَّحمةُ.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.09 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.62%)]